الخبرالثابت(18/1 ) : ( قال ابن حبان : ومن المجروحين ، المبتدع إذا كان داعية يدو الناس إلى بدعته حتى صار إماماً يقتدى به في بدعته ويرجع إليه في ضلالته كغيلان ، وعمرو بن عبيد ، وجبر الجعفي ، وذويهم ) .
قلت : والعلة في رد حديث المبتدع هي خشية ولوغه في الكذب لنصرة رأيه ، وهذا منتف ـ ولله الحمد ـ ممن وثقه العلماء , قال الحاكم : وأصحاب الأهواء رواياتهم عند أكثر أهل الحديث مقبولة إذا كانوا فيها صادقين ، واتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بأبي معاوية محمد بن خازم وعبيد الله بن موسى وقد اشتهر عنهما الغلو .
وقال المعلمي : والمقصود هنا أن من لا يؤمن منه تعمد التحريف والزيادة والنقص على أي وجه كان فلم تثبت عدالته ، فإن كان كل من اعتقد أمراً ورأى أنه الحق وأن القربة إلى الله تعالى في تثبيته لا يؤمن منه ذلك فليس في الدنيا ثقة ، وهذا باطل قطعاً ، فالحكم به على المبتدع إن قامت الحجة على خلافه بثبوت عدالته وصدقه وأمانته فباطل ، وإلا وجب أن لا يحتج بخبرة ألبتة ، سواء أوافق بدعته أم خالفها(17) . انتهى .
لكن إن كان الخبر المؤي لبدعته منكراً فإنه يرد .
قال الحافظ الجوزجاني : ومنهم زائغ عن القصد صدوق اللهجة قد جرى في الناس حديثه إذ كان مخذولاً في بدعته مأموناً في روايته فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلا أن يؤخذ منهم ما يعرف إذا لم يقوي بدعته فيتهم به عند ذلك .
ولا يمكن لرجل أن يدخل حديثاً ويوثقه الحفاظ أبداً ، فمدار القبول في رواية المبتدع على التوثيق لا غير .
قال عمر الناقد : دين النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتمل الدنس ـ يعني الكذب ـ .
قال سفيان الثوري رحمه الله : لو هم الرجل أن يكذب في الحديث في جوف الليل لأظهر الله عليه
وقال : من هم أن يكذب في الحديث سقط حديثه .
وقال أيضاً : إني لأحسب رجلاً لو حدث نفسه بالكذب في الحديث لعرف به .
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين : قال سفيان الثوري : من كذب في الحديث افتضح . قال أبو نعيم : وأنا أقول : من همّ أن يكذب افتضح.
وقيل لابن المبارك : هذه الأحاديث المصنوعة ؟ قال : يعيش لها الجهابذة .
وقال عبد الرحمن بن مهدي : لو أن رجلاً همّ أن يكذب في الحديث أسقطه الله عز وجل .
وقال المعلمي : ومن مارس أحوال الراوية وأخبار رواة السنة وأئمتها علم أن عناية الأئمة بحفظها وحراستها ونفي الباطل عنها والكشف عن دخائل الكذابين والمتهمين كانت أضعاف عناية الناس بأخبار دنياهم ومصالحها .
الروض الباسم لأبن الوزير ( 139/1 ) : ( الفائدة الثّانية: في بيان كلام أئمة الحديث في ذلك, فقد ذكروا في فسّافق التأويل أقوالاً:
الأول: أنّهم لا يقبلون كالمصرّحين, يروى عن مالك, وقال ابن الصّلاح(1) : ((إنه بعيد مباعد للشّائع عن أئمة الحديث, فإنّ كتبهم طافحة بالرّواية عن المبتدع غير الدّعاة)) كما سيأتي.
الثّاني: أنّه إن كان يستحلّ الكذب لنصرة مذهبه لم يقبل, وإلا قبل, وهو مذهب أحمد, كما قال الخطيب.
قال ابن الصّلاح(1): وهذا مذهب الكثير أو الأكثر, وهو أعدلها وأولاها.
قال ابن حبّان: ((هو قول أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافاً)) وكذا حكى بعض أصحاب الشّافعي عن أصحاب الشّافعي أنّهم لم يختلفوا في ذلك(2) .
__________
(1) علوم الحديث)): (ص/299-300).
(2) الذي في ((علوم الحديث)): (ص/299) خلاف ذلك, فيه الخلاف بينهم في قبول المبتدع إذا لم يدع إلى بدعته, أمّا الدّاعية فلا خلاف في عدم قبوله بينهم. ) .
الشذا الفياح من علوم إبن صلاح (253/1 ) : ( قال التاسعة اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر في بدعته فمنهم من رد روايته مطلقا لأنه فاسق ببدعته وكما استوى في الكفر المتأول وغير المتأول يستوي في الفسق المتأول وغير المتأول ومنهم من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه سواء كان داعيا إلى بدعته أو لم يكن وعزا بعضهم هذا إلى الشافعي لقوله أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم.
وقال قوم تقبل روايته إذا لم يكن داعية ولا تقبل إذا كان داعية إلى بدعته وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء.
وحكى بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه خلافا بين أصحابه في قبول رواية المبتدع إذا لم يدع إلى بدعته وقال أما إذا كان داعية فلا خلاف بينهم في عدم قبول روايته.
وقال ابن حبان أحد المصنفين من أئمة الحديث الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا.
وهذا المذهب الثالث: أعدلها وأولاها والأول بعيد مباعد2 للشائع عن أئمة الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة وفي الصحيحين كثير من أحاديثهم في الشواهد والأصول. انتهى .
المبتدع الذي لا نكفره ببدعته فيه أربعة أقوال حكى منها ثلاثة والرابع: أنه تقبل أخباره مطلقا وإن كان كافرا أو فاسقا بالتأويل حكاه الخطيب عن جماعة من أهل النقل والمتكلمين.
وفي تاريخ نيسابور للحاكم أن كتاب مسلم ثلاث من الشيعة ) .
الغاية في شرح الهداية في علم الرواية (129/1 ) : ( وبين فى المسألة مذاهب أصحها ما تقدم لا يقدم يقبل مطلقا قال : وعليه أهل الحديث وجمهور العلماء وثانيها ما نسب للدامغانى من الحنفية : يقبل مطلقا حديثه المردود ، وغيره وهو أضعفها ، والثالث لا يقبل فى المرود ويقبل فى غيره وهو أوسطها قال : وهذا كله فى العمد بلا تأويل ، فأما من كذب فى فضائل الأعمال معتقدا أن هذا لا يضر ، ثم عرف ضرره فتاب ، فالظاهر قبول روايته ، وكذا من كذب عليه [ صلى الله عليه وسلم ] دفعا لضرر [ / 76 ] يلحقه من العدو وتاب عنه ، ولو قال : كنت أخطأت ، ولم أتعمد ؛ قبل منه ؛ قاله جماعة منهم الحازمى : وجرى عليه الخطيب وغيره ' * * * ( 90 - ( ص ) وقبلوا رواية المبتدع ** إن لم يكن داعية للمبدع ) ( ش ) : البدعة ما أحدث على غير مثال متقدم ، فيشتمل المحمود والمذموم ، ولذا ضمها بعض العلماء إلى الأحكام الخمسة وهو واضح لكنها خصت شرعا بالمذموم مما هو خلاف المعروف عن النبى [ صلى الله عليه وسلم ] فالمبتدع من اعتقد ذلك لا بمعاندة بل بنوع شبهة قال شيخنا : ' وهى إما أن تكون بمكفر ؛ كأن يعتقد ما يستلزم الكفر ، أو بمسفق : فالأول لا يقبل صاحبها الجمهور [ بل صرح النووى فيه بالاتفاق مطلقا ] وقيل إن كان لا يعتقد حل الكذب لنصره مقالته قبل ، والتحقيق : أنه لا يرد كل مكفر ببدعة ؛ لأن كل طائفة تدعى أن مخالفيها مبتدعة ، وقد تبالغ فتكفر مخالفيها ، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف ، فالمعتمد أن الذى ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من ديثه ما لا يكون منكرا إذا لم يقو به بدعته لكونه متهما بذلك ' انتهى ، قال : وما قاله متجه ؛ لأن العلة التى بها رد حديث الداعية واردة فيما إذا كان ظاهر المروى ] ( يقوى ) مذهب المبتدع ، ولم يكن داعية ' انتهى كلام شيخنا وهو غاية فى التحقيق ، والتلخيص ، والحاصل : قبول رواية المبتدع الورع الضابط إذا كان غير داعية فى الأصح وهو الذى مشى عليه الناظم ، ومحله : فيما إذا لم يكن موافقا لبدعته كما تبين . * * * ( 91 - ( ص ) واعرف من الثقات من قد خلطا ** آخره مثل ابن سائب عطا ) ( ش ) [ / 78 ] المخلطون ، وهو : من حصل له من الثقات الاختلاط فى آخر عمره لفساد عقله ، وخرفه ، أو لذهاب بصره ، أو لغير ذلك من الأسباب وقد اعتنى بتتبعهم الحازمى ثم العلائى فى جزء مفرد وهو حقيق بذلك ، فتعين معرفتهم ، وتمييز من سمع منهم ) .
المقترح (79/1 ) : ( لسؤال170 الكلام الذي ذكره الحافظ الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب رغم العدالة. قال: هم اشترطوا العدالة، ولسائل أن يسأل: إذا كنتم تقبلون حديث الداعية المبتدع فلم اشترطتم في العدالة أن يجتمع كذا وكذا؟ فأنا أسأل هم قالوا العدالة: أن يكون سالماً من أسباب الفسق، وخوارم المروءة، ولا شك أن المبتدع حتى وإن كان عاميًّا أو المبتدع الداعية الذي حتى وإن كان متحرّجًا من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أليس هذا من خوارم المروءة؟
الجواب: هو من أسباب الفسق، والذي حملهم على قبول رواية المبتدع أنّها وجدت بدع في كبار المحدثين مثل: الأعمش بالتشيع، وأبي إسحاق بالتشيع، وقتادة بالقدر، فوجد في كبار المحدثين بحيث لو ردّت أحاديثهم لردّت سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحملهم على أن يقبلوا حديثهم، وهو أمر ضروريّ، حتى أبوإسحاق الجوزجاني بعد أن ذكر جماعةً من الشيعة قال: لو رددنا حديث هذا الضرب لرددنا الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ) . والله أعلم . يتبع