ثلاث أدلة فقط من بين عشرات تثبت تطهير أهل البيت عليهم السلام
تكفينا آية التطهير دلالة على إذهاب الله تعالى عنهم الرجس وتطهيرهم منه تطهيرا. وقد أستوفيت النقاش في إثبات تطهيرهم (عليهم السلام) بدلالة آية التطهير المباركة في منتدى حوارنا على الرابط:
http://www.hewarona.com/vb/showthread.php?t=14069
لكن قد لا يرجع البعض إلى الرابط أعلاه. وقد يرى النقاش طويلاً لأنه استغرق اسابيع والمناقشة طويلة وتفصيلية. وأنا أختصر المشوار على الجميع. وأقول:
إن آية التطهير المباركة تدل على تطهير أصحاب الكساء والأئمة التسعة من ولد الحسين (صلوات الله عليهم اجمعين). وفقاً لنص الآية الكريمة وسياقها والمعاني القرآنية واللغوية للآيات (28-34) من سورة الأحزاب. وسأدع جانباً العشرات من الأدلة القرآنية واللغوية من سياق هذه الآيات الدالة على اختصاص أصحاب الكساء وبقية أئمة أهل البيت بهذه الآية الكريمة، وسأقتصر على 3 أدلة فقط:
الأول: ورود شبه الجملة (أَهْلَ الْبَيْتِ) في قوله تعالى (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، الذي يخاطب أهل بيت واحد من نساء النبي. مما يدل على أن شبه الجملة (أَهْلَ الْبَيْتِ) يخاطب أهل بيت واحد من بيوت نساء النبي وليس بيوت جميع نسائه. وهو بيت الصدّيقة الزهراء (عليها السلام).
ويمكن أن نفهم هذا الدليل من خلال نقطتين:
أ-أن كلمة (البيت) لا تستخدم كإسم جنس مثل كلمات أخرى مثل العلم، الكرم، الشجاعة، وغيرها، فقولنا مثلاً (أهل العلم) يمكن أن يشير إلى مطلق الحاملين للعلم وليس أشخاصاً محددين، فإذا قال رئيس دولة معينة مثلاً: (إنما أريد أن أكرم أهل العلم). سيكون المعنى المتبادر للذهن حالاً أن المراد تكريم جميع أهل العلم في جميع الإختصاصات، لكون كلمة (العلم) إسم جنس قابل للإنطباق معنوياً على جميع حملة العلوم. أما لو قال هذا الشخص: إنما أريد أن أكرم أهل البيت. فسيطرح تساؤل مباشر: أي أهل بيت يقصد هذا الرئيس؟، وذلك لكون كلمة (البيت) ليس إسم جنس، ويجب تحديد هوية هذا البيت، كأن يقال: إنما أريد أن أكرم أهل هذا البيت، ويؤشر المتكلم بيده إلى بيت معين. وبذلك لا يمكن أن يكون المخاطب بقوله تعالى (أهل البيت) جميع نساء النبي وأن البيت المقصود في الآية الكريمة هو بيت كل منهن، كما أدعى هذا عدد قليل من مفسري أهل السنة، ومنهم الطاهر بن عاشور في تفسيره (التنوير والتحرير ج14 ص3351): (والتعريف في (البيت) تعريف العهد وهو بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبيوت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة فالمراد هنا بالبيت هنا بيت كل واحدة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكل بيت من تلك البيوت أهله النبي صلى الله عليه وسلم وزوجه صاحبة ذلك).
إن كلمة (أهل) من الكلمات غير قائمة المعنى بذاتها، وإنما يتحدد معناها بالإضافة، فمثلاً شبه الجملة (أهل الرجل) تعني زوجه (كتابالعين ج:4 ص: 89) أو عشيرته (لسانالعرب ج : 11 ص : 28)،
و أَهْلُ المذهب: مَنْ يَدين به.
و أَهْلُ الإِسلام: مَن يَدِين به.
و أَهْلُ الأَمر: وُلاتُه.
و أَهْلُ البيت: سُكَّانه.
و أَهل الرجل: أَخَصُّ الناس به.
وأن شبه الجملة (أَهْل الْبَيْتِ) يعني سكان بيت معين، وليس سكان جميع البيوت، كما أوضحنا هذا مسبقاً، ولو كان شبه الجملة بصيغة (أهْل بيوت النبي) لأمكن أن نقول أن نساء النبي هن المقصودات بـ(أهْل بيوت النبي)، كونهن الساكنات لبيوت الساكنات لهذه البيوت وأن القرآن الكريم أطلق على بيوتهن تسمية (بُيُوت النَّبِيِّ)، ولم يستخدم القرآن الكريم تسمية (بيت النبي) للتعبير عن بيوت جميع أزواجه لإمتناع أن تعبر كلمة (البيت) عن الجنس كما أوضحنا هذا مسبقاً، يقول تعالى في سورة الأحزاب:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّإِلاَ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً (53)
وبذلك يتبين لنا أن (الْبَيْت) المقصود في شبه الجملة (أَهْل الْبَيْتِ) هو بيت معين واحد من (بُيُوت النَّبِيِّ) وليس شاملاً لجميع الأهل في جميع بيوت النبي كما ذهب لهذا بن عاشور وغيره من الأقلام.
2-أن وجود كلمة (الْبَيْت) مفردة في الآية الكريمة ألغى نهائياً إمكانية شمول أزواج النبي بآية التطهير من الناحية اللغوية كما أوضحنا في النقطة أعلاه، وأن ورود الآية الكريمة بأية صيغة أخرى كان يمكن أن يحكم قبضة المعنى على أزواج النبي حصراً لإعتراض الآية داخل سياق لغوي متواصل بالحديث عن نساء النبي (ص)، فمثلاً لو كانت الآية بصيغة (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل النبي ويطهركم تطهيرا) لأمكن أن يكون تكون الآية خاصة بنساء النبي كون سياق الآيات السابقة والتالية مخصوص بهن، ويمكن حصر (الأهل) بهن وفقاً لهذه القرينة دون بقية فئات الأهل. كذلك لو لم يكن شبه الجملة (أَهْل الْبَيْتِ) موجوداً أصلاً في الآية الكريمة، وكانت ضمائر الآية متصلة بنون النسوة، أي بصيغة (أنما يريد الله ليذهب الرجس عنكن ويطهركن تطهيرا) لأمكن أن تشملهن هذه الآية حصراً.
لكن وجود الآية الكريمة بصيغتها الحالية يجعلها محكمة الغلق على أهل بيت واحد من بيوت النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن المستحيل أن تشمل أزواج النبي جميعاً في جميع بيوتهن!!..
الثاني: إن الآية الكريمة (33) من سورة الأحزاب لم تحدّد هوية أهل هذا البيت الذي يريد الله تعالى أذهاب الرجس عنه وتطهيرهم منه تطهيرا. وأن صيغة قوله تعالى في الآيتين (33و34):
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34)
تستوجب هذه الصيغة إستجابة رسول الله للإرادة القضائية في هذه الآية وتحديده (صلى الله عليه وآله) لهويّة المشمولين بهذا التطهير. لذلك نجد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إستدعى بعد نزول هذه الآية المباركة الأربعة علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) إلى بيت أم سلمة وأحاطهم بالكساء وأخرج يده من الكساء واتجه بها إلى السماء ودعا الله: (اللّهُمّ هَؤُلاءِ أهْلُ بَـيْتِـي, اللّهُمّ أذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهِيرا)
لتوضيح هذه الحقيقة نضرب مثالاً بسيطاً لصاحب مصنع يتحدث إلى جمع عمّاله بوجود مدير المصنع المكلف بإدارة المصنع، فلو توجه صاحب المصنع بالحديث إلى كوادر مصنعه جميعاً المتجمعين في ساحة مصنعه، وقال لهم: من يقصر منكم في عمله فسوف يجازى بقطع راتبه، ومن يحسن في عمله فسوف يكافأ بزيادة العطاء، إنما أريد أن أكافأكم أيها التخصصيون في التصميم وأزيد عطائكم، ولن أتوانى عن إتخاذ أي أجراء يضمن إستمرار العمل بسلاسة ويسر.
نلاحظ في المثال أعلاه تحذير صاحب المصنع لعماله من مغبة التقصير في عملهم وحثهم على إجادته، ثم نرى صاحب المصنع ينتقل من التحذير إلى إعلان إرادته مكافأة أشخاص معينين لم يحدد هويتهم لكنه توجه إليهم مباشرة بخطابه وأنه يريد مكافأتهم وزيادة عطائهم، ثم نلاحظه عاد في آخر كلامه إلى التحذير مرة أخرى. وفي إستجابة متوقعة يفرضها هذا السياق من الكلام يجب على مدير المصنع أن يوضح لصاحب المصنع هوية هؤلاء المشتغلين في التصميم الذين أراد صاحب المصنع مكافأتهم ليتحقق له ما أراد. لذلك سنجد أن مدير المصنع سيحضر عمّاله المشمولين بالتكريم أمام صاحب المصنع ويقول له: هؤلاء عمالي الذين اردتَ تكريمهم فكرِّمْهُمْ.
وبنفس الإستجابة المفترضة في المثال أعلاه، نجد أن رسول الله (ص) قد جمع أهل بيته في الكساء ودعا الله تعالى بإذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم لتتحقق الإرادة الإلهية بإذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم تطهيرا.
ولم يقتصر عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تحديد هوية أهل البيت (عليهم السلام) عند هذا الحد. بل تكّررَ إعلان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهويتهم لآلاف المرّات المتتالية والمتواصلة وحتى وفاته الكريمة التي إنتهت بالبيعة الكبرى لأمير المؤمنين في غدير خم بحضور أكبر تجمع للمسلمين في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله). إذ عمد رسول الله بعد نزول آية التطهير وإستجابته لها بالطريقة التي ذكرناها سابقاً إلى تكرار التوجه قبل كل صلاة إلى باب بيت الإمام علي (عليه السلام) ليقف (صلى الله عليه وآله) عند الباب وينادي (الصلاة ياأهل البيت, إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، وقد تكرر فعله هذا آلاف المرات المتتالية والتي إمتدت ربما من وقت نزول آية التطهير المباركة في السنة السادسة للهجرة ولغاية وفاته الشريفة في السنة العاشرة للهجرة. بدلالة أن بعض الصحابة يروي أنه شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكرر هذه العملية كل يوم ثلاثة أشهر، وآخر يقول أنه شهد رسول الله يكررها ستة أشهر، وآخر تسعة أشهر، وآخر سبعة عشر شهراً (حوالي سنة كاملة ونصف السنة)، وتمثل هذه المدد الفترات التي تفرغ فيها هؤلاء الصحابة (رضي الله عنهم) لملازمة رسول الله وأخذ الكتاب والسنة الشريفة منه. مما يدل على أن رسول الله كان مداوماً على هذه العملية منذ نزول آية التطهير ولغاية وفاته، وأن كل من لازم رسول الله خلال هذه الفترة (والتي إمتدت حوالي خمس سنوات) قد شهد رسول الله يكرر هذه العملية على قدر ملازمته لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
أورد إبن كثير في تفسيره (تفسير القرآن العظيم) روايتين بخصوص هذه العملية، ومنها: (( الحديث الأول): قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا حماد, أخبرنا علي بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر إِذا خرج إِلى صلاة الفجر يقول: «الصلاة يا أهل البيت, إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عفان به.وقال: حسن غريب.
وذكر الطبري في تفسيره (جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج22) روايتين في هذا الخصوص، وهما: ( 21722ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا يونس بن أبـي إسحاق, قال: أخبرنـي أبو داود, عن أبـي الـحمراء, قال: رابطت الـمدينة سبعة أشهرعلـى عهد النبـيّ صلى الله عليه وسلم, قال: رأيت النبـيّ صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر, جاء إلـى بـاب علـيّ وفـاطمة فقال: «الصّلاةَ الصّلاةَ» إنّـمَا يُرِيدُ اللّهُ لِـيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا.
حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل, قال: حدثنا الفضل بن دكين, قال: حدثنا يونس بن أبـي إسحاق, بإسناده عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, مثله).
وعن أبي برزة، قال:
(صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعة عشر شهراً، فاذا خرج من بيته أتى باب فاطمة (عليها السلام) فقال: الصلاة عليكم (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). (رواها في مجمع الزوائد).
وعن إبن عباس، قال:
(شهدت رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهل البيت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) كل يوم خمس مرات). (رواها السيوطي في الدر المنثور).
وعن مالك بن أنس:
(صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعة عشر شهراً، فإذا خرج من بيته أتى باب فاطمة (عليها السلام) فقال: الصلاة عليكم (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) كل يوم خمس مرات. (رواها الترمذي في الصحيح، وأحمد في المسند والطيالسي في المسند، والحاكم في مستدرك الصحيحين، إبن الأثير في أسد الغابة، والطبري وإبن كثير والسيوطي في تفاسيرهم).
إن تكرار تسمية أهل بيت الإمام علي (عليهم السلام) بأهل البيت خمس مرات كل يوم ولسنوات متتالية هو برنامج إعلامي لتعريف جميع المسلمين بأن أهل البيت هم هؤلاء أهل بيت علي أصحاب الكساء. لأن من لم يعلم بآية التطهير، ولم يصله خبر حادثة الكساء، سيعلم بكل تأكيد عن هذه العملية المتكررة كل يوم خمس مرات ولآلاف المرات المتتالية بمرأىً ومسمعٍ من جميع المسلمين، فلا يبقى مسلم لديه أدنى شك في أن أهل بيت علي هم أهل البيت الذي نزلت فيهم آية التطهير.
إلتزام أهل البيت (ع) بالمنهاج الإعلامي النبوي
لقد كان أهل البيت ملتزمين بهذا البرنامج الإعلامي النبوي، إذ وجدنا أن الإمام علي كان ينتظر مع ولديه الإمامين الحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) دائماً وقت الصلاة مجيء رسول الله لينادي عليهم: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً))، فيخرجون إستجابة لندائه (صلى الله عليه وآله)، ولم يسبق الإمام علي ولا ولديه الحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) رسول الله مرة واحدة في الخروج قبل ندائه عليهم طوال السنوات التي تكرر فيها هذا النداء، وفي هذا دلالة كبيرة على مدى أهمية هذا البرنامج الإعلامي كونه متعلقاً بتثبيت مفهوم أهل البيت النبوي لدى المسلمين.
وقد ذكرنا سابقاً أن بعضاً الأقلام مثل الطاهر بن عاشور في تفسيره التنوير والتحرير أشار إلى أن آية التطهير نزلت في نساء النبي بدلالة سياق الآيات الكريمة وأن حادثة الكساء الغرض منها هو دعاء الرسول لأهل بيت فاطمة وعلي بشمولهم بفضل هذه الآية وإلحاقهم بأهل البيت!!، لا أن هذه الحادثة هي إعلان لهوية أهل البيت. وقد أثبتنا بطلان هذا الرأي فيما سبق. لكننا نضيف هنا دليلاً إضافياً على بطلان هذا الرأي من هذه روايات تكرار النداء لأهل البيت بالصلاة، إذ لو كان القصد من حادثة الكساء هو إلحاق أهل بيت علي (ع) بأهل البيت،فلماذا يعود رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد حادثة الكساء (دعاء الكساء) إلى النداء على بيت علي (عليه السلام) كل يومٍ خمس مرات ولآلاف المرات المتتابعة يومياً لسنوات؟؟
ألم يكن كافياً أن يستجيب الله تعالى لرغبة رسول الله المفترضة بالدعاء مرة واحدة وينتهي الأمر؟؟؟؟؟؟؟، فلماذا يكرر رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا النداء لأهل بيت علي آلاف المرات؟؟؟؟؟؟
أليس هذا لأنهم هم حقاً أهل البيت الوحيدين، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يريد أن يُعْلِم جميع المسلمين في كل أنحاء الجزيرة العربية بهذا الخبر؟؟؟؟؟؟!!!!،وهذا مشابه لإعلان بيان صحفي بدل مرة واحدة آلاف المرات ليعلم به الجميع، ويسمع به الجميع مراتٍ عديدة بدل المرة الواحدة..
ولماذا لم يورد لنا التأريخ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نادى على أحد بيوت نسائه بالصلاة ولو مرة يتيمة فقط بندائه الذي ينادي به بيت علي؟؟
إن كل هذا يشير بكل وضوح وشفافية إلى أن أهل بيت علي هم أهل بيت النبي، أهل البيت الذي أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولو كان الأمر حقاً كما يقول الطاهر بن عاشور وأمثاله لما توجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بندائه عند باب علي (عليه السلام) كل يوم خمس مرات لسنوات متتالية، لأن عضوية الإمام علي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) ستكون غير أصيلة في أهل البيت، ولا يجوز منطقياً أن ينادي رسول الله ، ولو مرة واحدة!!، على أهل البيت غير الأصلاء بهذه النداء، دون توجيه هذا النداء قبلاً إلى أهل البيت الأصلاء من أزواجه كما يدعون، أو توجيه النداء لكلا أزواجه وأهل بيت علي (ع) مرة واحدة بصورة مباشرة كليهما، أما إختصاص أهل بيت علي (ع) بهذا النداء، فهو دليل على إختصاصهم (صلوات الله عليهم) بصفة أهل البيت.
الثالث: نزلت آية التطهير (33- الأحزاب) في العام الهجري السادس. ثم حديث بعدها مباهلة الرسول الأكرم لوفد نصارى نجران في العام الهجري التاسع. ونزلت الآية (61) من سورة آل عمران لتفسر لنا آية التطهير ولتكون محصلة لجهود الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في إعلان هوية أهل هذا البيت المبارك:
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)
إذ أمرت هذه الآية المباركة رسول الله أن يدعو أبناءه ونساءه ونفسه للمباهلة مع النصارى. فدعا الحسن والحسين فكانا أبناءه ودعا الزهراء فكانت نساءه ودعا عليّاً فكان نفسه. وكان هؤلاء المدعوّون هم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم منه تطهيرا. فلم يدعو رسول الله أيّاً من نسائه التسعة اللواتي كنّ على عصمته يومئذٍ، دلالة على أن المقصود بالنساء ليس عموم نساء بيت الزوجية. بل المقصود نساء بيت النبوة. وأبناء بيت النبوة(الحسن والحسين) وأنفس بيت النبوة (الإمام علي). فكانت هذه الآية الكريمة تفسيراً لا يقبل الجدل بهوية أهل البيت الذين توجهت الإرادة الإلهية القضائية بتطهيرهم قبل ثلاث سنوات في آية التطهير.