[ ص: 268 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ( 159 ) )
قال أبو جعفر : اختلف القرأة في قراءة قوله : ( فرقوا ) .
فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ما :
14252 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، أن عليا رضي الله عنه قرأ : " إن الذين فارقوا دينهم " .
14253 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير قال : قال حمزة الزيات : قرأها علي رضي الله عنه : " فارقوا دينهم " .
14254 - . . . وقال : حدثنا الحسن بن علي ، عن سفيان ، عن قتادة : " فارقوا دينهم " .
وكأن عليا ذهب بقوله : " فارقوا دينهم " ، خرجوا فارتدوا عنه ، من " المفارقة " .
وقرأ ذلك عبد الله بن مسعود ، كما : -
14255 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن رافع ، عن زهير قال : حدثنا أبو إسحاق أن عبد الله كان يقرؤها : ( فرقوا دينهم ) .
وعلى هذه القراءة أعني قراءة عبد الله قرأة المدينة والبصرة وعامة قرأة الكوفيين . وكأن عبد الله تأول بقراءته ذلك كذلك : أن دين الله واحد ، وهو دين إبراهيم الحنيفية المسلمة ، ففرق ذلك اليهود والنصارى ، فتهود قوم وتنصر آخرون ، فجعلوه شيعا متفرقة .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان ، قد قرأت بكل واحدة منهما أئمة من القرأة ، وهما متفقتا المعنى غير مختلفتيه . وذلك [ ص: 269 ] أن كل ضال فلدينه مفارق ، وقد فرق الأحزاب دين الله الذي ارتضاه لعباده ، فتهود بعض وتنصر آخرون ، وتمجس بعض . وذلك هو " التفريق " بعينه ، ومصير أهله شيعا متفرقين غير مجتمعين ، فهم لدين الله الحق مفارقون ، وله مفرقون . فبأي ذلك قرأ القارئ فهو للحق مصيب ، غير أني أختار القراءة بالذي عليه عظم القرأة ، وذلك تشديد " الراء " من " فرقوا " .
ثم اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله : ( إن الذين فرقوا دينهم ) .
فقال بعضهم : عنى بذلك اليهود والنصارى .
ذكر من قال ذلك :
14256 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( وكانوا شيعا ) ، قال : يهود .
14257 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
14258 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( فرقوا دينهم ) ، قال : هم اليهود والنصارى .
14259 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) ، من اليهود والنصارى .
14260 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) ، هؤلاء اليهود والنصارى . وأما قوله : ( فارقوا دينهم ) ، فيقول : تركوا دينهم وكانوا شيعا .
14261 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي [ ص: 270 ] قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) ، وذلك أن اليهود والنصارى اختلفوا قبل أن يبعث محمد ، فتفرقوا . فلما بعث محمد أنزل الله : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) .
14262 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) ، يعني اليهود والنصارى .
14263 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا حسين بن علي ، عن شيبان ، عن قتادة : " فارقوا دينهم " ، قال : هم اليهود والنصارى .
وقال آخرون : عنى بذلك أهل البدع من هذه الأمة ، الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه .
ذكر من قال ذلك :
14264 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن طاوس ، عن أبي هريرة قال : ( إن الذين فرقوا دينهم ) ، قال : نزلت هذه الآية في هذه الأمة .
14265 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ليث ، عن طاوس ، عن أبي هريرة : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) ، قال : هم أهل الصلاة .
14266 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : كتب إلي عباد بن كثير قال : حدثني ليث ، عن طاوس ، عن أبي هريرة [ ص: 271 ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في هذه الآية : " ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) ، وليسوا منك ، هم أهل البدع ، وأهل الشبهات ، وأهل الضلالة من هذه الأمة .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه بريء ممن فارق دينه الحق وفرقه ، وكانوا فرقا فيه وأحزابا شيعا ، وأنه ليس منهم . ولا هم منه ؛ لأن دينه الذي بعثه الله به هو الإسلام ، دين إبراهيم الحنيفية ، كما قال له ربه وأمره أن يقول : ( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [ سورة الأنعام : 161 ] .
فكان من فارق دينه الذي بعث به صلى الله عليه وسلم من مشرك ووثني يهودي ونصراني ومتحنف ، مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضل به عن الصراط المستقيم والدين القيم ملة إبراهيم المسلم ، فهو بريء من محمد صلى الله عليه وسلم ، ومحمد منه بريء ، وهو داخل في عموم قوله : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) . [ ص: 272 ]
======
الجامع لأحكام القرآن » سورة الأنعام » قوله تعالى إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا
قوله تعالى إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون
قوله تعالى إن الذين فرقوا دينهم قرأه حمزة والكسائي ( فارقوا ) بالألف ، وهي قراءة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ; من المفارقة والفراق . على معنى أنهم تركوا دينهم وخرجوا عنه . وكان علي يقول : والله ما فرقوه ولكن فارقوه . وقرأ الباقون بالتشديد ; إلا النخعي فإنه قرأ ( فرقوا ) مخففا ; أي آمنوا ببعض وكفروا ببعض . والمراد اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة والسدي والضحاك . وقد وصفوا بالتفرق ; قال الله تعالى : وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة . وقال : ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله . وقيل : عنى المشركين ، عبد بعضهم الصنم وبعضهم الملائكة . وقيل : الآية عامة في جميع الكفار . وكل من ابتدع وجاء بما لم يأمر الله عز وجل به فقد فرق دينه
تفسير القرآن العظيم » تفسير سورة الأنعام » تفسير قوله تعالى
" إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء "
( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ( 159 ) ) .
قال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي : نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) وذلك أن اليهود [ ص: 377 ] والنصارى اختلفوا قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، فتفرقوا . فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) الآية .
وقال ابن جرير : حدثني سعد بن عمرو السكوني ، حدثنا بقية بن الوليد : كتب إلي عباد بن كثير ، حدثني ليث ، عن طاوس ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في هذه الأمة ( الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) وليسوا منك ، هم أهل البدع ، وأهل الشبهات ، وأهل الضلالة ، من هذه الأمة "
لكن هذا الإسناد لا يصح ، فإن عباد بن كثير متروك الحديث ، ولم يختلق هذا الحديث ، ولكنه وهم في رفعه . فإنه رواه سفيان الثوري ، عن ليث - وهو ابن أبي سليم - عن طاوس ، عن أبي هريرة ، في قوله : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) قال : نزلت في هذه الأمة .
وقال أبو غالب ، عن أبي أمامة ، في قوله : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) قال : هم الخوارج . وروي عنه مرفوعا ، ولا يصح .
وقال شعبة ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن شريح ، عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) قال : " هم أصحاب البدع " .
وهذا رواه ابن مردويه ، وهو غريب أيضا ولا يصح رفعه .
والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفا له ، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق ، فمن اختلف فيه ( وكانوا شيعا ) أي : فرقا كأهل الملل والنحل - وهي الأهواء والضلالات - فالله قد برأ رسوله مما هم فيه . وهذه الآية كقوله تعالى : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) الآية [ الشورى : 13 ] ، وفي الحديث : " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ، ديننا واحد "
فهذا هو الصراط المستقيم ، وهو ما جاءت به الرسل ، من عبادة الله وحده لا شريك له ، والتمسك بشريعة الرسول المتأخر ، وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء ، الرسل برآء منها ، كما قال : ( لست منهم في شيء ) .