السيد الرئيس...إنه الشرق
السياسة الكويتية
أحمد البغدادي
الكل يهرف بما لا يعرف, بدءا بالسيد الرئيس الاميركي وانتهاء بأصغر موظف في الإدارة الاميركية. الكل يتحدث عن الشرق الوسط الجديد, الشرق الأوسط الكبير!! و لكن منقذنا الاميركي لا يدري أن الشرق كما يقول الروائي هاني الراهب, حبات رمل, تتقارب من بعضها بعضا, ولكنها لا تلتصق ببعضها أبدا. هذا الشرق كالدوامة التي تبتلع الأشياء وبشكل لا نهائي وسرمدي. إنه الشرق سيدي الرئيس الذي ينتفخ ويتورم بفعل ابتلاع الأشياء التي تمر عليه وهو واثق أن لا شيء يؤثر فيه. إنه الشرق بصمته وصخبه وسكونه وهيجانه, حيث يحدث فيه كل شيء, ولا شيء في آن معا.
هذا الشرق ابتلع حضارات وأمما شتى تطاول بقاؤها القرون ثم خمدت وتلاشت وبقي الشرق على ما هو عليه. فالشرق ببساطة محصن ضد كل شي. فهو لا يتغير مهما تغيرت الدنيا, وستثبت لك الحالة العراقية ذلك. ستضيع أموال دافعي الضرائب الاميركيين في رمال الشرق, كما ستدفن صحراؤه كل الآمال حول ذلك الوهم الذي تعتقده, سيدي الرئيس, والذي تسميه إدارتك بالديمقراطية, كما سيتكرر الأمر نفسه في لبنان. ترى هل حفظ لك الكويتيون جميل تحريرهم من الاحتلال العراقي? إنه الشرق سيدي وأصخ السمع لصحاريه برمالها التي ستدفن كل آمال وأحلام الليبراليين...والمستقبل معا.
أسميتموه الشرق الأوسط, وما هو كذلك, بل هو الشرق مجردا من الألقاب والأوصاف. هل تدري كم طوى من حضارات? الآشوريون, البابليون, الكنعانيون, الأراميون, الفراعنة, الصليبيون والمغول والأتراك,وأخيرا, لا آخرا..الصهيونيون, كلهم يأتي ويغرق في رماله, ثم تطويه الليالي والأيام, ويعود كما كان...صحراء قاحلة.
السيد الرئيس في صحراء هذا الشرق يوجد حيوان زاحف يتجاوز عمره آلاف السنين, يسمى " الضب", بشع المنظر, سميك الجلد, وسريع الحركة, لعله الحيوان الوحيد, ربما بعد التمساح, الذي يجسد أسطورة الديناصورات المنقرضة.
هو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة, أتدري لماذا سيدي الرئيس? لا لشيء سوى أنه يعيش في الشرق, في الصحراء حيث شح الماء, وصعوبة الحياة, والرمال الحارقة, ولا شيء ينبت حوله...ومع كل هذه الصعوبات البيئية لا يزال يركض متحديا القرون والتاريخ معا! لست أدعي أن الشرق قوي, بل بكل بساطة لديه "جينات" طبيعية لكل ما هو غير مفيد للإنسان. فهو يرفض الديمقراطية, ويرتاح مع الاستبداد. يرفض المساواة ويغرد" مع الطبقية الاجتماعية, يرفض الإنسانية, ويرتاح مع الطغيان...إنه بكل بساطة يرفض الحياة الطبيعية السوية.
الشرق كحبات الرمل, تذكر هذا دائما..المصريون فيه يحنون لفراعنتهم, والشاميون لكنعانيتهم, والخليجيون لبداوتهم. يقول عنهم المستشرق اللامع جاك بيرك ( بالمناسبة لا يجيز المسلمون الترحم على موتى غير المسلمين لفرط نرجسيتهم الدينية) ما مفاده, " عجبا لأمة قوتها في تفرقها"!!. لأن هذه الأمة حبات رمل...تتقارب لكنها لا تتلاصق أبدا.
السيد الرئيس, تريد شرقا أوسطيا جديدا? أقول لك بكل بساطة, "أقبض من دبش", و" دبش" هذا شخص وهمي أوجدته المخيلة الكويتية المبدعة للتعبير عن واقع حال لا يعرفه إلا العربي الذي لا يتعامل مع الواقع الحقيقي الذي يعيشه الناس الطبيعيون. واقع تضيع فيه الحقوق وإنسانية الإنسان, والكل مرتاح ! ماذا تستطيع أن تغير في هذا الشرق السرمدي? تريد إقامة ديمقراطية? صدقني لن تقبض سوى استبداد ديمقراطي. تريد لهم الحرية? سيقولون للاستبداد يا مرحبا! صدقني, سيموت أبناء الاميركيين على هذه الرمال وهم يحاولون تحقيق الوهم الذي لن يتحقق أبدا. سيقول الكثيرون ما هذا التشاؤم? ولكن تأكد:
" ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود"
وهذا بيت شعر لا يمكن أن يترجم , ولا يفهمه سوى أهل هذه الصحراء التي ستجعلك تعض أنامل الندم على ما فرطت فيه من أموال وأرواح الاميركيين, وأنت جالس على كرسيك الهزاز في مزرعتك في تكساس محاطا بأولادك وأحفادك... وتقول " يا ليت إللي جرى ما كان". ولو أن الموتى يتكلمون لأخبروك بالمزيد....لكن شكرا على أي حال لمحاولاتكم.
07-08-06, 12:58 PM
العرض العادي
