العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-07-10, 04:55 PM   رقم المشاركة : 1
بالتي هي أحسن
عضو نشيط






بالتي هي أحسن غير متصل

بالتي هي أحسن is on a distinguished road


التوسل: شبهات وردود

التوسّــــل
شبهات وردود
***
فهرس:
قبل البدء: وجوب التّفريق بين التوسّل ودعاء غير الله.

الشّبهة الأولى: { واستغفر لهم الرسول }.

الشّبهة الثّانية: الأعرابي وقوله تعالى:{ ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم }.

الشّبهة الثّالثة: قصّة أبي لبابة (رضي الله عنه).

الشّبهة الرّابعة: التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل أن يخلق.

الشّبهة الخامسة: حديث الضّرير.

الشّبهة السّادسة: قصّة الرّجل مع عثمان بن حنيف.

الشّبهة السّابعة: { وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ }.

الشّبهة الثّامنة: الاستسقاء عند قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم).

الشّبهة التّاسعة: حديث "إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي".

الشّبهة العاشرة: حديث كوة القبر.

الشّبهة الحادية عشر: حياة الأنبياء (عليهم السّلام) في قبورهم.

الشّبهة الثّانية عشر: حياة الشّهداء في قبورهم
.
الشّبهة الثّالثة عشر: عرض الأعمال على النبيّ (صلى الله عليه وآله).

الشّبهة الرّابعة عشر: استغفار يوسف لإخوته ويعقوب لأبنائه.

الشّبهة الخامسة عشر: توسّل عمر بالعبّاس (رضي الله عنهما).

الشّبهة السّادسة عشر: رواية " أسألك بحقّ السّائلين عليك".

الشّبهة السّابعة عشر: { وابتغوا إليه الوسيلة }.

الشّبهة الثّامنة عشر: قياس التوسّل إلى الخالق على التوسّل إلى المخلوق.

الشّبهة التّاسعة عشر: التعلّل بالنيّة.
***
قبل البدء: وجوب التّفريق بين التوسّل ودعاء غير الله:
أولا: التوسّل:

التوسّل إلى الله يكون الدّعاء فيه موجّها إلى الله جلّ وعلا مباشرة، ويتحقّق بإحدى هذه الصّور:

الصّورة الأولى:
التوسّل إلى الله جلّ وعلا بأسمائه وصفاته، كما قال الحقّ تبارك وتعالى: { وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } (الأعراف:180).
وتتحقّق هذه الصّورة من التوسّل بأن يقول الدّاعي مثلا: "اللهمّ يا حيّ يا قيوم، أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن...".
وهذه الصّورة مشروعة باتّفاق جميع المسلمين.

الصّورة الثّانية:
التوسّل إلى الله جلّ وعلا بالأعمال الصّالحة:
يقول علي (رضي الله عنه) كما في (نهج البلاغة): "إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله، فإنّه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة، وإقامة الصّلاة فإنّها الملّة، وإيتاء الزكاة فإنّها فريضة واجبة، وصوم شهر رمضان فإنّه جُنّة من العقاب، وحجّ البيت واعتماره فإنّهما ينفيان الفقر ويرحضان الذّنب، وصلة الرّحم فإنّها مثراة في المال ومنسأة في الأجل، وصدقة السرّ فإنّها تكفّر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنّها تدفع ميتة السّوء، وصنائع المعروف فإنّها تقي مصارع الهوان". (نهج البلاغة: بَابُ المخُتَْارِ مِنْ خُطب مولاناأمير المؤُمِنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) وأوامره ونواهيه وكلامه الجاري مجرى الخطب والمواعظ في المقامات المحضورة والمواقف المذكورة والخطوب الواردة. خطبة رقم 109: ومن خطبة له (عليه السلام) في أركان الدين).
وتتحقّق هذه الصّورة بأن يقدّم العبد بين يدي دعائه أعمالا صالحة، ثمّ يوجّه دعاءه إلى الله مباشرة ويدعوه ويتوسّل إليه بتلك الأعمال، فيقول مثلا: اللهمّ إن كان هذا العمل خالصا لوجهك الكريم، فارزقني كذا، أو اشفني،...
وهذه الصّورة أيضا مشروعة باتّفاق جميع المسلمين.

الصّورة الثّالثة:
التوسّل إلى الله جلّ وعلا بدعاء الحيّ الحاضر ممّن علم صلاحه، أو توسّم فيه الصّلاح:
وتحت هذه الصّورة يندرج توسّل عمر والصّحابة بدعاء العبّاس (رضي الله عنهم أجمعين).
وتتحقّق هذه الصّورة بأن يطلب المتوسّل من الرّجل أن يدعو له، ثمّ إن شاء اكتفى بدعاء ذلك الرّجل، وإن شاء دعا هو الآخر وقال مثلا: "اللهمّ إنّي أتوسّل بدعاء عبدك فلان" أو يقول: " اللهمّ إنّي أتوسّل إليك بعبدك فلان" وهو طبعا يقصد "بدعاء فلان".
وهذه الصّورة أيضا مشروعة باتّفاق جميع المسلمين.

الصّورة الرّابعة:
التوسّل إلى الله جلّ وعلا بالميّت، أو بالغائب الذي لم يُطلب منه الدّعاء، كأن يقول المتوسّل "اللهمّ إنّي أتوسّل إليك بفلان" و "فلان" هذا ميّت، أو يقول: " اللهمّ إنّي أتوسّل إليك بفلان" و"فلان" هذا غائب لم يطلب منه أن يدعو له.
وهذا هو التوسّل المختلف فيه،
ونحن نرى أنّه بدعة لم يعلّمه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) أهل بيته وأصحابه، ولم يفعله أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولا أصحابه (رضي الله عنهم أجمعين).
ولأنّ الدّعاء عبادة بنصّ أحاديث أهل البيت (رضي الله عنهم):
في (الكافي) عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عزّ وجلّ يقول: { إِنَّ الذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين } قال: "هو الدّعاء وأفضل العبادة الدّعاء". قلت: { إنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيم }؟ قال: الأوّاه هو الدّعّاء". (الكافي: 02/466).
وما دام الدّعاء عبادة، والعبادات الأصل فيها المنع، ولا يصحّ فيها القياس، كما هو معلوم، فلا وجه لقياس التوسّل بالميّت على التوسّل بالحيّ.

ثانيا: دعاء غير الله:

أمّا دعاء غير الله فيكون بتوجيه الدّعاء إلى المخلوق مباشرة، كأن يقول الدّاعي: " يا عليّ أدركني، يا حسين أغثني، يا بدوي الغوث الغوث"...

وهذا شرك بنصّ القرآن وبنصّ أحاديث أهل البيت (رضوان الله تعالى عليهم):
1. يقول (جلّ وعلا): { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ{5} وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ{6}} (الأحقاف).
2. ويقول (تبارك وتعالى): { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ{13} إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ{14}} (فاطر).
3. ويقول (جلّ شأنه): { وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ{19} وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ{20} أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{21} إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ{22} لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ{23} (النحل).
4. ويقول (تقدّست أسماؤه): { وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً{81} كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً{82}} (مريم).
5. ويقول (تبارك وتعالى): { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ{40} قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ{41} } (سبأ).
6. ويقول (جلّ شأنه): { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً{55} قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً{56} أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً{57} (الإسراء).
7. { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ{17} قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً{18} فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً{19} وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً{20} (الفرقان).

في (وسائل الشّيعة) عن عباس بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ هؤلاء العوام يزعمون أنّ الشّرك أخفى من دبيب النّمل في الليلة الظّلماء على المسح الأسود، فقال: (لا يكون العبد مشركا حتى يصلّي لغير الله، أو يذبح لغير الله، أو يدعو لغير الله عزّ وجلّ). (وسائل الشيعة: 28/341. رواية رقم 09 تحت باب (جملة ممّا يثبت به الكفر والارتداد) ).
وتأمّل أنّه قال: "أو يدعو لغير الله" ولم يقل: " أو يدعو إلى غير الله".
***
الشّبهة الأولى: { واستغفر لهم الرسول }:
يستدلّ الشّيعة ومن نحا نحوهم في هذه المسائل بقول الله (جلّ وعلا): { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً{64}} (النّساء).
الجواب:

أولا:
استدلال الشّيعة بهذه الآية هو مثال من مئات الأمثلة عن انحرافهم في الاستدلال بآي القرآن الكريم؛ حينما يعمدون إلى آية أو جزء من آية، فيجرّدونه من سياقه، وعن أسباب نزوله، ليستدلّوا به. والسّبب أنّهم يعتقدون ثمّ يستدلّون، ولا يستدلّون ليعتقدوا.

ثانيا:
الآية لا دليل فيها البتّة على مشروعية التوسّل بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا في حياته، ولا بعد موته، ولو قرأنا الآية بتمامها وقرأنا الآيات التي قبلها والتي بعدها لفهمنا معناها:
الآيات التي جاءت في سياقها هذه الآية هي كما يلي:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً{59} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً{60} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً{61} فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً{62} أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً{63} وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً{64} فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً{65} }.(النّساء)

فالآيات كما هو واضح تتحدّث عن قوم من المنافقين يرفضون المجيء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في حياته ليحكم بينهم بحكم الله ويستغفر لهم على ظلمهم أنفسهم.
قال الطباطبائي في تفسير الميزان:
قوله تعالى: "أ لم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك" إلى آخر الآية. الزعم هو الاعتقاد بكذا، سواء طابق الواقع أم لا، بخلاف العلم فإنه الاعتقاد المطابق للواقع، ولكون الزّعم يستعمل في الاعتقاد في موارد لا يطابق الواقع ربما يظنّ أنّ عدم مطابقة الواقع مأخوذ في مفهومه وليس كذلك، والطاغوت مصدر بمعنى الطغيان كالرهبوت والجبروت والملكوت، غير أنّه ربما يطلق و يراد به اسم الفاعل مبالغة، يقال: طغى الماء إذا تعدى ظرفه لوفوره وكثرته، وكان استعماله في الإنسان أولا على نحو الاستعارة ثم ابتذل فلحق بالحقيقة و هو خروج الإنسان عن طوره الذي حده له العقل أو الشرع، فالطاغوت هو الظالم الجبار، والمتمرّد عن وظائف عبودية الله استعلاء عليه تعالى و هكذا، وإليه يعود ما قيل: إن الطاغوت كل معبود من دون الله.
وقوله: بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، بمنزلة أن يقال: بما أنزل الله على رسله، ولم يقل: آمنوا بك وبالذين من قبلك لأن الكلام في وجوب الرد إلى كتاب الله وحكمه وبذلك يظهر أن المراد بقوله: "و قد أمروا أن يكفروا به" الأمر في الكتب السماوية والوحي النازل على الأنبياء: محمد ومن قبله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقوله: { أ لم تر..} إلخ، الكلام بمنزلة دفع الدخل كأنه قيل: ما وجه ذكر قوله: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول "إلخ" فقيل: أ لم تر إلى تخلفهم من الطاعة حيث يريدون التحاكم إلى الطاغوت؟ والاستفهام للتأسف، والمعنى: من الأسف ما رأيته أنّ بعض الناس، وهم معتقدون أنهم مؤمنون بما أنزل إليك من الكتاب وإلى سائر الأنبياء والكتب السماوية إنما أنزلت لتحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وقد بينه الله تعالى لهم بقوله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ} ( البقرة: 213). يتحاكمون عند التنازع إلى الطاغوت وهم أهل الطغيان والمتمردون عن دين الله المتعدون على الحق، وقد أمروا في هذه الكتب أن يكفروا بالطاغوت، وكفى في منع التحاكم إليهم أنه إلغاء لكتب الله وإبطال لشرائعه.
وفي قوله {ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا }: دلالة على أن تحاكمهم إنما هو بإلقاء الشيطان و إغوائه، و الوجهة فيه الضلال البعيد.
قوله تعالى: { وإذا قيل لهم تعالوا } إلى آخر الآية، تعالوا بحسب الأصل أمر من التعالي وهو الارتفاع، وصدّ عنه يصدّ صدودا أي أعرض، وقوله: { إلى ما أنزل الله وإلى الرسول }، بمنزلة أن يقال: إلى حكم الله ومن يحكم به، في قوله: يصدون عنك، إنما خص الرسول بالإعراض مع أن الذي دعوا إليه هو الكتاب والرسول معا لا الرسول وحده لأن الأسف إنما هو من فعل الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل الله، فهم ليسوا بكافرين حتى يتجاهروا بالإعراض عن كتاب الله بل منافقون بالحقيقة يتظاهرون بالإيمان بما أنزل الله لكنهم يعرضون عن رسوله.
ومن هنا يظهر أن الفرق بين الله ورسوله بتسليم حكم الله والتوقف في حكم الرسول نفاق البتة.
قوله تعالى: { فكيف إذا أصابتهم مصيبة } إلخ... إيذان بأن هذا الإعراض والانصراف عن حكم الله ورسوله، والإقبال إلى غيره وهو حكم الطاغوت سيعقب مصيبة تصيبهم لا سبب لها إلا هذا الإعراض عن حكم الله ورسوله، والتحاكم إلى الطاغوت، وقوله: {ثم جاءوك يحلفون بالله}: حكاية لمعذرتهم أنهم ما كانوا يريدون بركونهم إلى حكم الطاغوت سوء، والمعنى - و الله أعلم -: فإذا كان حالهم هذا الحال كيف صنيعهم إذا أصابهم بفعالهم هذا وباله السيئ ثم جاءوك يحلفون بالله قائلين ما أردنا بالتحاكم إلى غير الكتاب والرسول إلا الإحسان والتوفيق وقطع المشاجرة بين الخصوم.
قوله تعالى: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم}... إلخ: تكذيب لقولهم فيما اعتذروا به، ولم يذكر حال ما في قلوبهم، وأنه ضمير فاسد لدلالة قوله: {فأعرض عنهم وعظهم} على ذلك إذ لو كان ما في قلوبهم غير فاسد كان قولهم صدقا وحقا ولا يؤمر بالإعراض عمن يقول الحق ويصدق في قوله.
وقوله: {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} أي قولا يبلغ في أنفسهم ما تريد أن يقفوا عليه ويفقهوه من مفاسد هذا الصنيع، وأنه نفاق لو ظهر نزل بهم الويل من سخط الله تعالى.
قوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله}، رد مطلق لجميع ما تقدمت حكايته من هؤلاء المنافقين من التحاكم إلى الطاغوت، والإعراض عن الرسول، والحلف والاعتذار بالإحسان والتوفيق.
فكل ذلك مخالفة للرسول بوجه سواء كانت مصاحبة لعذر يعتذر به أم لا، وقد أوجب الله طاعته من غير قيد وشرط فإنه لم يرسله إلا ليطاع بإذن الله، وليس لأحد أن يتخيل أن المتبع من الطاعة طاعة الله، وإنما الرسول بشر ممن خلق إنما يطاع لحيازة الصلاح فإذا أحرز صلاح من دون طاعته فلا بأس بالاستبداد في إحرازه، وترك الرسول في جانب، وإلا كان إشراكا بالله، وعبادة لرسوله معه، وربما كان يلوح ذلك في أمور يكلمون فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول قائلهم له إذا عزم عليهم في مهمة: أ بأمر من الله أم منك؟.
فذكر الله سبحانه أن وجوب طاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجوب مطلق، وليست إلا طاعة الله فإنها بإذنه نظير ما يفيده قوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} الآية: "النساء: 80".
ثم ذكر أنهم لو رجعوا إلى الله ورسوله بالتوبة حين ما خالفوا الرسول بالإعراض لكان خيرا لهم من أن يحلفوا بالله، ويلفقوا أعذارا غير موجهة لا تنفع ولا ترضي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن الله سبحانه يخبره بحقيقة الأمر، وذلك قوله: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك}... إلى آخر الآية. (تفسير الميزان: 04/152-153).

ثالثا:
لم يثبت عن أعلام أهل البيت – وهذا هو لبّ موضوعنا – أنّهم كانوا يذهبون إلى قبر نبيّ الهدى (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليستغفر الله لهم.

رابعا
: القياس في العقائد والعبادات لا يصحّ؛ فلا يصحّ قياس حال النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته على حاله في حياته، وإلا لزم قياس التّحاكم إليه بعد وفاته على التّحاكم إليه في حياته، وهذا لا يقول به ولا يفعله عاقل، فلا أحد من المسلمين يأخذ خصمه إلى قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليحكم بينهما، أو يذهب إليه في قبره (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليسأله في أمور دينه.

خامسا:
"إذ" في اللّغة العربيّة، الأصل أنّها تفيد الماضي، إلا إذا جاءت في سياق يفيد غير ذلك، وقد وردت في القرآن الكريم في (103) موضعٍ (وليس موضعا)، كلّها تفيد الماضي إلا 09 مواضع، يتحدّث فيها المولى تبارك وتعالى عن اليوم الآخر.
فالآية تتحدّث عن شيء مضى وانقضى، ولا تتحدّث عن حكم شرعيّ، ولا شكّ أنّ لكلّ واقعة دروسا تستفاد منها، لكنّه لا ينبغي إغفال المتغيّرات، وإلا وقعنا في المتناقضات.

سادسا:
الآيات تتحدّث عن أمر أساسيّ وهو التّحاكم، وأمر تابع له وهو طلب الاستغفار، والأمران لا يتمّان إلا في حضرة من يُتحاكَم إليه ويُطلب منه الاستغفار، أمّا الاستغفار في العموم فقد بيّن الله جلّ وعلا سبيله حينما قال: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }(آل عمران:135).
وقد جاءت الآية بأداة "إذا" التي تيفيد الحاضر والمستقبل.

سابعا:
لقد نهى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يتّخذ قبره عيدا أي مكانا يعتاد ويزار في مواسم مخصوصة:
في (مستدرك الوسائل): العلامة الكراجكي في كنز الفوائد: عن أسد بن ابراهيم السلمي والحسين بن محمد الصيرفي معا، عن أبي بكر المفيد الجرجراني، عن ابن أبي الدنيا المعمر المغربي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام ) قال: " سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله ) يقول: (لاتتخذوا قبري عيدا، و لاتتخذوا قبوركم مساجدكم، ولابيوتكم قبورا) ". (مستدرك الوسائل: 02/287).
فلو كان الذّهاب إلى قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأجل طلب الاستغفار منه ما نهى النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن اتّخاذ قبره عيدا.
***
الشّبهة الثّانية: الأعرابي وقوله تعالى { ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم }:
في تفسير ابن كثير:
" يقول تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ } أي: فرضت طاعته على من أرسله إليهم وقوله: { بِإِذْنِ اللَّهِ } قال مجاهد: أي لا يطيع أحد إلا بإذني. يعني: لا يطيعهم إلا من وفقته لذلك، كقوله: { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [آل عمران:52] أي: عن أمره وقدره ومشيئته، وتسليطه إياكم عليهم.
وقوله: { وَلَوْ أَنْهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم، ولهذا قال: { لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا }.
وقد ذكر جماعة منهم: الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه "الشامل" الحكاية المشهورة عنالعُتْبي، قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول:
يا خيرَ من دُفنَت بالقاع أعظُمُه ... فطاب منْ طيبهنّ القاعُ والأكَمُ
نَفْسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه ... فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عُتْبى، الحقْ الأعرابيّ فبشره أن الله قد غفر له ". (تفسير ابن كثير).

الجواب:
أولا:
حكاية الأعرابيّ الذي جاء إلى قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الحكايات الكثيرة التي تُحكى بغير إسناد يستأنس به.
وأبو نصر ابن الصبّاغ الذي نقل عنه ابن كثير توفّي سنة 477هـ، وبين وفاته ووفاة العتبيّ (ت228هـ) أكثر من 249 سنة، وقد روى عنه بغير إسناد !!!.
ثانيا:
العتبيّ الذي تُروى عنه هذه القصّة بألفاظ مضطربة متناقضة، ومثل هذا الاضطراب يجعلنا نجزم بكذب هذه الرّواية، فإذا أضفنا إلى ذلك أنّها حكاية بغير إسناد يستأنس به، زادها ذلك وهنا على وهن.
ثالثا:
حكاية ابن كثير للقصّة لا يدلّ على قبوله لها، فقد حكى كثيرا من الإسرائيليات في تفسيره، أنكرها عليه أهل العلم المتخصّصون، وهناك كتب كاملة ألّفت في تمييز ما في تفسير ابن كثير من صحيح وضعيف.
ولو فرضنا صحّتها فلا حجّة فيها؛ فهي تحكي فعلا فعله أعرابيّ ربّما يكون من أجهل النّاس بمدلولات كتاب الله جلّ وعلا.
وهنا قد يقول قائل: ولكن إذا سلّمنا بصحّتها فإنّنا سنسلّم برؤية العتبيّ للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) في المنام يطلب منه إخبار ذلك الأعرابيّ بتوبة الله عليه، ورؤيا النبيّ (صلى الله عليه وآله) حقّ، لأنّ الشّيطان لا يتمثّل به.
والجواب أنّ الشّيطان لا يتمثّل بصورة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) الحقيقية، ولكنّه قد يتمثّل بصورة أخرى ويكذب على الرّائي، ويقول له أنا رسول الله، افعل كذا، أو أخبر فلانا كذا، وقد حدث هذا كثير من المتصوّفة، فأضلّهم وأضلّ بهم.
كما أنّ ألفاظ هذه القصّة المروية عن العتبيّ تدلّ دلالة واضحة على اختلاقها، لما فيها من تكلّف في حبكها، وهذه العبارة وحدها تكفي للشكّ في كونها من وضع المتصوّفة الذين يبنون دينهم على المنامات، يقول: ثُمَّ اِنْصَرَفَ الْأَعْرَابِيّ فَغَلَبَتْنِي عَيْنِي فَرَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فِي النَّوْم فَقَال: "يَا عُتْبِيّ الْحَقْ الْأَعْرَابِيّ فَبَشِّرْهُ أَنَّ اللَّه قَدْ غَفَرَ لَه".
كما أنّنا لا ينبغي أن ننسى أنّ هذه القصّة رويت عن العتبيّ بألفاظ متعدّدة، يفضح بعضها بعضا، منها أنّ الأعرابيّ الذي جاء إلى قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد أيام من دفنه، مع أنّ العتبيّ توفّي بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) بـ 217 سنة!!!.
***
الشّبهة الثّالثة: قصّة أبي لبابة (رضي الله عنه):
في (الرّوض الأنف) لابن هشام:
قال ابن هشام: وأنزل الله تعالى في أبي لبابة فيما قال سفيان بن عيينة، عنإسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي قتادة : يا أيها الذين آمنوا لا تخونواالله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (الأنفال: 27).
قال ابنإسحاق: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه قال أماإنه لو جاءني لاستغفرت له فأما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه منمكانه حتى يتوب الله عليه. (الروض الأنف. أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي).

الجواب:

هذه القصّة لا دليل فيها البتّة على مشروعية التوسّل، وقول النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن أبي لبابة (رضي الله عنه): (أما إنّه لو جاءني لاستغفرت له) يدلّ على مشروعية ما لا خلاف فيه بيننا، فنحن نقول بجواز طلب الدّعاء وطلب الاستغفار من الحيّ الحاضر، فكيف بالنبيّ (صلى الله عليه وآله)؟.
ثمّ إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال ما قال لأنّ أبا لبابة قد خان الله ورسوله والمؤمنين فكان من اللائق به أن يأتي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليطلب الصّفح منه ومن المؤمنين، ويطلب منه أن يستغفر الله له، فالأمر يتعلّق بخيانة لها أثرها على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى المؤمنين. ولكنّ أبا لبابة لم يأت النبيّ (صلى الله عليه وآله) وإنّما ذهب إلى عمود في المسجد وارتبط به وقال: "لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت".
وانتظر مكانه حتى تاب الله عليه، فأرسل النبيّ (صلى الله عليه وآله) إليه من يبشّره.
فكيف يُستدلّ بهذه القصّة التي ارتبط فيها ذنب أبي لبابة (رضي الله عنه) بخيانة الله ورسوله، لجواز الذّهاب إلى قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد موته؟.

قصّة أبي لبابة (رضي الله عنه) كما رواها ابن هشام:
قال ابن هشام:
" ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس ، لنستشيره في أمرنا ، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا له يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال نعم وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح . قال أبو لبابة فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال لا أبرح من عمده وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت ، وعاهد الله أن لا أطأ بني قريظة أبدا ، ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا.
توبة الله على أبي لبابة:
قال ابن هشام: وأنزل الله تعالى في أبي لبابة فيما قال سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي قتادة : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } [ الأنفال 27 ].
قال ابن إسحاق: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه قال أما إنه لو جاءني لاستغفرت له فأما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه قال ابن إسحاق: إن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو في بيت أم سلمة. ( فقالت أم سلمة ): فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك. قالت فقلت: ممّ تضحك يا رسول الله؟ أضحك الله سنك؟ قال تيب على أبي لبابة ، قالت قلت : أفلا أبشره يا رسول الله؟ قال بلى، إن شئت. قال فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك. قالت فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه".
***
الشّبهة الرّابعة: التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل أن يخلق:
يستدلّون بما رواه الحاكم في المستدرك:
حدثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل ثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك ورفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلى أحب الخلق فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك و لولا محمد ما خلقتك. (المستدرك على الصحيحين).

الجواب:

هذا الحديث من الموضوعات التي لا ينقلها إلا من يعتقد ثمّ يبحث عن دليل لمعتقده، ويتعلّق بكلّ قشّة يعثر عليها:

من ناحية السّند:
هذا الحديث فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو واه.
قد حكم الذّهبي عن هذا الحديث بالوضع.
وصف الحافظ ابن حجر هذا الحديث بأنه " خبر باطل " كما في اللسان ( 3 /442) ترجمة رقم (4815) وضعّفه البيهقي في دلائل النبوة ( 5 / 489 ) وصرح السيوطي بضعف الحديث في مناهل الصفا في تخريج أحاديث ( الشفا ) والزرقاني في شرح المواهب (1/ 76) وابن كثير في (البداية والنهاية ) ( 2 / 323 ) وملا علي القاري في شرح الشفا ( 1/215 ) والشهاب الخفاجي في شرح الشفا ( 2 / 242 ) وذكر الحافظ عن الحاكم وأبى نعيم أن عبد الرحمن بن زيد هذا كان يروي الأحاديث الموضوعة عن أبيه. وقال ابن الجوزي " أجمعوا على ضعفه " وقال ابن حبان ( كان يقلب الأخبار ) وقال ابن سعد "ضعيف جدا ".
وقد تواتر عند أهل العلم بالحديث أنّ الحاكم عليه رحمة الله متساهل في التّصحيح، وتصحيحاته لا يوثق بها كما قال المحقّقون من أهل العلم.
وقد حكى الحافظ ابن حجر أن بعضهم ذكر أن الحاكم حصل له تغير وغفلة في آخر عمره ، ويدل لذلك أنه ذكر جماعة من الضعفاء وقطع بترك الرواية عنهم ومنع الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصحّحها!!!، من ذلك أنه أخرج حديثاً لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وكان قد ذكره في الضعفاء فقال انه روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأملها.

من ناحية المتن:
هذا الحديث يخالف صريح القرآن الذي ذكر وبيّن الكلمات التي تاب بها آدم إلى ربّه: { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{23}} (الأعراف.
هذا الحديث الموضوع المكذوب يضاهي اعتقاد النصارى أنّ المسيح –عليه السّلام- هو الابن الوحيد وهو الذي به غفرت زلة آدم عليه السّلام.
***
الشّبهة الخامسة: حديث الضّرير:
يستدلّون بما رواه الإمام أحمد في مسنده:
حدثنا ‏عثمان بن عمر، ‏أخبرنا ‏شعبة، ‏عن ‏أبي جعفر ‏قال: سمعت ‏عمارة بن خزيمة ‏يحدث عن ‏عثمان بن حنيف أنّ رجلا ضرير البصر أتى النبيّ (‏صلى الله عليه وسلم) ‏فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: إن شئتَ دعوت لك وإن شئت أخّرت ذاك فهو خير. فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلّي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: ‏اللهمّ إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك ‏‏محمّد ‏نبيّ الرّحمة، ‏يا ‏محمّد ‏إنّي توجّهت بك إلى ربي في حاجتي هذه، ‏فتقضي لي، ‏اللهمّ شفّعه في. (مسند أحمد).
الجواب:

هذا الحديث ليس فيه دليل للتوسّل محلّ النّقاش فضلا عن أن يكون فيه دليل لدعاء غير الله جلّ وعلا، وبيان ذلك كما يلي:
· أن الأعمى ذهب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليطلب منه الدعاء، ولو كان التوسل بالذات مشروعاً لم يكن ثمة حاجة للذهاب إليه؛ إذ كان يكفيه أن يتوسل به من غير أن يذهب إليه، فيقول "اللهم أسألك بنبيك"، لكنه ذهب وطلب منه أن يدعو الله له، وهذا في حياته.
· أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعده بالدعاء له فقال: (إن شئتَ دعوتُ لك)، فألحّ عليه الأعمى بالدعاء قائلاً (بل أدعُه). وهذا وعد من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالدعاء للأعمى، علّقه على اختيار الأعمى، وقد اختاره بقوله (بل أدعه)، ويقتضي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد دعا له، وهو خير من وفّى بما وعد، يؤكد ذلك أيضاً قول الأعمى في دعائه الذي علمه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يدعو به: "اللهم فشفعه فِيّ" أي: اقبل دعاءه فيّ. والشفاعة معناها الدعاء كما قال في (لسان العرب): "الشفاعة: كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره، والشافع: الطالب لغيره، يتشفع به إلى المطلوب، يقال : تشفعتُ بفلان إلى فلان". وبهذا يثبت أن الأمر كان يتعلّق بدعائه (صلى الله عليه وآله وسلّم).
· أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمره أن يتقرب إلى الله بعدة ببعض الأعمال الصالحة، ومنها: إحسان الوضوء، صلاة ركعتين يدعو الله عقبهما أن يستجيب دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) له. وهذا هو معنى قوله "وشفعني فيه" أي أدعوك أن تتقبل دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لي.
· لو كان التوسّل بذات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) مشروعا لم يحتج الصّحابة أن يتوسّلوا بعد وفاته بدعاء عمّه العبّاس (رضي الله عنه) في الاستسقاء، ولاكتفوا بالتوسّل بذاته (صلى الله عليه وآله وسلّم).
***
الشّبهة السّادسة: قصّة الرّجل مع عثمان بن حنيف:
يستدلّون بما رواه الطّبراني:
حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المصري المقرئ، حدثنا أصبغ بن الفرج، حدثنا ابن وهب، عن أبي سعيد المكي، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي المدني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلا،"كان يختلف إلى عثمان بن عفان (رضي الله تعالىعنه) في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) نبيّ الرحمة، يا محمد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي فتقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان بن عفان (رضي الله تعالى عنه)، فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان (رضي الله تعالى عنه)، فأجلسه معه على الطنفسة حنيفا، فقال: حاجتك؟ فذكر حاجته وقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كان الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكني شهدت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): فتصبر، فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد وقد شقّ علي، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): "ائت الميضأة فتوضأ، ثم صلّ ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات"، قال ابن حنيف: فوالله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرّجل كأنّه لم يكن به ضرّ قط".
حدثنا إدريس بن جعفر العطار، حدثنا عثمان بن عمر بن فارس، حدثنا شعبة، عن أبي جعفر الخطمي، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. (الطبراني في معجمه الكبير).
قال الطّبرانيّ: لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة وهو الذي يحدثعن بن أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأبلي وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس بن شعبةوالحديث صحيح وروى هذا الحديث عون بن عمارة عن روح بن القاسم عن محمد بن النكدر عنجابر رضي الله عنه وهم فيه عون بن عمارة والصواب حديث شبيب بن سعيد.

الجواب:

هذه الرّواية لا تصحّ أبدا وآفة إسنادها رواية عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد وهي منكرة عند جميع أهل الحديث كما أشار إليه ابن عدي، وقال: "حدّث عنه ابن وهب بمناكير"، وأقره الحافظ في (التقريب 2739) فقال في ترجمة شبيب: "لا بأس بحديثه من روايات ابنه أحمد عنه لا من رواية ابن وهب". وقال في مقدمة الفتح (ص409): "ولذلك أخرج البخاري من رواية ابنه عن يونس أحاديث ولم يخرج عن يونس ولا من رواية ابن وهب عنه شيئاً".
قال ابن عديّ: "وكأنّ شبيبا إذا روى عنه ابنه أحمد بن شبيب نسخة يونس عن الزهري إذا هي أحاديث مستقيمة، ليس هو شبيب بن سعيد الذي يحدث عنه ابن وهب بالمناكير الذي يرويهاعنه، ولعل شبيبا بمصر في تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه فيغلط ويهم، وأرجوأن لا يتعمد شبيب هذا الكذب" (الكامل في ضعفاء الرجال 4/30 رقم 891 ).
ويؤكد نكارة تفرد ابن وهب عن شبيب أن أحمد بن شبيب وهو المختص بالرواية عن أبيه روى الحديث الأصليّ (قصّة الأعمى مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم)) من غير زيادة قصة الرّجل مع عثمان بن عفّان وعثمان بن حنيف، كما عند الحاكم في (المستدرك 1/526) وابن السني في (عمل اليوم والليلة 170) من طريق أحمد بن شبيب بن سعيد قال: ثنا أبي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر المدني وهو الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) الخ...
وهذه الرواية الأخيرة (التي ليس فيها قصّة الرّجل مع عثمان) أصحّ سنداً لأنها من روايات أحمد بن شبيب عن أبيه. وقد قال الحافظ في ترجمة شبيب: " لا بأس بحديثه من روايات ابنه أحمد عنه لا من رواية ابن وهب ".
فإن قيل: قد روى البيهقي هذا الحديث من طريق أحمد بن شبيب بن سعيد عن أبيه عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف قال... فذكره (6/167 من دلائل النبوة). فهذه متابعة لابن وهب من رواية أحمد عن أبيهوهي جيدة.
قلنا: قبول رواية أحمد عن أبيه مشروطة بكونها عن "يونس بن يزيد" وهذا منتف هنا، فإن السند من رواية شبيب عن روح.
ومما يدل على أن هذه الرواية ليست بمحفوظة: أنه تارة يذكر القصة، وتارة يهملها كما عند البيهقي في(الدلائل:6/167ـ168) بالوجهين. وعند شيخه الحاكم في المستدرك 1/526 بالوجه الثاني وكذاعند ابن السني في عمل اليوم والليلة ص 170. وقد رواه الحاكم في مستدركه من طريق: عون بن عمارة البصري ثنا روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بنحنيف عن عمه عثمان..به بدون ذكر القصة وهذا هو المحفوظ لموافقته رواية الأثبات.
فهذا الاختلاف يوجب رد هذه القصة واطراحها.
ووجه آخر لردّ هذه القصّة أن المتفرد بها "شبيبا" قد خالف الثقات الأثبات الذين رووا الحديث مجردا عن القصة في السند والمتن.
ثم في سند هذه الرواية طاهر بن عيسى شيخ الطبراني وهو غير معروف العدالة ذكره الذهبي ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً فهو مجهول الحال .
***
الشّبهة السّابعة: { وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ }:
يستدلّون بقول الحقّ جلّ وعلا: { يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } (التوبة:74).
الجواب:

نجيبهم بما ورد في تفاسيرهم لهذه الآية:
قال الطباطبائي في تفسيره (الميزان): " ثم قال في مقام ذمهم و تعييرهم: "وما نقموا إلا أن أغناهم الله و رسوله من فضله" أي بسبب أن أغناهم الله ورسوله، أي كان سبب نقمتهم هذه أن الله أغناهم من فضله بما رزقهم من الغنائم وبسط عليهم الأمن والرفاهية فمكنهم من توليد الثروة وإنماء المال من كل جهة، وكذا رسوله حيث هداهم إلى عيشة صالحة تفتح عليهم أبواب بركات السماء والأرض، وقسم بينهم الغنائم وبسط عليهم العدل.
فهو من قبيل وضع الشيء موضع ضده: وضع فيه الإغناء وهو بحسب الطبع سبب للرضى والشكر موضع سبب النقمة والسخطة كالظلم والغضب، وإن شئت قلت: وضع فيه الإحسان موضع الإساءة، ففيه نوع من التهكم المشوب بالذم نظير ما في قوله تعالى: "و تجعلون رزقكم أنكم تكذبون:" الواقعة: 82 أي تجعلون رزقكم سببا للتكذيب بآيات الله وهو سبب بحسب الطبع لشكر النعمة والرضا بالموهبة على ما قيل: إن المعنى: و تجعلون بدل شكر رزقكم أنكم تكذبون. والضمير في قوله: "من فضله" راجع إلى الله سبحانه، قال في المجمع،: وإنما لم يقل: من فضلهما لأنه لا يجمع بين اسم الله واسم غيره في الكناية تعظيما لله، ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن سمعه يقول: "من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى ومن عصاهما فقد غوى": بئس خطيب القوم أنت"، فقال: كيف أقول يا رسول الله؟ قال: قل: ومن يعص الله ورسوله، وهكذا القول في قوله سبحانه: "والله ورسوله أحق أن يرضوه" وقيل: إنما لم يقل من فضلهما لأن فضل الله منه وفضل رسوله من فضله، انتهى كلامه.
وهناك وراء التعظيم أمر آخر قدمنا القول فيه في تفسير قوله تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة:" المائدة: - 73 في الجزء السادس من الكتاب، و هو أن وحدته تعالى ليست من سنخ الوحدة العددية حتى يصح بذلك تأليفها مع وحدة غيره و استنتاج عدد من الأعداد منه. (الميزان: 09/191-192).
***
الشّبهة الثّامنة: الاستسقاء عند قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم):
يستدلّون بقول الحافظ في الفتح:
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمّان عن مالك الداري - وكان خازن عمر - قال " أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتى الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر " الحديث. وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة، وظهر بهذا كله مناسبة الترجمة لأصل هذه القصة أيضا والله الموفق.

الجواب:

أولا:
رواية ابن أبي شيبة:
حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار، قال وكان خازن عمر على الطعام، قال: أصاب النّاس قحط في زمن عمر، فجا رجل إلى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله ! استسق لأمّتك فإنّهم قد هلكوا، فأتي الرّجل في المنام فقيل له: ائت عمر فأقرئه السّلام، وأخبره أنّكم مستقيمون وقل له: عليك الكيس! عليك الكيس! فأتى عمر فأخبره فبكى عمر ثم قال: يا رب لا آلو إلا ما عجزت عنه.
ثانيا:
كلام ابن حجر لا يفهم منه تصحيح سند الرواية كاملا، بل يفهم منه تصحيح السّند إلى أبي صالح فقط، ولولا ذلك لما ابتدأ الإسناد منعند أبي صالح ولقال رأسا: " عن مالك الدار... وإسناده صحيح "، ولكنّه تعمّد ذلكليلفت النّظر إلى أنّ هاهنا شيئا ينبغي النظر فيه، والعلماء إنّما يفعلون ذلك لأسباب منها: أنّهم قد لا يحضرهم ترجمة بعض الرّواة فلا يستجيزون لأنفسهم حذف السّند كلّه لما فيه من إيهام صحّته لا سيما عند الاستدلال به، بل يوردون منه ما فيه موضع للنّظر فيه،وهذا هو الذي صنعه الحافظ رحمه الله هنا، وكأنّه يشير إلى تفرّد أبي صالحالسمّان عن مالك الدّار، وهو يحيل بذلك إلى وجوب التثبتمن حال مالك الدّار هذا أو يشير إلى جهالته .
ومالك الدار غير معروف العدالة والضّبط، وهذان شرطان أساسيان في كلّ سند صحيح كما تقررفي علم المصطلح، وقد أورده ابن أبي حاتم في (الجرح والتّعديل) ولم يذكر راويا عنهغير أبي صالح هذا، ففيه إشعار بأنّه مجهول، ويؤيّده أنّ ابن أبي حاتم نفسه - مع سعة حفظهواطلاعه - لم يحك فيه توثيقا فبقي على الجهالة.

ثالثا:
الرجل الذي جاء إلى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) مجهول لا يعرف، فكيف يعول في هذه القضية العظيمة على روايته! ويؤصل هذا الأصل المتعلق بأهم العبادات على حادثته!. هذا إذا سلمنا جدلا عدم وجودالمخالف له. فكيف وقد خالفه الإجماع المنعقد على مقتضى النّصوص الواردة فيما يشرععند وجود القحط من استغفار الله تعالى والاستقامة على طريقه، والإيمان والتقوى،وتحكيم الشرع.

وقد اعترض على هذه العلة القوية باعتراض هو:- أن الرجل المذكور صحابي يدعى: بلال بن الحارث المزني كما صرحت بذلك بعض روايات هذا الحديث: قال الحافظ ابن حجر في الفتح2/496: وقد روى سيف في "الفتوح" أن الذي رأى المنام المذكور هو: بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة اهـ.
والجواب: أن هذه الرواية باطلة لا يحل الاستشهاد بها. وذلك لأن سيف بن عمر المتفرد بهذه الزيادة ضعيف باتفافهم، بل قيل: إنه كان يضع الحديث، وقد اتهم بالزندقة "الميزان للحافظ الذهبي2/256.
ثمّ لو سلمنا جدلا صحة هذه الزيادة فلا حجّة فيها؛ لأنهّا فعل صحابي خالف الأدلة، وعارضه فعل الصحابة؛ أمّا مخالفته للأدلة من الكتاب والسنّة فظاهر، وأما مخالفته لفعل الصحابة فقد ثبت عن عمر أنه قال: "اللهمّ إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، اللهمّ إنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون".

رابعا:
هذه القصة منكرة المتن، لمخالفتها ما ثبت في الشّرع من استحباب إقامة صلاةالاستسقاء في مثل هذه الأحوال. ولمخالفتها ما اشتهر وتواتر عن الصحابة والتابعين، إذ ما جاء عنهم أنهم كانوا يرجعون إلى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) أو قبر غيره منالأموات عند نزول النوازل واشتداد القحط يستدفعونها بهم وبدعائهم وشفاعتهم، بلكانوا يرجعون إلى الله واستغفاره وعبادته، وإلى التوبة النصوح، قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً } (الجن:16)، وقال تعالى: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } (هود:52).
وفي كتاب المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان 2/280 بإسناد صححه الحافظ ابن حجر في الإصابة10/382 عن سليم بن عامر الخبائريقال: إن السماء قحطت، فخرج معاوية وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية علىالمنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فناداه الناس، فأقبل يتخطى الناس، فأمرهمعاوية فصعد على المنبر، فقعد عند رجليه، فقال معاوية: "اللهم إنا نستشفع إليكاليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشي، يايزيد ارفع يدك إلى الله، فرفع يديه، ورفع الناس أيديهم، فما كان أوشك أن فارت سحابة في الغرب كأنها ترس، وهبت لها ريح، فسقتنا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم".
وأبلغ من هذا فعل عمر بن الخطاب الذي كان بجوار قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيعدل عنه إلى التوسل بالعباس لكونه حيا قادرا.
***
الشّبهة التّاسعة: حديث "إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي":
ينسبون إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: " إذا سألتم الله فسلوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ".

الجواب:

أولا:
هذا الحديث موضوع باطل لم يروه أحد من العلم ولا هو في شيء من كتب الحديث.

ثانيا:
قولنا عن هذا الحديث أنه مكذوب لا يعني أننا لا نؤمن بجاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسّلم)؛ فنحن نؤمن ونعتقد ونجزم عن يقين بأن له (صلى الله عليه وآله وسلم) جاهاًيفوق جاه كل ذي جاه من المخلوقات في السماء أو في الأرض، فإذا لم يكن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) جاه عند ربه إذاً فأي مخلوق له جاه من دون رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟.
ليس على وجه البسيطة مسلم ينكر جاه رسول الله (عليه الصّلاة والسّلام)، ولكن هل أمرنا رسولالله أن نتوسل إلى الله بجاهه؟.
كلا، لم يأمرنا (صلوات ربّي وسلامه عليه) أن نتوسل بهإلى الله تعالى، لأن جاهه الذي هو له (صلى الله عليه وسلم) هو نتيجة لعمله العظيم مندعوة إلى الله تعالى وصبر عليها وجهاد في سبيلها وأعمال صالحة وعبادات تفوق العد والحصر من صلاة وصوم وحج وزكاة وفعل للخيرات، إلى ما هنالك من الأعمال العظيمة التي يعجز عنا أي إنسان. كل ذلك جعل له جاهاً عظيماً عند الله، أي جعل منزلة تفوق منزلة أي مخلوق، فإذا فهم أنّ الجاه نتيجة العمل والسّعي علم أن سعيك هو لك أنت، وسعي أخيك هو له، وليس لك أو له أي نصيب من سعي الغير ومصداق هذا قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } (النجم:39)، وبمجرد أن أخاك له سعي حسن هل يحق لك أن تتقرّب إلى الله بسعي أخيك من غير متابعة لعمله الصالح؟ طبعا لا. لأنّ من يفعل ذلك كمن يدعو ويقول: "اللهمّ أدخلني الجنة لأنّ أخي أو فلاناً من الصّالحين"،فما علاقة دخولك الجنة بصلاح أخيك؟ اعمل كما عمل أخوك ثم توسّل بما عملت من الصّالحات أن يدخلك الله بها الجنة.
وهكذا فجاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مسطّر له في صفحاته عندالله، وليس لك نصيب منه، وليس لك أن تدعو متوسلاً به إلى الله لقضاء حوائجك، بل أطع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) واتّبعه، وتوسّل إلى الله بطاعته واتّباعه، لأنّ ذلك من العمال الصّالحة.
وإذا كنت تعني بجاهه شفاعته يوم القيامة فهذا حقولكن متى؟ إنّ ذلك يومَ القيامة وحتى يأذن الله له بالشفاعة، أمّا الآن فلا إلا أن تدعو الله وتقول: "اللهمّ شفّع بي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلا بأس. أمّا قولك مثلاً: اللهمّ بجاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اقض حاجتي فلا يدلّ على أنّك تطلب شفاعته يوم القيامة، إنّما يدلّ أنك تحبّ استعجال نوال حاجتك في الدنيا فتتوسل بجاهه لتنال حاجتك إذاً فلا مطابقة بين الدعوتين .
***
الشّبهة العاشرة: حديث كوة القبر:
يستدلّون بما رواه الدارمي عن أبي الجوزاء قال :" قحط أهل المدينةقحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة رضي الله عنها فقالت: انظروا إلى قبر رسول الله (صلىالله عليه وسلم) فاجعلوه منه كوّة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف،ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق".

الجواب:

أولا:
ما من مسلم إلا ويعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما توفي دفن في بيت عائشة، وعائشة بقيت ساكنة فيه، فكيف تقول لهم ما قالت؟ أليس معنى هذا أنها تكلفهم أن يهدمواسقف البيت الذي تسكنه؟.

ثانيا:
رسول الله (صلىالله عليه وآله وسلم) لما كان حياً كان دائماً معرضاً جسده إلى السماء ككل الناس في غدواته وروحاته وقد قحطوا على عهده (صلى الله عليه وسلم) فلم ينزل الغيث بمجرد كون جسده معروضاً للسماء، بل بقي القحط حتى استسقى لهم رسول الله (صلى الله عليهوآله وسلم).
وحينما دخل رجل أعرابي المسجد والرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) قائم على المنبر يخطب الجمعة وشكا الأعرابي القحط، دعا النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهو على المنبر محجوب الجسد عن السّماء بسقف المسجد، أفكان يجهل أن جسده مجلبة للغيث؟.

ثالثا:
هذه القصّة لا تصحّ من حيث السّند أيضا:
· في سندها: محمد بن الفضل السدوسي أبو النعمان البصري: قال الحافظ في التقريب: لقبه: "عارم" ثقة ثبت تغير في آخر عمره، وقال في الخلاصة: اختلط (عارم)، وقال أبوحاتم: من سمع منه قبل سنة /220/ فسماعه جيد. وقال البخاري: تغير عارم آخر عمره. قال أبو داود: إن عارماً أنكر سنة /213/ ثم استحكم به الاختلاط سنة /216/ولم يسمع منه أبو داود لتغيره .
· وفي السند أيضا: سعيد بن زيد: قال الذهبي: ليس بالقوي، وقال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام. وقال في الخلاصة:قال ابن معين وقال أحمد: ليس به بأس، وقال النسائي ليس بالقوي. قال الذهبي في الميزان: ضعيف.
· وفي السّند أيضا: عمر بن مالك المنكريقال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام .
· وفي السّند أبو الجوزاء أوسبن عبد الله: قال في التقريب: أوس بن عبد الله الربعي البصري وثقوه، وقال يحيى بن سعيد: قتل في الجماجم في إسناده نظر ويختلفون فيه، وقال أيضاً في الكنى: أبو الجوزاء الربعي أوس تابعي مشهور. قال البخاري: في إسناده نظر.
***
الشّبهة الحادية عشر: حياة الأنبياء (عليهم السّلام) في قبورهم:
يقولون: ما دام يجوز الذّهاب إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) في حياته لطلب الاستغفار، فما المانع من الذّهاب إلى قبره لهذا الغرض، ما دام الأنبياء أحياء في قبورهم؟.

الجواب:

أولا:
النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) - الذي هو أفضل الأنبياء- ميّت في قبره بنصّ القرآن الكريم: قال جلّ وعلا: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ{30}} (الزّمر).
أمّا عن النّصوص التي تتحدّث عن حياة الأنبياء وحياة الشّهداء في قبورهم، فإنّها تتحدّث عن حياة خاصّة لا يعلم كنهها إلا الله جلّ وعلا، حياة تقتضي انقطاعهم عن هذه الدّنيا إلا فيما خصّه الدّليل.
كما أنّ كلّ البشر ولم لم يكونوا أنبياء ولا شهداء، بل ولو لم يكونوا مسلمين، فإنّهم في قبورهم يحيون حياة غيبيّة خاصّة، فهذا ينعّم ويعرض عليه مقامه في الجنّة، وذاك يعذّب ويعرض عليه مقامه في النّار، ولكن مع هذا فهم منقطعون عن الدّنيا إلا فيما خصّه الدّليل.

ثانيا:
حياة الأنبياء والشّهداء في قبورهم من الغيب الذي لا يجوز الخوض فيه إلا بدليل، ونحن لا نخوض فيها إلا بما جاء به الدّليل، والغيب لا يصلح فيه القياس، فنقول مثلا: ما دام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) حيّ في قبره فهو يسمع توسّل من يطلب منه أن يدعو الله له.
علمنا أنّه حيّ، ولكن هل علمنا أنّه يسمع كلام من يكلّمه مباشرة؟، أو هل علمنا أنّ هناك من يبلّغه كلامنا؟.

ثالثا:
قد ثبت أنّ المسلمين كانوا يأتون النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) في حياته فيقضي بينهم فيما اختلفوا فيه، ويسألونه فيما يشكل عليهم من أمور دينهم، ولم يثبت عنهم أنّهم كانوا يفعلون ذلك بعد وفاته عند قبره، فعلم من هذا أنّ حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) في قبره تختلف عن حياته في الدّنيا.

رابعا:
لو كانت حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) في قبره كحياته في الدّنيا، فلماذا يقيّض الله (جلّ وعلا) له ملائكة يبلّغونه عن أمّته السّلام، ولو كان الذي يسلّم عليه عند قبره.

خامسا:
علمنا عن طريق الدّليل أنّ لله ملائكة يبلّغون سلامنا إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن لا علم لنا إن كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) يسمع بنفسه كلام من يكلّمه مباشرة، بل النّصوص الشّرعيّة تدلّ في عمومها على غير هذا:
يقول تعالى: { يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } [المائدة:109].
ويقول أيضاً: { وَإِذْ قَالَ الله يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [المائدة:116-117]، فهذه الآية تبيّن أنّ عيسى (عليه السّلام) الذي كان من أولي العزم من الرسل ومن كبار الأنبياء لم يكن له علم بأحوال أمته، فكيف يعلم الإمام أو ابن الإمام بذلك؟!.

سادسا:
لو ثبت عندنا يقينا أنّ الأنبياء والشّهداء يسمعون كلام من يكلّمهم وهم في قبورهم، فإنّنا نحتاج إلى دليل آخر يثبت مشروعية أنْ نطلب منهم أن يدعوا ويستغفروا الله لنا، ونحتاج إلى دليل آخر يثبت أنّ الله قد أذن لهم في الدّعاء لمن يطلب منهم الدّعاء. نحتاج إلى هذه الأدلّة لأنّ الدّعاء والتوسّل عبادة، والأصل في العبادات المنع حتى يرد الدّليل. وهذه الأدلّة لا سبيل إليها.

سابعا:
قياس جواز التوسّل بالميّت على جواز التوسّل بالحيّ قياس لا يصحّ، لأنّ الميّت ليس كالحيّ، { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ } (فاطر:22).
الحيّ يسمع ويدعو لمن يطلب منه ذلك، أمّا الميّت فلا يسمع وإن سمع فلا يستجيب.
وحتى الأنبياء فليس معنا دليل على أنّهم يسمعون غير ما ثبت في الدّليل أنّه يبلغهم عن طريق الملائكة، وليس معنا دليل أنّهم إن سمعوا فإنّهم يدعون لمن يطلب منهم الدّعاء.

ثامنا:
أئمّة أهل البيت (رضوان الله تعالى عليهم) كانوا أكثر النّاس حبّا لجدّهم المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ومع ذلك لم يكونوا يذهبون إلى قبره لدعائه، بل ولا حتى للتّوسّل به، بل كانوا يزورون قبره للسّلام عليه.
ولم يثبت عن الحسن والحسين (رضي الله عنهما) أنّهما كانا يذهبان إلى قبر أبيهما عليّ (رضي الله عنه) لدعائه ولا حتى للتوسّل به، مع أنّه (رضي الله عنه) شهيد سعيد.
ولم يثبت عن الإمام زين العابدين أنّه كان يذهب إلى قبر أبيه الشّهيد السّعيد (الحسين رضي الله عنه) لدعائه أو حتى للتّوسّل به.
وهكذا كان شأن أعلام أهل البيت (رضوان الله تعالى عليهم).
بل كانوا مع هذا يوصون النّاس بدعاء الله وحده واللّجاءة إليه وحده، والتوسّل إليه بأسمائه وصفاته، وبالأعمال الصّالحة.
***
الشّبهة الثّانية عشر: حياة الشّهداء في قبورهم:
يستدلّون بقوله (جلّ شأنه):
{ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }.
الجواب:

أولا:
الله (جلّ وعلا) يقول: { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ وَأَنَّ الله لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169-171].

قوله (جلّ وعلا): { عِنْدَ رَبِّهِمْ } يفيد أنهم عند الله وليس عند الخلق ولا عند القبر. فأين يكونون عندما يكونون عند الله؟ تبيِّن الآية الكريمة: { لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون }.
وقوله (تبارك وتعالى): { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ } [آل عمران:170] تدلُّ على أنّ الشهداء يذهبون إلى عالم يصبحون فيه بعيدين عمَّن خلّفوه وراءهم من الأحياء، آملين أن يلحق بهم أولئك الذين من خلفهم. فلو كان الشهداء لا يزالون في هذه الدنيا وكان لهم طريق إلى أقربائهم ومعارفهم لما كانت تلك الجملة صحيحة. فإذن الشهداء منفصلون عن أهل الدنيا.

ثانيا:
القرآن والعقل يقولان أن الأنبياء والأولياء لا اطلاع لهم على ما في الدنيا نهائياً بل لا اطلاع لهم على أبدانهم، فضلاً عن أن يكون لهم علم بغيرهم كما قال تعالى: { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ الله مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 259].
ففي هذه الآية لم يكن لنبيِّ الله «عُزَيْر» عليه السلام الذي مات ورحل عن الدنيا مدّة مائة عام، أيُّ عِلْمٍ ببدنه أو براحلته (حماره) وحتى أنَّه لم يكن يعلم كم بقي ميتاً، مع أن عُزَيْراً عليه السلام كان يتمتَّع بمقام النبوَّة وهو أعلى من جميع الأولياء.

ثالثا:
الشّهداء في حال حياتهم لم يكن لهم اطّلاع بأحوال من هم بعيدون عنهم، فكيف بهم بعد موتهم؟.
عندما اعتقل أهل الكوفة «مسلم بن عقيل» وساقوه إلى دار الإمارة وأرادوا قتله قال: لديَّ وصيةٌ وخاطب عمر بن سعد فقال: وصيِّتي أن تخبروا الإمام الحسين عليه السلام عمّا جرى وتكتبوا له ألا يقترب من الكوفة!
فنسأل ألم يكن «مسلم» نائب الإمام الخاص، ألم يكن يعلم أن الإمام مطلع على كل الأمكنة ويجيب جميع الخلق أم أن مُدَّعي التشيع في زماننا يفقهون أكثر منه؟!.
***
الشّبهة الثّالثة عشر: عرض الأعمال على النبيّ (صلى الله عليه وآله):
يستدلّون كثيرا بهذه الرّواية:
قال الحارث: وثنا الحسن بن قتيبة ثنا جسر بن فرقد عن بكر بن عبدلله المزني قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):" حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما كان من حسن حمدت الله عليه وما كان من سيئ استغفرت الله لكم ". اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة. المؤلف : أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري.
الجواب:

هذا الحديث هو في الأصل زيادة على حديث "إن لله ملائكة سيّاحين يبلّغونني عن أمّتي السّلام"، زيادة تفرد بها الراوي عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد المرجئ:
قال البزار: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلامَ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): ( حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحَدِّثُونَ وَنُحَدِّثُ لَكُمْ ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ ، فَمَا رَأَيْتُ مِنَ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ ، وَمَا رَأَيْتُ مِنَ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكُمْ ). (مسند البزار).
فمدار الزّيادة حول عبد المجيد بن عبد العزيز المرجئ، وقد نقل الزبيدي حكم الحافظ العراقي على الحديث بأنه "ضعيف لأن فيه عبد المجيد بن عبد العزيز"، وقد ضعّفه كثيرون. قال فيه ابن حبان في المجروحين (2/205): " منكر الحديث جداً يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير: فاستحق الترك ". وقال الحافظ في التقريب (4160): " صدوق يخطئ وكان مرجئاً ".
وذكر الزبيدي طريقا أخرى عند ابن سعد في الطبقات عن بكر بن عبد الله المزني مرسلاً.
هذا الحديث منكر أيضا من جهة المعنى، لأنّه يحثّ على التّواكل والإرجاء وراويه عبد المجيد بن عبد العزيز متهم بالدعاية للإرجاء حتى أدخل أباه فيه. وهو الذي روى الرواية الموضوعة عن ابن عباس" وما نعلم الحقّ إلا في المرجئة ".
وقد شهد عليه أحمد والبخاري بأنه من غلاة المرجئة. قال: " كان فيه غلو في الإرجاء " وقال أبو داود " كان داعية في الإرجاء ".
ومن المقرر عند العديد من علماء الحديث أن المبتدع إذا تفرد برواية تؤيد بدعته فإن روايته مردودة. وهذا جرح مفسر مقدم على التوثيق .
وهذا الحديث يؤيد مذهبه في الإرجاء. فإنه ما دامت الأعمال تعرض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيستغفر للأمّة، فلا تضر المعاصي حينئذ كبيرة كانت أو صغيرة.
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول لابنته فاطمة " أنقذي نفسك من النار لا أغنى عنك [ لا أملك لك ] من الله شيئا " فكيف يطمئن الزناة ومرتكبي الكبائر من أمته ويعدهم بأنه سيستغفر لهم ؟.
***
الشّبهة الرّابعة عشر: استغفار يوسف لإخوته ويعقوب لأبنائه:
يستدلّون بقول الله جلّ وعلا: { قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ{97} قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{98}} (يوسف).
الجواب:

يعقوب (عليه السّلام) طلب منه أبناؤه أن يستغفر الله لهم وهو حيّ بين أظهرهم وليس ميتا، وهذا نحن متّفقون على جوازه، ثمّ إنّهم قد أخطؤوا في حقّ الله أولا وفي حقّ أبيهم ثانيا، فكان مناسبا أن يطلبوا منه الصّفح ويطلبوا منه أن يستغفر الله لهم.
· في (تفسير العياشيّ) عن أبى عبد الله (عليه السلام) في قوله: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } قال: أخّرهم إلى السّحر قال: يا ربّ إنّما ذنبهم فيما بيني وبينهم، أوحى الله أنى قد غفرت لهم. (تفسير العياشي: 02/196).
· وفي «علل الشرائع» للشيخ الصدوق بسنده: عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: قلت لجعفر بن محمد (عليه السّلام) أخبرني عن يعقوب (عليه السّلام) لمّا قال له بنوه: يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا كنّا خاطئين، قال سوف أستغفر لكم ربّى، فأخّر الاستغفار لهم، ويوسف (عليه السّلام) لمّا قالوا له: { تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ }، قال: { لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين }، قال: لأنّ قلب الشّابّ أرقّ من قلب الشيخ، وكانت جناية ولد يعقوب على يوسف، وجنايتهم على يعقوب إنّما كانت بجنايتهم على يوسف، فبادر يوسف إلى العفو عن حقّه، وأخّر يعقوب العفو لأنّ عفوه إنّما كان عن حقّ غيره، فأخّرهم إلى السّحر ليلة الجمعة. (الصدوق، علل الشرائع: 1/54).
***
يتبع بحول الله.






 
قديم 24-07-10, 05:10 PM   رقم المشاركة : 2
بالتي هي أحسن
عضو نشيط






بالتي هي أحسن غير متصل

بالتي هي أحسن is on a distinguished road


الشّبهة الخامسة عشر: توسّل عمر بالعبّاس (رضي الله عنهما):
يستدلّون بما رواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: "اللهمّ إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون".
الجواب:
أولا: عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) كان يستدعي العبّاس (رضي الله عنه) ثمّ يقول: "اللهمّ إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا"، ثمّ يقوم العبّاس (رضي الله عنه) يدعو والنّاس يؤمّنون.
يدلّ لهذا رواية أخرى توضّح رواية البخاريّ أخرجها الزبير بن بكار في الأنساب بإسناد له "أن العباس لما استسقى به عمر قال: "اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث". فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس ". (فتح الباري: 02/497).
وهذه الرّواية تثبت أنّ العبّاس كان حاضرا، وكان يدعو والنّاس يتوسّلون بدعائه، وهذا النذوع من التوسّل متّفق على مشروعيته (انظر الصّورة الثّالثة من صور التوسّل).

ثانيا: دليل آخر على أنّ الصّحابة كانوا يتوسّلون بدعاء العبّاس:
ما ورد في الرّواية التي أخرجها ابن حبّان عن أنس قال: " كانوا إذا قحطوا على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) استسقوا بالنبي (صلى الله عليه وسلم)،فيستسقي لهم فيسقون، فلما كان بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، في إمارة عمر، قحطوا فخرج عمر بالعباس يستسقي به، فقال: اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبيك صلى الله عليه وسلم، واستسقينا به، فسقيتنا وأنا نتوسل إليك اليوم بعم نبيك صلى الله عليه وسلم، فاسقنا قال: فسقوا »

وفي (من لا يحضره الفقيه): "روي عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب خرج يستسقي فقال للعباس" قم فادع ربك واستسق، وقال: " اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك "، فقام العباس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " اللهم إن عندك سحابا وإن عندك مطرا فانشر السحاب وأنزل فيه الماء ثم أنزله علينا، واشدد به الأصل، واطلع به الفرع، واحي به الزرع، اللهم إنا شفعاء إليك عمن لا منطق له من بهائمنا وأنعامنا شفعنا في أنفسنا وأهالينا، اللهم إنا لا ندعو إلا إياك، ولا نرغب إلا إليك، اللهم اسقنا سقيا وادعا نافعا طبقا مجلجلا، اللهم إنا نشكو إليك جوع كل جائع، وعرى كل عار، وخوف كل خائف، وسغب كل ساغب يدعو الله" (من لا يحضره الفقيه: باب صلاة الاستسقاء).

هذه الرّواية توضّح أنّ الصّحابة كانوا يستسقون بالعبّاس كما كانوا يستسقون بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) في حياته، كيف كانوا يطلبون منه أن يدعو لهم بالسّقيا فيدعو لهم فيُسقون، وقد جاء في هذه الرّواية قول أنس: " فيستسقي لهم (أي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم)) فيُسقون".
وهذا واضح أنّ استسقاءهم إنّما كان بدعاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) في حياته، فلمّا قبض (صلوات ربّي وسلامه عليه) صاروا يستسقون بدعاء العبّاس (رضي الله عنه).

ثالثا: في هذا الحديث دليل قاطع على عدم جواز التوسّل بالميّت، فلو كان ذلك جائزا لما عدل عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) عن التوسّل بخير خلق الله وأحبّهم إليه نبيّ الهدى (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى التوسّل بالعبّاس (رضي الله عنه).
وحيث أنّ أحدا من الصّحابة لم يستدرك عليه في هذا الأمر أصبح إجماعا يستدلّ به، ولله الحمد.

***
الشّبهة السّادسة عشر: رواية " أسألك بحقّ السّائلين عليك":
يستدلّون بما رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين - مسند أبي سعيد:
حدثنا ‏يزيد، أخبرنا ‏فضيل بن مرزوق‏، عن ‏عطية العوفي‏، عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري،‏ ‏فقلت ‏ ‏لفضيل‏: ‏رفعه؟ قال: أحسبه قد‏ ‏رفعه. قال: من قال حين يخرج إلى الصّلاة ‏‏اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي،فإني لم أخرج ‏ ‏أشراً ‏ولا‏بطراً ‏ولا‏ رياءً ‏ولا‏ ‏سمعةً،‏ ‏خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألكأن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت، وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له، وأقبل الله عليه بوجهه حتى يفرغ من صلاته.
الجواب:
في سند هذه الرّواية عطية العوفي، في روايته وهن، وقد ضعَّفوه، وهو مشهور بضعفه وتشيعه وتدليسه عند المحدثين. (تقريب التهذيب للحافظ ترجمة رقم ( 4616 )) .
قال الزبيدي: " إنما ضعفوه من قبل التشيع ومن قبل التدليس ". (إتحاف السادة المتقين: 5/88).
وقال الذهبي: " قال أحمد والنسائي وجماعة: ضعيف، وقال سالم المرادي كان عطية يتشيع ". (ميزان الاعتدال: 3/79، تهذيب التهذيب: 7/224).
وعطية العوفيّ هذا مدلس لا يؤمن تدليسه، وإن حسّن له الترمذي بعض أحاديثه فالترمذي كما هو معروف متساهل في التحسين والتصحيح ولا يعتمد على تصحيحه كما صرح به الذهبي. ونبه عليه المنذري في الترغيب.
وتدليسه ليس تدليس إسناد فقط، بل هو تدليس آخر، فإن عطية يقول حدثني أبو سعيد ويعني به أبا سعيد الكلبي كما أفاد أحمد فيظن السامع أنه أبو سعيد الخدري .
ومن بلايا العوفي: حديث " يوم السبت يوم مكر وخديعة "، وحديث " اليدان جناح والرجلان بريد " .

فالرّواية إذا لا تصحّ ولو قال عطية العوفيّ " حدّثنا أبو سعيد".

هذا وقد ذكر هذه الرّواية النووي في (الأذكار: ص58. باب ما يقول إذا توجه إلى المسجد) من روايتين:
في سند الأولى: وازع بن نافع العقيلي: قال النووي: "متفق على ضعفه".
وفي سند الثانية: عطية العوفي، وهو ضعيف كما سبق.
***
الشّبهة السّابعة عشر: { وابتغوا إليه الوسيلة }:
يستدلّون بقول الله (جلّ وعلا): { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (المائدة:35).
الجواب:
أولا: الوسيلة في هذه الآية هي التقرّب إلى الله (جلّ وعلا) بما يحبّه ويرضاه من الأحوال والأقوال والأعمال الصّالحة:
قال نبيّ الهدى (صلى الله عليه وآله): " نعم الوسيلة الاستغفار " (مستدرك الوسائل: 12/108).
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) كما في (نهج البلاغة): "إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله، فإنّه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة، وإقامة الصّلاة فإنّها الملّة، وإيتاء الزكاة فإنّها فريضة واجبة، وصوم شهر رمضان فإنّه جُنّة من العقاب، وحجّ البيت واعتماره فإنّهما ينفيان الفقر ويرحضان الذّنب، وصلة الرّحم فإنّها مثراة في المال ومنسأة في الأجل، وصدقة السرّ فإنّها تكفّر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنّها تدفع ميتة السّوء، وصنائع المعروف فإنّها تقي مصارع الهوان".(نهج البلاغة: بَابُ المخُتَْارِ مِنْ خُطب مولانا أمير المؤُمِنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) وأوامره ونواهيه وكلامه الجاري مجرى الخطب والمواعظ في المقامات المحضورة والمواقف المذكورة والخطوب الواردة. خطبة رقم 109: ومن خطبة له(عليه السلام) في أركان الدين).
ويقول (رضي الله عنه) موصيا ولده الحسن (رضي الله عنه) كما في (نهج البلاغة): "وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ والأرض قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وَتَكفَّلَ لَكَ بالإجابة، أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ... "(نهج البلاغة: باب المختار من كتب أمير المؤمنين (عليه السّلام) ورسائله إلى أعدائه وأمراء بلاده ويدخل في ذلك ما اختير من عهوده إلى عمّاله ووصاياه لأهله وأصحابه: وصية [31]: ومن وصيّته (عليه السلام) للحسن بن علي (عليه السلام)، كتبها إليه بـ "حاضرين" عند انصرافه من صفّين).
وهذا الإمام السجّاد –عليه رحمة الله- كان من دعائه كما في (الصّحيفة): "ووسيلتي إليك التّوحيد، وذريعتي أَنّي لم أُشرك بك شيئاً، ولم أَتّخذ معك إلهاً، وقد فررت إليك بنفسي، وإليك مفرّ المسيء، ومفزع المضيّع لحظّ نفسه، ...". (الصّحيفة: دعاء 49: وكان من دعائه (عليه السلام) في دفاع كيد الأعداء وردّ بأسهم).
وكان من وصيته عليه رحمة الله لأبنائه كما في (الكافي): عن ابن أبي حمزة قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السلام قال لابنه: "يا بَنِيّ من أصابه منكم مصيبة أو نزلت به نازلة فليتوضّأ وليسبغ الوضوء، ثم يصلّي ركعتين أو أربع ركعات ثم يقول في آخرهنّ: "يا موضع كلّ شكوى، ويا سامع كلّ نجوى، وشاهد كل ملاء، وعالم كلّ خفية، ويا دافع ما يشاء من بلية، ويا خليل إبراهيم، ويا نجي موسى، ويا مصطفي محمد (صلى الله عليه وآله) أدعوك دعاء من اشتدّت فاقته وقلّت حيلته وضعفت قوته، دعاء الغريق الغريب المضطرّ الذي لا يجد لكشف ما هو فيه إلا أنت يا أرحم الراحمين"، فإنّه لا يدعو به أحد إلا كشف الله عنه إن شاء الله". (الكافي: 02/560. باب الدعاء للكرب والهم والحزن والخوف: رواية 15).

ثانيا: قال ابن كثير (عليه رحمة الله) في تفسير الآية السّابقة: قال سفيان الثوري: حدثنا أبي، عن طلحة، عن عطاء، عن ابن عباس: أي القربة. وكذا قال مجاهد وعطاء وأبو وائل، والحسن، وقتادة، وعبد الله بن كثير، والسدي، وابن زيد.
وقال قتادة: أي تقرّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. وقرأ ابن زيد: { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } [الإسراء:57] وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه. (تفسير ابن كثير: 2 / 52 – 53).

ثالثا: الوسيلة في هذه الآية هي الوسيلة في قوله تعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً }الإسراء57.
والآية تتحدّث عن قوم يدعون عيسى ومريم وعزيرا والملائكة ومسلمي الجنّ، وهؤلاء ولا شكّ يتقرّبون إلى الله ويبتغون إليه الوسيلة بطاعته وبالعمل الصّالح.
***
الشّبهة الثّامنة عشر: قياس التوسّل إلى الخالق على التوسّل إلى المخلوق:
يقول أحدهم: لو أنك كنت في حاجة لا يقضيها إلا رئيس بلدك، وقد كان لك موقف غير مشرف معه في يوم من الأيام، وأردت أن توصل له حاجتك عن طريق شخص مقرب منه. أسألك: هل أنك قصدت الشخص المقرب ليقضي لك حاجتك أم أنه مجرد واسطة لأنه لا يستطيع أحد أن يقضيها إلا الرئيس في مفروض المثال؟.

الجواب:
أولا: لا حول ولا قوة إلا بالله، يضربون لله مثلا برئيس لا يعلم الغيب ولا يطّلع على حاجات رعيّته إلا إذا أطلع عليها، وإذا غضب على فرد من رعيته لا يرضى عنه أبدا حتى يحتاج ذلك الفرد إلى وسائط ليصلوا إليه:
يقول الله جلّ وعلا: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ{73} فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{74} }.

ثانيا: الله جلّ وعلا إذا أسأت في حقّه، لا يحتاج منك إلى أكثر من توبة صادقة، ليبدّل سيّئاتك حسنات، وتكون عنده أفضل ممّا كنت قبل الإساءة:
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{53} وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ{54}} (الزّمر).

ثالثا: نحن نمدح الحاكم إذا كان متواضعا ويسمح لرعيته بالدّخول عليه من دون وسائط، ثمّ نسيء الظنّ بربّنا الكريم، وننظر إليه على أنّه إذا أساء الواحد منّا في حقّه فلا بدّ له من شفيع يشفع له إليه... هذا لا يليق والله.

رابعا: لو أنّ الحاكم الذي ضرب به المثل، قال لرعيته: إذا أساء إليّ أحدكم، فليأتني مباشرة ويعتذر إليّ، وأنا سأقبل عذره مهما كان خطؤه، وسأسامحه، وسيكون عندي أفضل ممّا كان عليه قبل أن يخطئ في حقّي. إذا قال الحاكم هذا، فهل يجرؤ أحد من رعيته أن يذهب إلى غيره ليتوسّط له إليه؟.

خامسا: يقول الإمام عليّ بن أبي طالب موصيا ابنه الحسن (رضي الله عنهما):
" واعلم أنّ الّذي بيده خزائن السّماوات والأرض قد أذن لك في الدّعاء وتكفّل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه".
***
الشّبهة التّاسعة عشر: التعلّل بالنيّة:
كثير من المغرّر بهم إذا أنكِرت عليهم استغاثتُهم بغير الله، لجّوا وقالوا: نحن نقول يا عليّ، يا حسين، ونقصد الله جلّ في علاه.
الجواب:
أولا: عجيب غريب هذا التّعليل، الله جلّ وعلا يقول: { وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } (الأعراف:180). فهل من أسمائه (جلّ وعلا) حسين؟. إذا كان يقصد الله فلماذا لا يناديه بأسمائه الحسنى؟.
والله الذي لا إله إلا هو لو تعلّقت القلوب بالله جلّ وعلا لما لهجت الألسن بذكر غيره..
قد يخطئ لسان المسلم من غير قصد، لكن أن يتعمّد الخطأ ثمّ يقول أنا أقصد شيئا آخر، فهذا غير مقبول. يقول (تبارك وتعالى): { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } (الأحزاب:5).
قال الطّباطبائي في (تفسير الميزان) عند هذه الآية: " وقوله: " {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}: أي لا ذنب لكم في الذي أخطأتم به لسهو أو نسيان فدعوتموهم لغير آبائهم ولكن الذي تعمدته قلوبكم ذنب أو ولكن تعمد قلوبكم بذلك فيه الذنب. وقوله: "و كان الله غفورا رحيما" راجع إلى ما أخطئ به".

ثانيا: مثل هذا التّبرير لا يقبله بشر في حقّه، فكيف يقابل به الله جلّ وعلا، فلو أنّ رجلا ناداه آخر باسم رجل آخر هو دونه وقال أنا أقصدك أنت، ما قبل منه ذلك أبدا.

ثالثا: النية تنفع صاحبها إذا كان العمل صالحا، فيؤجر إن كان مخلصا، ويذهب عمله هباءً إن لم يكن كذلك، أمّا مع العمل الفاسد فإنّ النية لا تنفع. يقول جلّ وعلا: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً{103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً{104}} (الكهف).
والعمل لكي يكون صحيحا ومقبولا، لا بدّ له من شرطين:
الأوّل: الإخلاص، بأن يكون خالصا لوجه الله جلّ وعلا.
الثاني: الصّواب، بأن يكون موافقا للشّرع.
{ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } (الكهف:110).
في (الكافي) عن أبي عثمان العبدي، عن جعفر، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة) (الكافي: 01/70).

رابعا: لماذا نصرّ على خداع النّاس والتماس الأعذار لهم وهم قد أخطؤوا في أعظم حقّ لله جلّ وعلا ألا وهو التّوحيد. بدل أن نلتمس لهم الأعذار ونبحث لهم عن تأويلات ومخارج، ينبغي أن نعلّمهم حكم الشّرع فيما يعملون، وكما يقول المثل: " صديقك من صدقك لا من صدّقك "... لماذا لا نصدق هؤلاء المساكين، ونبيّن لهم خطأ ما يفعلون، ونواجههم بآيات القرآن وبأقوال أعلام أهل البيت الصّريحة التي تحرّم دعاء غير الله. قبل أن يوقفوا يوم القيامة بين يدي الله فيجدون غير ما كانوا يحتسبون: { وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } (الزمر:47).
لماذا نجامل النّاس على حساب حقّ الله جلّ وعلا؟، إذا كنّا نحبّ الله جلّ وعلا أكثر من حبّنا لأيّ مخلوق آخر، فلا يجوز أن نجامل أحدا على حساب حقّ الله تبارك وتعالى..
يخلق سبحانه عبدا من عباده ويحفظه ويمتّعه بالصحّة والعافية ويرزقه من حيث لا يحتسب، ويفتح أبوابه له ليدعوه، ويقول سبحانه: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (البقرة:186). ثمّ إذا بهذا العبد يطلب حوائجه من غيره، ويذكر غيره أكثر من ذكره، ويلهج لسانه بذكر غيره أكثر من ذكره سبحانه:
في (الكافي) عن الحسين بن علوان قال: كنّا في مجلس نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعض أصحابنا: من تؤمّل لما قد نزل بك؟ فقلت: فلانا، فقال: إذًا والله لا تُسعف حاجتك ولا يَبلغك أملك ولا تنجح طلبتك، قلت: وما علمك رحمك الله؟ قال: "إنّ أبا عبد الله (عليه السّلام) حدّثني أنّه قرأ في بعض الكتب أنّ الله تبارك وتعالى يقول: وعزّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي لأقطعنّ أمل كلّ مؤمّل [من الناس] غيري باليأس، ولأكسونّه ثوب المذلّة عند الناس، ولأنحينّه من قربي، ولأبعدنّه من فضلي، أيؤمِّل غيري في الشّدائد والشّدائد بيدي؟!، ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني؟!فمن ذا الذي أمّلني لنوائبه فقطعته دونها؟! ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاء ه منّي؟! جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي، وملأت سماواتي ممّن لا يملّ من تسبيحي وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم من طرقَته نائبة من نوائبي أنّه لا يملك كشفها أحد غيري إلا مِن بعد إذني، فمالي أراه لاهيا عنّي، أعطيته بجودي ما لم يسألني ثم انتزعته عنه فلم يسألني ردّه وسأل غيري؛ أ فيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم أُسأل فلا أجيب سائلي؟! أبخيل أنا فيبخّلني عبدي؟، أوليس الجود والكرم لي؟! أوليس العفو والرحمة بيدي؟! أوليس أنا محلّ الآمال؟! فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشى المؤمّلون أن يؤمّلوا غيري، فلوا أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أمّلوا جميعا ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة، وكيف ينقص ملك أنا قيمه؟!، فيا بؤسا للقانطين من رحمتي، ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني". (الكافي: 02/66. باب التفويض إلى الله والتوكل عليه: رواية 07).
***






 
قديم 15-12-11, 10:28 PM   رقم المشاركة : 3
أبو سند
مشرف








أبو سند غير متصل

أبو سند is on a distinguished road


يرفـــــــــع

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ{17} قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً{18} فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً{19} وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً{20} (الفرقان).







التوقيع :
معضلة التقية في دين الإمامية
جواب , لماذا أهل البيت وليس أهل البيوت ؟
من مواضيعي في المنتدى
»» لا تستغربوا : نعم هو الإمام الحجه
»» ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) سؤال للامامية
»» منار الايمان ...تفضل بخصوص أهل البيت في اية التطهير
»» خواطر تجتاح قلبي ولكم أنثرها
»» الحاج صفوان تفضل بخصوص تعريف أهل البيت
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:53 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "