العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-06-05, 03:54 AM   رقم المشاركة : 1
osamal
مشترك جديد





osamal غير متصل

osamal is on a distinguished road


رواية الطوفان والانقادات التي تثيرها

رواية الطوفان والانتقادات التي تثيرها

رواية الطوفان في التوراة

نجد في التوراة( 1 ) وكما يقول سفر التكوين الإصحاحات 5 , 6 , 7 , 8 , 10 مكرسة لروية الطوفان . الحقيقة أن في هذه الإصحاحات تناقضات صارخة , تعلل هذه المتناقضات بوجود مصدرين متميزين بشكل جلى : أي المصدر اليهوى والمصدر الكهنوتي .
- الرواية اليهوية التي ترجع إلى القرن التاسع قبل الميلاد .
- الرواية الكهنوتية التي ترجع إلى القرن السادس قبل الميلاد التي أخذت هذا الاسم لأنها مؤلف لكهنة ذلك العصر .
ولا تأتي هاتان الروايتان كل إلى جانب الأخرى إنما تتشابكان وتتداخل عناصر إحداهما في الأخرى وتتعاقب فقرات كل مصدر بالتبادل مع فقرات المصدر الأخر .
وتشير تعليقات ترجمة سفر التكوين للأب ديفو R.P. de vaux , الأستاذ بمدرسة الكتاب المقدس بالقدس , إلى هذا التوزيع للفقرات بين المصدرين :
فالرواية تبدأ وتنتهي بفكرة يهوية فهناك بالأجمال 10 فقرات يهوية , وبين كل فقرة منها توجد فقرة من النص الكهنوتي ( أي بالإجمال 9 فقرات كهنوتية ) . هذه النصوص متعددة الأصول ولا تتمتع بالوضوح إلا من حيث تعاقب الأحداث , فبين النصين توجد تناقضات صارخة . ويقول الأب ديفو ( إنهما حكايتان للطوفان تختلف فيهما العوامل آلتي أدت ألي الطوفان كما يختلف زمن وقوعه ويختلف عدد الحيوانات التي شحنها نوح بالسفينة ) .
ولقد شكلا هذين المصدرين تجميعا متنافرا . فقد قطع كل نص أصلى إلى فقرات أو عبارات مع تعاقب عناصر كل مصدر مع عناصر المصدر الآخر , بحيث إننا ننتقل من مصدر لآخر في الرواية سبع عشرة مرة وذلك خلال مائة سطر تقريبا من النص .

والرواية في شمولها هي كما يلي :
لما عم فساد البشر قر الله تدميرهم مع كل المخلوقات الحية الأخرى . فحذر نوحا وآمره ببناء السفينة التي سيدل بها زوجته وأولاده الثلاثة بزوجتهم الثلاث وكائنات حية أخرى .

تكوين 5
25 وعاش متوشالح مائة وسبعا وثمانين سنة وولد لامك .
26 وعاش متوشالح بعدما ولد لامك سبع مائة واثنين وثمانون سنة وولد بنين وبنات .
27 فكانت كل أيام متوشالح تسع مائة وتسعا وستين سنة ومات .
28 وعاش لامك مائة واثنين وثمانون سنة وولد ابنا .
29 ودعا اسمه نوحا . قائلا هذا يعزينا عن عملنا وتعب أيدينا من قبل الأرض التي لعنها الرب .
30 وعاش لامك بعدما ولد نوحا خمس مائة وخمسا وتسعين سنة وولد بنين وبنات .
31 فكانت كل أيام لامك سبع مائة وسبعا وسبعين سنة ومات .
32 وكان نوح ابن خمس مائة سنة وولد ساما وحاما ويافث .

تكوين 6
10 وولد نوح ثلاثة بنين ساما وحاما ويافت .
11 وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض ظلما .
12 ورأى الله الأرض فإذا هي قد فسدت . إذ كان كل بشر قد افسد طريقه على الأرض .
13 فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي , لان الأرض امتلأت ظلما منهم فها أنا مهلكهم مع الأرض .
14 اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر . تجعل الفلك مساكن . وتطليه من داخل ومن خارج بالقار .
15 وهكذا تصنعه . ثلاثة مائة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعا عرضه وثلاثون ذراعا ارتفاعه .
16 وتصنع كوة للفلك وتكمله ألي حد ذراع من فوق . وتضع باب الفلك في جانبه . مساكن سفلية ومتوسطة
وعلوية تجعله .
17 فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء . كل ما في الأرض
يموت .
18 ولكن أقيم عهدي معك . فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء ب************ معك .
19 ومن كل حي من كل ذي جسد اثنين من كلّ تدخل ألي الفلك لاستبقائها معك , تكون ذكرا وأنثى .
20 من الطيور كأجناسها ومن البهائم كأجناسها ومن كل دبابات الأرض كأجناسها . اثنين من كلّ تدخل إليك
لاستبقائها .
21 وأنت فخذ لنفسك من كل طعام يؤكل واجمعه عندك , فيكون لك ولها طعاما .
22 ففعل نوح حسب كل ما آمراه الله . هكذا فعل .

تكوين 7
1 وقال الرب لنوح ادخل أنت وجميع بيتك ألي الفلك , لأني إياك رأيت بار لدي في هذا الجيل .
2 من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وأنثي , ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرا
وأنثي .
3 ومن طيور السماء أيضا سبعة سبعة ذكرا وأنثى , لاستبقاء نسل على وجه كل الأرض .
4 لأني بعد سبعة أيام أيضا أمطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة . وأمحو عن وجه الأرض كل قائم
عملته .
5 ففعل نوح حسب كل ما أمره به الرب .
6 ولما كان نوح ابنا ست مائة سنة صار طوفان الماء على الأرض .
7 فدخل نوح وبنوه وآمراته ونساء بنيه معه ألي الفلك من وجه مياه الطوفان .
8 ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدبّ على الأرض .
9 دخل اثنان اثنان ألي نوح ألي الفلك ذكرا وأنثي . كما آمر الله نوحا .
10 وحدث بعد السبعة الأيام أن مياه الطوفان صارت على الأرض .
11 في سنة ست مائة من حياة نوح في الشهر الثاني في اليوم السابع عشر من الشهر في ذلك اليوم انفجرت
كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء .
12 وكان المطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة .
13 في ذلك اليوم عينه دخل نوح وسام وحام يافث بنو نوح وامرأة نواح وثلاثة نساء بنيه معهم ألي الفلك .
14 هم وكل الوحوش كأجناسها وكل البهائم كأجناسها وكل الدبابات التي تدب على الأرض كأجناسها وكل
الطيور كأجناسها كل عصفور كل ذي جناح .
15 ودخلت ألي نوح ألي الفلك اثنين اثنين من كل جسد فيه روح حياة .
16 والداخلات دخلت ذكرا وأنثى من كل ذي جسد كما أمره الله . واغلق الرب عليه .
17 وكان الطوفان أربعين يوما على الأرض . وتكاثرت المياه ورفعت الفلك , فارتفاع عن الأرض .
18 وتعاظمت المياه وتكاثرت جدا على الأرض , فكان الفلك يسير على وجه المياه .
19 وتعاظمت المياه كثيراً جداً على الأرض . فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كل السماء .
20 خمس عشرة ذراعا في الارتفاع تعاظمت لمياه . فتغطت الجبال .
21 فمات كل ذي جسد كان يدبّ على الأرض , من الطيور والبهائم والوحوش وكل الزحّافات التي كانت
تزحف على الأرض وجميع الناس .
22 كل ما في انفه نسمة روح حياة من كل ما في اليابسة مات .
23 فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض . الناس والبهائم والدبّابات وطيور السماء . فانمحت من
الأرض . وتبقّي نوح والذين معه في الفلك فقط .
24 وتعاظمت المياه على الأرض مائة وخمسين يوما .

تكوين 8
1 ثم ذكر الله ونوحا وكل الوحوش وكل البهائم التي معه في الفلك . وأجاز الله ريحا على الأرض فهدأت
المياه .
2 وانسدّت ينابيع الغمر وطاقات السماء . فامتنع المطر من السماء .
3 ورجعت المياه على الأرض رجوعا متواليا . وبعد مائة وخمسين يوما نقصت المياه .
4 واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال اراراط .
5 وكانت المياه تنقص نقصا متوالياً ألي الشهر العاشر . وفي العاشر في أول الشهر ظهرت رؤوس الجبال .
6 وحدث من بعد أربعين يوما أن نوحا فتح طاقة الفلك التي كان قد عملها .
7 وأرسل الغراب , فخرج مترددا حتى نشفت المياه عن الأرض .
8 ثم أرسل الحمامة من عنده ليرى هل قلت المياه عن وجه الأرض .
9 فلم تجد الحمامة مقرا لرجلها . فرجعت أليه ألي الفلك , لان مياها كانت على وجه كل الأرض , فمد يده
وأخذها وأدخلها عنده ألي الفلك .
10 فلبث أيضا سبعة أيام أخر وعاد فأرسل الحمامة من الفلك .
11 فأتت أليه الحمامة عند المساء وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها . فعلم نوح أن المياه قد قلت عن
الأرض .
12 فلبث أيضا سبعة أيام أخر وأرسل الحمامة فلم تعد ترجع أليه أيضا .
13 وكان في السنة الواحدة والست مائة في الشهر الأول في أول الشهر أن المياه نشفت عن الأرض , فكشف
نوح الغطاء عن الفلك ونظراً فإذا وجه الأرض قد نشف .
14 وفي الشهر الثاني في اليوم السابع والعشرين من الشهر جفت الأرض .
15 وكلم الله نوحا قائلا .
16 اخرج من الفلك أنت وآمراتك وبنوك ونساء ب************ معك .
17 وكل الحيوانات التي معك من كل ذي سد الطيور والبهائم وكل الدبابات التي تدب على الأرض أخرجها
معك , ولتتوالد في الأرض وتثمر وتكثر على الأرض .
18 فحرج نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه .
19 وكل الحيوانات كل الدبابات وكل الطيور كل ما يدب على الأرض كأنواعها خرجت من الفلك .

تكوين 10
1 وهذه مواليد بنى نوح , سام وحام ويافث , وولد لهم بنون بعد الطوفان .
2 بنو يافث جومر وماجوج وماداي وياوان وتوبال وماشك وتيراس .
3 وبنو جومر اشكناز وريفاث وتوجرمة .
4 وبنو ياوان أليشة وترشيش وكئيم ودودائيم .
5 من هؤلاء تفرقت جزائر الأمم بأراضيهم كل إنسان كلسانه حسب قبائلهم بأممهم .
6 وبنو حام كوش ومصرايم وفوط وكنعان .
7 وبنو كوش سبا وحويلة وسبتة ورعمة وسبتكما . وبنو رعمة شبا وددان .
8 وكوش ولد نمرود الذي ابتدأ يكون جبارا في الأرض .
9 الذي كان جبار صيد أمام الرب , لذلك يقال كنمرود جبار صيد أمام الرب .
10 وكان ابتداء مملكته بابل وآرك واكد وكلنة في ارض شنعار .
11 من تلك الأرض خرج أشور وبنى نينوي ورحوبوث عير وكالح .
12 ورسن بين نينوى وكالح , هي المدينة الكبيرة .
13 ومصرايم ولد لوديم وعناميم ولهابيم ونفتوحيم .
14 وفتروسيم وكسلوحيم , الذين خرج منهم فلشتيم وكفتوريم .
15 وكنعان ولد صيدون بكره وحثا .
16 واليبوسي والآمورى والجرجاشي .
17 والحوي والعرقي والسيني .
18 والأروادي والصماري والحماثي . وبعد ذلك تفرقت قبائل الكنعاني .
19 وكانت تخوم الكنعاني من صيدون حينما تجئ نحو جرار ألي غزة وحينما تجئ نحو سدوم وعمورة وأدمة
وصبويهم ألي لاشع .
20 هؤلاء بنو حام حسب قبائلهم كألسنتهم بأراضيهم وأممهم .
21 وسام أبو كل بني عابر أخو يافث الكبير ولد له أيضا بنون .
22 بنو سام عيلام واشور وارفكشاد ولود وارام .
23 وبنو ارام عوص وحول وجاثر وماش .
24 وارفكشاد ولد شالح وشالح ولد عابر .
25 ولعابر ولد ابنان اسم لواحد فالج لان في أيامه قسمت الأرض , واسم أخيه يقطان .
26 ويقطان ولد ألموداد وشالف وحضر موت ويارح .
27 وهدورام واوزال ودقلة .
28 وعوبال وأبيمايل وشبا .
29 وأوفير وحويلة ويوباب . جميع هؤلاء بنو يقطان .
30 وكان مسكنهم من ميشا حينما تجئ نحو سفار جبل المشرق .
31 هؤلاء بنو سام حسب قبائلهم كألسنتهم بأراضيهم حسب أممهم .
32 هؤلاء قبائل بنى نوح حسب مواليدهم بأممهم . ومن هؤلاء تفرقت الأمم في الأرض بعد الطوفان .

إن رواية الطوفان في العهد القديم ( التوراة ) غير مقبولة في إطارها العام وذلك لسبب يتضح على ضؤ المعارف الحديثة :
حيث يعطى العهد القديم للطوفان طابعا عالميا فكما يقول إصحاح التكوين ( التكوين 7 الآية 21 , 22 , 23 ) يخص الطوفان كل الجنس البشرى , فكل الكائنات الحية التي خلقها الله قد أعدمت على الأرض حسب هذه الرواية . إن البشرية , والأمر هكذا , تكون قد أعادت تكوين نفسها ابتداء من أولاد نوح وزوجاتهم , بحيث أنه , عندما يولد إبراهيم بعد ذلك بثلاثة قرون تقريبا ( يحدد سفر التكوين الطوفان بـ 292 سنة قبل ميلاد إبراهيم عليه السلام ) , فإنه يجد الإنسانية قد أعادت تكوين نفسها في مجتمعات . كيف يمكن لأعادت البناء هذه أن تتم في زمن قصير ألي هذا الحد !! إن هذه الملاحظة البسيطة تنزع عن النص أية معقولية .
أكثر من ذلك فالمعطيات التاريخية تثبت استحالة اتفاق هذه الرواية مع المعارف الحديثة . والوقع أن عصر إبراهيم يحدد بالسنوات 1800 – 1850 قبل الميلاد تقريبا . فإذا كان الطوفان قد حدث قبل ثلاثة قرون من إبراهيم , كما يوحي سفر التكوين في الأنساب , فإن الطوفان يقع بين القرن 21 , 22 قبل الميلاد وذلك هو العصر الذي كانت قد ظهرت من قبله في نقاط مختلفة من الأرض حضارات انتقلت أطلالها للأجيال التي
تلتها .
إن المعارف التاريخية الحديثة تسمح بتأكيد هذا :
على سبيل المثال فهذه الفترة , بالنسبة لمصر , هي التي تسبق الدولة الوسطى ( 2100 قبل الميلاد ) , وهذا بالتقريب هو تاريخ الفترة الوسطى الأولى قبل الأسرة الحادية عشرة . وفي بابل أسرة أور الثالثة . ومن المعروف جيدا أنه لم يحدث انقطاع في هذه الحضارات وبالتالي لم يحدث إعدام للبشرية برمتها كما تقول التوراة .

كذلك هناك مقطع من الرواية إصحاح التكوين ( تكوين 6 الآية 19 ) ( وهو كهنوتي الأصل ) يشير ألي نوحا قد اخذ زوجا من كل نوع , ثم يحدد المقطع التالي ( تكوين 7 الآية 2 , 3 ) ( وهو من الأصل اليهوي ) أن الله قد أمر بأخذ سبعة من كل نوع ذكر وأنثى من الحيوانات المسماة بالطاهرة , وزوجا واحد من الحيوانات المسماة بغير الطاهرة . ولكن بعد ذلك يتضح أن نوحا لن يدخل ألي السفينة إلا زوجا من كل نوع من الحيوانات ( تكوين 7 الآية 8 , 9 ) !!

من الثابت تاريخياً أن التوراة قد كتبت عبر مسافة زمنية تبدأ في القرن العاشر قبل الميلاد وتنتهي في القرن الأول . فالأسفار الخمسة الأولى كتبت على مدار ثلاثة قرون ابتداءً من القرن العاشر قبل الميلاد ، أما آخر الأسفار فقد حررت خلال القرن الأول قبل الميلاد . وبالطبع فالتوراة بمختلف أسفارها غذتها ثلاثة روافد دينية وثقافية متميزة . فهناك أولاً تأثير الديانة الأخناتونية (أول ديانة توحيدية) في مصر ، وثانياً التأثير الكنعاني الواضح حتى في استعارة أسماء ووظائف وبطولات الآلهة الكنعانية أثناء تواجدهم في فلسطين ، وأخيراً التأثير الرافديني خلال فترة السبي البابلي لهم في مد التوراة بقصص التكوين والخليقة والجنة وهبوط آدم منها .
لقد ظل التراث العبري ، والذي يغطي فترة زمنية تقارب الألف عام ، في حالة جيدة من الحفظ . أما مآثر الحضارات القديمة فقد تعرضت للضياع . لهذا فقد ظلت التوراة مصدر معظم المعلومات ذات الصلة ببدايات الكون وخلق البشر وما إلى ذلك . ليس هذا فحسب بل إنها اكتسبت بلون قدسي كونها وحي منزل من السماء على أنبياء بني إسرائيل . غير أن الاكتشافات الأركيولوجية التي بدأت منذ القرن التاسع عشر في بلاد الرافدين ومنطقة الشام قدمت نتائج مذهلة . فالألواح السومرية والبابلية والكنعانية ، رغم حالتها المهترئة ، نسفت قدسية وتاريخية العهد القديم ، بل وأظهرت مدى اعتماد العبرانيين على جيرانهم من الأقوام السامية الأخرى في استعارة أساطيرهم وآلهتهم وتجييرها لمصلحة " يهوه " الإله اليهودي القومي . وللتدليل على دور الأساطير القديمة في مد العبرانيين بالعناصر الأساسية للمرويات التوراتية ما نجده بوضوح لا يقبل الشك في أصل أسطورة الطوفان السومرية والبابلية . سأتناول في السطور القادمة - وبشيء من الإيجاز - ملامح كل من قصص الطوفان عند السومريين والبابليين والعبرانيين حسب ترتيبها التاريخي ، على أن استعرض في المقالات اللاحقة نماذج أخرى تنطوي على تقاطع الأسطورة مع الدين .

النسخة السومرية
يلزم التنويه في البداية إلى أن الألواح السومرية – ذات الصلة بالطوفان - والتي يعود الفضل في اكتشافها إلى الباحث الأمريكي أرنولد بوبيل وتحديداً في عام 1914 يغلب عليها التشوه والنقصان في كثير من مقاطعها . إلا أن الأجزاء السليمة تشف عن الخطوط العريضة لحكاية الطوفان . ملخص الحكاية أن مجلس الآلهة وعلى رأسهم إله الهواء " انليل " قرر إفناء البشر بإغراقهم بالماء للقضاء على شرورهم وآثامهم . لم يحظ هذا القرار برضى كل الآلهة كما يتضح من بكاء ونواح إلهة الحب والجمال " إنانا " والتي سميت فيما بعد عند البابليين بعشتار . أما إله الحكمة والمياه العذبة " انكي " والذي عرف بحبه وصداقته للإنسان فقد اتصل بالملك الصالح التقي " زيوسدرا " كاشفاً له عن عزم الآلهة على إهلاك البشر . وصف انكي للملك خطة تنقذ بذرة الحياة من الضياع الكلي ، وذلك ببناء سفينة ، اسمها " ماجور " ، يشحن فيها الملك الفئة الصالحة من البشر وبعض الحيوانات . وعندما حانت ساعة الصفر ، تفجرت ينابيع الأرض بقوة ، وإنثال مطر السماء بعنف ، ثم انطلقت السفينة تخوض وسط جبال الموج لمدة ستة أيام وستة ليال متواصلة . لا يذكر النص نتيجة التشوهات أين استقرت السفينة ، وكيف اهتدى الملك الصالح إلى انحسار الماء عن جهات الأرض . إلا أنه يعود ليصف ما قام به زيوسدرا كتعبير عن امتنانه للآلهة ، حينما خر ساجداً أمام آله الشمس " أوتو " ، ثم ذبح ثور كقربان . تشم الآلهة رائحة القربان فتتجمع حول الذبيحة كالذباب . وعندما يقترب انليل من الطعام ، يفاجأ ببقاء بعض البشر فيغضب ، لكنه سرعان ما يتراجع أمام تقريع بعض الآلهة . وكأنما أراد انليل التكفير عن ذنبه بإسباغ الخلود على زيوسدرا بإسكانه في جنة السومريين - دلمون – أو أرض البحرين الحالية التي كانت أرض الخلود للآلهة فقط .

النسخة البابلية
تعتبر حكاية الطوفان جزء من ملحمة " جلجامش " إحدى روائع الفكر البابلي القديم . ويعود الفضل في اكتشاف ملحمة جلجامش إلى عالم الآثار الإنجليزي جورج سميث في عام 1872. تتناول هذه الملحمة الرائعة مساعي الملك السومري الذائع الصيت جلجامش في البحث عن سر الخلود . يضطر الملك أن يقطع مسافات شاسعة بحثاً عن " اتراحيسس " أحد الناجين من الطوفان الكبير ليسأله عن كيفية الصمود في وجه الموت
للأبد . لا يهم هنا الحديث عن قصة جلجامش ولكن ما يهم هو كيف تناولت تلك الملحمة وصف الطوفان . لا تختلف القصة هنا كثيراً عن سابقته ، فالإله " انليل " لا يقوى على النوم بعد أن تكاثر البشر وزاد ضجيجهم ، فيقرر التخلص منهم حتى ينام في هدوء . يلعب " ايا " أو " أنكي " دور المنقذ ، فيتصل سراً باتراحيسس الملك الصالح ليطلعه على قرار انليل المدمر . ينصح ايا الملك ببناء سفينة كبيرة ، اسمها " ايليبو " ، تتسع لبعض أهله وأصحاب الحرف وما استطاع إليه من الحيوانات والمتاع والحبوب . وفي الموعد المقرر ، فتحت الآلهة المعنية بالمطر والسدود ومياه الأعماق الدفينة فوهات المياه ، فاندفعت من فوق ومن أسفل مغرقة الأرض كلها في سبعة أيام وسبعة ليال . وفي نهاية المطاف ، استقرت السفينة على قمة جبل " نصير " أي جبل الخلاص ، وموقعه في جنوب نهر الزاب الأدنى ، أحد روافد نهر دجلة . في نهاية اليوم السابع ، أرسل اتراحيسس حمامة لاستطلاع الأرض ، فعادت إليه عندما لم تجد موضعا. ثم بعث سنونو، فطار ثم عاد إليه عندما لم يجد
موضعا . وفي المرة الثالثة ، أطلق غرابا فطار ولم يرجع . فعرف أن الأرض قد عادت صالحة للسكنى من جديد . وكما فعل سلفه زيوسدرا ، يقوم اتراحيسس بذبح قربان شكراً للآلهة التي تنشقت رائحة الذبيحة ، فنزلت إلى الأرض . وعندما تقترب الآلهة من القربان ، تتأسف عشتار على ما حل بالأرض ، وتوجه اللوم لانليل الذي أظهر أسفه على فعلته . وكتعبير عن الشعور بالندم ، يمنح انليل اتراحيسس وزوجته البركة والخلود .

رواية الطوفان في القران الكريم
لا يقدم القران الكريم عن الطوفان رواية مستمرة . فهناك سور عديدة تتحدث عن العقاب الذي وقع على شعب نوح . أما اكثر الروايات كمالا فهي في سورة هود ( 11 ) الآيات من 25 ألي 49 أما سورة نوح ( 71 ) فهي تذكر بشكل خاص موعظة نوح كما تفعل ذلك الآيات من 105 ألي 115 من سورة الشعراء ( 26 ) .
ولكن قبل أن ننظر في مجري الأحداث بالمعنى الحقيقي علينا أن نحدد الطوفان مثلما يخبر به القران بالنسبة ألي السياق العام للعقوبات التي أنزلها الله على جماعات أذنبت بشكل خطير بتعديها على وصايا الله .
على حين تتحدث التوراة عن طوفان عالمي لعقاب كل البشرية الكافرة , يشير القران على العكس , ألي عقوبات عديدة نزلت على جماعات محددة جيدا .
تشير ألي ذلك الآيات من 35 ألي 39 من سورة الفرقان ( 25 ) :
( ولقد أتينا مُوسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارُون وزيرا * فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرنهم تدميرًا * وقوم نُوح لما كذبوا الرسل أغرقنهم وجعلناهم للناس آية واعتدنا للظالمين عذابا أليما * وعادا وثمودا وأصحاب الرّسّ وقرونا بين ذلك كثيرا ) .

أما سورة الأعراف ( 7 ) – الآيات من 59 ألي 93 – فتقدم العقوبات التي نزلت على شعب نوح وعاد وثمود وسدوم ومدين كل على حدة .
وعلى ذلك فالقران يقدم كارثة الطوفان باعتبارها عقابا نزل بشكل خاص على شعب نوح وهذا يشكل الفرق الأساسي الأول .
أما الفرق الجوهري الثاني فهو أن القران , وعلى عكس التوراة , لا يحدد زمن الطوفان ولا يعطي أية إشارة عن مدة الكارثة نفسها .

أن رواية الطوفان التي تحتوى عليها سورة هود ( 11 ) الآيات من 36 ألي 49 , وسورة المؤمنون ( 23 ) , الآيات من 23 ألي 30 ورواية التوراة فلا تقدمان اختلافات ذات دلالة خاصة .

سورة هود ( 11 ) الآيات من 36 ألي 39 ( 1 )
( وأوحى إلى نُوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون * واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون * ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منهُ قال إن تسخروا منا فإنا نسخرُ منكم كما تسخرُون * فسوف تعلموُن من به يأتيه عذاب يخزيه ويحلُّ عليه عذاب مقيم ) .

يخبرنا الله تعالى انه أوحى ألي نوح ( أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) فلا تحزن عليهم ولا يهمانك أمرهم ( واصنع الفلك ) يعنى السفينة ( بأعيننا ) أي بمرأى منا ( ووحينا ) أي تعليمنا لك ما تصنعه ( ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ) .
وقال بعض السلف أن الله تعالى قد آمر نوح أن يغرز الخشب ويقطعه ويبيسه في مائة سنة ونجرها في مائة سنة أخرى وقيل في أربعين سنة والله أعلم .

وذكر محمد بن أسحق عن التوراة أن الله أمر نوح أن يصنعها من الخشب الساج وأن يجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا وأن يطلى باطنها وظاهرها بالقار . وقال قتادة كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين وعن حسن طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلاثمائة وعنه مع ابن عباس طولها ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة وقيل طولها ألفا ذراع وعرضها مائة ذراع والله اعلم .
وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعا , ثلاث طبقات كل طبقة عشرة أذراع فالسفلي للدواب والوحوش والوسطي للإنس والعلوي للطيور وكان بابها في عرضها ولها غطاء من فوقها مطبق عليها , وقد ذكر الأمام أبو جعفر بن جرير أثرا غريبا من حديث على بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن عبد الله بن عباس انه قال : قال الحواريون لعيسى ابن مريم لو بعثت لنا رجل شهد السفينة فحدثنا عنها , فانطلق بهم حتى انتهى ألي كثيب من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه فقال أتدرون ما هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم , قال هذا كعب حام بن نوح , ضرب الكثيب بعصاه وقال قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب فقال له عيسى عليه السلام أهكذا هلكت ؟ قال لا فلقد مت وأنا شاب ولكن ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت , فقال له عيسى عليه السلام حدثنا عن سفينة نوح ؟ قال كان طولها ألف ومائتي ذراع وعرضها ستمائة وكانت ثلاث طبقات فطبقة فيها الدواب والوحوش وطبقة فيها الإنس وطبقة فيها الطير فلما كثر روث الدواب أوحى الله عز وجل ألي نوح عليه السلام أن أغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع خنزير وخنزيره فأقبلا على الروث ولما وقع الفأر بجوف السفينة يقرضها أوحي الله ألي نوح أن أضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره قط وقطة فأقبلا على الفار .
ثم سال عيسي عليه السلام حام كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت ؟ فقال بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليه فدعا عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت , ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقاره وطين برجليها فعلم نوح أن البلاد قد غرقت فطوقها بالخصرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت . فقال الحواريون لعيسى ابن مريم , يا رسول الله ألا ننطلق به ألي أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ ثم قال عيسى عليه السلام عد بإذن الله فعاد ترابا .
ألا أن هذا الحديث يضل قريب من الأساطير ويغلب عليه الخيال وعدم الدقة كما لم تسندها روايات آخرها يمكن أن تأكده .

سورة هود ( 11 ) الآية 40
( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن ءامن وما ءامن معه إلا قليل ) .

هذه موعده من الله تعالى لنوح عليه السلام إذا جاء آمر الله من الأمطار المتابعة , وآما قوله ( وفار التنور ) فعن ابن العباس آن التنور هو وجه الأرض , أي صارت الأرض عيونا تفور حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار حتى صارت الماء تفور منها .
وعن على ابن طالب رضي الله عنه التنور لق الصب وتنوير الفجر وهو ضياؤه وإشراقه , وقال مجاهد والشعبي كان التنور بالكوفة , وعن ابن العباس عين بالهند , وعن قتادة عين بالجزيرة يقال لها عين الوردة وهذه أقوال غريبة !! .
حينئذ أمر الله نوحا عليه السلام أن يحمل معه من كل زوجين اثنين من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح , وقيل كذلك من النباتات اثنين ذكرا وأنثى وقيل كأن أول من أدخل من الطيور الدرة وأخر من أدخل من الحيوانات الحمار فتعلق إبليس بذنبه وكلما أرد الحمار أن ينهض يثقله إبليس وهو متعلق بذنبه فيقول له نوح عليه السلام : ( مالك ويحك ادخل , فينهض ولا يقدر ) , فقال نوح : ( أدخل وإن كان إبليس معك ) , فدخلا في السفينة وذكر بعض السلف أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم الأسد حتى ألقيت عليه الحمى .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ( لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين قال أصحابه وكيف تطمئن المواشي ومعها الأسد ؟ فسلط الله عليه الحمى فكانت أول حمى نزلت في الأرض ثم شكوا الفارة فقالوا الفويسقة( 1 ) تفسد علينا طعامنا ومتاعنا فأوحي الله ألي الأسد فعطس فخرجت الهرة منه فتخبت الفأرة منها ) ألا أن تنسيب هذا الحديث ألي الرسول الكريم فيها بعض الشك والخيال ! . وقوله تعالى ( وأهلك إلا من سبق عليه القول ) أي واحمل فيها أهلك وهم أهل بيته وقرابته إلا من سبق عليه القول منهم ممن لم يؤمن
بالله فكان منهم ابنه يام الذي انعزل وحده وامرأة نوح وكانت كافرة بالله ورسوله , وقوله تعالى ( ومن
ءامن ) أي من قومك , (وما ءامن معه إلا قليل ) أي نزر يسير مع طول المدة التي حول خلالها نوح هديت قومه ألي الصراط المستقيم .
وعن ابن عباس كانوا ثمانين نفسا منهم نساؤهم , وعن كعب الأحبار كانوا اثنين وسبعين نفسا , وقيل كانوا عشرة , وقيل كان نوح وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث وكنائنه الأربع نساء ابنه الثلاثة وامرأة يام , وقيل بل إمرة نوح كانت معهم في السفينة وهذا فيه شك , بل الظاهر أنها هلكت لأنها كانت على دين قومها , والله أعلم وأحكم .

سورة هود ( 11 ) الآية 44 ( 1 )
( وقيل يأرض ابلعي ماءك ويسماءُ أقلعي وغيض الماءُ وقضى الأمرُ واستوت على الجودى وقيل بُعدا لّلقوم الظالمين ) .
يخبر تعالى انه لم قضى الأمر أمر الأرض أن تبلع ماءها الذي نبع منها واجتمع عليها , وأمر السماء أن تقلع عن المطر ( وغيض الماء ) أي شرع في النقص ( واستوت ) السفينة بمن فيها ( على الجودي ) قيل هو جبل بالجزيرة العربية , تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت فأغرقها الله وتواضع جبل الجودي لله عز وجل فلم يغرق وأرست عليه سفينة نوح عليه السلام وقال قتادة استوت عليه شهرا حتى نزلوا منها , قال قتادة :
( قد أبقي الله سفينة نوح عليه السلام على الجودي من أرض الجزيرة عبرة وأية حتى رآها أوائل هذه الأمة وكم سفينة قد كانت بعدها فهلكت وصارت رمادا ) .
وقال الضحاك : ( الجودي جبل بالموصل ) , وقال بعضهم هو الطور . وقال على بن أحمد عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلا معهم أهلوهم وأنهم كانوا فيها مائة وخمسين يوما وأن الله وجه السفينة ألي مكة فطافت بالبيت أربعين يوما ثم وجهها الله ألي الجودي فاستقرأت عليه فبعث نوح الغراب ليأتيه بخبر الأرض فذهب فوقع على الجيف فإبطا عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون فلطخت رجليها بالطين فعرف نوح عليه السلام أن الماء قد نضب فهبط ألي اسفل الجودي فابتني قرية وسماها ثمانين فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة أحرها اللسان العربي , فكان بعضهم لا يفقه كلام بعض فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم . وقال كعب الأحبار : ( أن السفينة طافت ما بين المشرق والمغرب قبل أن تستقر على الجودي ) , وقال قتادة وغيره ركبوا في شهر رجب فسروا مائة وخمسين يوما واستقرت بهم على الجودي شهرا وكان خروجهم من السفينة في عاشوراء من المحرم , ألا أن كل هذا التفسير ينقصها الدقة ونلاحظ أنها قد فسرا بطريقة تخدم قناعات من ذكر هذا التفسير مثل ذكر أن السفينة سارت ألي مكة فطافت بالبيت أربعين يوما !! آو خروجهم من السفينة في عاشوراء وكان الغرض من ذكر ذلك زيادة تبجيل هذا اليوم !!! والله اعلم .

سورة الشعراء ( 26 ) الآيات 105 , 106 , 107 , 108 , 109 , 110
( كذبت قومُ نُوح المرُسلين * إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تثقوُنَ * إنى لكم رسول أمين * فاتقوُا الله
وأطيعُون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين * فاتقوا الله وأطيعونِ * ) .
هذا إخبار من الله عز وجل عن عبده ورسوله نوح عليه السلام وهو أول رسول بعثه الله ألي أهل الأرض بعد ما عبدت الأصنام والأنداد فبعثه الله ناهيا عن ذلك ومحذرا من وبيل عقابه فكذبه قومه فاستمروا على ما هم عليه من الفعال الخبيثة في عبادتهم أصنامهم من دون الله , ونزل الله تعالى تكذيبهم له منزلة تكذيبهم جميع الرسل قال تعالى (كذبت قومُ نُوح المرُسلين * إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تثقوُنَ * ) أي ألا تخافون الله في عبادتكم غيره ( إنى لكم رسول أمين * ) أي أنى رسول من الله إليكم أمين فيما بعثني الله به أبلغكم رسالات ربي ولا أزيد فيها ولا أنقص منها ( فاتقوُا الله وأطيعُون * وما أسألكم عليه من أجر ) أي لا أطلب منكم جزاء على نصحي لكم بل أدخر ثواب ذلك عند الله (فاتقوا الله وأطيعونِ * ) فقد وضح لكم وبان صدقي ونصحي وأمانتي فيما بعثني الله به وأتمنني عليه .

مصدر مياه الفيضان
يلاحظ أن أسباب السيل هي نفسها تقريبا في الروايتين ( التوراة والقران ) . وتذكر الرواية الكهنوتية للتوراة ( التكوين 7 , 11 ) سببين مقترنين حيث تذكر ( في ذلك اليوم انبثقت عيون الماء من الهوة السحيقة وانفتحت
هواويس السماء ) .
أما القران فيحدد في الآيتين 11 , 12 من سورة القمر ( 54 ) ما يلي :
( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عُيوُنا فالتقى الماءُ على أمر قدر * ) .

محتوي سفينة نوح
القران الكريم يحدد بشكل صريح محتوي سفينة نوح , فقد أعطي الله أمر لنوح بأن يضع في السفينة كل ما يعيش بعد الطوفان وقد أنجز نوح هذا الأمر بأمانة .
سورة هود ( 11 ) الآية 40 :
( .... احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن ءامن وما ءامن معه إلا قليل ) .

بينما التوراة تقدم ثلاث روايات عن محتوى السفينة :-
- الرواية الكهنوتية : نوح وأسرته دون أي استثناء وزوج من كل نوع .
- الرواية اليهوية : هناك تمييز من ناحية الحيوانات الطاهرة والطيور وبين الحيوانات النجسة من ناحية أخرى ( والسفينة تحتوى على سبعة( 1 ) أزوج من الفئة الأول , ذكر وأنثي , وعلى زوج واحد فقط من الفئة الثانية ) .
- على حسب روايات يهوية معدلة ( التكوين 7 , 8 ) : زوج من كل نوع طاهر أو نجس .

المكان الذي استقرأت فيه سفينة نوح
تقول التوراة بأن المكان الذي جنحت إليه السفينة نحو جبل أراراط ( التكوين 4 , 8 )( 2 ) , وهي جبال توجد بأقصى شرق تركيا عند حدودها مع إيران وأرمينيا . وهناك اقتباسات أقدم من نسخ أخرى من التوراة تذكر موقعها في جبل الكردي / الجردي , وهي جبال الأكراد المعرفة بالعراق وإيران .
“ Cellarius points out a remarkable face , that the Chaldean or Targum version of the Bible , called that of Onkelosius , reads Mount Kardu for Ararat , and another Targum or Tergum , called that of Jonathanis , reads , by misspelling , Kadrum Mountains .”
( Ainsworth , W. , 1843 , p. 343 ) . The search for noah’s ark;Drs. Lee spencer and jean luc lienard .
وقد حدد المفسرون المسلمون موقعها بناء على ما قالته التوراة أو قريبا من ذلك , بمنطقة الموصل أو حولها من جبال الأكراد .
أما القران فيقول إنه ( الجوديّ ) ( سورة هود ( 11 ) الآية 44 ) , وهكذا جاء بتوراة موسى , ولكن اليهود عبثوا بالكلمة الأصلية . ولنحول ألان ومما لدينا من معلومات تاريخية تتبع أين يمكن أن يكون مكان الجوديّ .
قوم نوح يرجح أن يكونوا بغرب الجزيرة العربية , لأن خلفائهم عاد وثمود يرجح كونهم باليمن والحجاز . فعاد بالأحقاف وهي جوف اليمن ووديانه الكبرى ( على الأرجح ) أو بالحجاز , وثمود بالحجر وهي بشمال الحجاز أو تهامة الشام ( ثمود قد تكون لهجة في تهموت ) .
والشعوب التالية لقوم نوح , كلها لا تبعد عن مكة , فقوم عاد باليمن أو بالحجاز , وثمود بالحجاز , ومقام إبراهيم بمكة , وقد بنى وابنه إسماعيل عليها السلام الكعبة بمكة ومكثوا بها , وقوم لوط قرب قوم مدين بشمال الحجاز والأردن , ويعقوب وبنيه من بادية الحجاز المتاخمة لمصر ونواحي سيناء , كما تواجد أصحاب الرس وقوم تبع , بالحجاز واليمن , وبنو إسرائيل بمصر وسيناء ومدين وفلسطين , ومزق الله قوم سبأ باليمن وأخيرا قوم خاتم الأنبياء ورحمة البشرية ( عليه افضل الصلاة والسلام ) .
وتكثر البراكين والحرار بغرب الجزيرة , وهمات حرات مشهورة بالحجاز مثل : حرة رهاط وحرة البقوم وحرة ليلى وحرة خبير وحرة النواصف وحرة قشب وحرة العويرض والحرة جنوب الشام كما تمتلئ عسير بالحرار . أما اليمن فتكاد تكون كلها صخور بركانية , كما أن مدينة عدن عبارة عن فوهة بركان خامد , وهذه البراكين والحرار قد تفسر معنى التنور ( ت = ذو , نور = نار ) , المذكور بالقران سورة هود الآية 40 .
( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن ءامن وما ءامن معه إلا قليل ) . فالتنور هو بركان يفور بالحمم والنار .

ويوجد في جزيرة العرب خزان ضخم من المياه الجوفية ألاحفورية الذي لعله أكبر خزان مائي أحفوري
بالعالم . والمياه ألاحفورية هي مياه تكونت قبل أكثر من بضعة آلاف السنين , والتي قد يكون سببها الطوفان العظيم بجزيرة العرب , حيث ابتلعت أرض الجزيرة مياه الطوفان . كما تكتظ الجزيرة بالعيون والينابيع من أقصى الشمال ألي أقصى الجنوب عند سفوح الجبال , فلعلها بقايا العيون التي تفجرت منذ الطوفان .
وسمى العرب جبال السراة باسم أخر من نفس الأصل وهو الطود فالطود تسمية أخرى للسراة , وذكرت النقوش اليمنية كلمة طود بوضوح تام وتعني بها جبال السراة عموما وربما جبال عسير خصوصا . وكثيرا ما يرد بالنقوش اليمنية اللقب الملكي " ملك سبأ وحمير وحضر موت ويمنة وإعرابهم طود وتهامة " أي ملك كل مناطق اليمن المعروفة , بالحواضر والبوادي , بالجبال ( طود ) والسواحل ( تهامة ) . والسلسلة الجبلية من عرفات ومكة ألي أقاصي اليمن تعرف بالطرد والسراة .
وقد حدد الهمداني أرض طود في كتابه صفة جزيرة العرب حيث ذكر " والدارة وابها والحللة والفتيحا فحمرة وطبب فاتانة والمغوث فجرشة بالإيداع هي أوطان عسير بن عنز وتسمى هذه ارض طود " . وقد تكون طود ( الهمداني ) لا تعني طود بمعنى سراة ولكن ساحل وماء . والنقوش اليمنية تسمى تلك المناطق بكلمة دوأت فلعلها لهجة في كلمة طود التي عناها الهمداني .
والكلمة الشديدة القرب من الجوديّ ( قد يكون تفصيل الجوديّ : جو = أل , دي = دوأت = ماء , ي = همز للتعريف ) أتت في اسم خولان الشام , ففي نقوش اليمن ظهرت أسماء مثل خولان صعدة أو الأجدود , فخولان الجنوبية وهي الأصلية تسكن غرب مأرب , أما الشمالية وهي الفرع فسكنت بمنطقة الجوديّ التي تسمت خولان باسمها , فعرفوا بالجدود . وخولان الجدود يسكنون صعدة , وقال الهمداني : ( ثم يتصل بها سراة خولان ويسمى القد ) . والقد يبدو لهجة في الجد ( جوديّ ) . وقد سمى القران الكريم الجبال بكلمة جدد , والجدد جبال ومفردها ربما جد أي جبل . وبشمال صعدة يوجد جبل باسم ( Jaddah ) كما ورد بأطلس إنكارته , ونرى اللفظ يشابه كثيرا لفظ الجوديّ .
وأعرق قبيلة سكنت تلك المناطق الجبلية هي الأزذ , واسمها الأقدم والأفصح والذي جاء بنقوش اليمن هو الأسد ثم لفظ الأزد . فقد تكون كلمة أسد / أزد ليست إلا لهجة في أجد , فقد يكون سبب التسمية لهذه القبلة الكبرى هو وجودها بمنطقة الجوديّ .
وهناك تسمية حديثة لأكبر جبال عسير عند مدينة أبها , وهو جبل السوده أو جبل سوده . فنجد أنه قريب كثيرا من الجوديّ ( السودي ) . وقريبا من جبال السراة نحو الشرق ظهرت قبيلة شهيرة وهي كندة , وأصل اسمها كما جاء بالمسند هو كدة من كد , لعله لهجة في جد ( جودي ّ ) .

وهناك إضافة مهمة في معني الجوديّ , حيث أن الكلمة مرتبطة بالماء أو الساحل كما في جدة ساحل مكة . فمعنى " الجوديّ " هو " الجبل الساحل " , حيث جدة باللغة هي ساحل البحر . فالجوديّ أي " الساحلي " كما سمى القران جبل طور سيناء " بالغربي " , فالجوديّ تبدو لهجة في الخطي " الشاطئ " .
ويبدو أن الحرف الأصلي في كلمة جوديّ هو حرف الدال ( من أصل الهمز ) الذي يعني الماء ( الساحل ) أما الجيم فقد يكون أداة تعريف قديمة ومن ذلك العد ( الماء ) والمحيط ( حط ) ومعد ( لسكنهم تهامة : عد ) .

ولا أظن أنه توجد سلسلة جبلية في العالم توازي وتحاذي الساحل بنفس حال جبال السرات بجزيرة العرب فجبال السراة بجنوب غرب الجزيرة توازي الساحل بطريقة عجيبة شديدة الانتظام , من مكة حتى عدن . وهذا الطود العظيم يتسبب في تدفق السيول بشدة جعلت الجزيرة العربية تكتظ بها الوديان بصورة لا يوجد لها مثيل في العالم . وقد يكون سبب ذلك هو قوة تفجر الأرض بالعيون وشدة انصباب السيول المنحدرة من الجبال لكثرة الأمطار , ومن جراء الطوفان العظيم .
والخلاصة أن سفينة نوح عليه السلام قد تكون راسية ومستوية بمنطقة ما على جبال السراة عموما , وتحديدا قد توجد السفينة بقسم السراة الذي تسمت به قبيلة الأسد وأرض طود التي ذكرها الهمداني قرب أبها , وجبل سودة , وصعدة وخولان الأجدود , فهذا القسم الجنوبي أو الأوسط من السراة والذي يشمل صعدة اليمن وأبها عسير وبلاد الأزد , يبدو من أسماء قبائله ومناطقه أكثر أقسام السراة ترجيحا لاحتواء موقع الجوديّ الذي به الفلك العظيم .
وهذا مجرد رأي له مؤشرات لغوية , وإن خطانا فلنقص فهمنا وضعف تفسيرنا , والجوديّ لن يكون موقعه ومكانه كما نريد نحن أو غيرنا , ولكن كما أراد الله سبحانه وتعالى .

[email protected]









[/font]







 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:20 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "