الفاحش المُتَفحِّش حين يصف النبي صلى الله عليه وسلم أوكلامه بالمتوحش
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فالذي أدين الله به وأعتقده أن ما تفوه به الرويبضة التافه يحي الأمير من فحش , في وصفه لقول سيدنا الكريم صلى الله عليه وسلم , إنه خطاب متوحش وفيه وحشية , لايخلو من أحوال :
الأولى : أن يكون يحي جاهلاً , وهنا يجب أن يُعلَّم وينبَّه , ويؤخذ على يده , فإذا عرف جهله , وقبيح فعله , لزمه الاعتذار عن زلته , والتوبة إلى الله تعالى منها , ويجب عدم تمكينه من الحديث والكتابة في كل وسائل الإعلام , حتى يتعلم ويتأدب , ويتفقه في دينه , ويعرف حجم نفسه , ويؤخذ عليه ألا يتكلم إلا فيما يحسنه مستقبلا .
الثانية : أن يكون متأولاً , وهنا يجب أن تقام عليه الحجة , وقد قامت بمعرفته أن الحديث الذي تناوله ثابت في الصحيحين , ويلزمه والحالة هذه بيان فساد تأويله , وأن يعلن تراجعه عنه , وتوبته إلى الله منه .
الثالثة : أن يكون قال ماقال تحت تأثير مؤثر , أو لعارض من جنون أصابه , أدى ذلك إلى زوال عقله , ودفعه لأن يهذي بمالايعلم , فهنا يجب أن يبين ذلك , ويعترف بجرمه , ويعلن أنه بريء مما نطقت به شفتاه , حال غياب عقله عنه .
الرابعة : ألا يكون جاهلا , ولا متأولا , ولا فاقدا لعقله بجنون أو غيره , فيكون ما قاله ردة مخرجة من الملة , كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم ، أو كان مستحلاً له ، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده ) وقدأجمع على ذلك المحققون من أهل العلم , بل وتجب محاكمته , وتضعه حتما ضمن من قال عنه القاضي عياض رحمه الله : (من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عابه ، أو ألحق به نقصاً في نفسه أو دينه أو نسبه أو خصلة من خصاله ، أو عَرَّضَ به ، أو شبَّهه بشيء على طريق السبِّ له والإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه أو العيب له فهو ساب له ، والحكم فيه حكم الساب يُقتل كما نبينه ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على هذا المقصد ولا نمتري فيه , تصريحاً كان أو تلويحاً ، وكذلك من نسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذم ) , وقال أيضا : ( إن كان القائل لما قاله في جهته عليه الصلاة والسلام غير قاصد السب والازدراء ولا معتقداً له ، ولكنه تكلم في حقه عليه الصلاة والسلام بكلمة الكفر من لعنه أو سبه أو تكذيبه وظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ذمَّه ، ولم يقصد سبه ؛ إما بجهالة حملته على ما قاله ، أو ضجر ، أو سُكر اضطره إليه ، أو قلة مراقبة أو ضبط للسانه وعجرفة وتهور في كلامه فحكم هذا الوجه حكم الأول دون تلعثم ) .
هذا ما أدين الله تعالى به , وهو مايجب أن نقوله بلا تردد , ولا وجل أو محاباة , لأن مقام النبي صلى الله عليه وسلم أرفع من مقام كل أحد من البشر مهما كان , وإذا لم نغضب لعرض نبينا صلى الله عليه وسلم , ولم ننتصر لجنابه , فلا خير فينا , ولسنا أهلاً أن ننتسب إليه , أو ندَّعي محبته وتوقيره .
ثم آتي إلى مسائل مهمة في هذا الجانب , يجب أن نتنبه لها , وهي مسائل خطيرة , منها ما يتعلق بتبريرات المتفحش يحي الأمير , ومنها مايتعلق بالمنهج الذي ارتسمه لنفسه كثير من المتفحشين , ممن فتح لهم الإعلام أبوابه على مصاريعها , ومن هذه المسائل :
المسألة الأولى : تبرير يحي بأنه كان يقصد التوحش في فهم المتلقي , ولم يكن يقصد نسبة التوحش لكلام النبي صلى الله عليه وسلم , تبرير ساقط , ولست هنا محاكما لنواياه ومقاصده , ولا راغبا في إدانته وتجريمه , لكني أكره أن يقع الإنسان في الخزي , ثم يتكبر عن الاعتراف , فيلجأ لاتهام أفهام السامعين وعقولهم , حيث يعلم كل من استمع للمقطع المخزي , ولحديث يحي , أن كلامه جاء ردا منه على أحد المتداخلين معه , في قناة الحرة , وقد احتج عليه بحديث أسامة بن زيد رضي الله عنه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ) , فجاء رد المتفحش يحي بهذا النص : ( بعد هذا يقول والدليل على ذلك ماقاله الرسول صلى الله عليه وسلم ماتركت على الأمة فتنة أضرمن النساء أو كما جاء الحديث طبعا الأحاديث التي في جانب من خطابها تحس إنه متوحش أنا إما أشك في صحتها أو أشك في سياقاتها ، أو لا أرى أنه فيه خطاب نبوي على الأرض يستعين بالسماء ويتواصل مع السماء من خلال الوحي مع الله تعالى , لا أتصور أن يكون خطابه بهذه الوحشية المفرغة من سياقاتها ) , وهنا جاء حديثه ردا على ما أورده السائل , وقد ذكر يحي لفظ الحديث بلسانه , ثم تفوه بالفحش عقيب ذلك , فكيف لنا أن نتهم عقولنا , ونقبل أن نوصف بسوء الفهم , لتحقيق رغبة هذا الحقير بعدم الاعتراف بالسوء والخطأ .
المسألة الثانية : تبرير يحي من أنه التبس عليه ذلك اللفظ بلفظ حديث آخر , مما دفعه لوصف الحديث الذي التبس عليه وهو (ما أخاف على أمتي فتنة أخوف عليها من النساء والخمر ) بما وصفه به من التوحش , هذا يدل على جهل يحي , أو على خبث طويته , وإلا فمعنى الحديث الذي زعم أنه التبس عليه بحديث أسامة رضي الله عنه معنى صحيح لا إشكال فيه , والعلة ليست في لفظه , بل العلة في سنده , إلا إن كان يقصد أن سنده متوحشا , فهذه مفردة غابت عن يحي بن معين رضي الله عنه , وأدركها يحي الحقير , وهنا لايبقى إلا أنه أراد المكابرة , وكره أن يعترف بفحش قوله في حق كلام سيدنا صلى الله عليه وسلم .
المسألة الثالثة : ما تفوه به الفاحش يحي الحقيير ليس بدعا من أمر هؤلاء الخونة , بل هو منهج بدأوا يستعلنون به , وهو مناقشة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بطريقتهم , ومن ثم محاكمتها بعقولهم العفنة , فما وافق منها عقولهم قبلوه , وما خالفها ولو كان ثابتا في الصحيحين تركوه , وشككوا فيه , واحتجوا عليه بالمتشابه , وأوردوا عليه ما يقدرون من الشبه , سواء تلك الشبه التي سبقهم إليها المستشرقون , أو غيرهم من أعداء هذا الدين , أو الشبه التي تعرض لضعاف النفوس وأصحاب الأهواء .
وهذا يشاركهم فيه كثير من الملاحدة في القديم والحديث , وهو منهج خطير , ومسلك خبيث , وفيه طمس لمعالم الشريعة , وفتح لأبواب الفتنة والفساد , وهو مسلك كثير ممن يتحدث عن قضايا الأمة المعاصرة , ممن لا يحمل علما شرعيا , بل كل ما يحمله هو ذلك العقل المتهالك , المترع بالمتناقضات , وإلا كيف يليق بمسلم , يؤمن بالله تعالى ربا , وبالإسلام دينا , وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبينا , أن يعرض كلام الله تعالى , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على عقله , ويحاكمهما إليه , فما وافق من أمرهما عقله قبله , وماخالف عقله ردَّه وأنكره , ولم يتهم عقله بالقصور عن فهم مراد الله , أو يُلزم نفسه بالتسليم والانقياد لحكم الله , كما أوجب الله وقضى في قوله : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) , وقوله جل في علاه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تأويلا ) , وقوله : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) , وقوله : ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) , وغير هذا من النصوص الدالة على وجوب التحاكم إلى الكتاب والسنة , وضرورة التسليم لهما والانقياد , والوقوف عند حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم وعدم تجاوزهما , أو التقديم عليهما , أو محاكمتها للأهواء , أو العقول الفاسدة , ووجوب أن يكون الهوى تبعاً لهما , كما يجب الإيمان والاعتقاد أن كتاب الله تعالى , وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , لايمكن أن يتعارضا مع العقل السليم , وأن من ظن أن هناك شيئا من التعارض , فعليه أن يتهم نفسه وعقله , ولا يجوز بحال أن يعمد إلى النص لتكذيبه , أو التشكيك فيه , أو تعطيله .
المسألة الرابعة : ما يعمد إليه كثير من المتفحشين الخونة , من محاولة تناول النصوص الشرعية بالمناقشة , ومحاكمتها على ضوء مايدعون فهمه , بعد عرضها على تلك العقول الخربة , لأن هذا من أعظم الجنايات على النصوص وعلى الشريعة , فالله تعالى لم يطلق للناس حرية فهم النص , ومناقشته كما يريدون , ولا كما تشتهيه أنفسهم , بل جعل ذلك مختصا بمن يملك الأهلية , من الراسخين في العلم , العارفين بمدلولات الشريعة ومقاصدها , ولهذا قال جل في علاه : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) , وقال سبحانه : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ) , وفي الأية السابقة التي أمر الله فيها بالرد إليه وإلى رسوله عند التنازع , دليل على أن ذلك لايكون إلا من خلال الراسخين في العلم , لامن قبل ذوي الأهواء والشهوات , وذلك لأن الرسوخ في العلم ملازم للتسليم لحكم الله , والإذعان لشرعه , كما قال الله تعالى في صفة الراسخين في العلم : ( لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ) , وقال : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) , ولهذا رأينا من يعترض على نصوص الشريعة , ويتناولها بالنقد , أو يشغب عليها بالشبهات , ومستنده في ذلك أن الله خاطب الناس جميعهم بالقرآن , ولم يجعل عقولهم مرتبطة بفهم فلان أو غيره , وكما أن هؤلاء رجال لهم عقول , فنحن رجال لنا عقول , ولهذا فسنعرض القرآن والسنة , وسنقرأهما ونعمل بما فيهما على ضوء ما نفهمه , ومؤدى هذا كله , أن يتمرد الناس على شريعة الله تعالى , وهذه هي الزندقة بعينها , وإلا فمن تأمل موقف عمر رضي الله عنه من قدامة بن مظعون رضي الله عنه , علم أن دين الله ليس ميدانا للتأولات , كما إنه ليس حمى مباحا لكل أحد أن يرتع فيه , أو أن يتناول أحكامه بالتخرص , وإذا كان هذا هو موقف عمر رضي الله عنه , من صحابي فاضل كقدامة بن مظعون رضي الله عنه , وهو في زمن القرون الفاضلة , وتوافر أكثر الناس فهما لمراد الشارع بأوامره , فكيف الحال إذاً مع حثالة لاتحسن أن تُقيم آية من كتاب الله , أو تنطق حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تلعثم أو خطأ , ثم تتناول النصوص بالنقد والمناقشة , بغية التجريح , وصد الناس عن فهم الراسخين , إلى فهومات متكلفة , القصد منها تذويب ارتباطهم بتعظيم النص , وزعزعة ثقتهم بالمقدَّس .
نعم لقد رأينا كثيراً من هؤلاء المتفحشين على شاشات القنوات , وحاورناهم في بعض الملتقيات , وسمعنا لهم عددا من المقابلات , وما رأينا ولا سمعنا أجهل منهم بالنص , ولا أكثر تلعثما منهم في نطقه وإقامته , ولا أسوأ منهم استحضارا له , فهل من هذه حاله , وبلغ حظ النص عنده هذا القدر , يمكن أن يوثق به في المناقشة والاسنباط والتوجيه ؟ .
بل الأعجب من هذا أن من هؤلاء من يتصدرون لمناقشة أقوام يستظهرون نصوص الوحيين , أشد من استظهار المتوحشين لنصوص الروايات العهرية , ومفردات الشذوذ والخنا , التي يضمنونها لرواياتهم , أو التي تتداول في مجالسهم الخاصة , ومع هذا فلا يخجلون من أنفسهم وهم يرون سقوطهم , وأي سقوط أعظم من استعجام اللسان عن إقامة كلام الله تعالى , أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ , ولعل من تتبع حال القوم , أو راجع أرشيف مداخلاتهم المرئية والمسموعة يرى ذلك جليا ظاهرا ( ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور ).
المسألة الخامسة : مايطالب به هؤلاء المتفحشون , من حرية التعبير , واحترام الرأي وعدم مصادرته , والانفتاح على الآخر – مهما كان فكره ومذهبه - , والتعددية , وتحريم الإقصاء , ووجوب حماية الرأي , ومنع محاكمة أصحابه , أو التضييق عليهم , ووجوب رفع سقف الحرية الإعلامية , وغير ذلك مما نراه ونسمعه من المطالبات , يراد منه غالبا فتح المجال لمثل هؤلاء المتفحشين , حتى يشككوا الناس بدينهم , وينتهكوا جناب شريعة ربهم , تارة بتكذيب أحاديث ثابتة في الصحيحين , وتارة بصرفها عن فهم سلف الأمة الصالح لها , وتارة بإثارة الشبه عليها , وتارة بزعم مصادمتها للواقع , وتارة بأن للنصوص أكثر من مدلول , وتارة بأن النصوص حمالة أوجه , وتارة بتناقض النصوص مع المواثيق الدولة وهكذا , ومعلوم أن هذا من أعظم أسباب الفساد , وأكبر الأسباب الجالبة لغضب الله ونقمته , كما إنه يعطي المبررات , ويمنح الذرائع , لكل متعجل للافتيات , أوالتصرف من تلقاء نفسه , دون الرجوع لأهل العلم واستشارتهم , من منطلق الغيرة والحمية الدينية , مما يجر البلاد لفوضى لا أول لها وربما لا آخر .
نحن نعلم أن هؤلاء المتفحشين لايمكن أن يقبلوا أن يجتهد أحد من خصومهم فيستقل بفهم النص من نفسه , فهم كما يطالبون من تبنى قضية العنف والمواجهة والتكفير , بمراجعة النص , وعدم مجانبة آراء العلماء , هل سيقبلون ويرضون , لو أجابهم أولئك , بأن هذا مافهموه من النص , وأن فهم النص ليس حكرا على أحد دون أحد , وأن هذا من حرية الرأي وغير ذلك ؟ .
والسؤال نفسه يتجه بطريقة أخرى , لأولئك الذين أذنوا لهؤلاء المتفحشين بالعدوان على النص , وفتحوا لهم المجال للكتابة والحديث , وعملوا على حصانتهم , وسعوا إلى حمايتهم , أو المطالبة برفع سقف الحرية لأطروحاتهم , هل سيتعاملون بالمثل مع من يتناول بعض الرموز السياسية , أو غيرها من الرموز الثقافية , ويصفهم بالتوحش أو الوحشية , أو بمشابهة الشيطان , أو يتهمهم بالتعقيد والتضييق , أو ينتقد تصريحاتهم , ويفككها حسب مزاجة , تحت ذريعة حرية الرأي ؟ .
أم إن ذلك من الخطوط الحمراء المتكهربة , والمناطق الشائكة , التي لايجوز الاقتراب منها , أو حتى التلويح لها , أو الإشارة إليها من بعيد , مع أن هؤلاء جميعهم وما يملكون , لايساوون شعرة في جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهر , ولا يجوز أن نضع لهم حرمة أعظم من حرمة الله وقدسيته , أو حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنابه ( مالكم لاترجون لله وقارا ) .
المسألة السادسة : مما يجب أن نقوله ونكرره , أن تجاوزات هؤلاء المتفحشين , واستهانتهم بأمر الشريعة , وأن حمايتهم إعلاميا , من أكبر أسباب نشوء ظاهرة العنف والتكفير , خاصة إذا تظافر معها خنق كل صوت مضاد لأطروحات المتفحشين , فهو يجعل الشاب في حيرة من أمره , حيث يظن أن العلماء وأهل الغيرة ساكتون عن إنكار المنكر , لما يراه من إقصاء الإعلام والصحافة لهم , ويرى أن مساحة المتفحشين تزداد , وحصانتهم تكبر وتعظم , فيظن أن ذلك بتوجيهات وموافقة , ثم يطلق لنفسه العنان في التحليلات والاستنتاجات , التي تقوده إلى أسئلة منها :
·لو أن أحد هؤلاء المتفحشين قال ماقال في حق فلان من الناس فهل سيتم التجاوز عنه ؟.
·لماذا لايتم منعهم إذا كان المسؤولون لايقرون أطروحاتهم ؟ .
·لماذا يستثنى كثير منهم من المحاكمة في المحاكم الشرعية ؟ , وهل هم فوق شرع الله ؟ .
·لماذا لاتكون المراقبة عليهم كالمراقبة على الخطباء والدعاة , الذين تحسب كل كلماتهم وتحصى ولا تغادر ؟ .
·هل يعقل أن الدولة لا تعلم ما يكتبه هؤلاء وما يقولونه ؟ .
·أين دور العلماء بصفة عامة , والمقربين من القيادة بصفة خاصة , من بيان التجاوزات وكشفها وإتكارها ؟ .
·ماذا عن المستشارين والبطانة ؟ .
·هل يعقل أن يكون هؤلاء المتفحشون فوق القانون والنظام ؟ , أم إنهم مدعومون من الخارج ومفروضون علينا فرضا ؟ .
كل هذه الأسئلة وغيرها واجهَنا بها كثير ممن ناقشناهم , بل وكثير ممن لم نناقشهم تتلجلج في صدورهم , فتدفعهم لإساءة الظن , وتضعهم أمام حيرة خانقة , وغيرة متوقدة .
فلماذا يستفز الأغيار , وتستثار حميتهم , لإرضاء حفنة لاترضى بغير الفتنة والسوء ؟ .
أعلم أن هناك إجابات على بعض هذه التساؤلات , لكنها ربما لاتقنع كثيرا من الشباب المتحمس , وأن هناك ظروفا تتم مراعاتها أحيانا , لكنها لاتصمد أمام غيرة الشباب الملتهبة , التي تجعله يقول : ولم نعطِ الدنية في ديننا ؟ .
إن هذا مما يوجب على العقلاء تدارك الأمر , قبل أن يستفحل , أو يتحول إلى تجاوز لأهل العلم , وعزوف عن مجالسهم , وزهد في توجيهاتهم وإرشاداتهم , ليصبح الموجه لهؤلاء الشباب خصوم الدولة في الداخل أو الخارج , أو ينتقلوا إلى سؤال علماء المواقع الإلكترونية المجاهيل , الذين يفتونهم بما يوافق حماسهم , ويزيد نقمتهم , فينقلبون علينا بأسوأ مما نحاذره .
المسألة السابعة : يجب على الدولة أن تضع حدا لهؤلاء المتفحشين , وأن تعاملهم بميزان الشرع , وأن تعلم أنهم سبب للفتنة والفساد , وأن السكوت عنهم أو التغاضي , مما يولد الأحقاد والضغائن في قلوب الناس , ويفقدهم الثقة , وهذا من أعظم أسباب البلاء , بل إن هذا مما يساعد الناس على الاستخفاف بالأنظمة , ويغريهم على تجاوزها , لأنهم يقولون : إذا كانت السياسات الإعلامية العليا , ومن قبلها النظام الأساسي للحكم , مما خرقه المقصودون به من الإعلاميين , فغير ذلك من باب أولى , وهكذا تنفتح أبواب الشر على الناس , لأنك لو طالبت الناس بالتزام النظام في أي مسألة , لطالبوك بإلزام المتفحشين بتطبيق النظام واحترام مواده , إلا أن يكون الاستهتار والانتهاك للنظام والسياسات حلالاً لهم حراما على غيرهم !! .
هذا والحديث حول هذه القضية ذو شجون , ولعل ما مضى بعض من شجونه , وأسأل الله أن ييسر بث شيء مما بقي مستقبلا , والله المستعان .
اللهم عليك بالفجرة المنافقين , والخونة الليبراليين , والرجس العلمانيين .
اللهم اهتك سترهم , وزدهم صغارا وذلا, وأرغم آنافهم , وعجل إتلافهم , واضرب بعضهم ببعض , وسلط عليهم من حيث لايحتسبون .
اللهم اهدِ ضال المسلمين , وعافِ مبتلاهم , وفكَّ أسراهم , وارحم موتاهم, واشفِ مريضهم , وأطعم جائعهم , واحمل حافيهم , واكسُ عاريهم , وانصرمجاهدهم , وردَّ غائبهم , وحقق أمانيهم .
اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك مؤيدا وظهيرا , ومعينا ونصيرا , اللهم سدد رميهم , واربط على قلوبهم , وثبت أقدامهم , وأمكنهم من رقاب عدوهم , وافتح لهم فتحا على فتح , واجعل عدوهم في أعينهم أحقر من الذر , وأخس من البعر , وأوثقه بحبالهم , وأرغم أنفه لهم , واجعله يرهبهم كما ترهب البهائم المفترس من السباع .
اللهم أرنا الحق حقاوارزقنا اتباعه , والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه , ولاتجعله ملتبسا علينا فنضل .
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا .
اللهم أصلح الراعي والرعية .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا,واحفظ عليها دينها , وحماة دينها , وورثة نبيها , واجعل قادتها قدوة للخير , مفاتيح للفضيلة , وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة التي تذكرهم إن نسوا , وتعينهم إن تذكروا , واجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له , ناهين عن المنكر مجتنبين له , ياسميع الدعاء .
هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
وكتبه
الشيخ / سليمان بن أحمد بن عبدالعزيزالدويش
أبومالك