د.أحمد الحسيني
الأربعاء 16 نوفمبر 2011
دروس وعبر لأهل السنة
الجزء الثاني: الثورة الخمينية
د. أحمد الحسيني:: خاص بالقادسية
الخميني في المخيلة الشيعية المعاصرة
يعد الخميني في المخيلة الشيعية المعاصرة رمز التحرر من الاستكبار العالمي، وعنوان الثورة على الظلم، كما عد سابقا نصير الطوسي، وقبله أبو لؤلؤة من الرموز التي قدمت خدمات جليلة للإسلام ( التشيع). وليس من العجيب على قوم يرون كفر أبي بكر، وعمر (رضي الله عنهما) ويطعنون في سادات الأمة وأجلّة الصحابة، وأمهات المؤمنين أن يذهبوا هذه المذاهب المنحرفة، لكن العجيب أن يخدع أهل السنة من هؤلاء في كل مرة؛ فيظنون أن القوم حريصون على تجاوز مخلفات الماضي، ومحبون للوحدة والتآلف، ورصِّ الصفوف، وهم أبعد ما يكونون عن ذلك.
لقد فات الجميع بأن التشيع دين يقتات على الخلافات التي جرت بين الصحابة، وأنّ ديدن القوم هو الولوغ في أعراضهم، مع تصوير تلك الخلافات وتضخيمها وتشويه رموزها (1).
وفات السذج بأنّ الخميني إنّما صار رمزًا- في عيون الشيعة - لأنّه استهدف النسيج السني محاولاً تمزيقه، وكيان الدولة السنية محاولاً تشتيته من خلال زرعه الأقدام السوداء (مصطلح أطلقه الفرنسيون على من خلفوهم من أتباع من الجزائريين في الجزائر والذين يدينون لهم بالولاء المطلق) في كل بلاد المسلمين، ثم إثارة النزعات الطائفية والبلبلة والاقتتال بين أبناء البلد الواحد.
إن المتتبع للثورة البائسة في إيران يجدُها قد استهدفت الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر بمدافع الشتائم والسباب والشعارات الجوفاء لاغير؛ بينما استهدفت الأنظمة العربية والإسلامية السنية بالحرب المباشرة أو من خلال تحريك أذرعها في هذا البلد أو ذاك.
لقد كان تاريخ الخميني –مؤسس هذه الثورة - تاريخاً دمويا وحافلاً بالويلات والمآسي التي جرّها على أهل السّنة في كل مكان. وقد ابتكر هذا الدعي من أساليب وحشية لقمع المخالفين له في المذهب والسياسة ما يعجز القلم عن تسطيره فضلاً عن وصفه. فالخميني المأبون لم ينطلق من فراغ في تأسيسه لانحرافه وشذوذه في الفكر والخلق والسلوك، وإنّما انطلق من الروايات المؤسِسة للحقد والكراهية تجاه الآخر السني والتي تطفح بها كتب القوم ومصنفاتهم.
أهل السّنة والثورة الخمينية :
كان أهلُ السُّنة كعادتهم دائماً ينظرون إلى الآخرين نظرة مِلؤها حسنُ الظن،ِ ولم يكن حالُهم في أيّام الشاه بأقلّ سوءًا من حال بقيّةِ الشعوبِ الإيرانيةِ- إن لم يكونوا أكثرَهم سوءًا. ولذلك فإنَّهم قد دعَموا الثورةَ ضِدَّ حكمِ الشاه وصدقوا دعاوى المعممين وبخاصَّة أحاديثَ الخميني الذي كان دائمًا يرفعُ شعار: أنَّ الدولةَ الإسلامية القادمة لن يكون فيها فرقٌ بين أهل السنة والشيعة، وان الكل متساوون؛ كما أنَّ حريةَ الفكرِ والعبادةِ مكفولةٌ للجميع، وإلى غيرِ ذلك من الدعاوى التي بان كذبها بتسلم الخميني مقاليد السلطة؛ إذ بدأ التضييق على أهل السُّنَّة من خلال ملاحقة علمائهم ، وقتلهم ، وتشريدهم ، واعتقالهم ، وزجِّهم في غياهب السجون؛ فضلاً عن تقييد حرياتهم الدينية.
بعد الممارسات القمعية لنظامُ الملالي في إيران ذهب وفدٌ من أهل السُّنة بقيادة العلامة أحمد مفتي زادة لمقابلة الخميني، وذكَّروه بوعوده لهم وقالوا له: "لقد وعدتنا بالجمهورية الإسلامية، وها أنت تأتي بجمهورية صفوية طائفيَّة مع أنَّ وعودك كانت عدم التمييز بين السنة والشيعة؛ ولهذا نحن نضطر شرعًا أن نخالفك في ميدان السياسة والتبليغ ولكنَّنا لا نشهر السلاح في وجهك". فقال لهم الخميني: "الجبال التي ذهب إليها غيركم موجودةٌ، وإذا خالفتموني فستذهبون إلى الجبال، ولا يبقى في إيران أحدٌ منكم"، ثم انسحب من الاجتماع.
أقول: كان على هؤلاء أن يلتمسوا الخير عند أهله، وليس عند من هو خصم في العقيدة والمذهب، وكان عليهم - كما على أهل السّنة اليوم - ألاّ ينتظروا ممن يحمل عقيدة كفرية، ونفسية اقصائية أيّ خير، وأنَّ التزلف إلى هؤلاء لن يجدي نفعاّ؛ لأنهم لن يرشدوهم إلاّ إلى ما فيه ضرر لهم، وسيعاملونهم – إن كانت لهم الغلبة - معاملة المغلوب المحتقر، وهذا ما حصل ويحصل بالفعل مع كثير من أهل السَّنة حينما يكلون أمر تقرير مصيرهم إلى مثل هؤلاء .
الخمينية والحكومة الشيعية في العراق الجديد
لقد هلك الخميني وقُبِر بعد أن جعل من تصرفاته وأفعاله الوحشية منهاج عمل يمكن استلهامه وتعميمه في كل وقت وحين. فالخمينية كفكرة لازالت موجودة اليوم في أذهان كثيرين، ومنهم الحكومة الشيعية في العراق وأحزابها ومؤسساتها العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية، وهي حريصة على تطبيق بنودها بدقة بغية أن تجري الأمور لهم كما حدث في إيران، وقد ظهر ذلك من أول يوم تسلم الشيعة فيه مقاليد الحكم في العراق، فبدؤوا بتطبيقها من خلال الآتي:
1-الضحك على ذقون السذج من أهل السُنة في العراق كي يكسبوا الدعم العربي والإسلامي للوصول إلى سدة الحكم.
2-محاولة تفتييت مراكز القوة في المجتمع السُني من خلال استهداف الكفاءات من طيارين وعسكريين وعلماء وساسة.
3-العمل على إفراغ المناطق من الثقل السُني ، ولاسيّما في بغداد والبصرة فضلاً عن تدمير الحزام السُني المحيط ببغداد.
4-إضعاف المحافظات السُنية من خلال عدم صرف ميزانياتها من الأموال والتخصيصات، والتعيينات فضلاً عن جعلها ساحة لمقارعة الإرهاب.
5-التضييق على أبناء أهل السُنة وسرقة نجاحاتهم ومنعهم من تبوء المناصب التي يستحقونها.
6-وصم أهل السنة بالإرهاب ومحاربتهم تحت هذا الغطاء لاستئصال شأفتهم.
7-العمل على استمالة بعض النفوس الضعيفة ممن لبس لبوس أهل السُنة لكي يفتتوا وحدة الصف السُني.
8-العمل على تكثير الأذرع العسكرية للشيعة من خلال الميلشيات العديدة كي يشعر السُني بضآلته وعدم قدرته على المطاولة والمقارعة.
9- تسخير الإعلام وتكثير الفضائيات من اجل إبراز معالم القوة فقط وأنهم الأغلبية، وما ينبغي أن يستتبع ذلك من ضرورة التفرد بالحكم والسياسة.
الحلول والتوصيات:
مما تقدم نعرف أننا أمام مرض سرطاني خبيث لا يجدي معه تمني النفس بوجود علاج يلوح في الأفق؛ لأنّه مرض بات يستعصي على العلاج وعليه فإنّ مواجهة المرض؛ واتخاذ القرارات المصيرية والشجاعة هي من ستوقف استفحاله لكي لا يشمل بقية أعضاء الجسم. ومن هنا أرى أنّ مواجهة الظاهرة الخمينية في العراق يجب أن يتم من خلال الآتي:
أولا: الإلتجاء إلى الله والتمسك بسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)؛ فهما عنوان الكبرياء والعزة والأنفة، وهذا الإلتجاء يقزم عبدة الأئمة، ويشعرهم بضآلتهم.
ثانيا: تحصين أهل السنة قبل تسنين الشيعة (كما يرى شيخنا د. طه - فظه الله) ، وذلك من خلال التأكيد على أهل السّنة بأنّ خلافنا مع الشيعة ليس خلافاً سياسياً أو خلافاً على مكتسبات مسروقة منّا، وإنّما هو خلاف عقائدي في جوهره، وهذا يعني أنّ الخلاف لا يرفع برجوع حقوقنا المستلبة ، وإنّما هو باق ما دامت الخلافات الفكرية والعقدية باقية.
ثالثا: التواصل مع النخب السنية وصنّاع القرار في المحافظات ومجلس النواب لتثقيفهم بنقاط الاختلاف الجوهري بين السّنة والشيعة وأنّه لا يوجد شيء أقدس من الدين والنفس والعرض- بمعنى آخر تباً للوحدة ومرحبا بالتقسيم إذا استبيحت هذه الثلاثة.
رابعا: نشر الوعي بشأن خطورة النهج الاقصائي في بنية الفكر الشيعي، وذلك من خلال نشر المطويات والمقالات القصيرة التي تكون في متناول الجميع والتي تشتمل على المرويات وأقوال المرجعيات الشيعية في بيان عقيدة القوم في أهل السّنة وأموالهم وأعراضهم ودمائهم .
خامسا: العمل الجاد من أجل قيام كيان يحفظ للسنة حدودهم الإدارية والاقتصادية قبل أن يتطور مشروع الشيعة في قضم المناطق السنية الذي يجري على قدم وساق منذ 2003م، وهذا يعني الترحيب بالدعوات التي تدعو إلى إنشاء الأقاليم .
سادسا: على ساستنا التحلي بقدرٍ عالٍ من المسؤولية والشجاعة وعدم الخضوع لتهديد ووعيد الحكومة الشيعية واتهاماتها - كالتي يطلقها المالكي اليوم بأن هدف الداعين إلى الإقليم هو توفيرملاذ آمن للبعثيين- والتي تهدف إلى إرهاب الآخر لا غير؛ فهي شنشنة نعرفها من أخزم. وعلى ساستنا أن يكونوا ذوي حنكة وفطنة لكي يجيبوه بأنّ النوايا لا وجود لها في الدستور، كما أنّها كلمة فضفاضة تحتمل كل شيء، وبذلك سندور في دوامة تفسير كل شيء حسب الأهواء والظنون والمصالح، وينشغل كل منا بالشق عن قلب الآخر للتأكد من نواياه، وبالتالي فستكون جميع فقرات الدستور قابلة للتأويل بعكس مقاصدها الظاهرة، وعندها يمكن اعتباره باطلا برمته.
حمى الله أهل السنة ومكنهم من البلاد والعباد... اللهم آمين
ـــــــــــــ
(1) ينظر: الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب للبحراني ،وموسوعة الغدير للأميني فضلاً عن بقية مصنفات القوم الحديثية ، والفقهية لتعرف التأسيس المنهجي للحقد على الآخر السني. وهذا يحتاج إلى مقال منفرد سأعمل على كتابته لاحقا إن شاء الله.