بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
قال الله عز وجل في كتابه الكريم
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ
لان في هذه القصص ذكرى لاهل الايمان
وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ
وعبرة لذوي العقول
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
فاخبر الله عز وجل نبيه الكريم بان يروي لهم ما حدث مع الاقوام السابقة
فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
فالذكرى على الدوام تنفع اهل الايمان
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
فهاهو القران يخبرنا انه ذكر نبيه الكريم بالانبياء السابقين
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ
فرسول الله صلى الله عليه واله يعلم ما حل بالاقوام السابقة كما يخبرنا الله في قصة ذي القرنين
وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا
فالعبد يتدبر هذه الايات الكريمة
كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ
لكن هذه القصص لم ترد كلها على التفصيل ومنها بقي مجرد اية في القران لا خبر عنها فالصحابة لم ينقلوها كلها ولا التابعين من بعدهم ولا العلماء
وهذه منهم اما اهمال وتقصير واما انهم لم ينقلوا ذلك عمداً وفي كلا الحالتين فالله محاسبهم على ذلك
وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ
فكان عليهم حفظها ودراستها ومطالعتها ونقلها للاجيال القادمة
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
فكيف ضاعت هذه القصص ولم ينقلها القوم وهي تذكرة لكل المسلمين ؟!!!
مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى
من هذه القصص في القران قصة اصحاب الرس
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وثَمُودُ
في الصحيح عندنا عن الامام امير المؤمنين عليه السلام
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه قال حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال حدثنا علي بن موسى الرضا (ع) عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي (ع) قال أتى علي بن أبي طالب قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف بني تميم يقال له عمرو فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب الرس في أي عصر كانوا و أين كانت منازلهم و من كان ملكهم و هل بعث الله عز وجل إليهم رسولا أم لا و بماذا أهلكوا فإني لا أجد في كتاب الله عز وجل ذكرهم و لا أجد خبرهم فقال له علي (ع) لقد سألت من حديث ما سألني عنه أحد قبلك و لا يحدثك به أحد بعدي و ما في كتاب الله عز وجل آية إلا و أنا أعرف تفسيرها و في أي مكان نزلت من سهل أو جبل و في أي وقت نزلت من ليل أو نهار و إن هاهنا لعلما جما و أشار إلى صدره و لكن طلابه يسيرة و عن قليل يندمون لو قد يفقدوني و كان من قصتهم يا أخا تميم إنهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت و كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها روشاب كانت انبعت لنوح (ع) بعد الطوفان و إنما سموا أصحاب الرس لأنهم رسوا نبيهم في الأرض و ذلك بعد سليمان بن داود (ع) و كانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال له الرس من بلاد المشرق و بهم سمي ذلك النهر و لم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر ولا أعذب منه و لا أقوى و لا قرى أكثر و لا أعمر منها تسمى إحداهن آبان و الثانية آذر و الثالثة دي و الرابعة بهمن و الخامسة إسفنديار و السادسة پروردين و السابعة أردي بهشت و الثامنة أرداد و التاسعة مرداد و العاشرة تير و الحادية عشرة مهر و الثانية عشرة شهريور و كانت أعظم مدائنهم إسفنديار و هي التي ينزلها ملكهم و كان يسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن سازن بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم (ع) و بها العين و الصنوبر و قد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة فنبتت الحبة و صارت شجرة عظيمة و أجروا إليها نهرا من العين التي عند الصنوبرة فنبتت الصنوبرة و صارت شجرة عظيمة و حرموا ماء العين و الأنهار فلا يشربون منها و لا أنعامهم و من فعل ذلك قتلوه و يقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها و يشربون هم و أنعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم و قد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كله من حرير فيها من أنواع الصور ثم يأتون بشاة و بقر فيذبحونها قربانا للشجرة و يشعلون فيها النيران بالحطب فإذا سطع دخان تلك الذبائح و قتارها في الهواء و حال بينهم و بين النضر إلى السماء خروا للشجرة سجدا من دون الله عز وجل يبكون و يتضرعون إليها أن ترضى عنهم فكان الشيطان يجيء و يحرك أغصانها و يصيح من ساقها صياح الصبي إني قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسا و قروا عينا فيرفعون رءوسهم عند ذلك و يشربون الخمر ويضربون بالمعازف ويأخذون الدستبنذ فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون وإنما سمت العجم شهورها بآبانماه وآذرماه وغيرها اشتقاقا من أسماء تلك القرى لقول أهلها بعضهم لبعض هذا عيد قرية كذا حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى اجتمع إليها صغيرهم وكبيرهم فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا من ديباج عليه أنواع الصور و جعلوا له اثني عشر بابا كل باب لأهل قرية منهم فيسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق و يقربون لها الذبائح أصناف ما قربوا للشجرة التي في قراهم فيجيء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا و يتكلم من جوفها كلاما جهوريا و يعدهم و يمنيهم بأكثر مما وعدتهم و منتهم الشياطين في تلك الشجرات الأخر للبقاء فيرفعون رءوسهم من السجود و بهم من الفرح النشاط ما لا يفيقون ولا يتكلمون من الشرب و العزف فيكونون على ذلك اثني عشر يوما ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون فلما طال كفرهم بالله عز وجل و عبادتهم غيره بعث الله عز وجل إليهم نبيا من بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل و معرفة ربوبيته فلا يتبعونه فلما رأى شدة تماديهم في الغي به والضلال وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح و حضر عيد قريتهم العظمى قال يا رب إن عبادك أبوا إلا تكذيبي والكفر بك وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضر فأيبس شجرهم أجمع وأرهم قدرتك وسلطانك فأصبح القوم وقد يبس شجرهم كلها فهالهم ذلك وقطع بهم وصاروا فريقين فرقة قالت سحر آلهتكم هذا الرجل الذي يزعم أنه رسول رب السماء والأرض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه وفرقة قالت لا بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عبادة غيرها فحجبت حسنها وبهاءها لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه فاجتمع رأيهم على قتله فاتخذوا أنابيب طوالا من رصاص واسعة الأفواه ثم أرسلوها في قرار العين إلى أعلى الماء واحدة فوق الأخرى مثل البرابخ و نزحوا ما فيها من الماء ثم حفروا في قرارها من الأرض بئرا عميقة ضيقة المدخل و أرسلوا فيها نبيهم وألقموا فاها صخرة عظيمة ثم أخرجوا الأنابيب من الماء و قالوا نرجو الآن أن ترضى عنا آلهتنا إذا رأت إنا قد قتلنا من كان يقع فيها و يصد عن عبادتها و دفناه تحت كبيرها ليشتفي منه فيعود لنا نورها و نضرتها كما كان فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم (ع) وهو يقول سيدي قد ترى ضيق مكاني و شدة كربتي فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة دعائي حتى مات (ع) فقال الله تبارك وتعالى لجبرئيل يا جبرئيل أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي وأمنوا مكري وعبدوا غيري وقتلوا رسلي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني كيف وأنا المنتقم ممن عصاني ولم يخش عقابي وأني حلفت بعزتي لأجعلنهم عبرة ونكالا للعالمين فلم يدعهم وفي عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديد الحمرة فتحيروا فيها وذرعوا منها وتضام بعضهم إلى بعض ثم صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد وأظلتهم سحابة سوداء مظلمة فانكبت عليهم كالقبة جمرة تتلهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار فتعوذ بالله من غضبه و نزول نقمته
المصدر علل الشرائع للصدوق (1/40) ، الباب 38 ، برقم 1