الحَمْدُ للهِ أَهْلِ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ . وَمَانِحِ الْمَوَاهِبِ وَالنَّعْمَاءِ . حَمْدَ مُسْتَمْتِعٍ بِدَوَامِ نِعْمِهِ وَآلائِهِ . وَمُسْتَمْنِحٍ لِمَزِيدِ قَسْمِهِ وَعَطَائِهِ . وَمُسْتَلْهِمٍ لِبَلِيغِ الْمَحَامِدِ عَلَى كَمَالِ ذَاتِهِ وَعَظِيمِ صِفَاتِهِ . وَمُسْتَوْزِعٍ لِشُكْرِ ذِي الْجَلالِ وَالْعَظَمَةِ بِتِلاوَةِ مُحْكَمِ آيَاتِهِ . الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . إِياَّكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .
حديثُ أم المؤمنين عائشة - سلام الله عليها - مِنْ الاحاديث المُستدلِ بها للطعن فيها بلا فهمٍ ولا دِرايةٍ بأبسطِ قواعدِ الحديثِ وفقهه ، ولكننا منذُ فترةٍ مِنْ الزمن قد عقدنا العزمَ لدراســتهِ والنظر في إسنادهِ مُبيناً العلةَ التي فيهِ - بإذن الله - وقد طال المقامُ بيَّ بين الكُتب والبُحـــوثِ التي خُطتْ في دِراسةِ الحَديثْ ، وأنا على يقينٍ أنني لو طَرحتُ فكرتيَّ سألاقي المُعارضيــــنَ في التَضعيفِ عليَّ ومُستدلينَ بمن صحح الحديثَ مِنْ الأئمةِ فأقولُ لكُل مَنْ يعترضُ علينا في تضعيفنا لخبر الحوأب أنهُ لو طرح حُجةً تستحقُ النظر بها مِنْ الناحيةِ العلميةِ قبلتُ المُناظرةَ معهُ فيما طرحتُ مِنْ بينةٍ إستدليتُ بها على ضعف حديثنا هذا ، وأما إن لم تَكُنْ مما يستحقُ أن ينظر إليه أدرتُ ظهري وأعطيتهُ الكتفَ دُون أن أنظر إلي ما كتبَ وخطَ في الردِ علينا ولذلك فإنني أطلبُ ممن يرد أن يرد بقواعد اهل الحديث والأثر ومما إصطلح عليه أهلُ هذه الصنعة ولا يأخذنا بظواهر الكلامِ ويستدلَ بما لا يفقهه ولا يستطيعُ إستنباط الأحكام منهُ والله ولي التوفيق ، سائل الله عز وجل أن يسدد خُطانا في الحُكم على الحديث ودِراسةُ إسنادها والله تعالى مِنْ وراء القصد وعلنا نبلغُ إن شاء الله الحق وسنقبلُ النقد البناءْ .
أخرج الإمام أحمد في مسنده 24254 - (( حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بَلَغَتْ مِيَاهَ بَنِي عَامِرٍ لَيْلًا نَبَحَتِ الْكِلَابُ، قَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا ؟ قَالُوا: مَاءُ الْحَوْأَبِ قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا أَنِّي رَاجِعَةٌ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا: بَلْ تَقْدَمِينَ فَيَرَاكِ الْمُسْلِمُونَ، فَيُصْلِحُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: " كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ ؟ " )) . أهـ . أخرجه ابن أبى شيبة (7/536، رقم 37771) ، ونعيم بن حماد (1/83، رقم 188) .
هذا الحديث قدد صححهُ جمعٌ مِنْ أهل العلمِ كالإمام (( الألباني - وابن حجر - والهيثمي )) وغيرهُ واحدٌ مِنْ اهل العلمِ ، إلا أن في هذا الحديث علةٌ خفيةٌ قدحتْ في صحةِ هذا الخبر إلا أن ظاهر السند أنهُ في أعلى درجات الصحةِ ، بل شمس وقال بعضهم (( رجالهُ رجال الصحيح )) وهذا مما لا شك فيه إلا أن في هذا الخبر علةٌ خفيةٌ لا يمكنُ إغفالها وهــــذه العلة هي (( الإنقطاع بين قيس بن أبي حازم وأم المؤمنين عائشة )) .
قد يستغربُ القارئُ سبب إعلالنا للحديث بالإنقطاع بين أم المؤمنين عائشة وبين قيس بن أبي حازم مُستدلاً بذلك بمذهب الإمام مُسلم في (( المُعاصرة )) قُلنا لا شك أن المُعاصرة على مذهب الإمام مُسلم كفيلةٌ بقبول روايتهِ ما لم يكن هُناك من إتهمهُ بالتدليس وهُناك سببٌ لابد من الإنتباه لهُ وهو (( أن لا تكون بينةٌ تقدحُ في صحة سماعهِ منهُ )) فيكونُ على شرط الإمام مُسلم ثلاثة شُروط لقبول الحديث المُعنعن أو ما لم يثبت فيه التصريحُ بالسماع في الحديث كما هُو عَنْ قيس بن أبي حازم في حديثنا هذا وهي :
1- المُعاصرة .
2- أن يكون سالما مِنْ التدليس ولم يسمه أحد بالتدليس .
3- أن لا تكون هُناك بينةٌ أو قرينةٌ تمنعُ مِنْ إلتقاء الطرفين والسماع منه .
ولكن الإمام مُسلم في الصحيح قد أبان لنا الشرط الذي قد أخطأ في فهمه الكثيرون ، مُبنياً لنا الشروط السابق ذكرها فقال في صحيحه (29/1) : (( وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ الشَّائِعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، أَنَّ كُلَّ رَجُلٍ ثِقَةٍ رَوَى عَنْ مِثْلِهِ حَدِيثًا، وَجَائِزٌ مُمْكِنٌ لَهُ لِقَاؤُهُ وَالسَّمَاعُ [ص:30] مِنْهُ لِكَوْنِهِمَا جَمِيعًا كَانَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا وَلَا تَشَافَهَا بِكَلَامٍ فَالرِّوَايَةُ ثَابِتَةٌ، وَالْحُجَّةُ بِهَا لَازِمَةٌ، إِلَّا أَنَّ يَكُونَ هُنَاكَ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا الرَّاوِي لَمْ يَلْقَ مَنْ رَوَى عَنْهُ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَمَّا وَالْأَمْرُ مُبْهَمٌ عَلَى الْإِمْكَانِ الَّذِي فَسَّرْنَا، فَالرِّوَايَةُ عَلَى السَّمَاعِ أَبَدًا حَتَّى تَكُونَ الدَّلَالَةُ الَّتِي بَيَّنَّا)) وما أشرتُ إليه في كلامنا هُنا هو أن المُعاصرة قد تحصل بين الراويين ولكن قد يمنع مِنْ الإتصال عند الإمام مُسلم وجود دلالة واضحة تنفيه وتمنعهُ فلا يكون هناك أيُ إحتمالٍ على حصول اللقاء والمُشافهة بين الراويين المُعاصرين .
ومما قد يُبينُ لنا الأسباب التي قد تمنعُ مِنْ لقاء الطرفين التالي :
1- أن يصرح لاراوي بنفسه أنهُ لم يسمع ممن عاصرهُ .
2- أو عُلم مِنْ الأخبار أنهما لم يجتمعا في بلدٍ قد وكانا بعيدين فلم تكن بينهما مُكاتبة أو إجازةً فهذا يُعد مِنْ الدلائل البينة على عدم الإتصال بين الراويين ، وإن ورد هذا في الراويين فإن الإمام مسلم لا يحكمُ بالإتصال على الحديث ، وإن سأل السائلُ عَنْ الدليل على هذه الدعوى قُلنا لهُ ما قاله الإمام مسلم : ((إِلَّا أَنَّ يَكُونَ هُنَاكَ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا الرَّاوِي لَمْ يَلْقَ مَنْ رَوَى عَنْهُ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَمَّا وَالْأَمْرُ مُبْهَمٌ عَلَى الْإِمْكَانِ الَّذِي فَسَّرْنَا، فَالرِّوَايَةُ عَلَى السَّمَاعِ أَبَدًا حَتَّى تَكُونَ الدَّلَالَةُ الَّتِي بَيَّنَّاإِلَّا أَنَّ يَكُونَ هُنَاكَ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا الرَّاوِي لَمْ يَلْقَ مَنْ رَوَى عَنْهُ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَمَّا وَالْأَمْرُ مُبْهَمٌ عَلَى الْإِمْكَانِ الَّذِي فَسَّرْنَا، فَالرِّوَايَةُ عَلَى السَّمَاعِ أَبَدًا حَتَّى تَكُونَ الدَّلَالَةُ الَّتِي بَيَّنَّا)) فقد أثبت علي - رحمه الله - وهو ابن المديني في علله أن قيس بن أبي حازم لم يلق أم المؤمنين ، وقد أشار في كلامهُ على مَنْ سمع منهم قيس فقال في علله (49/1) : (( قَالَ عَلِيٌّ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ سَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَزُبَيْرٍ وَطَلْحَةَ بْنِ عبيد الله وَأبي رهم وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبُجَلِيِّ وَأبي مَسْعُود البدري وَخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَالْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ وَمِرْدَاسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيِّ وَالْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ الْفِهْرِيِّ وَدُكَيْنِ بْنِ سَعْدٍ الْمُزَنِيِّ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَعِيدِ بن ز يَد وَأَبِي جُحَيْفَةَ )) ثُم قال : (( قِيلَ لِعَلِيٍّ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ سَمِعَ مِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ سَمَاعًا قَالَ نَعَمْ سَمِعَ مِنْهُمْ سَمَاعًا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ نَعُدُّ لَهُ سَمَاعًا قِيلَ لَهُ شَهِدَ الْجَمَلَ قَالَ لَا كَانَ عُثْمَانِيًّا )) فإن لم يكن قد شهد الجمل كما قال امام العلل علي بن المديني فكيف يكونُ قد سمع منها هذا الخبر أو حدث بهِ عنها ، وإننا قد وجدنا قيس بن أبي حازم يحدث عن أم المؤمنين بواسطة ، والواسطة عند أهل العلمِ بالحديث والخبرة مِنْ الأسباب التي قد يعل لأجلها الحديثُ المروي بالعنعنة .
إن سأل السائلُ ما هي الدلائل البينة عند أهل الحديث قُلنا :
1- بُعد البلدان ، 2- إدخالُ الوسائطِ ، ونحو ذلك من القرائن التي تشهدُ على عدم السماع وتغلبُ عليه عند حصولهِ ، وهذه الدلائل التي ذكرنا تدخل فيما ذكرهُ الإمام مُسلم عندما تكلم عن مسألة السماع في صحيحهِ ، وقد ثبت لدينا أن مُسلم قد راعى القرائن المذكورة ومنها كلامهُ عن الدلالة البينة المذكورة في الكلام أعلاه ، ولأجل ذلك فإن مُسلم رحمه الله تعالى قد إستدل بالبينة التي تمنعُ اللقاء فجعلها سببا يمنعُ مِنْ حُكمه بالصحة عليه .
إن سأل السائلُ كيف لك أن تُعل بهذه القرينة قُلنا : قد عاصر الحسن البصري عمران بن حصين أكثر من ثلاثين سنة ، ولكن الإمام مُسلم ولا البخاري قد أخرجا حديثهُ بالصحيحِ خوفاً مِنْ أن لا يكون للحسن البصري سماعا من عمران بن حصين كان السبب خشية الإرسال فالسؤال الذي يطرح نفسهُ هُنا : كيف خشي الإمام مُسلم الإرسال بين الحسن و بين عمران بن حصين مع تحقق المعاصرة لأكثر من ثلاثين سنة ؟!!! .
وقد نقل الشيخ حاتم العوني في كتابه إجماع المُحدثين العُلماء الذين أخبروا عن تمسك الإمام مسلم بالقرائن المُحيطة بسماع الراوي عَنْ من حدث عنهُ فقال (ص22) : (( يقول ابن القطان الفاسي (ت 638هـ) في (بيان الوهم والإبهام) ، متحدّثًا عن أن إدخال الوسائط بين الراويين يدل على عدم السماع، عند عدم تصريح أحدهما بلقائه الآخر في رواية أخرى: ((ويكون هذا (يعني: الإنقطاع) أبين في اثنين لم يُعلم سماعُ أحدهما من الآخر، وإن كان الزمانُ قد جمعهما. وعلى هذا المحدِّثون، وعليه وضعوا كتبهم: كمسلم في كتاب (التمييز) ، والدارقطني في (علله) ، والترمذي، وما يقع للبخاري، والنسائي، والبزار، وغيرهم ممن لا يُحصَى كثرة: تجدُهم دائبين يقضون بانقطاع الحديث المعنعن، إذا رُوي بزيادة واحدٍ بينهما)) )) أهـ . وقال أيضاً : (( ويقول العلائي في (جامع التحصيل) ، في سياق ذكره لمذاهب العلماء في الحديث المعنعن: ((والقول الرابع: أنه يُكتفى بمجرّد إمكان اللقاء، دون ثبوت أصله. فمتى كان الراوي بريئًا من تُهمة التدليس، وكان لقاؤه لمن روى عنه بالعنعنة ممكنًا من حيث السِّنّ والبلد= كان الحديثُ مُتّصلاً، وإن لم يأتِ أنهما اجتمعا قط. وهذا قول الإمام مسلم، والحاكم أبي عبد الله، والقاضي أبي بكر الباقلاني، والإمام أبي بكر الصيرفي من أصحابنا. وقد جعله مسلم (رحمه الله) قولَ كافّةِ أهل الحديث)) )) أهـ . فذكر الأول وهو ابن قطان الفاسي قرينة إدخال الوسائط وقد ذكر الثاني قرينة بعد البلدان بين الراويين كما قال الشيخ العوني في عقب هذا الكلام .
وأما حديث قيس عن أم المؤمنين فبواسطةٍ هي كما أخرج الإمام أحمد في مُسندهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْعُوا لِي بَعضَ أَصْحَابِي "، قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ ؟ قَالَ: " لَا " . قُلْتُ: عُمَرُ ؟ قَالَ: " لَا " . قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ ؟ قَالَ: " لَا " . قَالَتْ: قُلْتُ: عُثْمَانُ ؟ قَالَ: " نَعَمْ "، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: " تَنَحَّيْ " . فَجَعَلَ يُسَارُّهُ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ وَحُصِرَ فِيهَا، قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تُقَاتِلُ ؟ قَالَ: " لَا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا، وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ . أهـ . وقد توقف الإمام أحمد في سماع أبي وائل من أم المؤمنين عائشة ، فإن كان أبي وائل مثل قيس بن أبي حازم في المنزلة وكلاهما من المُخضرمين فلماذا توقف في ثبوت سماع أبي وائل من أم المؤمنين عائشة كما في المراسيل لابن أبي حاتم : (( كتب إلي علي بن أبي طاهر حدثنا أحمد بن محمد الأثرم قال قلت لأبي عبدالله أبو وائل سمع من عائشة قال ما أدري ربما أدخل بينه وبينها مسروق في غير شيء وذكر حديث إذا أنفقت المرأة )) فكما ترى أخي القارئ كلام ابن أبي حاتم وتوقف الإمام أحمد بن حنبل في سماع أبي وائل من أم المؤمنين عائشة مع تحقق المعاصرة بينهما ، ومع ذلك فقد دخل في نفس الإمام أحمد شيئاً يمنع من ثبوت الحديث وهو أن يكون قد أدخل واسطة بينهما . قال الشيخ الدريس في موقف الإمامين (161/1) : (( وأما من اكتفى بالمعاصرة فإن احتمال عدم سماع المتعاصرين من بعضهما قائم لا يدفعه ثبوت المعاصرة وإمكان اللقاء لكثرة الإرسال بين الرواة - كما تقدم - )) وهنا وقفة لا بد منها في بيان خصوصية أمهات المؤمنين في مسائل الاتصال والانقطاع ، وذلك أنك كثيراً من الرواة أرسلوا عن عائشة مع معاصرتهم ، والسبب في ذلك أنها كانت محتجبة ، ولو أذنت لكل من أراد الدخول والسماع منها ، لم يكن للحجاب معنى ، ولثقل ذلك عليها رضي الله عنها ، لكثرة الطالبين لذا تجد أكثر من روى عن عائشة محارمها مثل عروة والقاسم ، والموالي مثل مسروق ، والنساء وأما الرجال الأحرار الذين رووا عنها وأكثروا فهم قلة ممن عرف عندها بالعلم والفضل مثل الأسود بن يزيد وعبيد بن عميرومما يدل على هذا المعنى ما جاء في جامع التحصيل في ترجمة مجاهد :" وقال البرديجي الذي صح لمجاهد من الصحابة رضي الله عنهم بن عباس وابن عمر وأبو هريرة على خلاف فيه قال بعضهم لم يسمع منه يدخل بينه وبين أبي هريرة عبد الرحمن بن أبي ذياب وقد صار مجاهد إلى باب عائشة فحجبت ولم يدخل عليها لأنه كان حرا" أهـ .
وللحديث طريقٌ آخر أخرجهُ الطبراني في الأوسط وفي هذا الكتاب إعتمد الشيخ إخراج ما في أحاديث مشيخته من غرائب ويحكم عليها ، ومن أمعن النظر في كتابه المُعجم الاوسط فإنهُ يجد الحُكم عليها بالغرابة والتفرد ، وقد أوردهُ مِنْ طريق مُجالد بن سعيد وهو على الصحيح " ضعيف الحديث " حدثنا محمد بن علي ، نا يزيد بن موهب ، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : كان يوم من السنة تجمع فيه نساء النبي صلى الله عليه وسلم عنده يوما إلى الليل ، قالت : وفي ذلك اليوم قال : « أسرعكن لحوقا أطولكن يدا » . قالت : فجعلنا نتذارع بيننا أينا أطول يدين ، قالت : فكانت سودة أطولهن يدا ، فلما توفيت زينب علمنا أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة ، قالت : وكانت زينب تغزل الغزل ، وتعطيه سرايا النبي صلى الله عليه وسلم يخيطون به ، ويستعينون به في مغازيهم ، قالت : وفي ذلك اليوم قال : « كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب » « لم يرو هذا الحديث عن مجالد إلا ابن أبي زائدة » أهـ . جالد بن سعيد الهمداني ، قال الإمام أحمد: ((ليس بشيء)). وقال علي بن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: مجالد؟ قال: ((في نفسي منه شيء)). وقال يحيى بن سعيد لعبيد الله: أين تذهب؟ قال: أذهب إلى وهب بن جرير أكتب السيرة، يعني عن أبيه عن مجالد. قال: ((تكتب كذباً كثيراً! لو شئتُ أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل!)). وقال يحيي بن معين: ((لا يُحتجّ بحديثه)). وقال: ((ضعيف واهي الحديث)). وقال البخاري: ((كان يحيى بن سعيد يضعفه، وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يروي عنه شيئاً)). وسُئل أبو حاتم عن مجالد بن سعيد: يُحتج بحديثه؟ قال: ((لا .. وليس مجالد بقوي الحديث)). وقال ابن عدي: ((عامة ما يرويه غير محفوظ)). وقال ابن حجر (التقريب 2/159): ((ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره)) ، وبه لا تصح رواية مجالد بن سعيد لضعفهِ فما رواهُ الطبراني ضعيف .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (6/ 339) :" وأما الحرب التي كانت بين طلحة والزبير وبين علي فكان كل منهما يقاتل عن نفسه ظانا أنه يدفع صول غيره عليه لم يكن لعلي غرض في قتالهم ولا لهم غرض في قتاله بل كانوا قبل قدوم على يطلبون قتله عثمان وكان للقتلة من قبائلهم من يدفع عنهم فلم يتمكنوا منهم فلما قدم علي وعرفوه مقصودهم عرفهم أن هذا أيضا رأيه لكن لا يتمكن حتى ينتظم الأمر فلما علم بعض القتلة ذلك حمل على أحد العسكرين فظن الآخرون أنهم بدأوا بالقتال فوقع القتال بقصد أهل الفتنة لا بقصد السابقين الأولين" أهـ . والله أعلى وأعلم . مُلاحظة : قد إقتبستُ بعض الجُمل من كلام أحد الأخوة في دراسته للحديث للأمانة .
كتبه /
تقي الدين السني