بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه
ماهية التقية واسباب القول بها ومخاطره
قال الفيرزآبادي في القاموس المحيط: باب الياء فصل الواو: وقى وتقيته اتقيته، حذرته، والاسم التقوى().
والتقية مصدر توفى واتقى، واتقيت الشيء أي حذرته، وقد جاء في القرآن الكريم: "{ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } (28) سورة آل عمران ()"
أما اصطلاحاً فهي: إخفاء المعتقد خوفاً من ضرر هالك، أو إظهار المرء خلاف ما يبطن وذلك خوفاً مما يجب اتقاؤه.
والتقية عند الشيعة: كتمان الحق وستر الاعتقاد به، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم، بما يعقب ضرراً في الدنيا والدين().
ولم يؤصل أحد من أهل الإسلام للتقية باعتبارها أساساً أو أصلاً في الدين، بل ولم يبَوَّب لها في أي من مسائل الحديث ولكننا قد نرى شيئاً شبيهاً بالمعنى اللغوي للتقية في ثنايا الحديث عن الإكراه. والأحكام المترتبة عليه وقد يوجد مبحث تحت اسم التقية ولكنه يفسر حالة الضرر ومن أمثلته قصة عمار بن ياسر لما تكلم بالرسول r ليتقي تعذيب قريش له، وأوضح عمار أن ما ذكره لم يتجاوز لسانه إلى قلبه، أما عند الشيعة فقد غدت أصلاً من الأصول، وضعت من أجله الأحاديث المكذوبة على العدول من آل البيت الهاشمي كمحمد الباقر وجعفر الصادق وغيرهم.
والباحث في النصوص المتعلقة بالتقية عند المخالفين يجد أن لها أصلاً سياسياً مهماً عندهم، وهو تكريس ودعم فكرة النص على الإمام، وتكريس ودعم فكرة العصمة، بحيث يسهل عليهم رد نصوص الأئمة التي تقول بعدم النصية على الإمام أو أن الإمامة تنعقد بالشورى، وكذلك يسهل عليهم رد نصوص العدول المتعلقة بعدم العصمة. بحجة أنها إنما قيلت تقية. ولهذا قال عنهم سليمان بن جرير: "إن هؤلاء الشيعة تمسكوا بمقالتين لا يضبطون معهما على كذب أبداً، التقية والبداء".
يؤكد هذا ما ذهب إليه السيد أحمد الكاتب في كلامه عن سرِّية نظرية الإمامة حيث يقول: تحت عنوان سرِّية نظرية الإمامة: .... وإنما بدأت تدب "نظرية الإمامة الإلهية القائمة على النص" تحت الأرض في الكوفة في بداية القرن الثاني الهجري، وكان المتكلمون الذين ابتدعوها يلفونها بستار التقية والكتمان... ويعترف المتكلم أبو جعفر الأحول الملقب بـ "مؤمن الطاق" الذي يعتبر من أعمدة النظرية الأوائل أنها كانت سرِّية ولم يكن يعلم بها حتى زيد بن علي، وقد فوجئ "زيد" بها واستغرب أن يكون أباه الإمام السجاد قد أخبر مؤمن الطاق ولم يخبره بها().
وأصل هذه القصة كما يرويها الكافي: يقول مؤمن الطاق: إن زيدَ بن علي بعث إليَّ وهو مستخفٍ فأتيته، فقال لي: يا أبا جعفر، ما تقول إن طرقك طارق منا.. أتخرج معه؟ قال: فقلت له: إن كان أباك أو أخاك خرجت معه، فقال لي: فأنا أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي قال: قلت له: لا، جعلت فداك، فقال لي: أترغب بنفسك عني، قال: قلت لا، إنما هي نفس واحدة، فإن كان لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناجٍ، والخارج معك هالك، وإن لم تكن لله حجة فالمتخلف عنك والخارج معك سواء. فقال لي: يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البضعة السمينة ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد شفقة علي، ولم يشفق على من حر النار، إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟! فقلت له: جعلت فداك من شفقته عليك من حرِّ النار لم يخبرك خافَ عليك أن لا تقبله فتدخل النار، وأخبرني أنا، فإن قبلت نجوت، وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار كما كتم يعقوب الرؤيا عن بنيه().
ويؤكد هذه الدعوى ما نسبه المخالفون إلى محمد الباقر وجعفر الصادق من أقوال تحض على التقية وتعتبرها من الدين،ومن هذه الأقوال:
ما رواه الكليني في الكافي عن الصادق أنه قال: "لا يحل لكم أن تظهروهم على أصول دين الله"().
ونقل عن الإمام محمد الباقر أنه قال: "لو كان لألسنتكم أوكية() لحدثت كل امرئ بما له()".
ونقل الصفَّار في بصائر الدرجات عن الإمام جعفر أنه قال: إنَّ أمرنا سر في سر وسر مستتر، وسر لا يفيد إلا سر وسر على سر وسر مقنع بسر.
ومن النصوص المنسوبة إلى جعفر أيضاً في مسألة التقية ما نقله الكافي عن الإمام جعفر في تفسير قوله تعالى: " {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (54) سورة القصص " قال: على التقية،وتفسير ويدرؤون بالحسنة السيئة، قال: الحسنة التقية، والسيئة الإذاعة().
ونقل الكليني أيضاً عن الإمام محمد الباقر قوله: التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له.
وعنه أيضاً: أن أبا عبد الله "جعفر" قال يا سليمان -سليمان بن خالد- إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله().
والنصوص في المذهب كثيرة جداً. ولكننا نكتفي بما أوردنا للدلالة, والتساؤل المُلِحِّ هو:
لماذا أولى الشيعة مسألة التقية هذه الأهمية؟
وجواباً على ذلك نورد ما ذكره د. علي أحمد السالوس في هذا المجال إذ يقول: إنهم جعلوا من التقية منفذاً للغلو والانحراف، مثال هذا أن بعضهم حكم بكفر كثير من الصحابة لعداوتهم –بزعمهم- للإمام علي بن أبي طالب وقالوا بنجاستهم تبعاً لذلك().
ويرى الأستاذ موسى الموسوي (وهو شيعي)) أن سبب الغلو في التقية هو محاولات الزعامات الشيعية المذهبية والسياسية والفكرية أن تتخذ من العمل السري وسيلة للقضاء على الخلافة العباسية ثم الإعلان عن عدم شرعيتها وكان من الطبيعي أن يضاف إلى فكرة التشيع لعلي ولأهل بيته عنصراً جديداً يدعم الفكرة دعماً كبيراً، فأضيفت فكرة النص الإلهي وأصبحت من ذلك الحين تشغل حيزاً كبيراً من صحيح العقيدة().
وجدت التقية بالمفهوم السياسي والشرعي عند المخالفين لدعم وتكريس النص على الإمام، فعندما قالوا بالنص الإلهي استلزم هذا منهم أن يمارس الإمام السلطة الزمانية حتى يكون هادياً، والواقع يقول بغير ذلك, لذا كان لا بد من التقية حتى تبرر التناقض بين النص على الإمام، وبين ركون هذا الإمام للحكام الموجودين "سواء كانوا الخلفاء الراشدين في عهد علي - رضي الله عنهم وعنه – أو يزيد في عهد زين العابدين بن علي بن الحسين، أو سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، ويزيد وهشام بن عبد الملك في عهد الباقر. ومن بعدهم في عهد جعفر الصادق ومن بعدهم في عهد موسى الكاظم ومن بعدهم في عهد علي الرضا بن موسى الكاظم... إلى آخر الأئمة.
يقول الخميني: "ويشهد التاريخ بأنه فيما كان هؤلاء منشغلين بدفن الرسول r -وقصده بهؤلاء علي بن أبي طالب ومن كان معه- فإن اجتماع السقيفة اختار أبا بكر للحكم، فتم بذلك وضع الأساس بشكل خاطئ ()ولما لم يكن عند علي القدرة على تغيير الوضع القائم فقد قبل بالوضع تقية لا قناعة.
لرفع المتناقضات القولية والعملية في المذهب:فلو قال الإمام الذي يزعم المخالف عصمته في مسألة ما برأيين مختلفين لكان أحد الرأيين صحيحاً والآخر خطأ، على أحسن الأحوال، ومثل هذا كان يحصل من الأئمة بشكل متكرر، وربما تعجب الناس من هذا التناقض فَيُرَدُّ على تعجب الناس بأن أحد الرأيين كان تقية ومثال ذلك: ما ذكره الخميني في حديث زرارة(): قال رزارة: سألت الإمام عن شيء فأجابني عليه جواباً وجاءه آخر وسأله عن الشيء ذاته فأجابه جواباً آخر، وجاءه ثالث فسأل عن الشيء ذاته فأجابه بجواب ثالث قلت: لقد أجبت الشيعة الثلاثة الذين سألوا عن شيء واحد بأجوبة مختلفة! قال "الإمام" حتى ينشب الخلاف بينهم ولا تظهر الحقيقة().
ولا يرى الخميني أي بأس في ذلك، ولا يرى أي تناقض في ذلك ولا يرى أي حط لقدر العلماء في ذلك، بل يرى كل ذلك منطقياً فيقول: نحن لا ندري كيف يبتعد هؤلاء -المخالفين له- عن الحكمة ويدوِّنون ما يحلو لقلمهم وإلا فالتقية من أوضح أحكام العقل().
ويقول النوبختي: وأما التقية فإنه لما كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلال والحرام وغير ذلك فأجابوا عنها، وحفظ عنهم شيعتهم تلك الأجوبة ولم يحفظ الأئمة الأجوبة لتقادم العهد فوقع أن أجابوا عن المسألة الواحدة بأجوبة شتى فلما وقف الشيعة على ذلك ردوا إليهم هذا الاختلاف وسألوا عنه، فقال لهم أئمتهم: إنما أجبنا بهذا للتقية ولنا أن نجيب بما أجبنا وكيف شئنا لأن ذلك إلينا، ونحن نعلم ما يصلحكم ونتيجة لهذه المقالة مال سليمان بن جرير إلى جماعة البترية وترك إمامة جعفر().
للهروب من محاججة المخالف: إن الشيعة بتأصيلهم للتقية بهذه الصورة لا يمكن لمن يناظرهم أن يصل معهم إلى نتيجة، فعندما تحاججهم بأقوال أئمتهم التي تبين بطلان ما هم عليه يقولون بأنها قيلت للتقية، وبالتالي يكون بأيديهم الرأي ونقيضه، وهذا ليس من الدين في شيء.
فمن تنسب إليهم هذه الأباطيل كانوا عدولاً. وكانوا لا يقولون بالعصمة، ولا بالنصية، وكانوا يرون أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر