إن الزكاة حق الفقراء عموما بينما (الخمس) جعلوه خاصا بطبقة معينة هم (السادة) و (الفقهاء) هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن قيمتها بالنسبة إلى قيمة (الخمس) لا تعد شيئا يذكر وتكليف الناس بكليهما معا صعب جدا وإذن فلا بد من الاختيار والاختيار وقع على (الخمس) لأنه أعظم بكثير وخاص ، لهذا أهملوا الزكاة وعموا أمرها وتناسوها ، وإن كان إذا حصلت فلا بأس.
وهكذا أغلقوا –أو كادوا- بابا واسعا من أبواب الإحسان العام وفتحوا بدله بابا آخر يؤدي إلى دهليز التمتع الذاتي الخاص ألا وهو باب (الخمس).
لقد قلت في بداية هذا الكتاب إن التدين الدخيل ملخص فى هذه العبارة الجامعة :
( دين في أمر العبادة والإحسان يقوم على التضييق والمشاححة وفي أمور المال والجنس يقوم على التوسيع والمسامحة ).
أما في الأزمنة التي لم يكن الفقهاء يستلمون فيها (الخمس) كما يستلمون اليوم ولم يكن بابه قد فتح على مصراعيه بعد كان يذكر ولا يشدد على دفعه ولا دخل للفقيه في استلامه وأخذه إنما يقال : هو حق (الإمام الغائب) يمكن لصاحبه أن لا يخرجه أصلا فإن أخرجه –وذلك ليس بواجب عليه- فإما أن يدفنه في الأرض أو يوصي به إلى من يثق به لحين ظهور (المهدي) ولم يكن قد عرف طريقه إلى المكاسب التجارية ولا عصا الفقهاء قد ساقته إلى غيرها من الموارد كالمساكن والمناكح أيام الفقهاء الكبار كالمرتضى والمفيد وشيخ الطائفة الطوسي[1].
فلم يكن مورد إلا الزكاة لذلك كانوا يشددون في أمرها واقرأ هذه الرواية مثالا على ذلك وشاهدا على القاعدة التي لخصتها في العبارة السابقة :
عن أبي عبدالله (ع) قال: (كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها)[2]. حتى إذا اتسع باب (الخمس) بل كسر واقتلع من الأساس ضاق باب الزكاة إذ لم تعد الحاجة إليه ماسة .