علماء الدين المنشقون يأخذون مكان الطلاب في تحدي النظام الإيراني
لندن: أمير طاهري
لا بد ان تكون السلطات الايرانية، التي اعدت نفسها لمواجهة اعمال شغب على نطاق البلاد، قد تنفست الصعداء، فما وصف باعتباره «اسبوع المخاطر» قد مر من دون كثير من الاحداث. وقد ارتبط هذا الاسبوع بالذكرى السنوية الثالثة للاضطرابات الطلابية التي اثارت اعصاب زعماء الجمهورية الاسلامية عام 1999. ولمنع تكرار الاضطرابات، حظرت السلطات كل المسيرات واعتقلت اعدادا كبيرة من النشطاء المؤيدين للاصلاح. وبرهنت هذه الاجراءات على فاعليتها، اذ لم تفلح الجماعات المؤيدة للاصلاح إلا في اقامة تجمعات صغيرة جرى احتواؤها بسهولة من جانب الوحدات الخاصة التابعة للحكومة. وعلى اية حال ربما لم يكن «الصيف الطويل الساخن» الذي وعدت به المعارضة ممكناً.
غير ان المحللين يعتقدون ان التهديد للنظام ما زال متواصلا، وان كان بأشكال مختلفة. ويقول احد الدبلوماسيين الغربيين في طهران ان «تاريخ السنوات الاربع الماضية في ايران هو تاريخ آمال محبطة. فقد انتعشت آمال الناس، في البداية، من ان انتخاب الرئيس محمد خاتمي سيوفر طريقاً سهلا للخروج من الازمة. وعندما ادركوا ان ذلك غير ممكن وضعوا امالهم في الحركة الطلابية».
غير ان الاضطرابات الطلابية عام 1999 كانت «مثل العاب نارية، مليئة بالالوان والاصوات لكنها قصيرة العمر»، كما يقول الدبلوماسي الذي يضيف ان «الاضطرابات كان لها مفعول الهجوم المضلل، فقد جعل اولئك الذين يعانون، حقا، من الازمة الراهنة يعتقدون انه قد يكون هناك مخرج سهل منها».
والفكرة الحالية هي ان الطلاب، الذين ما زالوا يتميزون بالعناد، فقدوا روح المبادرة. ويأتي التهديد الرئيسي للنظام، الان، من مجموعتين جديدتين هما: علماء الدين المنشقون والعمال الصناعيون.
وتجلت الاشارة الى اعتزام علماء الدين المنشقين الانتقال الى وسط المسرح، عندما نشر آية الله جلال الدين طاهري خرمآبادي، امام صلاة الجمعة في اصفهان، ثاني اكبر مدن ايران، رسالة استقالة وصف فيها الجمهورية الاسلامية بـ «النظام الاستبدادي» الذي يتصرف بطريقة تتعارض مع قيم ومبادئ الاسلام.
وتجاوز طاهري، ايضا، احد محظورات المؤسسة عندما دعا، بقوة، الى الغاء «ولاية الفقيه»، وهو مبدأ يستطيع بموجبه عالم دين غير منتخب فرض حظر على كل قرارات البرلمان والرئيس المنتخب.
وردت السلطات على ذلك بفرض حظر اعلامي على طاهري. غير ان نسخاً من رسالة آية الله توزعت في مختلف انحاء البلاد. ويعود احد اسباب ذلك الى دعم جبهة المشاركة الاسلامية، وهي حزب سياسي يقوده محمد رضا، الشقيق الاصغر للرئيس خاتمي.
ويتمثل الهدف التكتيكي الرئيسي لعلماء الدين المنشقين وحلفائهم في البرلمان في انهاء الاقامة الجبرية المفروضة على آية الله العظمى حسين علي منتظري، الذي كان في ما مضى احد اعمدة النظام الخميني.
ووفقاً لمصادر معينة فان منتظري، المحتجز في مدينة قم منذ عام 1986، يعتزم قيادة مئات عدة من انصاره في رحلة الى مشهد مروراً بطهران. والفكرة هي انه في كل مرحلة من مراحل تحرك منتظري لا بد ان ينضم آلاف من الناس الى موكبه. ويمكن ان تتعاظم هذه الممارسة لتتحول الى دخول منتظري منتصراً الى طهران، وسط ترحيب اعداد كبيرة من مؤيديه.
ان ما تخشاه السلطات هو مطالبة منتظري بالغاء صريح لـ«ولاية الفقيه» في فتوى يمكن اقرارها، بالتالي، من جانب عدد من كبار علماء الدين الاخرين، ودعمها من جانب الاحزاب السياسية والمجموعات البرلمانية.
ويمكن مناقشة الفتوى، من ثم، في الجمعية الاستشارية الاسلامية، واستخدام ذلك كأساس لاستفتاء حول اصلاح الدستور.
وتحاول السلطات، التي تشعر بالقلق من امكانية حدوث حرب مفتوحة داخل المؤسسة الدينية في ايران، القيام بمزيج من المواقف القسرية والتنازلات. ففي الوقت الحالي يقبع في السجن ما يقرب من الفين من علماء الدين، مما يعني ضربة لاكبر مجموعة اجتماعية. ويمنع مئات آخرون من علماء الدين من التدريس والمناصب الاخرى، بينما يبقى عدد منهم تحت الاقامة الجبرية.
وفي الوقت ذاته تقدم السلطات تنازلات معينة. وتشتمل هذه التنازلات على دعوة لعدد من علماء الدين المنشقين، وبينهم اثنان على الاقل في المنفى، لكي يصبحوا اعضاء في مجلس الخبراء، وبالتالي تكون لهم كلمة في اختيار «المرشد الاعلى» المقبل.
ويحاول مكتب المرشد الاعلى، ايضا، شراء الولاء، بصورة رئيسية عبر تقديم المرتبات المغرية لطلبة الدين، والمنح الكبيرة للمدارس التي يديرها العلماء المؤيدون او المحايدون.
غير ان علماء الدين المؤيدين يؤكدون ان أي تلميح يشير الى ان مبدأ «ولاية الفقيه» يمكن ان يكون في خطر قد يضع النظام على منحدر منزلق يصعب التكهن بعواقبه.
وقد حذر آية الله علي اكبر مشكيني، وهو امام صلاة في قم مؤيد للنظام، من ان الغاء «ولاية الفقيه» من الدستور يمكن ان يفتح الطريق امام الاستيلاء على السلطة من جانب العلمانيين عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وقال مشكيني اول من امس في قم ان «ثورتنا الاسلامية تتجه الى المجابهة الاكثر حسما في تاريخها. وتلك المجابهة هي بين اولئك الذين يعتقدون ان الاسلام غير ممكن بدون ولاية الفقيه، واولئك الذين يريدون الغاء ولاية الفقيه. والمأساة ان الاعداء الاشد خطورة لولاية الفقيه يأتون الآن من بين صفوف علماء الدين انفسهم».
وبعد اربع سنوات طرحت خلالها طائفة واسعة من القضايا وتلاشت في المشهد السياسي الايراني، يبدو ان الجدل بدأ يركز على قضية واحدة: هل يتعين تغيير الدستور حتى يمكن لايران ان تصبح جمهورية اعتيادية؟
http://www.asharqalawsat.com/default.htm