بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آلــــه الأطهار
يتساءل بعض المؤمنين عما ورد في بعض الأحاديث من النهي عن تعليم النساء سورة يوسف , ونحن هنا نحاول حقيقة ما ورد .
المحور الأول : سند الحديث :
1- روى الشيخ الكليني هذا المضمون في روايتين :
الرواية الأولى : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم رفعه قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : لا تعلموا نساءكم سورة يوسف ولا تقرؤوهن إياها, فإنّ فيها الفتن , وعلموهن سورة النور فإن فيها المواعظ .
المصدر : الكافي 5 :516 , ح 2 .
تحقيق السند : فيه ضعف ولو من جهة الرفع .
الرواية الثانية : علي بن محمد ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيوب ، عن السكوني قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم مكروب ، فقال لي : يا سكوني مما غمك ؟ قلت : ولدت لي ابنة فقال : يا سكوني على الأرض ثقلها وعلى الله رزقها ، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك ، فسرى والله عني فقال لي : ما سميتها ؟ قلت : فاطمة ، قال آه آه , ثم وضع يده على جبهته فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حق الولد على والده إذا كان ذكرا أن يستفره أمه ، ويستحسن اسمه ، ويعمله كتاب الله ويطهره ، ويعلمه السباحة وإذا كانت أنثى أن يستفره أمها ، ويستحسن اسمها ، ويعلمها سورة النور ، ولا يعملها سورة يوسف ، ولا ينزلها الغرف ، ويعجل سراحها إلى بيت زوجها ، أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها .
المصدر : الكافي 6 : 48 , ح 6 .
تحقيق السند : فيه ضعف من جهة محمد بن جمهور أبو عبد الله العمي .
2- روى الشيخ الصدوق هذا المضمون في روايتين :
الرواية الأولى : وقال أبو عبد الله عليه السلام : " لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة ولا تعلموهن سورة يوسف ، وعلموهن المغزل وسورة النور " .
المصدر : من لا يحضره الفقيه 1 :374 , ح 1089 .
تحقيق السند : المشهور في المدرسة القمية أن مرسلات الشيخ الصدوق الجزمية معتبرة , وممن يرى هذا الرأي الإمام الخميني – عليه الرحمة - , وكان السيد الخوئي يرى هذا الرأي ثم عدل عنه .
الرواية الثانية : وروى إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام عن آبائه عليهم السلام قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تنزلوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتابة ، ولا تعلموهن سورة يوسف ، وعلموهن المغزل وسورة النور " .
المصدر : من لا يحضره الفقيه 3 : 442 , ح 4535 .
تحقيق السند : في السند ( النوفلي ) و ( إسماعيل بن أبي زياد السكوني) وهما ثقتان عند بعض المحققين , فالسند بناء عليه موثق .
كما روى الشيخ الصدوق بسند ثالث ضعيف في كتاب الخصال ص 585 ( و يكره لهن تعلم سورة يوسف ) .
3- روى الشيخ الطوسي عن الشيخ الكليني الرواية الثانية أعلاه , تهذيب الأحكام 8 : 112 و ح 387 .
والحاصل : بعد تكرار هذه الحديث في هذه المصادر فلا ينبغي التوقف في السند بناء على مسلك الوثوق , أما على مسلك الوثاقة فللتوقف مجال بناء على بعض الآراء .
المحور الثاني : موقف الفقهاء في هذه المسألة :
قال الشيخ المفيد ( ولا ينبغي لهن أن يتعلمن من القرآن سورة يوسف خاصة دون غيرها ، ويتعلمن سورة النور ) .
المصدر : أحكام النساء:56 .
وقد جعل الشيخ الحر العاملي عنوان الباب ( باب كراهة إنزال النساء الغرف وتعليمهن الكتابة وسورة يوسف ... ) . المصدر : وسائل الشيعة 20 : 17.
ويقال أن عنوان الباب في كتاب الوسائل يعبّر عن الرأي الفقهي لصاحب الكتاب .
وقال القاضي عياض – وهو من علماء أهل السنة – ( فقد كره بعض السلف تعليم النساء سورة يوسف لما انطوت عليه من تلك القصص لضعف معرفتهن ونقص عقولهن وإدراكهن ) .
المصدر : الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 : 248 .
المحور الثالث : إشكال وجوابه :
الإشكال : القرآن كله نور وبيان ورشاد وهداية سوره وآياته وكلماته وهذا المعنى آبٍ عن التخصيص والتقييد فلا يمكن أن يقال بأنّ القرآن مفيد ولكن هذا المقدار منه ضار لبعض الناس أو للنساء خاصة .
وجواب الإشكال : القرآن نور كله , ولكن المسألة في القابل الذي يتلقى هذا النور .
قال الله تعالى ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [124] وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ [125] ) سورة التوبة .
وقال سبحانه (.... يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ) [البقرة : 26] .
وغير ذلك من الآيات التي توضح اختلاف الناس في تلقي القرآن الكريم وأثره عليهم .
ونضيف إلى ذلك أن اختلاف السور في الآثار أوضح من الشمس في رائعة النهار , ولذا ورد حثّ على بعض السور في أوقات أو أفعال معينة أو لحوائج ما . فما المانع أن تحثّ طائفة على الإكثار من قراءة سورة أو تنهى عن تعلم سورة . ومثله ورد في الأحاديث الشريفة , لذا ورد النهي عن إشاعة بعض الأحاديث مع أن جميع كلام أهل البيت – عليهم السلام – نور .
المحور الرابع : معنى الحديث :
" لا تعلموا نساءكم سورة يوسف ولا تقرؤوهن إياها, فإنّ فيها الفتن , وعلموهن سورة النور فإن فيها المواعظ " .
سورة يوسف فيها الفتن , ولعل منها : مكر أخوة يوسف وحيلتهم و كذبهم , حيلة امرأة العزيز , حيلة يوسف – عليه السلام - , وغير ذلك مما يفتح ذهن الفتاة على نمط من التفكير جديد .
أما سورة النور ففيها المواعظ , ولعل منها : إقامة الحد والنهي عن الرأفة بالزاني .
يمكن أن يقال أن الروايات تتحدث عن المجتمع الذي تكون فيه المرأة بعيدة عن كل البعد عن معاني الإغراء والإغواء والحيل والخدع ولا تعي شيئاً من ذلك ؛ عندئذ الأفضل عدم تعليمها سورة يوسف لئلا تفتح ذهن الفتاة على عالم الحيل والإغواء .
أما في الوقت الراهن الذي راج فيه هذا التفكير وانتشر في كل مكان وبمختلف الوسائل حتى أصبحت الطفلة الصغيرة تعي عوالم الحيل والخدع والفتن و الحياة الجنسية والإغرائية فلم يبق موضوع للنهي عن تعليم سورة يوسف .
وهذا نظير ما ورد من استحباب وتفضيل أن تصلي المرأة في خدرها على أن تخرج إلى المسجد . فإن هذا الحكم مورده تقليل خروج المرأة من البيت وابتعادها عن أنظار الرجال , وأما في الوقت الراهن الذي يكثر فيه خروج النساء دون ردع أو اعتراض إلى أقاصي الأرض للدراسة أو العمل أو السياحة وتجوب الأسواق فليس من المعقول أن تنهى عن الخروج إلى المسجد المجاور للصلاة .
إذا علمت ذلك تعلم وجه تفسير بعض الأحاديث المشابهة الواردة في حق المرأة , كما تعرف وجوه الجواب على بعض الإشكالات الأخرى التي لم نذكرها اختصاراً .
سماحة الشيخ مرتضى الباشا
(و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)
وصل اللهم على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين
01-11-07, 12:20 PM
العرض العادي
