العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية > كتب ووثائق منتدى الحوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-07-20, 12:03 AM   رقم المشاركة : 1
سلماان
عضو ماسي







سلماان غير متصل

سلماان is on a distinguished road


رواية (خذوا ما رووا وذروا ما رأوا) في ميزان النّقد 3 حلقات



رواية “خذوا ما رووا وذروا ما رأوا” في ميزان النّقد!! الحلقة الأولى
# في أواخر القرن الثّاني وحتّى نهاية القرن الثّالث ضمّت الكوفة أسرة علميّة شيعيّة كبيرة، تعجّ كتب الحديث الإثنا عشريّة برواياتها ومصنّفاتها، وهناك إجماع بينهم على وثاقة رجالها، بل كانت الزّعامة العامّة والمرجعيّة العليا للشّيعة ـ إذا جازت مثل هذه التّعابير ـ في ذلك الوقت منهم أيضاً، وهي أسرة آل فضّال المتمحّضة بالحسن بن عليّ بن فضّال المتوفّى كما هو المشهور سنة: “224هـ”، وأولاده الثّلاثة: محمّد، وأحمد، والمرجع العامّ في عصره: عليّ بن الحسن بن فضّال.
# لكنّ العلامة الفارقة في هذه الأسرة ـ والّتي تحمل دلالات كبيرة جدّاً لمن ألقى السّمع وهو شهيد ـ هي فطحيّتها، والفطحيّة تعني: الفرقة الّتي آمنت بمرجعيّة أو إمامة عبد الله بن جعفر الصّادق “ع” بعد رحيل الأخير، وبعد وفاته ـ أعني عبد الله المعروف في الأوساط الإثني عشريّة بالأفطح ـ عاد معظم معتنقيها إلى الإيمان بإمامة أخيه غير الشّقيق موسى المعروف بالكاظم “ع”؛ وذلك لمجموعة نصوص وسياقات أكّدت لهم ذلك انسياقاً مع إيمانهم بأنّ الإمامة أو المرجعيّة الدّينيّة يمكن أن تنتقل بشكل عرضي ما بين الأخوين، ولا ضرورة لحصر انتقالها بطريقة طوليّة بعد الحسن والحسين “ع” كما هو رأي المذهب الإثني عشريّ.
# وفي الرّبع الأوّل من القرن الرّابع الهجري ظهرت في بغداد والكوفة رواية تُنسب للعسكري “ع” فيها إجابة عن سؤال وجّه إليه يستفسر عن آليّة التّعامل مع كتب آل فضّال من النّاحية الشّرعيّة؛ باعتبارهم فقهاء كبار ولديهم فتاوى وكتب أيضاً وفي الوقت نفسه يُعدّون من كبار الفطحيّة، وكأنّ العسكريّ “ع” أجاب عن هذا الاستفسار الجادّ من خلال التّفريق بين عقيدتهم وبين نقولاتهم ومرويّاتهم، ولهذا طلب من السّائلين: أن يذروا آراءهم، ويأخذوا برواياتهم.
# لكنّ هذا المقولة غريبة في بابها، ولم نجد من وضع يده على جوهر الغرابة فيها وكشف عن أسبابها بوضوح تامّ وإن وجد أصل ذلك في التّراث المتناثر أيضاً؛ إذ بعد مرور ما يقرب من قرن على ولادة الفرقة الفطحيّة، وإيمان جملة من زعاماتها ومعتنقيها بعد وفاة الأفطح بإمامة الكاظم والرّضا والجواد والهادي والعسكري “ع” كما هو حال غيرهم من الإماميّة، ما الّذي حصل واستجدّ بحيث تطلّب الاستفسار من العسكريّ “ع” عن مصير كتب آل فضّال، فهل كانت الشّيعة في حيرة من أمرها كلّ تلك الفترة ولم تستفسر من أحدٍ من الأئمّة الّلاحقين للأفطح والسّابقين على العسكريّ “ع” عن كيفيّة التّعامل مع كتب الفطحيّة حتّى وصلت النّوبة إليه مع أنّ الحسن بن فضّال كان قد توفّي قبل ولادته “ع” بثمان سنوات تقريباً كما هو المشهور!
# وفي مقام إجابة مثل هذه الأسئلة والسّعي الحثيث لرفع الغرابة أعلاه أقول: إنّ الّذي أوجب ظهور مثل هذه المقولة في تلك الّلحظة الزّمانيّة بالذّات لا قبلها هو: أنّ الفطحيّة بعد ما اندرس مرتكزها الّذي هو إمكانيّة انتقال الإمامة بشكل عرضيّ بين الأخوين عاد ليسترجع نفسه ويتكرّر بقوّة من قبل هذه الأسرة نفسها ومناصريها ومن يفكّر بطريقتها أيضاً في تلك البرهة، وهذا لم يحصل إلّا في مرحلة الصّراع الحاصل على الإمامة والزّعامة أثناء حياة العسكري “ع” أو بعد وفاته مع أخيه جعفر.
# لكنّ قد تسأل وتقول: إذا كان إيمان آل فضّال بإمامة جعفر بعد وفاة العسكريّ “ع” فكيف يمكن تعقّل إجابته على هذا السّؤال قبل وقوع مؤدّاه أصلاً؟!
# ربّما يمكن الجواب عن هذا الموضوع بتقريب: إنّ إرهاصات هذا الخلاف كانت قد بدأت مبكّراً كما سنبيّن، خصوصاً وأنّ العلاقة بين الأخوين لم تكن على ما يُرام منذ الطّفولة كما يُشير بعضهم، لكنّنا سنوضح أنّ صدور مثل هذه المقولة من العسكريّ “ع” نفسه أمر مستبعد، ونحتمل جدّاً صدورها من عرّابي فكرة السّفارة وإنّ العسكريّ خرج من هذه الدّنيا وله ولد هو المهديّ الموعود، وإنّ صدورها منهم كان لأجل تحييد النّفوذ الكبير لأسرة آل فضّال الكوفيّة الّتي آمنت بإمامة أو مرجعيّة جعفر أخ العسكري “ع”، لكن قبل أن نفتح البحث بشكلّ تفصيليّ حول ذلك علينا أن نبدأ باستعراض الرّواية، والحديث عن مصدرها الأوّل ورجال سندها، ونلاحظ كلمات أعلام الإثني عشريّة فيها، ومن ثمّ نعطف الحديث لاستعراض وتوثيق وجهة نظرنا أيضاً، فترقّب ولاحظ. [يُتبع].


رواية “خذوا ما رووا وذروا ما رأوا” في ميزان النّقد!! الحلقة الثّانية
# إذا ما أردنا فحص المصادر الأصليّة الواصلة لهذه الرّواية نلاحظ: إنّ أوّل من نقلها وسوّقها هو شيخ الطّائفة الإثني عشريّة الطّوسي المتوفّى في النّجف عام: “460هـ” في كتابه الغيبة بقوله: «وقال أبو الحسين بن تمّام: حدّثني عبد الله الكوفيّ خادم الشّيخ الحسين بن روح “رض”، قال: سُئل الشّيخ ـ يعني أبا القاسم “رض” ـ عن كُتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذُمّ وخرجت فيه الّلعنة، فقيل له: فكيف نعمل بكُتبه وبيوتنا منها ملاءُ؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمّد الحسن بن عليّ [العسكريّ] “ع” وقد سُئل عن كُتب بني فضّال فقالوا كيف نعمل بكتبهم وبُيوتنا منها ملاء؟ فقال “ع”: “خذوا بما رووا وذروا ما رأوا”». [الغيبة: ص389].
# وقد عدّ بعض الفقهاء الإثني عشريّة المعاصرين أبا الحسين بن تمّام مجهولاً، [لاحظ على سبيل المثال: معجم رجال الحديث: ج11، ص334، ط4؛ مستند العروة الوثقى: ج2، ص190؛ مباحث الأصول: ق2، ج2، ص515، ط1، ص537، ط2]، وهو غريب جدّاً؛ فإنّ الرّجل ـ وكما صرّح الطّوسي قبل سطور قليلة من نقله للرّواية ـ هو محمّد بن عليّ بن الفضل‏ بن تمام الدهقان الكوفيّ المكنّى بأبي الحسين، والّذي وصفه النّجاشي بـقوله: «ثقة، عيناً، صحيح الاعتقاد، جيّد التصنيف»، وقرأ الاثنان كتبه بواسطة واحدة؛ حيث كانت واسطة الطّوسي في نقل الرّواية عنه وقراءة كتبه: النّقيب أبا محمّد المحمّدي بعد أن وصفه بكثير الرّواية، وقرأها النّجاشي على أحمد بن عليّ بن نوح وابن الغضائريّ “الأب” أيضاً. [النّجاشي: ص385؛ الفهرست: ص446].
# أمّا حال النّقيب أبي محمّد المحمّدي والّذي هو شيخ الطّوسي في نقل الرّواية فقد وصفه النّجاشي بعبارة: “سيد في هذه الطائفة”، لكنّه نقل أيضاً رؤيته لبعض من يغمز عليه في بعض رواياته. [رجال النّجاشي: ص65].
# نعم؛ هناك جهالة في حال النّاقل المباشر لها عن الحسين بن روح، أعني: خادمه المُسمّى عبد الله الكوفي رغم تسامح بعض تقريرات المرحوم الخوئي في تسرية الجهالة حتّى للاسم [مستند العروة الوثقى: ج2، ص190] وهو كما ترى، وقد وجدت عدّة محاولات من أجل توثيقه قد لا تعنينا كثيراً، ما دامت الرّواية متّفق على صدورها من الحسين بن روح بين المؤسّسين الإثني عشريّة وعموم مقلِّدتهم تقريباً، بل ونسبتها إلى العسكريّ “ع” كذلك، نعم؛ من ينساق مع مبنى الوثاقة فلا خيار له سوى تضعيفها لجهالة أحد رواتها كما بيّنا.
# وقد وظّف هذا النصّ الرّوائي من قبل الأعلام الإثني عشريّة في مسارين تقريباً:
# المسار الأوّل: في سبيل توثيق رجال الطّريق الّذي يرويه آل فضّال.
# المسار الثّاني: في سبيل فصل الوثاقة عن فساد العقيدة.
# ويرى المرحوم الخوئي المتوفّى سنة: “1413هـ” أنّ أوّل من تحدّث في المسار الأوّل من المعاصرين هو المرحوم مرتضى الأنصاري المتوفّى سنة: “1281هـ”؛ حيث نصّ في مواقيت كتاب صلاته بعد نقله أحد الأخبار بقوله: «وإرساله غير قادح بعد وجود ابن فضّال الّذي ورد الأمر ـ في بعض الأخبار المعتبرة ـ بالأخذ بكتبه ورواياته، وكذا كتب أولاده: أحمد ومحمّد وعليّ‌ ورواياتهم». [كتاب الصّلاة: ص 18، ط الحجريّة؛ ج1، ص82، ط المؤتمر المحرَّفة]. وقد تكّرر منه هذا المعنى في مواضع متعدّدة من تراثه أيضاً.
# وقد أوجب بيان الأنصاري ردّات فعل كثيرة من قبل بعض المعاصرين؛ حيث نوقش في كلماته على مستوى طريقة تصحيحه للسّند، وعلى مستوى فهمه للدّلالة أيضاً؛ فقد اعترض المرحوم الخوئي وبعض تلامذته ومجايليه أيضاً على هذا التّوظيف بعد حكم بعضهم بضعفها السّندي؛ وذلك لأنّ الرّواية ـ ونحن ننقل نصّاً للخوئي ـ «في مقام بيان أنّ فساد العقيدة بعد الاستقامة لا يضرّ بحجيّة الرّواية المتقدّمة على الفساد، وليست في مقام بيان أنه يؤخذ بروايته حتّى فيما إذا روى عن ضعيفٍ أو مجهولٍ، فكما أنّه قبل ضلاله لم يكن يؤخذ بروايته فيما إذا روى عن ضعيف أو مجهول، كذلك لا يؤخذ بتلك الرّواية بعد ضلاله»، وعلى هذا الأساس أفاد بأنّ ما «ذكره الشّيخ الأنصاري وغيره من حجيّة كلّ رواية كانت صحيحة إلى بني فضال كلام لا أساس له». [معجم رجال الحديث: ج1، ص71، ط4].
# وفي تقديري: إنّ الاعتراض على الأنصاري بهذه الطّريقة غير موفّق؛ وناشئ من نظرة مبتسرة لتراثه المستقى من إفاداته وبياناته؛ وذلك لأنّ إعابته لتصحيح السّند رغم جهالة أحد رجاله قد تنبّه الأنصاري لها وطرح محاولة للتغلّب عليها أيضاً بغضّ النّظر عن تماميّتها؛ حيث رأى الكفاية «في مدحه كونه خادم الشّيخ أبي القاسم [الحسين بن روح]، فيكون حسناً مع اعتضادها بإطلاق كلام الأصحاب».
# أمّا مناقشته فيما استظهره من دلالاتها فقد تنبّه لما طرحوه من إشكال وناقشه أيضاً؛ ورأى أنّ «في قول العسكري “ع”: “وذروا ما رأوا” دلالة على اشتمال كتبهم على الفتوى والرّأي أيضاً؛ فلا يتوهّم اشتمالها على الروايات خاصّة، كما أنّ فيه دلالة أيضاً على أنّ العبرة في الرواية اتّصاف الرّاوي بالإيمان حين تحمّلها؛ فإنّ بني فضّال اختاروا الضّلالة بعد أن كانوا على الهداية، وفي الفتوى باتصاف المفتي حين العمل»، ولهذا أفاد على ما نُقل عنه: بأنّ «النّهي عن الأخذ بآراء الشّلمغاني مع ترك الاستفصال بين الأخذ الابتدائي والاستمراري يدلّ بعمومه على اعتبار الإسلام مطلقاً». [مسألتان في تقليد الميّت وتقليد الأعلم المطبوعتان مع تقرير بحثه مطارح الأنظار: ج2، ص634، ط مجمع الفكر؛ ص301، ط الحجريّة].
# ومن المناسب ونحن نريد أن نعطف الحديث على المسار الثّاني لتوظيف هذا النصّ أن نتوقّف عند ما أثاره الأنصاري من اعتبار شرطيّة مطلق الإسلام في الرّاوي لاعتبار رواياته؛ حيث حاول أن يجعل من هذه الرّواية شاهداً على حمل الرّوايات النّاهية عن الأخذ من غير الشّيعة على الفتاوى فقط، وعلى هذا تكون نتيجة الجمع: شرطيّة صرف الوثاقة في الأخذ بالرّواية، وشرطيّة الوثاقة والتشيّع في الأخذ بالفتوى.
# لكنّ المرجع الإثني عشريّ المعاصر السيّد شبيري الزّنجاني ناقش هذا الجمع والاستظهار الّذي ولّده في مجلس درسه، ورأى: أنّ عبارة: “ذروا ما رأوا” غير ناظرة للفتوى؛ وذلك: لأنّ بني فضّال عموماً ـ سوى الحسن بن عليّ بن فضّال ـ كانوا محدّثين لا أهل فتوى، ولم يكونوا معروفين بهذا الأمر، وإذا صدف لأحدهم فتوى فهي نادرة جدّاً، ومن يُلاحظ الرّوايات يجد نقلها فتاوى عن أمثال زرارة ومحمّد بن مسلم ويونس بن عبد الرّحمن وغيرهم، لكنّها لم تُنقل عن بني فضّال.
# وأفاد الشّبيري الزّنجاني أيضاً: أنّ العبارة ناظرة إلى عقيدة الفطحيّة، مقرّراً: أنّ الاحتمالات فيها إمّا: إقبلوا حديثهم ودعوا عقيدتهم، أو: أنّ عقيدتهم لا تمنع من الأخذ بحديثهم. ورأى أنّ الاحتمال الثّاني هو الأصحّ؛ وذلك لأنّ المستفهمين من الإمام عن كتب بني فضّال لم يكن لديهم شكّ في بطلان عقيدة المسؤول عنهم، وإنّما استفسروا عن مصير كتبهم الّتي ملأت بيوتهم، فأجابهم بما مفاده: أنّ فساد عقيدتهم لا يمنع من الأخذ برواياتهم؛ وذلك لأنّهم ثقات صادقون، وعلى أساس هذا الاحتمال فلا شاهد في رواية كتب بني فضّال على جمع المرحوم الأنصاري المبنيّ على حمل الرّواية على النّهي عن الأخذ بفتاواهم.
# لكنّ بعض المعاصرين لم يستبعد انصراف الرّواية «إلى خصوص ما اُبتنى من الاجتهادات والآراء على أصولهم الباطلة»، بل رأى أنّ «من القريب جدّاً اختصاصه بما رأوه في أمر الإمامة؛ لأنّه الذي يمتازون به من دون نظر فيه إلى الأحكام الفرعية، لعدم تعارف تحرير الفتاوى فيها في الكتب في تلك العصور، فالمراد به أنّ بطلان عقيدتهم وتركها لا يمنع من أخذ رواياتهم مع كونها حقاً، ولا أقل من كونه وارداً في قضية مجملة المورد، لا إطلاق لها». [مصباح المنهاج: ج1، ص32، مؤسسة الحكمة الثّقافيّة].
# وفي سياق إيمانهم بصدور هذه المقولة من العسكري “ع” دون تحليل شكّك بعضهم في شمولها لعليّ بن الحسن بن فضّال؛ إذ من غير المعلوم ـ وهذا رأي السيّد شبيري الزّنجاني ـ أن يكون لعليّ بن الحسن بن فضّال كتاب في تلك الفترة الزّمنيّة لتكون المقولة ناظرة له، نعم؛ كان له أخوان متقدّمان عليه هما محمّد وأحمد، ومن الممكن أن تكون ناظرة لهما.
# لكنّ المرحوم الخوئي يرى: أنّ عليّ بن الحسن بن فضّال «قد أدرك الهادي “ع” والعسكري‏ “ع”…، والظّاهر إدراكه لبرهة معتدٍّ بها من زمان الغيبة أيضاً؛ وذلك لأنّ علي بن محمّد القرشي توفّي سنة: “348هـ”… وهو قد روى عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، وقد عمّر ما يناهز المائة سنة، فلا بدّ من أن تكون ولادة علي بن محمد القرشي في سنة: “250هـ” فما بعد، فروايته عن عليّ بن الحسن أنّما تكون من سنة: “270هـ” وما بعدها، والله العالم‏». [معجم رجال الحديث: ج11، ص334]. [يُتبع].


رواية “خذوا ما رووا وذروا ما رأوا” في ميزان النّقد!! الحلقة الثّالثة والأخيرة
# لكنّ السيّد علي السّيستاني تنبّه بحقٍّ إلى الأسباب الواقعيّة الّتي دعت لصدور مثل هذه الرّواية في تلك البرهة الزّمنيّة، وقبل أن نستعرض كلماته في هذا الخصوص يحسن بنا الإشارة إلى كيفيّة معالجته للإشكالات السنديّة والدّلاليّة الّتي طرحت في المسار الأوّل والثّاني بغية وضع المتابع في سياق الفهم السّليم؛ فقد تراوحت كلماته في بحوثه الفقهيّة بين وصف الرّواية بالضّعيفة انسياقاً مع مبنى الوثاقة [لباس المصلّي: ص77]، وبين تجاوز ذلك انسياقاً مع مبنى الوثوق وجمع القرآئن؛ حيث لم يجد في جهالة خادم الحسين بن روح ما يضرّ في التمسّك بالرّواية؛ وأفاد في تتميم هذا النّقص ما نصّه: «إنّ مثل هذه الرّواية لا يمكن جعلها وتشهيرها بين الناس وخفاء الوضع فيها في مدة قليلة أي إلى زمان الشّيخ [الطّوسي]؛ وذلك لأنّها كانت من الأمور الاجتماعيّة المهمّة؛ فإن الشّلمغاني كان من كبار الشّيعة وكان على الظّاهر أفقه فقهائهم، ثمّ ارتدّ وبيوت الناس مليئة بكتبه، ففزع النّاس إلى حسين بن روح “رض” وقال فيه ذلك، فالجعل فيه بحيث يخفى إلى زمان الشّيخ أمر بعيد جدّاً». [مكان المصلّي: ص159].
# كما رأى السّيستاني أيضاً: أنّ الوجه في صدور هذه الجملة عن الشّلمغاني «ليس تصحيح كلّ ما روي عنه، بل توثيقه بمعنى: الأخذ برواياته المعتبرة من غير جهته، وبيان أنّ ارتداده أو فسقه لا يضرّ بوثاقته، ولا يمنع الأخذ برواياته» [مكان المصلّي، مصدر سابق].
# أمّا في خصوص دواعي صدورها في بني فضّال فقد أكّد السّيستاني على أنّ المراد بهم أولاد الحسن بن علي بن فضال القائلون بإمامة جعفر مع المهدي، وإنّ قبول رواياتهم كناية عن وثاقتهم لا قبول كلّ ما رووه، وأفاد في وجه ذلك احتمالين:
# الأوّل: «تمايلهم إلى جعفر الكذّاب في زمان العسكري “ع”؛ فإنهم كانوا يجوّزون اشتراك الأخوين في الإمامة، وإلّا فأصل فطحيّتهم كان سابقاً على ذلك الزمان».
# الثّاني: «من جهة: أنّ علي بن الحسن بن فضّال كان فقيهاً، بل كان يُعدّ أفقه الشّيعة في ذلك العصر، فخِيفَ على النّاس الابتلاء به؛ لتمايله إلى غير الإمام الحقّ، فصدر النّهي عن الأخذ بآرائه، أما بلحاظ أصل فطحيته، أو بلحاظ تمايله إلى جعفر». [مكان المصلّي: ص160].
# وما ذكره السّيستاني من أصل صدور هذه الرّواية من العسكري “ع” كما هو المعروف والشّائع أمرٌ لا نقبله كما سنبيّن، كما لا نصدّق بإيمانهم بعد ذلك بمهدويّة المهدي نجل العسكريّ المفترض، لكنّ ما قرّره من فرضيّة ميولهم لجعفر بن عليّ الهادي المعروف في الأوساط الإثني عشريّة بالكذّاب مطلب سليم لا غبار عليه، وهو المفهوم من مغزى نشر هذه المقولة وتعميمها من قبل ما يُسمّى بالسّفير الثّالث أيضاً؛ لأنّ الفطحيّة وزعاماتها ومؤلّفاتها كانت منتشرة ومعروفة حتّى قبل ولادة العسكريّ “ع” أيضاً، فلماذا يلجأ الشّيعة في ذلك الوقت وبعد ما يزيد على قرن من ولادتها إلى الاستفسار من العسكريّ “ع” حول كيفيّة التّعامل مع كتبهم ورواياتهم في تلك الفترة بالذّات ما دام لم يستجد جديد؟!
# وهذا يؤكّد على أنّ هناك جديداً حصل في البين، وولدت فطحيّة مستحدثة ترتكز على نصوص ومبرّرات الفطحيّة الأمّ ومن قبل رجالاتها أنفسهم أيضاً، ولهذا كان ما يُسمّى بالسّفراء فطنين لهذه المشكلة، فأرادوا غلق الطّريق أمام نفوذ بني فضّال ومنع الشّيعة في ذلك الوقت من التّأثّر بهم وبآرائهم العقائديّة في هذا الخصوص، فوُظّف كبار الفقهاء والمحدّثون المحيطون بهم والدّاعمون لهم في سبيل إكمال وتشييد وتعميق هذه المهمّة.
# ولعلّ من أوضح شواهد هذا المدّعى هو تعبير الصّدوق المتوفّى سنة: “381هـ” عن جعفر بن الهادي الملقّب في الأوساط الإثني عشريّة بالكذّاب بـ: «إمام الفطحية الثانية» [معاني الأخبار: ص65]، وهذا يؤكّد على أنّ هناك فطحيّة ثانية ولدت في النّصف الثّاني من القرن الثّالث الهجري؛ فالأولى: إمامها عبد الله الّذي وصفوه بالأفطح، والثّانية: جعفر ولنصطلح عليه بالأفطح الثّاني، وهؤلاء كانوا يعتقدون بإمكانيّة انتقال الإمامة بشكل عرضي حتّى في غير الحسنين “ع” خلافاً لما يعتقده الإثنا عشريّة.
# وهذا المقدار كافٍ بالنّسبة لنا للتّشكيك بأصل صدور هذا الكلام من العسكري “ع”، لكنّه يكشف عن حقيقة تاريخيّة تؤكّد: أنّ أولاد الحسن بن عليّ بن فضّال كانوا يميلون إلى إمامة جعفر بعد وفاة أخيه العسكري “ع” انسياقاً مع كبرى جواز انتقال الإمامة بشكل عرضي والّتي تصرّ الإثنا عشريّة على رفضها في غير الحسنين “ع”، وهذا النصّ ولد لاحقاً من أجل إبعاد أسرة بني فضّال عن التّأثير على الوسط الشّيعي العام؛ باعتبارها تمتلك ثقلاً كبيراً وواسعاً جدّاً آنذاك.
# في ضوء هذه المسلّمة التّاريخيّة الّتي تقرّر الفطحيّة الثّانية لأسرة آل فضّال، وفي سياق المحاولات الحثيثة لتعمية موقفهم وإبطاله، بادرت بعض الجهات القميّة ـ وهم مشايخ الصّدوق الضّعاف والمجهولون ـ برواية نسخة مكذوبة عن عليّ بن حسن بن فضّال، تشتمل على مضامين تخالف معتقداته ومعتقدات أسرته أيضاً، وقد أوضحنا في دراسات سابقة منحوليّتها لأسباب كثيرة أهمّها: إنّ عليّ بن الحسن بن فضّال كان قد صرّح بعدم روايته شيئاً عن أبيه مباشرة لصغر سنّه، لكنّ هذه النّسخة تروي أحاديث كثيرة عن أبيه بتوسّطه، فراجع ولا نعيد.
# ولعلّ أبرز مثال على ذلك روايتهم عن طريقه استمراريّة الإمامة في عقب الحسين بن عليّ “ع” بشكل طولي وعدم إمكانيّة انتقالها بشكل عرضيّ بين الأخوين في غيرهم [كمال الدّين: ص416]، وهذه الرّواية تضع دين هؤلاء الفطحيّة ومعتقداتهم في مهبّ الرّيح؛ إذ كيف يمكن تعقّل أن يذهب آل فضّال ـ مع الإيمان بوثاقتهم وتديّنهم وعدالتهم ـ إلى إمامة عبد الله الأفطح نجل الصّادق وجعفر نجل الهادي، وفي الوقت نفسه يروون رواية تنصّ على بطلان إمامة هؤلاء من رأس؟!
# ولم يكتفوا بذلك؛ بل رووا عنه رواية يُدّعى سماعها من أبيه أيضاً تقرّر بطلان عقيدتهم بإمامة جعفر بعد العسكريّ “ع”؛ حيث أخبروا: إنّ عليّ بن الحسن بن فضّال قد روى عن أبيه عن الرّضا “ع” قوله: «كأنّي بالشّيعة عند فقدهم الثّالث من ولدي كالنّعم يطلبون المرعى فلا يجدونه. قلت له: ولم ذاك يا ابن رسول الله؟ قال: لأنّ إمامهم يغيب عنهم. فقلت: ولم؟ قال: لئلا يكون لأحدٍ في عنقه بيعة إذا قام بالسّيف». [علل الشّرائع: ص245؛ عيون أخبار الرّضا: ج1، ص273؛ كمال الدّين وتمام النّعمة: ص480؛ ].
# ولعلّ من أهمّ ما يعزّز الرّأي الرّاكز بين كلمات أصحاب الملل والفرق النّاصّ على إيمان عليّ بن الحسن بن فضّال بإمامة جعفر بن الهادي هو ما جاء في كتاب الهداية الكبرى المنسوب للحسين بن حمدان، حيث قال: «حدّثني عليّ بن الحسين [الحسن] بن فضال وكان ممّن يقول بإمامة جعفر بعد أبي محمد “ع” وكان قبل ذلك مخطئاً: أنّه كتب إلى جعفر يسأله عن حقيقة أمره، وكتب أنّ أخي أبا محمد [العسكري] “ع” كان إماماً مفروض الطّاعة، وأنّي وصيه من بعده وإمام لا غير». [الهداية الكبرى: ص382].
# وقد تسأل وتقول: إنّ الحسين بن حمدان الخصيبي مصنّف هذا الكتاب من المغالين والمؤسّسين للفرقة النّصيريّة والّذين نصّ أمثال ابن الغضائريّ والنّجاشي على فساد مذهبه، فكيف جاز لك الاستشهاد بكلامه؟!
# والجّــواب: أنا لا أريد أن أوثّق الرّجل ولا أريد الإيمان بتفرّداته غير المعقولة أصلاً كما لا أريد الانسياق مع تضعيفات الإثني عشريّة له أيضاً؛ وإنّما ذكرته كشاهدٍ يعزّز حقّانيّة أصل دعوى الفطحيّة الثّانية الّتي برّرت صدور مثل هذه الرّواية وانتشارها، وهذه الدّعوى في أمّهات الكتب الإثني عشريّة المعتبرة كما بيّنا، على أنّ كتاب الهداية الكبرى المنسوب للخصيبي كما جاء ذلك على لسان خاتمة المحدّثين النّوري المتوفّى: “1320هـ” «في غاية المتانة والإتقان، لم نر فيه ما ينافي المذهب، وقد نقل عنه وعن كتابه هذا الأجلاء من المحدّثين…» [نفس الرّحمن: ص566]، وإذا كان كذلك فلِمَ لا يصحّ الاحتجاج به أو تعزيز الشّواهد من خلاله مثلاً.
# كما وثّق إيمان عليّ بن الحسن بن فضّال بإمامة جعفر كلّ من صاحب كتاب الزّينة المتوفّى سنة: “322هـ” والّذي يُعدّ المصدر الأساس لما جاء في كتاب فرق النّوبختي والأشعري دون أن تضرّ حكاية إسماعيليّته بهذا الأمر الرّاكز في الأوساط الإثني عشريّة كما بيّنا، كما جاء ذلك في كتاب الملل والنّحل للشّهرستاني المتوفّى: “548هـ” والظّاهر أنّه استقاه منه، لكنّ ما جاء في هذين الكتابين هو: اسم الحسن بن عليّ بن فضّال أعني والدهم، ونحتمل جدّاً أنّ يكون ذلك من خطأ النسّاخ أو سهو القلم لأنّ المصدر الأصليّ واحد؛ حيث إنّ ابن فضّال “الأب” كان قد توفّي قبل ولادة العسكريّ “ع” بسنوات كما نبّهنا في مطلع الدّراسة، مع أنّ الحديث والسّياق عن عليّ بن فضّال نجله فلاحظ وتأمّل. [كتاب الزّينة: ص: 533ـ534، منشورات الجمل، تحقيق: سعيد الغانمي؛ الملل والنّحل: ج1، ص200، ط دار المعرفة].
# على أنّ هذه المقولة تحمل تناقضاً داخليّاً كبيراً؛ إذ كيف يمكن ادّعاء: إنّ اسماء الأئمّة الإثني عشر متواترة ومعروفة ومشخّصة وواردة في كتب الأصول، ومع هذا فإنّ أكبر مرجع شيعيّ عامّ في وقتها يجهلها ويجنح لما يخالفها جهاراً نهاراً دون أن تتزعزع وثاقته في النّقل أصلاً!! بل وأكثر من ذلك: فإنّ الاعتماد على مرويّات كتب آل فضّال قد لا يكون في صالح عقيدة ما يُصطلح عليهم بالسّفراء؛ فماذا لو وجد في كتبهم روايات تؤيّد عقيدتهم فما هو الصّنيع حينذاك؟!
# وفي آخر هذه الدّراسة الّتي استعرضنا فيها الكلمات يحقّ لك أن تسأل: من هو الشخّص الّذي يحتمل توجيه أصابع الاتّهام له في وضع مثل هذه الرّواية؟!
# والجواب: نحن نشكّك كثيراً في القابليّة العلميّة للحسين بن روح النّوبختي على توليد مثل هذا النصّ ذي الدّلالات المحدّدة، وكيف له قابليّة ذلك وقد كان يُرسل الكتب الفقهيّة إلى فقهاء قم من أجل تقييمها ومراجعتها وإن روي عنه غير ذلك، ولهذا نحتمل ـ والله العالم ـ أن يكون صاحب كتاب التّكليف أو الفقه الرّضوي هو من يقف خلفها، وهو الفقيه أبو جعفر الشّلمغاني المغدور سنة: “322هـ” الّذي وصفه السّيستاني بأفقه فقهاء عصره، لكنّه وظّفها حينما كان فقيه الجهاز المسُمّى بالسّفارة بالضدّ من أسرة آل فضّال الكوفيّة وتوجّهاتها الذّاهبة لإمامة جعفر والمتضادّة تمام التّضاد مع طموحات من يُصطلح عليهم بالسّفراء، لكنّها استخدمت ضدّه من قبل الحسين بن روح ومتابعيه بعد أن أهدروا دمه، ومرّروا رسالته العمليّة بهذه الحجّة في الأوساط آنذاك.
# فتحصّل ممّا تقدّم نتائج متعدّدة منها:
# أوّلاً: عدم ثبوت انتساب هذا النصّ إلى العسكريّ “ع”.
# ثانياً: ثبوت كونه وليد الجهاز المُسمّى بالسّفارة والفقهاء الّذين يقفون خلفه لأغراض معروفة.
#ثالثاً: كان في الأساس لتحييد توجهّات آل فضّال ونفوذهم القاضي بإمامة جعفر بن الهادي.
# رابعاً: استخدم للقتل المعنوي لشخصيّة أكبر فقهاء الشّيعة في وقتها وهو الشّلمغاني بعد المؤامرة عليه وتصفيته جسديّاً.
# خامساً: استخدم أيضاً كمقياس رجاليّ عامّ للفصل ما بين عقيدة الرّواة وما بين أخبارهم بطريقة غير علميّة.
# سادساً: لا صلاحيّة له لإثبات أيّ توثيقات رجاليّة متأخّرة لمن روى عنه آل فضّال.
# سابعاً: إيمان كبير فقهاء الشّيعة في عصره بإمامة جعفر بن الهادي وما يحمله هذا الإيمان من تساؤلات عميقة جدّاً على فكرة الإمامة والمهدويّة الإلهيّة الإثني عشريّة.
# أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولجميع من يقرأ هذه السّطور بعيون فاحصة، وأسأله تعالى أن يوفّقني وجميع من يقرأ طلباً للحقيقة لما فيه الخير والصّلاح، وهو دائماً من وراء القصد.
#ميثاق_العسر







التوقيع :
ارهاب السبئية لا حدود له
من مواضيعي في المنتدى
»» فقيه عصره الآية العظمى المرجع السبزواري : ينبغي أن يستشم القدح بإبن عباس
»» عيد الحب الشرعي المقدس - آية الله الحائري
»» منذ عام 2009 تنسخ تلصق تنبح تهرب (العضو الدين السبئي)
»» المهدي متزوج ولكن كثير من أبنائه لا يعرفون بأنه أباهم
»» ثامر هاشم العميدي - دفاع عن الكافي : الخصيبي من أهل السنة
 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:51 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "