بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
مُلاحظة هامّة جداً: نتمنى من المُشاركين فِهم الموضوع جيّداً قبل المُناقشة, و كذلك نتمنى عدم الخروج عن الموضوع.
مُقدمة:
كثيراً ما يتفاخر و يتشدّق اهل الخلاف بأنهم هم الذين أسسوا علوم الحديث و أن غيرهم انتحلها منهم و بعضهم يُسمى هذا الغير بـ "الحراميّة", فجاء هذا الموضوع رداً على هؤلاء الذين سموا أنفسهم فرسان علم الحديث و حملة رايته لكي يعرفوا أن أبسط المسائل في علم الحديث لا يُمكنهم تطبيقها و إن طبقوها فسينهار مذهبهم و ينهدم من قواعده!.
مُلاحظة قبل البدء: ليس موضوعنا من هو مؤسس علوم الحديث؟, بل موضوعنا سيُطالب من يزعم أنه زعيم صنعة الحديث أن يُطبق قواعده التي وضعها لنفسه قبل أن يتشدّق على الآخرين ليكتشف في نهاية المطاف أن أبسط قواعده ستهدم مذهبه على رأسه.
توطئة:
يكثر النقاش بين الرافضة – أيّدهم الله – و مُخالفيهم حول ما يُسمى بـ "عدالة الصحابة", و سبب نقاشهم هو أن العدالة أحد شروط اعتبار السند, فإذا اختل أحد هذه الشروط كالعدالة مثلاً لا يُمكن القول باعتبار السند, و لذا يُصر الرافضة على نقض ما يُسمى بـ "عدالة الصحابة" لينقضوا أحاديث المُخالفين و بالتالي مذاهبهم على اعتبار أن العدالة أحد شروط السند المُعتبر التي بسقوطها يسقط السند, فتأمّل!.
و من المعلوم أن للسند الصحيح عند مُخالفي الرافضة خمسة شروط على التحقيق كما استقر ذلك عند مُتأخريهم و هي:
1- اتصال السند.
2- عدالة الرواة.
3- ضبط الرواة.
4- عدم الشذوذ.
5- عدم العلة.
لذا فهم – نعنى مخالفي الرافضة – يُعرّفون السند الصحيح بأنه:[ما اتصل عبر العدل الضابط عن مثله من غير شذوذٍ و لا علة](1).
قلت: و لعل أهم أسباب مُحاولات الشيعة لإسقاط عدالة من يُسمون بـ "الصحابة" هو محاولتهم إسقاط أسانيد المُخالفين, و بالتالي تسقيط أحاديثهم التي بُنيت عليها عقيدتهم و فقههم, و بالتالي فإن سقوطها يعني بالضرورة سقوط مذهبهم!.
منهجنا في هذا الموضوع:
نحن لن نُناقش في هذا الموضوع قضيّة ما تُسمى بـ "عدالة الصحابة" إذ أن هذه القضيّة مُستهلكة تم نقاشها مراراً بصورة تقليديّة, و لكن الطرح الجديد الذي لم يُناقش في هذا الجانب هو ضبط من يُسمون بـ "الصحابة", حيث أن "الضبط" شرط أساسي من شروط اعتبار السند "كالعدالة".
فالعدالة و الضبط شرطان أساسيان في اعتبار السند, و إسقاط أيٍ منهما إسقاطُ للسند, و بما أن شرط "العدالة" تمت مُناقشته كثيراً في مواضيع عديدة و كان المُخالفون دائماً يدافعون عنه باستماته من خلال عرض بعض الأدلة العقليّة و النقليّة لإثبات عدالة "صحابتهم", فنحن لن نتطرّق لهذا الموضوع, و سنفرض أن "العدالة" مُتحققة فيهم بما تشمله هذه "العدالة" من إثبات تقواهم و صدقهم و استقامتهم, و سيكون النقاش مُنصباً في الشرط الآخر و هو شرط "الضبط".
فلسفة الموضوع:
أن نفرض أن من تُسمونهم بـ "الصحابة" عدولٌ بمعنى أنهم أتقياء صُلحاء صادقون فيما ينقلونه لا يتعمدون الكذب, و لكن هذا الشرط أعنى "العدالة" وحده لا يكفي في الاعتماد على نقلهم دون شرط "الضبط" و هو الاتقان في نقل الروايات بما في ذلك حفظها و نقلها كما سمعوها بلا خطأٍ و لا نسيانٍ و لا وهم ٍأو تخليط.
فنكون قد فرضنا تحقق أحد الشروط و هو "العدالة" و نُطالب المُخالفين بإثبات الشرط الآخر و هو "الضبط" لأنهما شرطان يجب تحققهما للحكم باعتبار السند, و إذا لم يتحقق أحدٌ منهما لا يُمكن الحُكم باعتبار السند.
الهدف من الموضوع:
البحث عن أدلة تُثبت "ضبط" من تُسمونهم بـ "الصحابة" للأحاديث التي يرونها عن النبي(ص) لإثبات أنهم كانوا يأتون بها على وجهها كما سمعوها بلا وهمٍ أو نسيانٍ أو خطأ, و في حال عدم وجود أدلة أو ضعف هذه الأدلة سيكون شرط "الضبط" ساقطاً, و بالتالي لا يُمكنكم الحُكم باعتبار رواياتكم لعدم إحراز هذا الشرط, و بالتالي سقوط الأغلبيّة الساحقة من أحاديثكم, و بالتالي سقوط مذهبكم عمليّاً!.
مُلاحظات:
1- نؤكّد أننا لا نبحث في هذا الموضوع عن مؤسس علوم الحديث, فلا نُريد الخروج عن صلب الموضوع بمناقشة هذه القضيّة رجاءاً.
2- نؤكّد من جديد أننا لا نبحث في هذا الموضوع عن "عدالة" من تُسمونهم بـ "الصحابة" بما تشمله هذه "العدالة" من إثبات صدقهم و تقواهم و إيمانهم, فنحن سنفرض أن ذلك ثابتٌ لهم.
3- نؤكّد كذلك أننا سنقصر البحث فقط في أحد الشروط الخمسة للسند المُعتبر و هو "الضبط", فنحن سنبحث في هذا الموضوع عن مدى تحقق هذا الشرط في حق من تُسمونهم بـ "الصحابة", و في حال عدم إثباتكم لـ "ضبط الصحابة" سوف تسقط الغالبيّة الساحقة من أحاديثكم, و بالتالي سوف يسقط مذهبكم!.
4- نعم يُستثنى من تلك الأحاديث التي ستسقط في حال عدم إثباتكم لـ "ضبط الصحابة" الأحاديث المتواترة لأنه لا يُشترط فيها "الضبط" حيث نقلها الجمع الغفير الذي يُحال تواطؤهم على الخطأ عادةً, و بالتالي سوف يقتصر بحثنا فقط حول أخبار الآحاد التي نقلها من تُسمونهم بـ" الصحابة" التي تُمثل الأغلبية الساحقة من أحاديث العقائد و الأحكام و التفاسير(2).
5- لا بُد من العلم بأن صدق الرواة لا يتلازم مع ضبطهم, فكثير من الرواة يُحكم بصدقهم بينما تُضعّف أحاديثهم لعدم ضبطهم لأسباب كثيرة كسوء حفظهم مثلاً أو نسيانهم أو كثرة أخطائهم و وهمهم أو اختلاطهم عقليّاً, فالصدق لا يتلازم مع الضبط, لذا نجد كثيراً من رواتكم تقولون في حقهم هذه العبارات "صدوق يهم" "صدوق سيئ الحفظ" "صدوق يُخطئ" "صدوق إلا إنه اختلط آخر عمره" و غيرها من العبارات التي تُثبت عدم تلازم الصدق مع الحفظ و الضبط, و من يُرد تتبع هذه العبارات, فليرجع لكُتب الرجال و الجرح و التعديل ليجد الكثير من هذه العبارات.
6- بناءاً على عدم تلازم العدالة بما فيها الصدق مع الحفظ و الضبط اشترط العلماء شرطاً آخراً و هو شرط "الضبط" لكي يتيقنوا من إتقان الرواة للروايات التي ينقلونها بحيث ينقلونها كما جاءت بلا زيادةٍ أو نقصانٍ أو تغييرٍ أو وهمٍ أو قلب ٍأو تخليط, فعدالة الرواة لا تكفي وحدها للاعتماد على نقلهم, بل لابُد من إحراز "ضبطهم", فكذلك الأمر بالنسبة لمن تُسمونهم بـ "الصحابة", فإن إثبات عدالتهم لا يكفي في الاعتماد على نقلهم, بل لابُد من إحراز ضبطهم.
المطلوب الآن:
إيجاد دليل أو أدلة تُثبت "ضبط" من تُسمونهم بـ "الصحابة" للروايات التي ينقلونها بدليل تامٍ مُعتبر, و إلا سوف يختل أحد الشروط الخمس المذكورة آنفاً, و بالتالي سوف تتساقط جُل أحاديثكم و رواياتكم, و هذا سيؤدي بالضرورة إلى سقوط مذهبكم أصولاً و فروعاً, و هذه نتيجة كارثيّة بالنسبة لكم!.
و لكم جزيل الشكر.
هامش:
(1) قال الشيخ بن العثيمين في تعريف الحديث الصحيح ما نصه:[فالصحيح لذاته: ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل وسلم من الشذوذ والعلة القادحة].راجع كتاب مُصطلح الحديث القسم الأول.
http://www.islam2all.com/hadeeth/hadeth/1.htm
(2) جاء في كتاب "ملامح رئيسيّة للمنهج السلفي" للدكتور علاء بكر ما لفظه:[إنَّ أكْثَرَ السُّنَّة النبوية آحاد، والمتواتِر منها بالنسبة إلى الآحاد قليل].راجع بداية الكتاب.
http://www.alukah.net/Sharia/0/1889/