السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرد على الرافضة في استدلالهم بحديث ( وهو ولي كل مؤمن بعدي )
[ وهو ولى كل مؤمن ]
فهو صحيح ان شاء الله
وانما النكارة في
[بعدي ]
يقول الاعظمي في رده على الرافضي الموسوي في كتابه
[ الحجج الدامغات لنقض كتاب المراجعات ]
فقوله: (و هو ولي كل مؤمن) صحيح ثابت وسنبيّن إن شاء الله معناه الصحيح في المراجعة القادمة، لكن النكارة والغرابة التي فيه هي الزيادة بعده ألا وهي: (و هو وليّ كل مؤمن بعدي) فلفظ (بعدي) غير محفوظ ولا هو صحيحاً قابلاً للإحتجاج به
فقد تفرّد بها جعفر بن سليمان الضبعي، وهو وإن كان صدوقاً إلا أنه شيعي فلا يحتج به في مثل هذا الحديث لما فيه مما يقوي بدعته، وقد تقرر في (المصطلح) أن المبتدع إذا روى شيئاً يقوي به بدعته فهو مردود قطعاً، أنظر صفحة (248-250) من كتابنا هذا.
وقد نقل الحافظ في ترجمة جعفر هذا من (التهذيب) عن الإمام أحمد أنه قال عنه: (إنما كان يتشيّع وكان يحدّث بأحاديث في فضل عليّ، وأهل البصرة يغلون في عليّ) إ. ه.
من أجل كل هذا قد استغرب الترمذي- على تساهله- هذاالحديث وأشار إلى علته بقوله: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان) إ. ه.
وقد عدّ الذهبي في ترجمة جعفر من (الميزان) هذا الحديث من جملة ما ينكر عليه وهوما يبين كذب هذا الموسوي بإدعائه تسليم الذهبي بصحته على شرط مسلم.
وسنبين في حديث بريدة الآتي أن أحداً لم يتابع جعفراً هذا في هذه الزيادة مطلقاً سوى أجلح الكندي راوي حديث بريدة وهوشيعي أيضاً مثل جعفر مع ما فيه من ضعف يمنع من الإحتجاج به، فصح يقيناً أن هذه الزيادة، وهي قوله (بعدي) لم تروَ ِإلاّ من طريق شيعيين لا يوثق بخبرهما في مثل هذا، مع مخالفتهما لجميع من روى هذه القصة بدون هذه الزيادة.
حديث بريدة رضي الله عنه، قال: (بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثين إلى اليمن، على أحدهما عليّ إبن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعليّ على الناس وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده، قال فلقينا بني زيد م أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى عليّ امرأةً من السبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخبره بذلك فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقع في عليّ فإنه مني وأنا منه وهو وليّكم بعدي، وأنه مني وأنا منه وهو وليّكم بعدي) إ. ه. أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد (5/356)، والبزار باختصار- (مجمع الزوائد)(9/127- 128)- من طريق الأجلح الكندي عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه بريدة. وعلّته الأجلح هذا فهو شيعي أيضاً مثل جعفر فلا يؤمن تفردهما في مثل هذا، - ونعني بتفردهما من بين من يقبل خبرهم، أما المتروكون أو المجاهيل أو الضعفاء فلا عبرة بمتابعتهم لهما في هذه الزيادة، مثل أبي بلج في حديث ابن عباس السابق، فإنه ساقط بنفسه كما تقدم- مع ما عند الأجلح من ضعف بسيط، ونقل الحافظ في ترجمته من (التهذيب) عن الإمام أحمد أنه قال عنه: (قد روى الأجلح غير حديث منكر) إ. ه.
قلت: والنكارة هنا هي زيادة قوله (بعدي) كما قدمنا، وهذا الكلام ينطبق أيضاً علىرواية النسائي في (خصائصه) التي أشار إليها هذا الموسوي
وقد استنكر هذه اللفظة أيضاً وردها الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/343) فقال:
(هذه اللفظة منكرة والأجلح شيعي ومثله لا يُقبل إذا تفرّد بمثلها، وقد تابعه فيها من هو أضعف منه والله أعلم) إ. ه.
قلت: , كأنه يشير إلى رواية أبي بلج لحديث ابن عباس المتقدم.
وكذا ردّ هذه اللفظة واستنكرها لنفس السبب المباركفوري في (شرح الترمذي) (4/325-326) .
قال المباركفوري :
" والظاهر أن زيادة ( بعدي ) في هذا الحديث من وهم هذين الشيعيين جعفر بن سليمان والأجلح ويؤيده أن الإمام أحمد روى في مسنده هذا الحديث من عدة طرق ليست في واحدة منها هذه الزيادة ".
ويؤيده مجيء هذه القصة من غير طريق هذين الشيعيّين- جعفر والأجلح- لكن بدون هذه اللفظ المنكرة (و هو ولي كل مؤمن بعدي) أو نحوها، من ذلك نفس الطريق الذي أشار إليه هذا الموسوي في الهامش
(4/173)
عند الإمام أحمد (5/347)
و
الحاكم (3/110)
و
منها أيضاً عن وكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه عند الإمام أحمد (5/358)
و
منها أيضاً عن روح عن علي بن سويد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، عند الإمام أحمد (5/359)
و
البخاري (5/207)
و
منها عن يحيى بن سعيد عن عبد الجليل عن عبدالله بن بريدة عن أبيه، عند الإمام أحمد أيضاً (5/350-351)
وغيرها وليس في أي منها لفظة (بعدي) فهي منكرة مردودة
وقد حكم شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه اللله بالوضع في منهاج السنة النبوية
وعندي أن في الحديث موضع آخر فيه نكارة، ألا وهو قوله: (إذا التقيتم فعليّ على الناس وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده . .) فإن هذا مخالف لما ثبت في (صحيح البخاري) (5/206- 207) من حديث البراء رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال: ثم بعث عليّاً بعد ذلك مكانه، فقال: (مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء فليقبل) . . . الحديث، فإن هذا صريح في أن عليّ رضي الله عنه إنما كان بديلاً لخالد بن الوليد رضي الله عنه لا أميراً عليه كما تدعيه رواية الأجلح الكندي التي نحن بصددها، وقطعاً أن رواية البخاري هي الأصح والأثبت وما عارضها منكر مردود عند أهل العلم.
وهذا الذي قلناه من رواية البخاري هو الذي اختاره ابن جرير الطبري في (تاريخه) (3/131- 132)، والذهبي في (تاريخ الإسلام) (جزء المغازي) (ص690- 691)، وغيرهما . ورواية الأجلح الكندي هذه مخالفة أيضاً لباقي الروايات التي أشرنا إليها قبلاً في هذه المسألة أيضاً، وهذا كله مما يمنع الإحتجاج بها.
**
على افتراض صحة رواية " من بعدي " فهي تخالف التفاسير الشيعية التي ذكرت أن قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } الإمامة لعلي رضي الله عنه في حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكيف تصح زيادة ( من بعدي ) .
لاحظ هذه الاحاديث
كما قال العرباض بن سارية رضي الله عنه - فقال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ … )
الحديث، أخرجه أبو داود الترمذي.
وأوصاهم أيضا فقال (إقتدوا بالذين من بعدى أبى بكر وعمر ) أخرجه الترمذى وغيره.
وسألته امرأة فقالت: ( أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ فقال: ائت أبا بكر ) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما. وقد تقدم تفصيل ذلك.
******
والمعنى الصحيح للحديث بينه الشيخ الاعظمي في رده على الموسوي
جاء الحديث بلفظ (الولي) وبلفظ (المولى) أيضا، والمولى بمعنى الولي أيضا وهما واحد في كلام العرب، والمولى في الدين هو الولي، كما الله تعالى: { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} . وإذا تقرر أن (المولى) هو (الولي)، فالولي له عدة معان- أنظر (لسان العرب) (20/288-293)، (المعجم الوسيط) (2/1070)- يمكن جمعها في: النصير، والمحب، والصديق، والحليف، والصهر، والجار، والتابع، والمطيع، والمعتق، وكل من ولي أمراً أو قام به. وينفرد (المولى) بمعانٍ لا تستقيم هنا مثل: الرب، والمالك، والنزيل، والقريب من العصبة، والعبد، والذي سلم على يديك ويواليك. ولعدم ورود هذه المعاني هنا فلا حاجة بنا إلى مناقشتها، كما لا حاجة بنا إلى مناقشة بعض معاني (الولي) المتقدمة لعدم استقامتها هنا مثل: الصديق، والحليف , والصهر، والجار، والتابع، والمطيع، والمعتق. وتبقى من معاني (الولي) القائمة للمناقشة هنا: (النصير والمحب)، وهذا الذي نقول به وسنثبته إن شاء الله، وكذلك (ولاية الأمر أو القيام به) . ولكن قبل تفصيل ذلك لا بد لنا من وقفة قصيرة عند هذا الحديث واستدلال الشّيعة به، فاستدلالهم به نظير استدلالاتهم الأخرى هم وجميع المبتدعة الآخرين كالخوارج والمعتزلة والقدرية وغيرهم إذ هو استدلالٌ بنصوص عامة تحمل عدّة معان، وهم بأهوائهم الفاسدة يقدمون المعنى الذي يريدون، معرضين عن النصوص الصحيحة الصريحة في تقرير المطلوب، والتي لا يسع أحداً تحريفها أو تغيير معناها، وهذا شأن كل أهل الضلال من المبتدعة وغيرهم، وهم في ذلك كما وصفهم الله تبارك وتعالى في قوله: { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذي قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} . وجميع النصوص التي سبق إيرادها من قبل هذا الموسوي إما صريحة غير صحيحة بل باطلة موضوعة، أو صحيحة غير صريحة في مطلوبه،
كما هو حال حديثنا هذا.
وإذا كان اللفظ يحمل عدّة معانٍ متباينة، فلا يمكن ترجيح أحدها على ما سواه إلاّ بقرينة صحيحة صالحة لذلك، ومن طالع كلام هذا الموسوي في هذه المراجعة وجده قد ذكر ما يزعم أنه قرينة للمعنى الذي ادّعاه، ويمكن تقسيمه إلى أربع نقاط:
النقطة الأولى
زعمه إفادته للحصر بقوله (وهو وليكم بعدي) ثم تقريره عدم أعمال الحصر إلاّ على المعنى الذي ذهب إليه، وهذه حجة أوهى من خيط العنكبوت فليست هذه الصيغة للحصر أصلاً ولا موضوعة له ولم يقل به أحد من أهل هذا الشأن، اللهم إلاّ إذا كانت هناك قرائن في نفس السياق تفيد ذلك، وهو أمر معدوم هنا كما هو واضح . ثم إن الحديث بهذا اللفظ غير صحيح بل ضعيف مردود كما فصلناه في صفحة (429-432) وخلال الكلام على الأحاديث التي جاءت بهذا اللفظ في المراجعة السابقة. فلم يروه بهذا اللفظ إلاّ رواة من الشّيعة فلا يؤمن تفردهم بذلك- وإن كانوا ثقاتٍ- فقد روى هذا الحديث رواة ثقات كثيرون غيرهم لكن أحداً منهم لم يذكره بهذا اللفظ مما يبيّن عدم صحته. ونحن بهذا لا نتهم هؤلاء الرواة الشّيعة في اختلاقه بل في عدم تثبتهم في روايته أو على الأقل روايته بالمعنى الذي فهموه به، وقد قدمنا عن علماء الحديث تقريرهم لعدم الإحتجاج بحديث المبتدع- وإن كان ثقة- فيما يدخل في بدعته ويقويها، أنظر صفحة (249-250) من كتابنا هذا.
النقطة الثانية
زعمه أن لا ميزة ولا مزية أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم إثباتها في هذه الأحاديث لعليّ إذا كان (الولي) هو (النصير أو المحب) وأن هذا من قبيل الواضحات البديهات.
وهذه حجة من قبيل حجج الأميين السذج، فإن محبة عليّ رضي الله عنه ونصرته للمؤمنين وولايته لهم- بهذا المعنى- لم تكن واضحة ولا بديهية قبل هذا الحديث خصوصاً عند من كان معه بأرض اليمن، وقد مرّ ذلك واضحاً وصريحاً في أحايث بريدة بن الحصيب وعمران بن حصين وعمرو بن شاس ووهب بن حمزة التي ذكرها هذا الموسوي نفسه في المراجعة السابقة، وفي غيرها من الأحاديث كذلك.
ففي حديث عمران بن حصين أن أربعة تعاقدوا على شكاية عليّ عند النبي صلى الله عليه وسلّم ووقعوا فيه بسبب الجارية التي اصطفاها لنفسه، حتى غضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لذلك وقال قوله هذا- راجع حديث عمران بن حصين- وفي حديث بريدة التصريح بأن بريدة رضي الله عنه نفسه كان ممن يبغض عليّاً قبل هذا الحديث، كما في الرواية التي ذكرها. ونحوها عند الإمام أحمد (5/359)، والبخاري (5/207)، وفي رواية أخرى- عند الإمام أحمد (5/347)، والحاكم (3/110)- أن ذلك كان بسبب ما رأوه من الجفاء من عليّ رضي الله عنه.
وعند الإمام أحمد (5/350-351) أن بريدة قال: (أبغضت عليّاً بغضاً لم يبغضه أحد قط وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلاّ على بغضه عليّاً . . .) الحديث. فليسمع أصحاب هذا الموسوي، فليس الأمر كما زعم صاحبهم هذا بأنه من الواضحات البديهات، ونحن إذ نقول هذا لا نعني به فقط محبة عليّ للمسلمين ونصرته لهم، بل وجوب محبتهم له ونصرتهم له، الأمر الذي لم يكن عند بعض الصحابة بسبب ما رأوا منه رضي الله عنه فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم حثهم على ذلك بأمرهم به أولاً، وببيان ما عند عليّ رضي الله عنه من النصرة والمحبة للمؤمنين وصدقه في ذلك، وأن ما صدر منه من الجفاء تجاه بعضهم لا يخالف ذلك، فقال صلّى الله عليه وسلّم (من كنت مولاه فعليّ مولاه)- وكذلك لفظ (الولي) في بعض الروايات- أي: من كنت ناصره على دينه وحامياً عنه بظاهري وباطني وسري وعلانيتي فعليّ ناصره على هذا السبيل فتكون فائدة ذلك الإخبار عن أن باطن عليّ وظاهره في نصرة الدين والمؤمنين ومحبتهم سواء، والقطع على سريرته وعلو رتبته، وليس يعتقد ذلك في كل ناصر للمؤمنين لأنه قد ينصر الناصر بظاهره فقط، وهو ما ظنه بعليّ بعض الصحابة ممن كان معه بأرض اليمن وغيرهم فاحتاج ذلك إلى البيان من النبي صلّى الله عليه وسلّم بما لا محيد عنه وإلاّ لو ترك ذلك وظن أنه من الواضحات البديهيات- كما يدعيه هذا الجاهل وأصحابه- لما أزيح ما كان في نفوس كثير من الناس عن عليّ رضي الله عنه .
فبعد أن بين صلّى الله عليه وسلّم صدق عليّ ومحبته ونصرته للمؤمنين أمر بمحبته رضي الله عنه- فضلاً عن النهي عن بغضه- ونصرته، وهو ما يحتمله أيضا هذا الحديث، فأيضا قوله (من كنت مولاه فعليّ مولاه) أي: من كنت محبوباً عنده ومنصوراً له فعليّ كذلك. ولا يفوتنا أن ننبه أنه ليس من نصرة عليّ رضي الله عنه نصرته على توليته الخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن هذا أمر لم يستحقه- رضي الله عنه- بل ولم يدّعه هو أصلا ً، ومن قال بادعائه لها فقد كذب عليه، حتى إذا آلت إليه الخلافة واستحقها بعد مقتل عثمان رضي الله عنه كانت نصرته في ذلك مشروعة وواجبة، وهذا مذهب أهل السنة والحمد لله.
نعود الآن إلى الأحاديث المصرحة بما قلناه من سبب هذا الحديث، وقد ذكرنا منها حديث عمران بن حصين، وحديث بريدة بن الحصيب، ونضيف إليها حديث عمرو بن شاس، وقد تقدم لفظه في صفحة (438-439) وذكره هذا الموسوي في الهامش (4/173)، وفيه التصريح بما وجده عمرو من الجفاء من عليّ فشكاه بسبب ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم ومثله في ذلك أيضا حديث وهب بن حمزة في صفحة (445) . وحتى حديث الطبراني الواهي جداً تجد فيه ذكر ذلك واضحاً . وكذلك في غير ما تقدم من الأحاديث مثل حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وشكايته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ما لقي من عليّ من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، أخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) (5/398)، ونقله الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/105-106) وقال: وهذا إسناد جيد على شرط النسائي إ. ه. وكذلك ما رواه ابن إسحاق- (سيرة ابن هشام) (4/250)- ومن طريقه رواه ابن جرير في (تاريخه) (3/149) عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، ونقله أيضا ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/208- 209) . وجاءت شكاية الناس علياً رضي الله عنه في حديث أبي سعيد أيضا رواه ابن إسحاق- (سيرة ابن هشام) (4/250)- ومن طريقه ابن جرير (3/149) وأكثر من ذلك ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (كنت جالساً في المسجد أنا ورجلان معي فنلنا من عليّ فأقبل رسول الله . . .) الحديث، أخرجه أبو يعلى- (البداية والنهاية) (7/346)-بإسناد لا بأس به في الشواهد وعزاه في (المجمع) (9/129) للبزار بإختصار. وغير ذلك من الأحاديث التي تثبت ما وقع في نفوس كثير من الصحابة على عليّ رضي الله عنه من الريبة والبغض بسبب ما صدر منه تجاههم، الأمر الذي اقتضى علاجه من النبي صلى الله عليه وسلم وتبرئة عليّ من ذلك وبيان صدقه في محبته للمؤمنين ونصرته لهم، مع الأمر بمحبته ونصرته وولايته بهذا المعنى لا غير، والذي جاء التصريح به وبيان أنه المقصود في حديث بريدة عند الإمام أحمد (5/350-351) إذ قال بريدة: (فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتبغض علياً ؟ قال: قلت نعم، قال: فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حباً).
وبهذه القرائن- ومثلها
اتضح معنى الولي في تلك الأحاديث بأنه: النصير والمحب، واتضح أن هناك دافعاً قوياً لان يصرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا في عليّ رضي الله عنه، ولا يعرض عن هذه القرائن ويتكابر عليها إلاّ من أعمى الله بصيرته ومن كان في قلبه مرض ومن يحتكم إلى هواه دون هذه النصوص، { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إنْ هم إلاّ كالأنعام بل هم أضلّ سبيلاً} .
النقطة الثالثة
من النقاط التي زعم أنها قرائن تفيده، ما اعتمد عليه من لفظ (بعدي) في الحديث (و هو وليكم بعدي)، وهذه لا تلزمنا بشيء والحمد لله لما قدمنا من ضعف الحديث بهذا اللفظ وأنه مخالف لكل روايات الحديث الأخرى على كثرتها، أنظر صفحة (431-432)، وقد قدمنا هناك عدداً من العلماء الذي كذّبوا هذا اللفظ أو استنكروه على الأقل، مثل ابن تيمية، والذهبي، وابن كثير، والمباركفوري، وحتى الترمذي على تساهله، فلا حجة للشيعة علينا فيه بعد هذا، والحمد لله.
النقطة الرابعة
وهي آخر ما زعمه من القرائن حديث بريدة عن الإمام أحمد (5/347)، والحاكم (3/110)، وقد تقدم وفيه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟) وزعم أن تقديمه صلّى الله عليه وسلّم لذلك هو القرينة المطلوبة، وهذا باطل من وجوه:
الوجه الأول
أنه لا يصلح أن يكون قرينة إلاّ إذا كان معنى (الأولى) في قوله هذا هو نفس معنى (المولى) الذي بعده، وهذا لا يقوله إلاّ الحمقى، فإن (الأولى) هو الأجدر والأحق والأقرب- (المعجم الوسيط) (2/1070)- وليس ذلك أبداً من معاني (المولى) أو (الولي)، وقد قدمناها (ص449-450) فبطل بذلك كونه قرينة، من هذا الوجه.
الوجه الثاني
أن معنى كون النبي صلى الله عليه وسلّم أولى بالمؤمنين من أنفسهم- وهو نص الآية (6) من سورة الأحزاب- أن حكمه فيهم واختياره لهم مقدم على حكمهم واختيارهم لأنفسهم وأحق بذلك كما قال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلّموا تسليماً } . - أنظر (تفسير ابن كثير) (3/467)، و(روح المعاني) للآلوسي (21/151) وغيرها-.
ولهذا قدم ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لبريدة مذكره به، فإذا كان صلّى الله عليه وسلّم حكمه واختياره مقدم على اختيار المؤمنين أمرهم بنصرة عليّ ومحبته رضي الله عنه وأنه حكم عليه بصدقه في محبة المؤمنين ونصرتهم وأيضاً حتى لا يكون ما رأوه من عليّمن الجفاء والغلظة سبباً لتقديمهم حكمهم بأنفسهم على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عليّ، فهو يريد منهم أن ينصاعوا إلى قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عليّ لا إلى ما لمسوه منه من الغلظة والتضييق والجفاء، لذا نرى أن بريدة رضي الله عنه نفسه راوي هذا الحديث قد صرح بهذا في رواية الإمام أحمد (5/350-351) عقب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك له، فقال: (فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ من عليّ) إ. ه. فهذا صريح في أن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما عنى بولايته أن يحبوه وهذا بيّن لا لبس فيه إن شاء الله ولا يحتاج لطول شرح.
والحمد لله رب العالمين
**
ملاحظة : نقلت الكلام بتصرف وشكرا
فائدة
أخرج الحافظ البيهقي - وساقه بسنده الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ) (5/250-251) - عن علي رضي الله عنه أنه قيل له: ألا تستخلف علينا؟ فقال: ( ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم )
قال ابن كثير ( إسناد جيد ولم يخرجوه ).
نقل إسناده الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية ) (5/250) - بإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: ( خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس، وقال: ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة، ولا سألتها في سر ولا علانية، فقبل المهاجرون مقالته، وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة وإنّا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار وإنّا لنعرف شرفه وخبره، ولقد أمره رسوله الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس وهو حيّ )
وقال الحافظ ابن كثير: ( إسناد جيد ).
انتهى النقل من الاعظمي
والحمد لله رب العالمين