العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-01-07, 05:04 PM   رقم المشاركة : 1
المرسال
مشرف






المرسال غير متصل

المرسال is on a distinguished road


العُقدة والعقيدة .. قصة الشيعة في العراق

الشيعة بين احتلالين او خطأ عام 1920



اسقط في يد الرجل، فما كان له من بد الا ان يستدعي التاريخ وهو يحاوره من اجل اقناعة للدخول في اول هيئة قيادية لهذا البلد المحطم، الذي اتعبته الحروب، فقالها وبصراحة هل تريدون ان تعيدوا اخطاء عام 1920.



ويقول القائد المدني لسلطة التحالف في العراق السفير بول بريمر، في مذكرات حملت عنوان "عام قضيته في العراق"، عقب انتهاء مهمته في العراق وعودته الى الولايات المتحدة الامريكية.



"ذهبت لمقابلة الدكتور ابراهيم الجعفري زعيم حزب الدعوة الاسلامي ورئيس وزراء الحكومة الانتقالية العراقية بعد سقوط نظام صدام حسين باشهر قليلة، وبدأت بمشاورات تشكيل مجلس حكم من العراقيين يتولى ادارة العراق ويهيئ لكتابة دستور واجراء انتخابات تقود الى حكومة دائمة ذات سيادة، وبدأت بمشاورة الزعماء السياسيين وكان اللقاء مع الدكتور الجعفري في مكتبه في مدينة كربلاء جنوب بغداد، وقلت له انسجاما مع قرار الامم المتحدة، يعتزم الائتلاف انشاء ادارة مؤقتة باسرع ما يمكن، ونحن نأمل ان يتعاون القادة المسؤولون في الطائفة الشيعية مع هذا المسعى، ولا شك في ان ارتكاب الشيعة اليوم الخطأ نفسه الذي ارتكبوه في سنة1920 يعد مأساة".



ويضيف بريمر ان الجعفري هز رأسه مقرا بما اشرت اليه، ففي اعقاب الحرب العالمية الاولى، عندما تقدمت القوات البريطانية داخل مقاطعات الامبراطورية العثمانية المنهارة في بلاد ما بين النهرين، اطاع الشيعة العراقيون فتوى مرجعهم الديني بعدم التعاون مع الصليبيين فهمش هذا القرار الشيعة في حكم بلدهم، والان ها هو التحرير يقدم اليهم فرصة جديدة بعد ثمانين عاما.

ومن غريب المفارقات ان الشيعة طلبوا العون من الولايات المتحدة لانجاز الاستقلال قبل نيف وثمانين عام من خلال مراسلات دونت بين رجال الحوزة العلمية والرئاسة الامريكية المتمثلة انذاك بالرئيس ودرو ويلسن صاحب مبادئ ويلسن العالمية.



ففي سياق رفض الشيعة التعاون مع الاحتلال البريطاني، لجأوا اليها شاكين عسف السلطة الانكليزية، فقد ارسل المرجع الديني الاعلى محمد تقي الشيرازي رسالة سرية الى الوزير المفوض الاميركي في طهران بدايات العام 1919، جاء في بعض فقراتها "نظرا الى ما املته حكومة الولايات المتحدة الامريكية من الشروط المعروفة التي قدمها رئيس جمهوريتها لاحقاق الحقوق وتقرير المصاير قد رأينا ان نراجع حكومة الولايات المتحدة بتوسطكم ونستعين بها في تأييد حقوقنا بتشكيل دولة عربية"، كما يوردها الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث.



ثم كتب الشيرازي بالتضامن مع شيخ الشريعة الاصفهاني كتابا موجها الى الرئيس الاميركي ودرو ويلسون جاء في بعض فقراته "ابتهجت الشعوب جميعها بالغاية المقصودة من الاشتراك في هذه الحروب الاوربية من منح الامم المظلومة حقوقها وافساح المجال لاستمتاعها بالاستقلال حسب الشروط المذاعة عنكم، مشروع السعادة والسلام العام فلابد من رفع الموانع عنه"، جاء ذلك في ذات المصدر.

وعندما جاء الاميركان ليمدوا يد العون اليهم ترددوا في قبول هذه اليد.



وبالمقابل تعاون العراقيون العرب السنة، الذين تمتعوا بقرون من المعاملة التفضيلية في ظل الحكام العثمانيين الاتراك السنة، مع الاحتلال البريطاني وبقوا الطائفة المميزة، تحت حكم الملكية التي انشأها البريطانيون اولا، ولاحقا في اثناء النظام البعثي.



يقول بريمر "بدا الجعفري غارقا في التفكير، فقد تحديته لنزال، واشرت بوضوح الى ان القطار سيغادر المحطة ويرجع الى السياسيين أمر الصعود اليه".



فاذا كان ابراهيم الجعفري الطبيب العائد من لندن وزعيم احد ارشق الاحزاب الاسلامية الشيعية والاكثرها نضوجا وثقافة بهذا التفكير فما هو حال الاخرين، يضاف الى ذلك ان الجعفري كان من اكثر الاشخاص التي يذكرها بريمر بانها ذات وعي مميز وحنكه سياسية، ويعتبره ايضا اقرب الى العلمانية منه الى الاسلامية، ويدلل بريمر على ذلك بان الجعفري كان دائما يذكر له ان زوجته وبناته في لندن غير متحجبات.



ان المشهد الذي يكرر سرده السفير بول بريمر في مذكراته مع كل الزعماء الشيعة ليس بالجديد على القادة المعاصرين وانما جرى استنساخه في كل التحولات التاريخية التي تقدم للشيعة الفرصة لتولي الحكم، وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه من ان الشيعة غالبا ما يهيئون الاجواء عبر الثورات والحركات الانقلابية لكنهم في النهاية يخسرون الكعكة لان الحكم لديهم مرتبط بأفكار تقليدية من جانب وبالحنكة القيادية للدولة.



وكثيرا ما كان الشيعة ينظرون الى اقوال خصومهم فيهم ويتحاشون أي وصف حتى لو كان على سبيل الحسد، فهم لا يريدون ان يوصفوا بانهم اعوان الاحتلال، او انهم جنوا ما جنوا على طبق من ذهب.



وقد حاول بعض زعماء السنة العزف على هذا الوتر، واذكر انني التقيت عام2004 بالدكتور محمد بشار الفيضي الناطق الرسمي لهيئة علماء المسلمين واراد من خلال الحوار الصحفي الذي اجريته معه ان يمرر رسالة الى القادة الشيعة مفادها، انه من العيب ان يقطفوا الثمار من شجرة الاحتلال، فقلت له الم يقطف السنة ذات الثمار من شجرة الاحتلال البريطاني اوائل القرن المنصرم.



والواضح ان هذه المسألة عقدية هي الاخرى، ومن الغريب ان تغيب عن ناظري الدكتور علي الوردي ومن بعده حسن العلوي وآخرين، وهم يبحثون اسباب الموقف الشيعي من الاحتلال البريطاني الذي كاد ان يعدل الميزان لولا رفض الشيعة الذين ما برحوا يضعون امام اعينهم صورة وزير المستعصم بالله ابن العلقمي في مواقف التحولات التي اشرنا اليها.



فقضية الوزير ابن العلقمي ماثلة دائما، ويكرر السنة ترديد قصته بمناسبة وبدونها، ويحملون هذا الوزير الشيعي مسؤولية انهيار الدولة عام 656 للهجرة، عندما وقفت جيوش هولاكو على اطراف بغداد وتولى هذا الوزير قضية التفاوض الذي انتهى باستسلام الجيوش الاسلامية وقتل الخليفة وتدمير بغداد، ونهاية عصر الدولة العباسية.

بعد عام2003 تغيرت الامور وبدأ عصر السلطة الشيعية، وربما كانت النوايا حقيقية لدى الامريكان في انشاء دولة ديمقراطية على انقاض الدكتاتورية، ومعنى ذلك ان يحكم فيها الاغلبية لكن هل سيحفظ الشيعة هذا الدرس ام انهم سيبقون في ذات الاطار وذات الدوامة القائمة على اساس ان السنة مغتصبون وان لم يغتصبوا فسوف يدفع الشيعة الى ان يغتصبها منهم منافسوهم.



وكاد ان يفعلها الدكتور حسين الشهرستاني ويطيح بالفرصة الاخيرة التي توفرت للشيعة بعد عقود من التهميش والتي جاءتهم بعد سقوط صدام، فقد اختار مبعوث الامين العام للامم المتحدة الاخضر الابراهيمي الدكتور الشهرستاني لرئاسة اول حكومة عراقية مؤقتة، ويعتبر الشهرستاني من علماء الذرة العراقيين الكبار ورفض العمل في المشروع النووي العراقي اوائل الثمانينيات ما دفع صدام حسين الى سجنة حتى اوائل التسعينيات عندما هرب من السجن على اثر قصف الطائرات الامريكية لسجن ابو غريب اثناء حرب الخليج والذي كان الشهرستاني احد نزلائه.



يقول السفير بول بريمر "قررت زيارة الشهرستاني والتعرف الى شخصه بعد ان قال لي الابراهيمي ان الاختيار وقع عليه، وبعد ان شربنا الشاي وتحدثنا في عدة امور قال الشهرستاني انني متفق مع السيد السيستاني على ضرورة ان تتولى شخصية سنية رئاسة الوزراء لان المهمة ستكون شديدة الصعوبة على اية حال وسيفشل كل من سيتولى هذا المنصب على الارجح لذا فليكن الفاشل واحد من السنة"يقول بريمر "اجبته قائلا ان هذا قصر نظر ويحمل في طياته مخاطر تكرار الخطأ الماساوي الذي ارتكبه الشيعة في العشرينات من القرن الماضي عندما فضلوا الابتعاد عن العملية السياسية وجلبوا على انفسهم ثمانين عاما من المنفى الداخلي".

المنفى الداخلي !!، يالها من عبارة ؟؟.



والغريب ان الدكتور حسين الشهرستاني تولى منصب وزير النفط في اول حكومة عراقية دائمة ومنتخبة برئاسة نوري المالكي، فاستحقت وزارة النفط دون منازع لقب الاسوء من بين الوزارات، فقد ارتفع سعر لتر وقود السيارات خمسة أضعاف عما كان قبل تولي الشهرستاني الوزارة، وانتشر الفساد فيها، وارتفعت معدلات التهريب والفساد المالي والاداري.

ويذكر بريمر ايضا صعوبة المفاوضات مع السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية احد اكبر الاحزاب الاسلامية الشيعية في العراق، لان الحكيم كان يعتقد انه من غير الملائم ان يتساوى مع الاخرين في مجلس حكم ويكون له شركاء في صناعة القرار كما ان الحكيم كان يعتقد ان بقاءه في زعامة الحزب او حفاظه على الهيبة الدينية اكثر خدمة للشعب، فما كان من بريمر الا ان ذكره ان خدمته للشعب انما تاتي في مشاركته في مجلس الحكم وعاد وذكره بعام1920 عندما انعزل الشيعة لصالح السنة ودفعوا الثمن غاليا.



يحاول الشيعة دائما تجنب الحكم لكن حينما يكون بين ايديهم وامرا واقعا ينسون امر الخصوم ويبدأ الحراك الداخلي والصراع على أي من الشيعة سيحكم.



وغالبا ما ياخذ الصراع بين القادة الدينيين الشيعة اساليب غير شريفه فقد ذكر بريمر في مذكراته ان الدكتور ابراهيم الجعفري عندما سمع ان الاخضر الابراهيمي مبعوث امين عام الامم المتحدة في العراق لتشكيل حكومة مؤقتة قد اختار الدكتور حسين الشهرستاني لمنصب رئيس الوزراء قال ان الشهرستاني ليس عراقيا واقعا، وقد حاول بريمر ان يقنع الجعفري ان عائلة الشهرستاني تسكن العراق منذ ثلاثمئة عام الا يكفي ليكون عراقيا.



ومن الطرائف المحزنة ان نوري المالكي بعد ان تولى وزارة الحكومة الدائمة من سلفه ابراهيم الجعفري، قام اتباع الجعفري ومستشاروه بتسليم مقار رئيس الوزراء مجرد جدران خالية من الكومبيوترات والملفات وحتى السيارات، مع ان الاثنين من حزب الدعوة والاثنين في خط واحد.



بدأ الشيعة بالخصام بعد ان بات الحكم بايديهم وبدلا من تصحيح الامور وبناء الصرح الذي خسره علي واولاده بدأت نوازع الطمع تتسرب اليهم.



حاول الشيعة ان يضغطوا باتجاه الحصول على اغلب الكعكة في التشكيلة الحكومية الاولى في عراق ما بعد صدام، تحرك الدكتور احمد الجلبي وبعض القادة لتشكيل المجلس السياسي الشيعي والذي ضم عددا من اعضاء مجلس الحكم ورؤساء عشائر ورجال دين، وفي مفاوضات الربع ساعة الاخيرة حاول البيت الشيعي ان يتقدم بقائمة تضم هيئة رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء والتشكيلة الوزارية الاخرى وتقديمها الى الاخضر الابراهيمي مبعوث الامين العام لتشكيل الحكومة.



تحرك البيت الشيعي جعل بريمر في حالة من القلق حسب مذكراته لكن اخرين من القادة العراقيين هم اخبر بشعبهم والشيعة على وجه الخصوص طمأنوا بريمر ان البيت الشيعي سوف لن يفلح في ذلك، وكان اول من اكد هذه الفكرة اياد علاوي حسب ما يذكر بريمر، ثم تبعه حميد مجيد موسى قائلا "انهم لن يتفقوا ابدا"، والاثنين من الشيعة.



وهذه تدعم ما نحن بصدده فانهم لن يصلوا الى النهاية سالمين غانمين فاما ان يخسروا كل شيئ او ان ياخذوا كل شيئ من دون حساب للاخرين.



لنذهب الى التاريخ القريب وتحديدا الى عام1920 مع بداية تاسيس الدولة العراقية الحديثة ولن كيف كان دور الشيعة الذي قادهم فيما بعد الى عقود التهميش.



فقد صدر في لندن عام1923 كتاب يمثل وجهة النظر هذه لمؤلف اسمه توماس لييل، كان موظفا في العراق في تلك الايام، فهذا الرجل لا يكتفي بالقول ان العراقيين غير اكفاء للحكم بل يعمم القول على المسلمين كلهم، وعلى الشيعة منهم بوجه خاص، فهو يقول في مقدمة كتابة ما نصه "اني مقتنع اقتناعا قويا نتيجة اطلاع شخصي دقيق ان الدين الاسلامي ليس تقدميا، وانه ذو اثر مضعف للشخصية ومخرب لكل نزعة في المواطنة او التماسك الاجتماعي او الطموح القومي، وقد دفعني هذا الاقتناع الى القول بان الرجل المسلم، وخاصة الرجل الشيعي، لا بد ان يبقى لسنوات عديدة غير لائق تماما للحكم الذاتي، وانما يطلب الحكم الذاتي لانه يجد فيه فرصة لكي يتخلص من القانون والنظام".



يواجهنا هنا سؤال مهم، كيف تمكن السير برسي كوكس المندوب السامي البريطاني في العراق من اقناع النقيب بتحمل مسؤولية رئاسة الوزارة في عام1920 بينما كان في العام الذي سبقه يرفض امارة العراق رفضا باتا ؟!.



يقول علي الوردي في كتابه لمحات من تاريخ العراق الاجتماعي في الجزء الخامس، "اننا لا نجد في جميع المصادر التي بين ايدينا ما يكشف لنا عن سر هذا التحول العجيب في موقف النقيب، وهو سر جدير بالباحثين ان يدرسوه ويميطوا اللثام عنه".



تشير بعض القرائن الى ان كوكس انما استطاع اقناع النقيب عن طريق ضربه على بعض الاوتار الحساسة في قلبه، فالمعروف عن النقيب انه كان يمقت الثورة والقائمين بها مقتا شديدا، كما كان يمقت المجتهدين الذين ايدوا الثورة بفتاويهم، وكان كذلك يشمئز من وضع مقاليد الحكم في ايدي كل من هب ودب من الناس بل يرى وضعها في ايدي الاشراف من ابناء الاسر ذوي النسب والحسب، والمظنون ان كوكس عندما ذهب الى النقيب يحادثه في امر تشكيل الوزارة اخذ يضرب على مثل هذه الاوتار الحساسة، وربما ذكر له ان قيامه بتولي المسؤولية امر واجب عليه يفرضه الشرع والعرف وانه اذا لم يفعل كان مقصرا في واجبه نحو بلاده ومعتقده الديني، ويخيل لي ان كوكس قال له محذرا انه اذا لم يقبل تولي المسؤولية فسيضطر هو الى وضعها في ايدي اناس من الفئة التي يمقتها مقتا شديدا، وسيكون في ذلك خراب البلاد، وان كوكس ناشد النقيب بواجبه نحو البلاد والمح له عن المطامح الشخصية لدى الاخرين ومدى الضرر الذي سوف يقع من جرائها اذا لم يتولى هو تشكيل الوزارة.



والمعروف طبعا ان من قام بالثورة هم زعماء الشيعة القبليين وان المجتهدين الذي ايدوها كانوا مراجع الدين في النجف، ونفهم من ذلك ان كوكس قالها ان لم تقبلها سنعطيها للشيعة.



ويؤكد ذلك كوكس نفسه حيث كان راغبا منذ البداية في اسناد وزارة ذات حقيبة الى رجل من الشيعة وقد وقفت تجاه رغبته هذه عقبتان، الاولى ان النقيب وبعض الوزراء المتنفذين لم يكونوا يوافقون على ذلك، والثانية هي ان الشيعة انفسهم كانوا يحتقرون أي رجل منهم يقبل بالاشتراك في الوزارة، فاذا تجرأ احد منهم ودخل في الوزارة نبذوه اجتماعيا وربما اهانوه، واذا كان هذا الرجل من رجال الدين اطلقوا عليه لقب "عالم الحفيز" -المفردة مأخوذة من الاوفيس= المكتب- أي صديق الانكليز او عميلهم، وهنا الطامة الكبرى، فقد كان في نية الانكليز انصاف الشيعة من القادة السنيين والمعينين من الدولة العثمانية فقابلوا الجميل بالنكران، واستمروا بنهج المعارضة التاريخي الذي اعتادوه.

وقد تمكن كوكس اخيرا من اقناع النقيب والوزراء المتنفذين بالموافقة على اسناد وزارة المعارف الى السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي.



تقول مس بيل المستشارة البريطانية في بغداد في مذكراتها، لم يتحقق ادخال رجل شيعي في الوزارة الا بعد مرور شهرين لصعوبة وجود رجل شيعي يقبل ويرضى بالاشتراك بالوزارة.



وتعتبر وزارة المعارف واحدة من عقد الشيعة حيث يدفعون بهذه الوزارة الى غيرهم ويقللون من شأنها، مع انهم من اكثر الناس حاجة اليها، كون اكثريتهم غير متعلمة ولأن التعليم كان حصرا لاولاد السنة ابان الحكم العثماني والذين كانوا يتمتعون بوظائف الدولة كونهم الفئة المتعلمة.



بعد عام1920 مات المرجع الديني الشيعي السيد كاظم اليزدي الملقب بشيخ الشريعة فتنازع على المرجعية ثلاثة رجال هم السيد ابو الحسن الاصفهاني والمرزا حسين النائيني والثالث السيد محمد حسين كاشف الغطاء.



كم برز في مدينة الكاظمية ببغداد شخص من عامة العلماء هو الشيخ مهدي الخالصي وتصدر للفتوى.



وكانت فتاوى الخالصي تلقى رواجا رغم انه ليس من ابرز المراجع وذات تاثير كبير على الشيعة، خاصة وان هذا المرجع كان شديد الاهتمام بالسياسة ويعتبرها جزءا لا يتجزأ من الدين، وكان يعتبر ان الدين له ظاهر وباطن فظاهره العبادات والشعائر وباطنه ينحصر في السعي لتخليص البلاد الاسلامية من تسلط الكفار، وقد كان يفضل حكم الاتراك السنة الذين اضطهدوا الشيعة واستبعدوهم عن كل شي على حكم الانكليز الذي كانوا بوابه لدخول الشيعة الى حكم الدولة، وكان الخالصي يعتبر الاتراك مسلمين والانكليز كفار والحاكم المسلم في نظره ولو كان ظالما خير من الكافر العادل، وطبعا يخالف الخالصي في ذلك راي ابن طاووس الذي افتى به قديما وهو ان الكافر العادل خير من المسلم الظالم.



دفن الخالصي الشيعة احياء بفتواه الشهيرة التي منع فيها دخولهم الى مؤسسات الدولة والحصول على اية وظيفة بعد ان فتحت الدولة ابواب التوظيف في عام 1921، فالانخراط في وظائف الدولة اعتبره الخالصي بمثابة التعاون مع الكفار، وقد لقيت فتواه هذه للاسف رواجا واسعا بين صفوف الشيعة.



المكابرة، وعدم الاعتراف بالخطأ واحدة من عقد الشيعة، فها هو جواد الخالصي حفيد الشيخ مهدي الخالصي، وهو من مراجع الكاظمية المعروفين يعيد سيناريو جده، ويدعو الى مقاطعة العملية السياسية الجديدة، بذريعة وجود المحتل، وينال بموقفه هذا اطراء ممتازا من الزرقاوي بين قلة من الناس امتدحها هذا الارهابي.



كان كوكس حريصا على ادخال الشيعة في دوائر الدولة لكن عقبة الخالصي طيرت احلامه، والغريب الذي جرى فيما بعد، ان العقبة الثانية امام دخول الشيعة الى دوائر الدولة وهو رئيس الوزراء السيد النقيب والوزراء المتنفذون الذي يعارضون دخول الشيعة، استطاع كوكس تغيير رايهم في ذلك بقبول انخراط الشيعة في الوظائف الحكومية، لكنه لم يفلح في تغيير موقف الخالصي بالتنازل عن فتواه، وبذلك يسدل الستار عن مشهد الحرمان الذي عاشه الشيعة طيلة الثمانين عاما ومسؤولية ذلك لا تقع على الانكليز ولا على السنة وانما على علماء الشيعة وجمهورهم ايضا.



لعب الشيعة دورا كبيرا في استحضار فيصل، العلوي النسب والسني المذهب، الى العراق وتنصيبه ملكا، ومن العوامل الاساسية الذي دفعت الشريف حسين الى ارسال ابنه الملك فيصل الى العراق من نجد ليكون ملكا هو برقية بعث بها الشيخ مهدي الخالصي الى الشريف لارسال فيصل ويتعهد له بان الشيعة سيبايعونه ملكا عليهم، ونجح الخالصي في اقناعه رغم مخاوفه الشديدة على ابنه ان يلاقي المصير الذي لاقاه الحسين بن علي على يد شيعته، وكان محقا في مخاوفه فبعد ثمانية وثلاثين عاما، لقي حفيده واسرته نهاية بشعة في العراق.


على اية حال كانت هذه كبوة شيعية اخرى فقد كان بامكان الخالصي ان يدعم احد امراء القبائل الشيعية مثل الشيخ خزعل امير المحمرة الذي كان طامعا بالحصول على التاج وهو شيعي ولديه كافة المواصفات التي تؤهله، او شيخ قبيلة شيعية اخرى من الفرات الاوسط او الجنوب او حتى احد اعيان النجف او كربلاء.

وكان الشيخ خزعل امير المحمرة قد تحدث مع كوكس مباشرة بان الشيعة تسعة اعشار العراق وان ملكهم يجب ان يكون شيعيا، وقام بالسفر الى النجف واغدق الاموال على علماء الشيعة، كما طبع كتابا في مصر عن امجاد وتاريخ الامام علي، لكن كل هذه لم تشفع له عند رجال الدين الشيعة وفضلوا عليه السني القادم من نجد وهو الملك فيصل.



كان الشيخ خزعل ماسونيا، الامر الذي يجعله متفوقا بما لا يقاس على غيره من ناحية التأييد على مستوى كبار رؤساء وملوك العالم آنذاك، لكنه فشل في اقناع شيعته!!!!.



ان مساندة رجال الدين الشيعة لفيصل جعلت الاخير نفسه امام هذا السؤال المبهم، لماذا يسانده الشيعة الى هذا الحد؟، حتى جرى بينه وبين الشيخ عبد الواحد الحاج سكر احد كبار المشايخ وقادة ثورة العشرين لقاء، فقال له كيف جاز لك وانت الشيخ الشيعي المتدين ان تطالب بعرش العراق لرجل سني فاجابه عبد الواحد بعاطفية لا تخلوا من ملق قائلا "انك في اعماق قلبك شيعي".



بعد تتويج فيصل ملكا على العراق اتجه لتشكيل الوزارة بعد ان انتهت مهمة وزارة النقيب وقدمت استقالتها، ارسل الملك عبد الواحد الحاج سكر الى النجف ليطلب فيها من رجال الدين الشيعة التعاون في تشكيل الوزارة لكنهم اجابوه بانهم يأتمنونه على عرش العراق ويضعون امر تعيين الوزراء على مشيئته، وهنا تدخل كوكس واقنع فيصل بعودة السني الذي يرفض دخول الشيعة الى دوائر الدولة الى رئاسة الوزراء مرة اخرى وهو النقيب.



صدمة اخرى امام مستقبل الشيعة، فبعد ان تم تشكيل الوزارة اختير لوزارة المعارف الشيخ عبد الكريم الجزائري من النجف، وتعتبر وزارة المعارف من اهم الوزارات كونها ستمنح الشيعة المستقبل المنشود لان اغلب الشيعة حرموا من التعليم ابان الحكم العثماني واغلبهم غير مؤهلين للتوظيف في دوائر الدولة، وان وجود وزير شيعي في هذه الوزارة سيدفع باتجاه تعليم اكبر عدد من الشيعة، لكن الشيخ الجزائري اعتذر عن تولي الحقيبة.



وبعد ان استقالت وزارة النقيب وتم تشكيل وزارة اخرى برئاسته ايضا، صدرت الارادة الملكية بتعيين شيعي آخر في وزارة المعارف وهذه المرة عبد المحسن شلاش النجفي لكنه اعتذر ايضا عن قبولها لانشغاله بالتجارة وبقيت الوزارة شاغرة.

وحدة الصف الشيعي كانت دائما غير واقعية وصعبة التحقيق حتى في اوائل تطور الوعي السياسي والتنظيم الحزبي، ففي اول قانون صدر لتنظيم الاحزاب عام1922 دخلت ثلاث احزاب هما النهضة والوطني والحر، وكان النهضة والوطني يضمان القادة الشيعة المعارضين وقد كان بالامكان ان يكونا حزبا واحدا يجمع كل القادة الشيعة المعارضين ويكون ذا تاثير اوسع واكبر لكن ذلك استحال بسبب الصراع والخلاف بين رجال الدين الشيعة كون حزب النهضة كان يقف خلفة السيد محمد الصدر والحزب الوطني مسنود من قبل الشيخ مهدي الخالصي وبين الرجلين صراع لا ينتهي.



في المقابل شكل السنة حزبا واحدا مسنودا من قبل النقيب وهو الحزب الحر وكان الحزب معتدلا ويحظى برضا الانكليز حتى.



عقدة المعارضة لدى الشيعة لا تنتهي فبعد ان حرموا ابناء جلدتهم من تولي عرش العراق وجاؤا بفيصل ملكا عليهم، عادوا ليعارضوه رغم ان فيصل كان رقيقا معهم وحتى في احلك الظروف، نشير هنا الى حادثة مرض الملك الشهيرة في اليوم الثاني من حفل التتويج بعد ان قرر الاطباء اجراء عملية استئصال الزائدة الدودية طلب كوكس مقابلة الملك قبل العملية بدقائق وكان يحمل امرا يريد من الملك توقيعة وهو القاء القبض على سبعة من القادة المعارضين ونفيهم، وكلهم طبعا من الشيعة، لكن فيصل رفض ذلك بشدة ولم يسمح به وقال "هل تريدني ان انفي ابناء البلد ويكون ذلك اخر اعمالي لا والله لن افعل"، وبعد انتهاء العملية كتب محمد الخالصي يقول ان الملك تمارض ولزم الفراش واظهر انه يشارف على الموت وكنت أحس من وراء ذلك الشر واعتقد ان فيصل مريض الدين والوجدان والحمية لا مريض البدن.

دعا الملك فيصل الى اجراء انتخابات لاختيار مجلس نواب تكون له السلطة التشريعية في البلد لكن مراجع الدين عارضوا الانتخابات حتى وصل الامر ان اية الله السيد ابو الحسن الاصفهاني افتى بان من انتخب حرمت عليه زوجته وزيارته و لايجوز رد السلام عليه ولا يدخل حمام المسلمين.



فما بال الشيعة يستنكرون على هيئة علماء المسلمين مقاطعة الانتخابات في عام 2004.

وعودة على قضية وزارة المعارف، فعندما تشكلت وزارة عبد المحسن السعدون كلف عبد الحسين الجلبي لهذه الوزارة، لكن استنكارا شديدا جابه هذا الامر في الكاظمية واخذ الناس يشتمون الجلبي ويذمونه ذما قبيحا حتى وصل الامر انهم منعوه من المرور بالصحن الكاظمي وكادت ان تقع فتنة.



يذكر علي الوردي مشهدا مهما يصف فيه الشيعة وعلمائهم، يقول حينما توفا الله الشيخ مهدي الخالصي في ايران بالسكتة القلبية وصل الخبر الى الكاظمية وكنت حينها في سن الثانية عشر واذكر ان الناس كانوا يتحدثون عن نفي الخالصي وموته ويشبهونه بمقتل الحسين فكانوا يقولون ان يزيد ابن معاوية هو اليوم جورج الخامس وعبيد الله بن زياد هو الملك فيصل وعمر بن سعد هو عبد المحسن السعدون اما شمر بن ذي الجوشن فهو عبد الرزاق الفضلي، ونسي الناس ان يذكروا انهم هم انفسهم اهل الكوفة.



حادثة تاريخية مهمة تشابه عملية ضلوع ابناء المراجع بالجرائم وفي الاماكن المقدسة، كما جرى لمجيد الخوئي ومقتدى الصدر، فحينما دعا الملك فيصل لاجراء الانتخابات عام1922 رفض المرجع الشيعي الكبير مهدي الخالصي هذه الانتخابات واخذ يلصق الفتاوى على باب الصحن الكاظمي، ومع ابلاغ الحكومة له بعدم التحريض ضد الانتخابات اصر على ذلك فوضعت الحكومة شرطيا على باب الصحن الكاظمي فجاء الشيخ حسن الخالصي ابن الشيخ مهدي الخالصي ليعلق الفتوى عنوة فرفض الشرطي فما كان من الشيخ حسن الخالصي الا ان صرخ بوجه الشرطي انت كافر ويهودي -هكذا ببساطة كفر الرجل واعتبره يهودي-، وتجمهر الناس ليمسكوا بالشرطي ويدخلوه الى الصحن الكاظمي ويطرحوه ارضا فاخرج حسن الخالصي سكينه ليقتل الشرطي لكنه باغته وهرب.



عموما، فقد واجه العلماء المنفيون او الذين نفوا انفسهم في ايران عاملة كانت على النقيض مما كانوا يلاقونه في العراق، ولعب العامل الاقتصادي دوره حيث شعر كل من النائيني والاصفهاني بالحرج الشديد ووصفا انفسهما بالمفلسين في رسائل الى وكلائهم في النجف يطلبون فيها بيع بعض ممتلكاتهما لتمشية امورهما خاصة وانهما استشعرا حصارا شديدا من قبل الحوزة في قم.

هذا في وقت نشب فيه خلاف بين الخالصي والمجتهدين الاخرين، وقيل ان الخالصي اصدر بعد وصوله الى ايران فتوى قضى بموجبها بأن جزءا من الخمس الذي يخصصه الاتقياء الشيعة للخدمات الدينية العامة وللسادة ينبغي ان يدفع الان الى الحكومة الايرانية لتمكينها من تعزيز قواتها المسلحة، كما دعا الخالصي الى تخصيص العوائد المتحققة من وقف ضريحي الكاظمين ومشهد لنفس الغرض، ولاقت فتوى الخالصي التي ربما كانت موجهة لاستهلاك الحكومة الايرانية رفض المجتهدين الاخرين لان تنفيذها كان يعني توجيه ضربة لمصادر دخلهم ذاتها ومصادر دخل العتبات المقدسة وذهب النائيني الى حد القول ان نية الخالصي كانت، على ما يبدو، العمل ضد مباديء الاسلام، كما يذكر اسحق النقاش في كتاب شيعة العراق.



ومما جرته الحركة الاعتراضية للعلماء الذين نفوا انفسهم الى ايران تهديد مراكزهم في النجف كمرشحين لقيادة الحوزة العلمية حيث اخذ مجتهدون اخرون يحتلون مواقعهم بوتيرة متسارعة، ويبدو ان فيروز ابادي الذي بقي في النجف كان يعد العدة من اجل الاعتراف به مجتهدا اكبر.



وبعد فترة مديدة من المفاوضات بين الحكومة والمجتهدين التي كان الهدف منها احراج المجتهدين والانتقاص من منزلتهم بين اتباعهم الشيعة، سمح للمجتهدين بالعودة الى العراق في نيسان 1924 وفي ذلك الوقت كان الخالصي قد توفي على اثر جلطة دماغية، وانتخابات الجمعية التأسيسية انجزت والمعاهدة الانكلو-عراقية صدقت، وكان لابعاد الخالصي ورحيل كبار المجتهدين الى ايران، اثار عميقة على المجتمع الشيعي العراقي والعلاقة بين الدين والدولة في العراق، واظهر للناس لاول مرة ان لديهم حكومة تستطيع العمل بقوة وفاعلية وبمبادرتها الخاصة.



استجابت الحكومة الى طلب المراجع ووافقت على عودتهم الى العراق شريطة ان لا يتدخلوا في السياسة، ووافقوا مرغمين ولكن بعد خراب البصرة، وعبثا حاول الشيعة في السنوات التالية اللحاق بقطار السياسة من دون اصابة الكثير من النجاح.



تأليف / سيف الخياط







 
قديم 28-01-07, 11:12 PM   رقم المشاركة : 2
حفيدة الصحابة
عضو ذهبي






حفيدة الصحابة غير متصل

حفيدة الصحابة


للرفع موضوع جدير بالقراءة
بارك الله فيك اخي المرسال

ارجو منك نقل بقية فصول الكتاب فهو رائع وفقك الله







التوقيع :
جاء في كتاب ( الحيوان ) لمؤلفه ( الجاحظ ) ..
قال كان عندنا جار شيعي أحمق .. كلما مررنا به شتم ولعن ( طلحة ) .. فسألته يوما : أنت تشتم طلحة فهل تعرف من طلحة ؟
قال نعم .. طلحة امرأة الزبير .. !!
من مواضيعي في المنتدى
»» استشكل علي لفظ ( ولي) في هاتين الحالتين؟ من يفسر لي المعنى؟
»» هل حقا ما سمعت بوفاة السيستاني لكن لم يعلن عنه؟؟؟
»» انا لا أرى الردود الجديدة
»» اشكل علي لفظ ولي في هذه الحالتين من يساعدني من الرافضة في حله؟
»» إني داعية فأمنوا............!!
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:30 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "