قال الامام ابو محمد ابن حزم الاندلسي الفارسي رحمه الله:
والاصل في اكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة الاسلام ان الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الامم وجلالة الخطير في انفسهم حتى انهم كانوا يسمون انفسهم الاحرار والابناء وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على ايدي العرب وكانت العرب اقل الامم عند الفرس خطراً تعاظمهم الامر وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الاسلام بالمحاربة في اوقات شتى ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق.
وكان من قائمتهم ستقادة واستاسيس والمقنع وبابك وغيرهم وقيل هؤلاء رام ذلك عمار الملقب بخداش وابو سلم السراج فراوا ان كيده على الحيلة انجع فاظهر قوم منهم الاسلام واستمالوا اهل التشيع باظهار محبة اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشناع ظلم علي رضي الله عنه ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى اخرجوهم عن الاسلام فقوم منهم ادخلوهم الى القول بان رجلاً ينتظر يدعى المهدي عنده حقيقة الدين اذ لا يجوز ان يؤخذ الدين من هؤلاء الكفار اذ نسبوا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الكفر وقوم خرجوا الى نبوة من ادعوا له النبوة وقوم سلكوا بهم المسلك الذي ذكرنا من القول بالحلول وسقوط الشرائع.
واخرون تلاعبوا فاوجبوا عليهم خمسين صلاة في كل يوم وليلة واخرون قالوا بل هي سبع عشر صلاة في كل صلاة خمسة عشر ركعة وهذا قول عبد الله بن عمرو بن الحرث الكندي قبل ان يصير خارجياً صغرياً وقد سلك هذا المسلك ايضاً عبد الله بن سبا الحميري اليهودي فانه لعنه الله اظهر الاسلام لكيد اهله فهو كان اصل اثارة الناس على عثمان رضي الله عنه واحرق علي بن ابي طالب رضي الله عنه منهم طوائف اعلنوا بالالهية.
ومن هذه الاصول الملعونة حدثت الاسماعيلية والقرامطة وهما طائفتان مجاهرتان بترك الاسلام جملة قائلتان بالمجوسية المحضة ثم مذهب مردك الموبذ الذي كان على عهد انوشروان ابن قيماد ملك الفرس وكان يقول بوجوب تاسي الناس في النساء والاموال.
قال ابو محمد فاذا بلغ الناس الى هذين الشعبين اخرجوه عن الاسلام كيف شاؤا اذ هذا هو غرضهم فقط فالله الله عباد الله اتقوا الله في انفسكم ولا يغرنكم اهل الكفر والالحاد ومن موه كلامه بغير برهان لكن بتمويهات ووعظ على خلاف ما اتاكم به كتاب ربكم وكلام نبيكم صلى الله عليه وسلم فلا خير فيما سواهما.
واعلموا ان دين الله تعالى ظاهر لا باطن فيه وجهر لا سر تحته كله برهان لا مسامحة فيه واتهموا كل من يدعوا ان يتبع بلا برهان وكل من ادعى للديانة سراً وباطناً فهي دعاوي ومخارق واعلموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتم من الشريعة كلمة فما فوقها ولا اطلع اخص الناس به من زوجة او ابنة او عم او ابن عم او صاحب على شيء من الشريعة كتمه عن الاحمر والاسود ورعاة الغنم ولا كان عنده عليه السلام سر ولا رمز ولا باطن غير ما دعي الناس كلهم اليه ولو كتمهم شيئاً لما بلغ كما امر ومن قال هذا فهو كافر فاياكم وكل قول لم يبن سبيله ولا وضح دليله ولا تعوجاً عن ما مضى عليه نبيكم صلى الله عليه وسلم واصحابه رضي الله عنهم.
المصدر كتاب (الفصل في الملل والأهواء والنحل)