الحمد لله رب العالمين :
يقول الحق تبارك وتعالى :
( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى )
قال ابن كثير رحمه الله :
قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَلَسَوْفَ يُرْضِي" أَيْ وَلَسَوْفَ يَرْضَى مَنْ اِتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَات وَقَدْ ذَكَرَ غَيْر وَاحِد مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَات نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَتَّى إِنَّ بَعْضهمْ حَكَى الْإِجْمَاع مِنْ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا شَكّ أَنَّهُ دَاخِل فِيهَا وَأَوْلَى الْأُمَّة بِعُمُومِهَا فَإِنَّ لَفْظهَا لَفْظ الْعُمُوم وَهُوَ قَوْله تَعَالَى " وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَاله يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْده مِنْ نِعْمَة تُجْزَى" وَلَكِنَّهُ مُقَدَّم الْأُمَّة وَسَابِقهمْ فِي جَمِيع هَذِهِ الْأَوْصَاف وَسَائِر الْأَوْصَاف الْحَمِيدَة فَإِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا تَقِيًّا كَرِيمًا جَوَادًا بَذَّالًا لِأَمْوَالِهِ فِي طَاعَة مَوْلَاهُ وَنُصْرَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَمْ مِنْ دَرَاهِم وَدَنَانِير بَذَلَهَا اِبْتِغَاء وَجْه رَبّه الْكَرِيم وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاس عِنْده مِنَّة يَحْتَاج إِلَى أَنْ يُكَافِئهُ بِهَا وَلَكِنْ كَانَ فَضْله وَإِحْسَانه عَلَى السَّادَات وَالرُّؤَسَاء مِنْ سَائِر الْقَبَائِل وَلِهَذَا قَالَ لَهُ عُرْوَة بْن مَسْعُود وَهُوَ سَيِّد ثَقِيف يَوْم صُلْح الْحُدَيْبِيَة أَمَا وَاَللَّه لَوْلَا يَد لَك عِنْدِي لَمْ أَجْزِك بِهَا لَأَجَبْتُك وَكَانَ الصِّدِّيق قَدْ أَغْلَظَ لَهُ فِي الْمَقَالَة فَإِذَا كَانَ هَذَا حَاله مَعَ سَادَات الْعَرَب وَرُؤَسَاء الْقَبَائِل فَكَيْفَ بِمَنْ عَدَاهُمْ ؟ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَمَا لِأَحَدٍ عِنْده مِنْ نِعْمَة تُجْزَى إِلَّا اِبْتِغَاء وَجْه رَبّه الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل اللَّه دَعَتْهُ خَزَنَة الْجَنَّة يَا عَبْد اللَّه هَذَا خَيْر " فَقَالَ أَبُو بَكْر يَا رَسُول اللَّه مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْهَا ضَرُورَة فَهَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلّهَا أَحَد ؟ قَالَ " نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُون مِنْهُمْ "
أقول تقي الدين السني :
أجمع المفسرون قاطبة على نزول هذه الأية في الصديق رضي الله تعالى عنه وارضاه ولم تنزل في احد غيره فرضي الله عن الصديق هذا الله تبارك وتعالى يخبره أنه في الجنه بعيدا كل البعد عن نار جهنم ..
وقال القرطبي رحمه الله :
قوله تعالى : (الأتقى ) قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ أَبُو بَكْر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُزَحْزَح عَنْ دُخُول النَّار .
وقوله تعالى : ( وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ) .
أَيْ لَيْسَ يَتَصَدَّق لِيُجَازَى عَلَى نِعْمَة , إِنَّمَا يَبْتَغِي وَجْه رَبّه الْأَعْلَى , أَيْ الْمُتَعَالِي " وَلَسَوْفَ يَرْضَى " أَيْ بِالْجَزَاءِ . فَرَوَى عَطَاء وَالضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : عَذَّبَ الْمُشْرِكُونَ بِلَالًا , وَبِلَال يَقُول أَحَد أَحَد فَمَرَّ بِهِ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : [ أَحَد - يَعْنِي اللَّه تَعَالَى - يُنْجِيك ] ثُمَّ قَالَ لِأَبِي بَكْر : [ يَا أَبَا بَكْر إِنَّ بِلَالًا يُعَذَّب فِي اللَّه ] فَعَرَفَ أَبُو بَكْر الَّذِي يُرِيد رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْصَرَفَ إِلَى مَنْزِله , فَأَخَذَ رِطْلًا مِنْ ذَهَبٍ , وَمَضَى بِهِ إِلَى أُمَيَّة بْن خَلَف , فَقَالَ لَهُ : أَتَبِيعُنِي بِلَالًا ؟ قَالَ : نَعَمْ فَاشْتَرَاهُ فَأَعْتَقَهُ . فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : مَا أَعْتَقَهُ أَبُو بَكْر إِلَّا لِيَدٍ كَانَتْ لَهُ عِنْده فَنَزَلَتْ " وَمَا لِأَحَدٍ عِنْده " أَيْ عِنْد أَبِي بَكْر " مِنْ نِعْمَة " , أَيْ مِنْ يَد وَمِنَّة , " تُجْزَى " بَلْ " اِبْتِغَاء " بِمَا فَعَلَ " وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى " . وَقِيلَ : اِشْتَرَى أَبُو بَكْر مِنْ أُمَيَّة وَأُبَيّ بْن خَلَف بِلَالًا , بِبُرْدَةٍ وَعَشْر أَوَاقٍ , فَأَعْتَقَهُ لِلَّهِ , فَنَزَلَتْ : " إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى " [ اللَّيْل : 4 ] . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : بَلَغَنِي أَنَّ أُمَيَّة بْن خَلَف قَالَ لِأَبِي بَكْر حِين قَالَ لَهُ أَبُو بَكْر : أَتَبِيعُنِيهِ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ , أَبِيعُهُ بِنِسْطَاس , وَكَانَ نِسْطَاس عَبْدًا لِأَبِي بَكْر , صَاحِب عَشْرَة آلَاف دِينَار وَغِلْمَان وَجِوَار وَمَوَاشٍ , وَكَانَ مُشْرِكًا , فَحَمَلَهُ أَبُو بَكْر عَلَى الْإِسْلَام , عَلَى أَنْ يَكُون لَهُ مَاله , فَأَبَى , فَبَاعَهُ أَبُو بَكْر بِهِ . فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : مَا فَعَلَ أَبُو بَكْر بِبِلَالٍ هَذَا إِلَّا لِيَدٍ كَانَتْ لِبِلَالٍ عِنْده فَنَزَلَتْ " وَمَا لِأَحَدٍ عِنْده مِنْ نِعْمَة تُجْزَى . إِلَّا اِبْتِغَاء " أَيْ لَكِنْ اِبْتِغَاء فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع فَلِذَلِكَ نُصِبَتْ . كَقَوْلِك : مَا فِي الدَّار أَحَد إِلَّا حِمَارًا . وَيَجُوز الرَّفْع . وَقَرَأَ يَحْيَى بْن وَثَّاب " إِلَّا اِبْتِغَاءُ وَجْه رَبّه " بِالرَّفْعِ , عَلَى لُغَة مَنْ يَقُول : يَجُوز الرَّفْع فِي الْمُسْتَثْنَى . وَأَنْشَدَ فِي اللُّغَتَيْنِ قَوْل بِشْر بْن أَبِي خَازِم : أَضْحَتْ خَلَاءً قِفَارًا لَا أَنِيسَ بِهَا إِلَّا الْجَآذِرُ وَالظُّلْمَانُ تَخْتَلِفُ وَقَوْل الْقَائِل : وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ وَفِي التَّنْزِيل : " مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ " [ النِّسَاء : 66 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ .
قوله تعالى : (إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى) .
أَيْ مَرْضَاته وَمَا يُقَرِّب مِنْهُ . و " الْأَعْلَى " مِنْ نَعْت الرَّبّ الَّذِي اِسْتَحَقَّ صِفَات الْعُلُوّ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " اِبْتِغَاء وَجْه رَبّه " مَفْعُولًا لَهُ عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : لَا يُؤْتِي مَاله إِلَّا اِبْتِغَاء وَجْه رَبّه , لَا لِمُكَافَأَةِ نِعْمَته .
قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يَرْضَى) .
أَيْ سَوْفَ يُعْطِيهِ فِي الْجَنَّة مَا يُرْضِي وَذَلِكَ أَنَّهُ يُعْطِيهِ أَضْعَاف مَا أَنْفَقَ .
وَرَوَى أَبُو حَيَّان التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : [ رَحِمَ اللَّه أَبَا بَكْر زَوَّجَنِي اِبْنَته , وَحَمَلَنِي إِلَى دَار الْهِجْرَة , وَأَعْتَقَ بِلَالًا مِنْ مَالِهِ ] . وَلَمَّا اِشْتَرَاهُ أَبُو بَكْر قَالَ لَهُ بِلَال : هَلْ اِشْتَرَيْتنِي لِعَمَلِك أَوْ لِعَمَلِ اللَّه ؟ قَالَ : بَلْ لِعَمَلِ اللَّه قَالَ : فَذَرْنِي وَعَمَل اللَّه , فَأَعْتَقَهُ . وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُول : أَبُو بَكْر سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بِلَالًا - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .
وَالْأَكْثَر أَنَّ السُّورَة نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وَغَيْرهمْ . وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرًا آخَر لِأَبِي الدَّحْدَاح فِي سُورَة " الْبَقَرَة " , عِنْد قَوْله : " مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا "
أقول تقي الدين السني :
ما أوهن ججج الرافضة وما اضعفها يحاولون جاهدين تحريف الأية الي غير منزلها ويقولون أنها لم تنزل في الصديق رضي الله تعالى عنه ولكن يأبى الله ورسوله والمؤمنون الا ابا بكر واظهار الحق في كتاب الله تبارك وتعالى فسبحان الله نزلت في الصديق وهو معتق من النار فأين أنتم ايها القوم من هذا الفضل العظيم ؟؟
وفي تفسير الطبري رحمه الله :
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الْأَنْمَاطِيّ , قَالَ : ثَنَا هَارُون بْن مَعْرُوف . قَالَ : ثَنَا بِشْر بْن السُّرِّيّ , قَالَ : ثَنَا مُصْعَب بْن ثَابِت , عَنْ عَامِر بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق : { وَمَا لِأَحَدٍ عِنْده مِنْ نِعْمَة تُجْزَى إِلَّا اِبْتِغَاء وَجْه رَبّه الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى } .
حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله { وَمَا لِأَحَدٍ عِنْده مِنْ نِعْمَة تُجْزَى } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْر , أَعْتَقَ نَاسًا لَمْ يَلْتَمِس مِنْهُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا , سِتَّة أَوْ سَبْعَة , مِنْهُمْ بِلَال , وَعَامِر بْن فُهَيْرَة .
أقول تقي الدين السني :
ما قال الرافضة الا بهتانا عظيما فليسوا يعرفون من الاسلام الا اسمه ويبنون حججهم على بيت العنكبوت وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت فقبح الله المنافقين الرافضة فرضي الله ورسوله ابا بكر وحقت له الجنه ورضى الله تعالى عنه .
ولا عزاء للرافضة
كتبه /
تقي الدين السني
2 من رمضان