بسم الله الرحمن الرحيم
عندما تقولين علمنا فلسفه ودين غير الدين فقد رددت على ذلك كثيراً.. ولكن لا مانع من القول مجدداً
إن الله سبحانه وتعالى حين أنزل القرآن على نبيه نزولا ً ووحيا ً عن طريق روحه جبريل عليه السلام ، لم يكن ضمنه علوم الكون والأفلاك وخفايا علوم الوجود المختلفة ولا تفاصيل خلق الكون والفيض أو الانبعاث أو التسلسل ،
إذ أنزله ليهدي الناس به ويخرجهم من الظلمات إلى النور ،كحالة تصحيحية لمسار خاطئ ،
وللقرآن الكريم توجيها ً واحد ومحدداً ،هو هداية الناس إلى ربهم وخالقهم ، فهو ليس كتاب علوم فيزيائية أو فلكية أوغيره ،وإن أتى بإشارات وتلميحات نعتبرها نحن مفاتيح لعلوم جهلها من جهل وعلمها من علم ،
وماكان إلا كتاب هدى وتشريعا منه سبحانه وتعالى للعباد ليستقوا منه علم دينهم وليحتجوا به حين حاجتهم إلى ذلك فيما تنازعوا فيه وليُرجعوا أمور دينهم إليه ،
وهو ،أي القرآن الكريم كتاب تشريعي هاد ٍ إلى سواء السبيل ، يختص بالدين وكل مايتعلق به ،
اليوم أكملت لكم دينكم ،
ولم يقل اليوم أكملت لكم علمكم ، بل قال وماأوتيتم من العلم إلا قليلا ـ
وقل ربي زدني علما
ومن هذا المنطق والمُنطلق نقول :
بأن الإسماعيلية السليمانية خصوصا ً لها مالها من رؤى وتصورات وأفكار حول الوجود والكون والأفلاك والبدايات للتكوين ، أستقته من :
أولا ً الكتاب الذي أتى بمفاتيح بعض العلوم ،
ثانيا ً من السنة التي أتت أيضا ً ببعض إشارات ،
ثالثا ً من علم أئمة الهدى ممن ألهموا وهدوا إليه
رابعا ً من النظر والتأمل والتدبر في خلق الله والوجود ،
الَّذِينَيَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ
وَيَتَفَكَّرُونَفِيخَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ،
فكـُشف لها ماكُشف من معارف جما وعلوم شتى وفيض عظيم سمت به نحو العروج إلى عوالم المعرفة الدافقة والحقيقة الواضحة ،
فغرفت مماأستطاعت إلى ذلك سبيلا ،
فكانت من أصحاب أعراف الدنيا ،عين في عالم الروح وعين في عالم المادة ، فترى كلا العالمين من منظور معرفي ،مما أهلها إلى أن تنقل للناس مما علمته علما ً مفصلا ،
ولكنها لما خشيت من وقوع هذا العلم في يد السفهاء من الناس لعدم معرفتهم به ولعدم تداولهم له ، كتمت وسترت ،
فشاءَ المولى أن يظهره للعامة من الناس.... ففهمهُ من فهم وأنكره من أنكر ،
و ما أنكره إلا المبطلون ،
مع كونها لاتـُلزم أحدا ً بما وصل إليه علمها ، كونه علم غيبي من بعض علم الله الواسع الخاص الذي لاتدين الله ببعضه كدين مُشرَع مُنَزل كونه لم يُلزم به المسلم في كتاب أو في سنة ،
ومادليل ذلك إلا أولئك الكثرة ممن يعتنقون المذهب وهم لايفقهون هذه العلوم وخفاياها وأسرارها ولا يكلـَفون بمعرفتها ،
مع أداءهم التام لجميع الفرائض والواجبات التي أتى بها كتاب الله وسنة رسوله وهم في هذا كغيرهم من المسلمين،
ومما يجب علينا هنا أن نقوله كإسماعيلية سليمانية لكل سائل يسأل عن مذهبنا ، فنقول :
أن الدين كله بأوامره ونواهيه وتعاليمه أتى مفصلا ً في كتاب الله وسنة رسوله ونحن لا ننفك عن هذا ولا نحيد ولا ننقص أو نزيد ومن قال بغير هذا فقد كفر وخرج من الملة ،
ولكننا مع ماسبق نقول بأن هذه العلوم التي كشفت لنا وتلبسناها ماهي إلا نتيجة لتدبر وتفكر وتأمل واستكشاف لما خلق الله في كونه الواسع فمن شاء فليتلقفها ومن شاء فليعرض عنها ،
كما أننا لا نلزم أحدا ً بما علمنا لجهله لما عرفنا ،
ونرى أنها أي هذه العلوم كتاباً منظوراً غير مسطور ولا مُنزل،
فسطرناه نحن في كتب من ورق بعد أن عقلناه ووعيناه ليقرءاه من شاء إلى ذلك سبيلا ،
،
ونحن هنا إذ نقرر بأن علومنا كلها التي قد وردت في غير دعائم الإسلام مثلا أو صحيفة الصلاة ...
ماهي إلا علوم قطفناها من شجرة العلم الوارفة التي أنبتها الله نباتا ً حسنا،
ولا من منكر أنها قد أتت أكلها للبشرية جمعا من خلال اقتطاف بعضها من قبل علماء الغرب ،
فهم قد عرفوا قيمتها وقدرها فقدروها حق قدرها ، واستفادوا منها فبنوا على أسها حضارة .....
وما رسائل أخوان الصفاء إلا خيردليل على قولي هذا ،
ولكنهم لم ينسبو الحق لأصحابه بل نسبوه إلى أنفسهم ظلما ً وعدوانا ً ،وهذا القول لا أورده تجنيا ً أو أنشاء بغير دليل بل سأتي بدليله في موضوع مستقل إن شاء الله،
ونحن إذ نشبه أنفسنا مع من ينازعنا المعرفة ، بقوم دخلوا بستانا ً فيه من كل الأشجار المثمرة ومن الأنهار مالا عين رأت ولا أذن سمعت ،
فقام البعض منهم فأكل وشرب وقضوا حاجة أنفسهم منه في مدتهم ، ، وآخرين تعلموا كيف يزرعون ويحصدون خوفا ً من نفاذ مافي البستان ليقوا أنفسهم مآل الغيب ، وقوم زادوا على هولاء وأولئك بأن علموا كل خفية ٍ تتعلق بالبستان من نبات وزروع ومياه وتربة كما مساحته ومناخه ومتى أنشئ وكم هي مقادير أعمار أشجاره وغيرها ممايتعلق بالبستان ، فخاض القوم يوما ً نزاعا ً مع بعضهم كل ُ ُ يدعي معرفته بالبستان وعلمه به ، فكان منهم من لايعلم منه إلا الأكل والشرب والمذاق ، وأخرون أدعو علمهم بزراعة أشجاره وكيفية الحفاظ عليها ، وأما الصنف الثالث فكان في الطليعة لمعرفتهم بكل مايختص بالبستان فكانوا هم الفائزون ،
وأقول إذ أقول:
بأن الطائفة الإسماعيلية الحنيفية لاتنظر إلى الوجود على أنه كون متناثر لاعلاقة لبعضه ببعض ،
بل أنها ترى و تتدبر في كل جزء من مكوناته فتربطه ببعضه وتفسر العلاقة بين كل جزء وآخر، لأنها تراه كالجسد الواحد الذي يشد بعضه بعضا
فمثلاً ،
لاتنظر كما ينظر البعض إلى أن السموات الطباق على أنها لها سقفا مادية
،أكرر سقفا مادية ،
إذ من غير المعقول أن الله سبحانه وتعالى يقول أنه سخر لنا مافي السموات والأرض ومابينهما وهو يحجب عنا سمواته التي سخرها لنا بسُقف ٍ مادية فما نرى منها إلا واحدة!
فأنت إذا ما وهبت شخصا ً ما بيتا له من الغرف سبعا ً ثم أغلقت عنه ستاً واحتفظت بمفاتيحها لديك ثم قلت له أني وهبتك سبع غرف ٍ فافعل بها ماتشاء وتمتع ،
فقل لي كيف يتمتع بها وأنت من قد أغلق عليه منها ما أغلق ؟
المنيب