عرض مشاركة واحدة
قديم 07-10-09, 06:43 PM   رقم المشاركة : 2
الشريف الحنبلي
متى عيوني ترى عيون غاليها ؟





الشريف الحنبلي غير متصل

الشريف الحنبلي is on a distinguished road


قراءة نقدية في أشهر الكتب المؤلفة في فضائل آل البيت ( 2 )

قراءة نقدية في كتاب «ذخائر العُقْبى في مناقب ذوي القُرْبَى»

تأليف أبي العبَّاس أحمد بن محمد المحبّ الطَّبريِّ (ت 694هـ)



تحقيق: أكرم البوشي


يعدُّ كتاب المحبِّ الطَّبريِّ من أشهر كتب أهل السُّنَّة المصنَّفة في فضائل أهل بيت النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم ، وقد أفاد منه الحافظ السَّخَاويُّ في كتابه في الأشراف، المسمَّى «استجلاب ارتقاء الغُرَف»، كما أشار إليه في مقدِّمته (1/223)، بتحقيقي.
وقد قسَّمه المحبُّ إلى قسمين:
القسم الأول: وذكر فيه ما جاء في ذكر القرابة على وجه العموم والإجمال؛ وفيه تسعة أبواب.
القسم الثاني: وذكر فيه مناقب القرابة على وجه التفصيل، وفيه عدة أبواب، وفي كلِّ باب عدة فصول.
* وأبرز ما يُنتقد به المحبُّ الطَّبريُّ في كتابه أمور:
أولها: إيراده لكثير من الأحاديث الموضوعة والواهية والمنكرة، دون التنبيه على ضعفها أو وضعها، وقد أشار السَّخَاويُّ في مقدِّمة «الارتقاء» إلى ذلك، وَوَصَفَ المحبَّ بالتَّسامح والتَّساهل في إيراد الأحاديث، وأورد كلام شيخه الحافظ ابن حجر في حقِّ المحبِّ الطَّبريِّ: «إنه كثير الوهم في عزوه للحديث ونقله».
وقد سبقه إلى ذلك الحافظُ تقيُّ الدِّين الفاسيُّ المكيُّ في كتابه «العقد الثَّمين في تاريخ البلد الأمين» (3/316) في ترجمة المحبِّ الطبريِّ المكيِّ، إذ يقول ما نصُّه:
«وله تواليف حسنة في فنون من العلم؛ إلا أنه وقع له في بعض كتبه الحديثية شيء لا يستحسن، وهو أنه ضمّنها أحاديث ضعيفة وموضوعة في فضائل الأعمال، وفضائل الصَّحابة رضي الله عنهم، من غير تنبيهٍ على ذلك، ولا ذَكَرَ إسنادها ليُعْلم منه حالها. وغاية ما صنع أن يقول: أخرجه فلان، ويُسمِّي الطَّبرانيَّ مثلاً أو غيره من مؤلِّفي الكتب التي أخرج منها الحديث المشار إليه.
وكان من حقِّه أن يخرِّج الحديثَ بسنده في الكتاب الذي أخرجه منه، ليسلمَ بذلك من الانتقاد كما سَلِمَ به مؤلفُ الكتاب الذي أخرج منه المحبُّ الطَّبريُّ الحديثَ الذي خرَّجه.
أو يقول: أخرجه الطَّبرانيُّ - مثلاً - بسندٍ ضعيفٍ، كما صَنَعَ غيرُ واحدٍ من المحدِّثين في بيان حكم سند الحديث الذي يريدون إخراجه.أو ذكره بإسنادِ المؤلِّف الذي يخرِّجونه من كتابه» اهـ كلام الفاسي.
وممن أشار إلى كثرة إيراد المحبِّ الطَّبريِّ الموضوع والواهي؛ العلاَّمة صديق حسن خان في كتابه «الدِّين الخالص» (3/316)، فقد ذكر كتاب «ذخائر العقبى» ، وكتاب «نزل الأبرار» للبدخشاني - وسيأتي الكلام عليه في مبحث لاحق -، ونبَّه إلى ضرورة تصفيتهما من الرِّوايات الواهية بقوله:
« ... فما أحقّهما بأن يُجرَّدا عن الضِّعاف وما في معناها، ويُقتصر فيهما على الرِّوايات الصَّحيحة اللائقة بالاحتجاج! وهي أيضاً على قدر الكفاية، فأي حاجة معا إلى ما لا يبلغ مداها ... والصَّباح يُغني عن المصباح، والحقُّ أبلج، والباطل لجلج».
وقد أشار كذلك إلى رواية المحبِّ للضِّعاف والمناكير، محقق كتاب «الرِّياض النَّضرة في مناقب العشرة» (ص90-91).
* وهذه أمثلة لتلك الأحاديث الموضوعة:
1 - حديث أنس t قال: كنت عند النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم فرأى عليًّا مقبلاً فقال: «يا أنس! قلت: لبيك. قال: هذا المقبل حجَّتي على أُمَّتي يوم القيامة». (ص373) وعزاه للنَّقَّاش.
وهو حديث موضوع، آفته مطر بن أبي مطر.
- راجع: «الموضوعات» (2/161 - رقم 171)، و«اللآلىء المصنوعة» (1/366)، و«تنزيه الشريعة» (1/360)، و«الفوائد المجموعة» (ص373).
2 - حديث عليٍّ رضي الله عنه مرفوعاً: «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذّرّيتي، والقاضي لهم حوائجهم، والسَّاعي في أُمورهم عند اضطرارهم إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه». (ص50) معزواً للإمام علي بن موسى الرِّضا.
وهو حديث موضوع، آفته عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، وهو كذَّاب.
وقد أورده السَّخَاويُّ في «استجلاب ارتقاء الغُرف» بتحقيقي، برقم (288) وقال: «ضعيف جدًّا». مع أنه أورد قبله حديثاً برقم (286) فيه الطائي المذكور فقال: «وفيه عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، وهو كذَّاب». وانظر: «الفوائد المجموعة» (ص397) وحَكَمَ عليه بالوضع.
3 - حديث أبي هريرة t: «تبعث الأنبياء على الدَّوابِّ، ويحشر صالح على ناقته، ويحشر ابنا فاطمة على ناقتي العضْباء والقصْواء، وأُحشر أنا على البراق، خطوها عند أقصى طرفها، ويحشر بلال على ناقة من نوق الجنَّة». (ص234) وعزاه للحافظ السِّلَفيّ.
وهو حديثٌ موضوعٌ.
قال ابن الجوزي في «الموضوعات»: (3/566): «هذا حديث موضوع على رسول الله ^».
وقال الذَّهبيُّ في «ترتيبها» رقم (1120): «إسناده مظلم، ما أدري من وضعه؟ تعلَّق فيه ابن الجوزيِّ على أبي صالح كاتب الليث».
4 - حديث عليٍّ رضي الله عنه مرفوعاً: «إذا كان يوم القيامة كنت أنت وولدك على خيل بُلْق متوَّجة بالدُّر والياقوت، فيأمر الله بكم إلى الجنَّة والنَّاس ينظرون». (ص234) وعزاه لعليِّ بن موسى الرِّضا.
ولم أقف عليه، وآثار الوضع عليه ظاهرة، والله تعالى أعلم.
والعجب من المحبِّ الطَّبريِّ أنه حاول الجمع بين الحديثين بقوله: «ولا تضادد بينه وبين حشرهم على العَضْباء والقَصْواء، إذ يكون الحشر أولاً عليها، ثم ينتقلون إلى الخيل، أو يحمل ولده على غير الحسن والحسين منهم» اهـ.
وكان الأجدر أن ينظر في إسناد الحديثين، ويتكلَّم عن رجالهما.
5 - ذكر المحبُّ عدة أحاديث موضوعة جاءت في مقتل الحسين t وما تبع ذلك، منها:
( أ ) عن أبي محمد الهلالي - وعزاه لمنصور بن عمَّار، والملاء - قال:
«شَرِكَ منا رجلان في دم الحسين بن علي - رضي الله عنهما -، فأمَّا أحدهما فابتُلي بالعطش، فكان لو شرب راويةً ما روي. قال: وأمَّا الآخر فابتُلي بطول ذَكَرِهِ، فكان إذا ركب الفرس يلويه على عنقه كأنه جبل!». (ص247).
وعدَّ المحبُّ هذا الخبر من الكرامات والآيات التي ظهرت لمقتل الحسين!
( ب ) عن نضرة الأزدية قالت: «لمَّا قُتل الحسين بن علي أمطرت السَّماء دماً! فأصبحنا وجِبابُنا وجرارُنا مملؤة دماً!». (ص248).
( ج ) عن جعفر بن سليمان قال: حدَّثتني خالتي أُمُّ سالمٍ قالت:
لمَّا قُتل الحسين مُطرنا مطراً كالدَّم على البيوت والجُدُرِ! قالت: وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة! (ص249) وعزاه لابن بنت منيع.
قلتُ: أكثر هذه الرِّوايات والأخبار من وضع الرَّافضة ومبالغاتهم، كما صرَّح به الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (8/203) إذ يقول:
«ولقد بالغ الشِّيعة في يوم عاشوراء، فوضعوا أحاديث كثيرة كذباً فاحشاً، من كون الشَّمس كسفت يومئذ حتى بدت النُّجوم، وما رُفع يومئذ حجرٌ إلا وُجِدَ تحته دم، وأنَّ أرجاء السَّماء احمرّت، وأنَّ الشَّمس كانت تطلع وشعاعها كالدَّم، وصارت السَّماء كأنها عَلَقة، وأنَّ الكواكب ضرب بعضها بعضاً. وأمطرت السَّماء دماً أحمر، وأنَّ الحُمْرة لم تكن في السَّماء قبل يومئذ، ونحو ذلك» ... إلى أنْ قال - رحمه الله -:
« ... إلى غير ذلك من الأكاذيب والأحاديث الموضوعة التي لا يصحّ منها شيء ».
وقال - أيضاً - في هذا السِّياق مختتماً كلامه: «وللشِّيعة الرَّافضة في صفة مصرع الحسين كذبٌ كثيرٌ، وأخبار باطلة» اهـ.
وهناك أحاديث موضوعة أُخرى، لولا خشية الإطالة لذكرتُها، وانظر على سبيل المثال (ص30 و41 و52 و83 و95 و163 و325 و342 و343).
ثانيها: أنه أطال في بيان فضائل أعيان أهل البيت، وذكر أخبارهم، وأقوالهم؛ وشهرتهم تُغني عن كلِّ ذلك.
وخذ على سبيل المثال لا الحصر، ما ذكره المحبُّ في مناقب العبَّاس بن عبد المطلب، فقد استغرق ذلك ثلاثاً وعشرين صفحة (من 313 - 344)، على النحو التالي:
* ذكر نسبه.
* ذكر اسمه وصفته.
* ذكر شفقته على النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم في الجاهلية والإسلام.
* ذكر شهود العبَّاس رضي الله عنه بيعة العقبة مع النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم ومناصحته له وهو على دينه.
* ذكر سرور العبَّاس بفتح خيبر على النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم وشدة حزنه حين بلغه خلاف ذلك.
* ذكر ألم النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم لألم العبَّاس لمَّا شدُّوا وثاقه في الأسْر.
* ذكر إسلام العبَّاس رضي الله عنه.
* أذكار تتضمَّن نبذاً من فضائله رضي الله عنه .
* ذكر ما جاء من تعظيم النَّبيِّ له ولطفه به.
* ذكر وصفه بالجود والصلة.
* ذكر قول النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم فيه: «إنَّ عمَّ الرَّجل صنو أبيه» ، والزَّجر عن أذاه، والإيذان بأنه من النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم والنَّبيُّ منه. ... إلخ عرضه في هذا السِّياق المُسْهب.
الأمر الذي جعل الحافظ السَّخَاويَّ يقول في مقدِّمة «ارتقاء الغرف» (1/225):
«... على أنِّي لو مشيتُ في هذا المَهْيَعِ لجاء في عدّة مجلدات، فيها الكفاية والمقنع، مع بيانِ السَّمينِ من الهَزِيلِ، والثَّابتِ المَكِينِ من المُزَلْزَلِ العليلِ؛ إذ قد جمع الأئمةُ في كلٍّ من عليٍّ، والعبَّاس، والسِّبطين تصانيفَ منتشرةً في الناس. وكذا أُفرِدَتْ مناقب الزَّهراء وغيرها، ممن علا شَرَفاً وفَخْراً ؛ ولكنْ ليس غرضُ السَّائل إلا إجمال الفضائل التي يَنْدَرِجُ فيها مَنْ بعدهم، ويَبْتَهِجُ بها من جَعَلَ دَيْدَنَه حبَّ أَهْلِ البَيْتِ وودَّهم».
ثالثها: وُجِدَ من طريقة المحبِّ الطَّبريِّ في نسبة الأحاديث إلى مخرِّجيها مما يُؤخذ عليه، أنه يُوردها منسوبةً إلى غير مظانها، فقد ينسب الحديث إلى «السُّنن»، وهو في «الصَّحيحين» أو أحدهما ... وقد ينسبه إلى «المعاجم»، وهو في «السُّنن الأربعة» أو أحدها ... بل قد ينسبه إلى مصدرٍ لا يعدُّ من المصادر الحديثية، كالكتب المؤلَّفة في الصَّحابة، ويكون الحديث مرويًّا في «الصَّحيحين»، و«السُّنن» و«المسانيد»! ..... وهذا عند المحبِّ كثير.
* وإليك ثلاثة أحاديث على سبيل التمثيل:
1 - أورد (ص89) حديث: «خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ». وعزاه لابن عبد البر!
والحديث أصله في «صحيح البخاري» (6/470 - مع الفتح) - رقم (3432)، و«صحيح مسلم» (4/1886) - رقم (2430). وهو عند الترمذي (5/702) - رقم (3877)، وأحمد (1/84 و116 و132 و143 و293)، والحاكم في «المستدرك» (2/539) - رقم (3837) و(3/203) - رقم (4847)، وابن حبان في «صحيحه» (15/401 و464) - رقم (6951 و7003)، والطبراني في «المعجم الكبير» (22/402) - رقم (1004).
2 - أورد (ص94) حديث: «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: يا أهل الجمع نكِّسوا رؤوسكم، وغضُّوا أبصاركم حتى تمرَّ فاطمة بنت محمد على السِّراط». وعزاه بقوله: «خرَّجه الحافظ أبو سعيد محمد بن علي بن عمر النَّقَّاش في «فوائد العراقيين» ».
والحديث أخرجه الحاكم في «المستدرك» (3/166) - رقم (4728)، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وتعقَّبه الذَّهبيُّ بقوله: «لا والله! بل موضوع».
والطبراني في «المعجم الكبير» (1/108) - رقم (180) و(22/400) - رقم (999). وهو في «فضائل الصحابة» (2/763) - رقم (1344)، والعزو لهؤلاء الأئمة أولى.
3 - عزا في (ص299) حديث:«سيِّد الشُّهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجلٌ قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله » لابن السَّرِي!
وهو موجود في «مستدرك الحاكم» (3/215) - رقم (4884)، وكان الأولى العزو إليه.
والحمد لله ربِّ العالمين.