عرض مشاركة واحدة
قديم 30-05-09, 02:11 PM   رقم المشاركة : 3
صفوح
عضو فضي






صفوح غير متصل

صفوح is on a distinguished road


رجال الإسماعيلية قبل تأسيس الدولة :


1- ميمون القدّاح، ابن الديصان : وهو واضع دعامة المذهب الإسماعيلي الباطني، وهو فارسي. نُسِبَ إلى أحد أجداده «الديصان» الذي كان ثنوي المعتقد. ([11])


2- عبد الله بن ميمون القداح: كان مركزه السلمية من أعمال حماة في بلاد الشام ، وهو الذي ابتدع دعوة منظمة قسمها إلى سبع درجات ، زيدت بعده حتى أصبحت تسعاً في زمن الفاطميين، ولم يمت حتى راجت الدعوة الإسماعيلية في كثير من المناطق الإسلامية.


3- أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح: وكان يلقب أبا الشَّلَعْلَع (أو أبا الشلغلغ)، وكان يرأس الدعوة في بعض مدن العراق كالكوفة وبغداد، وآلت إليه الرئاسة التامة من عام 260-270هـ. ثم جاء بعده ابن أخيه عبيد الله المهدي (سعيد ابن محمد)، والذي سنتكلم عنه فيما بعد.


وأحمد هذا بعث ابن حوشب لنشر المذهب الإسماعيلي في اليمن، وبعث إليه بعد ذلك أبا عبد الله الشيعي حيث علمه ابن حوشب أصولَ المذهب، ثم أرسله إلى المغرب لنشر الدعوة هناك. ونلاحظ هنا أن دعاة الإسماعيلية كانوا يدعون لمذهبهم بعيداً عن بغداد، حاضرة الدولة العباسية، سراً حتى لا تصطدم بها في بادئ أمرها , ومن منطقة تونس -حالياً- ابتدأت الدولة االعبيدية.


حكّام العبيديين :


عبيد الله المهدي، سعيد بن محمد بن عبد الله بن ميمون القداح (ت322هـ)


وهو أول من تسلم قيادة دولة العبيديين، واسمه الأصلي سعيد، وقد دعي إلى إفريقية بعد أن لقيت الدعوة الإسماعيلية نجاحاً في اليمن بفضل ابن حوشب -كما مر قريباً-، والذي تغلب على معظم أرجائها، والذي بعث دعاته إلى اليمامة والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب، وابن حوشب هذا أرسله أبو سعيد محمد أخو أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح سنة 270هـ إلى اليمن من السلمية.


لاقى سعيد (عبيد الله) بن محمد صعوبات شتى حتى استطاع الوصول إلى رقادة عام 296هـ في رجب. فلقد سجنه اليسع بن مدارا أمير سلجلماسة. فالرشوة التي قدمها عبيد الله المهدي له لم تجد نفعاً ، وظل في سجنه حتى أطلق سراحه على يد أبي عبد الله الشيعي الذي بعثه ابن حوشب من اليمن إلى المغرب.


وعندما وصل عبيد الله إلى القيروان تلقاه أهلها بسلام الخلافة اعتقاداً منهم بأنه علوي فاطمي، ولم يلبث أن قسم رؤساء كتامة، الذين ساعدوه على إقامة دولته، أعمال هذه الدولة ، ثم دون الدواوين ، وجبى الأموال ، واستقرت قدمه في تلك البلاد.


ولم يكتف سعيد بما فعل، بل طمع بالسيطرة على مصر بعد انتصار جيوشه بالسيطرة على برقة تحت قيادة ولي عهده أبي القاسم، وحباسة بن يوسف، أحد زعماء كتامة. وقد واصلت جيوش المغرب سيرها إلى الإسكندرية، فاستولت عليها وسارت على الوجه البحري، ولكن الخليفة المقتدر العباسي بعث جيشا كبيرا مقداره أربعون ألف جندي أحل الهزيمة بالعبيديين ، وأرغموهم على العودة إلى المغرب .


وفي سنة 307هـ عاود أبو القاسم بن المهدي المحاولة مرة أخرى ، واستولى على الإسكندرية ، فأرسل الخليفة العباسي خادمه مؤنس على رأس جيش فألحق بهم الهزيمة ، وأحرق كثيراً من مراكبهم في البحر ، وأرغمهم على العودة إلى بلادهم عام 309هـ.


أما الحملة العبيدية الثالثة على مصر فظلّت -كما قيل- ثلاث سنوات (321-324هـ)، أُبرِمَت خلالها معاهدة صلح بين الفريقين سنة 323هـ ولكن لم يطل أمده، فقد انضم بعض زعماء المصريين إلى جيش المغاربة الذي دخل الإسكندرية عام 324هـ، فبعث إليهم الإخشيد جيشاً هزمهم ، فعادوا إلى بلادهم منهزمين.


أقام سعيد (عبيد الله) بن محمد بالقيروان -كحاضرة لدولته- لغاية سنة 304هـ حيث اختط مدينة المهدية جنوب القيروان، وقد ظلّت هذه المدينة آهلة بالسكان إلى سنة 543هـ حيث أرسل روجر النورماندي صاحب صقلية أحدَ قواده فاستولى عليها، وبقيت في يده إلى أن حررها عبد المؤمن سنة 555هـ.


مات سعيد (عبيد الله) سنة 322هـ وخلفه ابنه القاسم وتلقب بالقائم.


القائم والمنصور (322-341هـ) :


كان القائم، كغيره من الملوك العبيديين، ينقم على السِّنِّيين حتى إنه أمر بلعن الصحابة -رضوان الله عليهم-، وقد أثار غضب المغاربة، وخاصة الخوارج منهم الذين ثاروا على العبيديين، وكانت أشد هذه الثورات خطراً وأشدها بلاء تلك الثورة التي أشعل نارها أبو يزيد مخلد بن كيداد، والتي استمرت طوال عهد القائم ، ولم تخمد إلا في عهد ابنه المنصور.


توفي القائم في رمضان سنة 334هـ، وخلفه ابنه أبو الظاهر إسماعيل الذي تلقب بالمنصور، وكان في العشرين من عمره ، وقد اشتهر المنصور بالشجاعة ورباطة الجأش ، وباستطاعته على التأثير على نفوس سامعيه بفصاحته وبلاغته ، وقدرته على ارتجال الخطب.


وعندما مات أبوه القائم أخفى نبأ موته عن جيشه حتى لا يؤثر على حماسته في إخماد ثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد ، وقد انقطعت العلاقات بين مصر وبلاد المغرب طوال عهده، لأن همه كان هو القضاء على ثورة أبي يزيد، ثم قدر له أن يهزم جيش أبي يزيد ، وطارده إلى الصحراء وقبض عليه، ثم لما ساقه إلى المهدية مات أبو يزيد متأثراً بجراحه في محرم سنة 336هـ.


قضى المنصور البقية الباقية من خلافته في إعادة تنظيم بلاده، فأنشأ أسطولاً كبيراً، وأسس مدينة المنصورية سنة 337هـ واتخذها حاضرة لدولته ، ومنذ ذلك الحين أصبحت حاضرة العبيديين ، حكم المنصور سبع سنين وستة أيام ، ومات في يوم الجمعة في شوال سنة 341هـ وقبر بالمهدية.


المعز لدين الله (341-365هـ) :


هو معد بن إسماعيل، أبو تميم، بنى القاهرة، وهو أول من ملك الديار المصرية من الملوك العبيديين ، في عهده دانت له قبائل البربر كافة والمغرب كلّه ، فلما رأى الأمر كذلك فكّر بفتح مصر، فبعث بين يديه جوهراً الصقلي حتى أخذها من كافور الإخشيدي بعد حروب جرت بينهما، وذلك في سنة 362هـ.


وكان المعزّ ومن سبقه من خلفائهم متلبسون بالرفض ظاهراً وباطناً، كما قال القاضي الباقلاني من أن مذهبهم الكفر المحض ، وقد أورد ابن كثير -رحمه الله- في [البداية والنهاية 11/284]: «أن المعز أُحضِر بين يديه الزاهد العابد الورع الناسك التقي أبو بكر النابلسي، فقال له المعز: بلغني أنك قلتَ لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة ورميت المصريين [أي العبيديين] بسهم. فقال: ما قلتُ هذا ، فظن أنه رجع عن قوله، فقال: كيف قلتَ؟ قال: قلتُ ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر. قال: ولم ؟ قال: لأنكم غيرتم دين الأمة ، وقتلتم الصالحين ، وأطفأتم نور الإلهية ، وادعيتم ما ليس لكم.


فأمر بإشهاره في أول يوم ، ثم ضرب في اليوم الثاني بالسياط ضرباً شديداً مبرحاً، ثم أمر بسلخه في اليوم الثالث، فجيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن، قال اليهودي: فأخذتني رقة عليه، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات، رحمه الله. فكان يقال له الشهيد» أهـ


والمعز بجانب ظلمه وبطشه ورفضه كان مثقفا يجيد عدة لغات منها الطليانية والصقلية، كما عرف اللغة السودانية ، وكان ذا ولع بالعلوم ودراية بالأدب، فضلا عما عرف به من حسن التدبير وإحكام الأمور (!).


قضى المعز الشطر الأكبر من خلافته في بلاد المغرب، ولم يبق في مصر أكثر من سنتين إلا قليلاً ، وقد مات المعز في شهر ربيع الآخر سنة 365هـ بعد أن حكم أربعاً وعشرين سنة.


العزيز بالله (365-386هـ) :


هو نزار بن المعز، ويكنى أبا منصور، ويلقب بالعزيز، وكانت ولايته إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وعشرة أيام. توفي عن اثنين وأربعين سنة، وقام بالأمر بعده ابنه الحاكم.


اشتُهر عن العزيز أنه كان يستوزر اليهود والنصارى (!). فقد استوزر ابن نسطورس وأخر يهودياً اسمه منشا. ويقول ابن كثير: فَعَزَّ بسببهما -أي ابن نسطورس ومنشا- أهلُ هاتين الملتين في ذلك الزمان على المسلمين. أهـ


ويذكر د. حسن إبراهيم حسن في كتابه (تاريخ الإسلام السياسي) (3/167): «أن عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمي عهد يسر ورخاء وتسامح ديني وثقافة (!)..» اهـ. وذكر أيضاً أن العزيز تزوج بنصرانية، وتوإلى عطفه (!) على الكنيسة القبطية.


وفي أيام العزيز تفاقم خطر القرامطة وأفتكين ببلاد الشام، وكان قد استعصى أمرهما على أبيه المعز من قبل، ولم يكد العزيز يوطد سلطته في مصر حتى وجّه عنايته لاسترداد بلاد الشام وفلسطين بعد سيطرة القرامطة عليهما، فوجّه العزيز جوهراً الصقلي إلى القرامطة وأفتكين، لكنّه هزُِم ولم يستطع استرداد الشام وفلسطين، ثم أشار جوهر على العزيز بحرب القرامطة وأفتكين بنفسه، فالتقى بجيوشهما في الرملة فهزمهم ، وذلك في محرم سنة 368هـ وقبض على أفتكين ، لكنه عفا عنه وأغدق عليه.


ولا يخفى علينا أن العلاقة بين الإسماعيلية والقرامطة كانت وثيقة جداً في بداية نشأتهما، لكن حصلت اختلافات بينهما أدت إلى النزاع.


كان سبب انتزاع القرامطة وأفتكين الشام وفلسطين من العبيديين هو تذمّر أهلهما على مذهب العبيديين، فاضطروا إلى طلب معونة القرامطة وأفتكين ، ونجحوا في إسقاط حكم العبيديين على بلادهما، وحوادث دمشق مشهورة في هذا.


في عهد العزيز وجه العبيديون اهتمامهم إلى بثّ عقائد المذهب الإسماعيلي الشيعي الباطني، وأصبحت كل أمور الدولة في أيديهم.


مات العزيز ببلبيس سنة 386هـ، وهو في الرابع والأربعين من عمره ، كان العزيز كريماً محباً للعفو -مع أمثاله- و كان رجلاً ممتعاً يميل إلى الأبهة، كما كان خبيراً بالجواهر، يحبّ الصيد -وخاصة السباع- وكان ذكياً أريباً مستنيراً، يجيد عدة لغات كأبيه المعز.


الحاكم بأمر الله (386-411هـ) :


وهو أبو علي المنصور، ولد في شهر ربيع الأول سنة 375هـ، وعهد إليه أبوه بالخلافة من بعده في سنة 383هـ، ثم بويع بالخلافة في اليوم الذي توفي فيه أبوه العزيز، وذلك في رمضان سنة 386هـ و له إحدى عشرة سنة ونصف السنة، وتولى تربيته والوصاية عليه أستاذه برجوان الخادم.


ونترك المجال للمؤرخ ابن عماد الحنبلي يحدثنا عن الحاكم في ترجمته له في وفيات سنة 411هـ. قال: «وفيها الحاكم بأمر الله..... العبيدي صاحب مصر والشام والحجاز والمغرب، فُقِدَ في شوال وله ست وثلاثون سنة، قتلته أخته ست الملك بعد أن كتب إليها ما أوحشها وخوفها واتهمها بالزنا، فدسّت من قتله وهو طليب بن دواس المتهم بها، ولم يوجد من جسده شيء، وأقامت بعده ولده، ثم قتلت طليباً وكلَّ من اطلع على أمر أخيها.


وكان الحاكم شيطاناً مريداً خبيث النفس ، متلون الاعتقاد ، سمحاً جواداً ، سفاكاً للدماء، قتل عدداً من كبراء دولته صبراً، وأمر بشتم الصحابة ، وكتبه على أبواب المساجد، وأمر بقتل الكلاب ، حتى لم يبق في مملكته منها إلا القليل، وأبطل الفقاع والملوخية والسمك الذي لا فلوس له، وأتى بمن باع ذلك سراً فقتلهم ، ونهى عن بيع الرطب، ثم جمع منه شيئاً عظيماً وحرقه، وأباد أكثر الكروم ، وشدّد في الخمر، وألزم أهل الذمة بحمل الصلبان والقرامى في أعناقهم، وأمرهم بلبس العمائم السود، وهدم الكنائس، ونهى عن تقبيل الأرض له ديانة ، وأمر بالسلام فقط .


وأمر الفقهاء ببثّ ذلك، واتخذ له مالكييْن يفقهانه ثم ذبحهما صبراً، ثم نفى المنجمين من بلاده ، وحرم على النساء الخروج، وما زلن ممنوعات سبع سنين وسبعة أشهر حتى قتِل ، ثم تزهّد وتألّه ولبس الصوف، وبقي يركب حماراً ، ويمر وحده في الأسواق ، ويقيم الحسبة بنفسه، ويقال : إنه أراد أن يدعي الإلهية كفرعون وشرع في ذلك ، فخوّفه خواصُّه من زوال دولته فانتهى.


وكان المسلمون وأهل الذمة في ويل وبلاء شديد معه، قال ابن خلكان: والحاكم المذكور هو الذي بنى الجامع الكبير بالقاهرة بعد أن شرع فيه والده فأكمله هو، وبنى جامع راشدة بظاهر مصر ، وكان المتولي بناءه الحافظ عبد الغني بن سعيد، والمصحّح لقبلته ابن يونس المنجم، وأنشأ عدة مساجد بالقرافة، وحمل إلى الجامع من المصاحف والآلات الفضية والستور والحصر ما له قيمة طائلة، وكان يفعل الشيء وينقضه.


وكان الحاكم المذكور سيئ الاعتقاد ، كثير التنقل من حال إلى حال ، ابتدأ أمره بالتزيي بزي آبائه ، وهو الثياب المذهبة والفاخرة والعمائم المنظومة بالجواهر النفيسة وركوب السروج الثقيلة المصوغة، ثم بدا له بعد ذلك ، وتركه على تدرج بأن انتقل منه إلى المعلم غير المذهب ، ثم زاد الأمر به حتى لبس الصوف ، وركب الحمر ، وأكثر من طلب أخبار الناس والوقوف على أحوالهم، وبعث المتجسسين من الرجال والنساء، فلم يكن يخفى عليه رجل ولا امرأة من حواشيه ورعيته، وكان مؤاخِذاً بيسير الذنب ، لا يملك نفسه عند الغضب ، فأفنى رجالاً وأباد أجيالاً، وأقام هيبة عظيمة وناموساً، وكان يقتل خاصته وأقرب الناس إليه، وربما أمر بإحراق بعضهم، وربما أمر بحمل بعضهم وتكفينه ودفنه ، وبناء تربة عليه، وألزم كافة الخواص بملازمة قبره والمبيت عنده، وأشياء من هذا الجنس يموَّه بها على أصحاب العقول السخيفة ، فيعتقدون أنّ له في ذلك أغراضاً صحيحة.


ومع هذا القتل العظيم والطغيان المستمر يركب وحده منفرداً تارة ، وفي الموكب أخرى ، وفي المدينة طوراً ، وفي البرية آونة، والناس كافة على غاية الهيبة ، والخوف منه ، والوجل لرؤيته، وهو بينهم كالأسد الضاري.


فاستمر أمره كذلك مدة ملكه، وهو نحو إحدى وعشرين سنة، حتى عَنَّ له أن يدَّعيَ الإلهية ويصرِّح بالحلول والتناسخ ، ويحمل الناس عليه، وألزم الناس بالسجود مرة إذا ذكر، فلم يكن يذكر في محفل ولا مسجد ولا على طريق إلا سجد من يسمع ذكره ، وقبَّل الأرض إجلالاً.


ثم لم يرضه ذلك حتى كان في شهر رجب سنة تسع وأربعمائة ظهر رجل يقال له حسن بن حيدرة الفرغاني الأخرم يرى حلول الإله في الحاكم ، ويدعو إلى ذلك ، ويتكلم في إبطال الثواب وتأوَّل جميع ما ورد في الشريعة، فاستدعاه الحاكم وقد كثر أتباعه، وخلع عليه خلعاً سنية ، وحمله على فرس مسرج في موكبه.... فينما هو يسير في بعض الأيام تقدم إليه رجل من الكرخ.. وهو في الموكب فألقاه عن فرسه ووالى العرب عليه حتى قتله فارتجّ الموكب..» اهـ


بعد أن هلك الحاكم العبيدي الباطني ورثه ابنه أبو الحسن الذي تلقب بالظاهر، وتولى الحكم بعد قتل أبيه بأيام ، والجدير بالذكر هنا أن فرقة الدروز المارقة ظهرت بدعوة حسن بن حيدرة الفرغاني ، وهم يؤلهون الحاكم، والدرزية نسبة إلى أحد موالي الحاكم وهو هشتكين الدرزي.([12])


الظاهر لدين الله علي بن الحاكم العبيدي ( 411-427هـ) :


ولد يوم الأربعاء في العاشر من رمضان سنة 395هـ بالقاهرة ، ويذكر ابن العماد في شذرات الذهب أن أمر الدولة العبيدية بدأ بالانحطاط منذ ولايته عليها، حيث أخذ حسان بن مفرج الطائي أكثر الشام ، وأخذ صالح بن مرداس حلب، وقوي نائبهم على القيروان.


لم يتمتع الظاهر بالخلافة مدة طويلة -فقط سبعة عشر عاما-، فقد مرض بالاستسقاء ومات في منتصف شعبان سنة 427هـ.


وكان الظاهر قد استوزر أبا القاسم علي بن أحمد الجرجرائي -وكان مقطوع اليدين من المرفقين، قطعهما الحاكم سنة 404 هـ- فعندما علم الجرجرائي بموته أخذ البيعة لابنه أبي تميم الذي تلقب بالمسنتصر. «وكان الظاهر -كما يقول د. حسن إبراهيم حسن-: سمحاً، عاقلاً، لين العريكة، استطاع بحسن سياسته (!) أن يكسب عطف أهل الذمة ومحبتهم له (!)، فتمتعوا في عهده بالحرية الدينية. كما وجه عنايته إلى ترقية شؤون البلاد وتحسين حالة الزراعة.»([13] )


المستنصر أبو تميم معد بن الظاهر (427-487هـ) :


بويع له بالخلافة في يوم وفاة أبيه ، وكان في السابعة من عمره، وبقي في الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر، وهذا شيء لم يبلغه أحد من أهل بيته ولا من بني العباس.


في أيام المستنصر حدث الغلاء العظيم الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف عليه السلام، وأقام سبع سنين ، وأكل الناس بعضهم بعضاً، حيث انتشر الوباء والقحط في مصر، وانقطع النيل، ونكبت الأمم الإسلامية فيه من مصر إلى سمرقند.


في القسم الأول من عهد المستنصر امتد سلطان دولته على بلاد الشام وفلسطين والحجاز وصقلية وشمال أفريقيا، وكان اسمه يذاع على جميع منابر البلاد الممتدة من الأطلسي إلى البحر الأحمر ، بل في بغداد نفسها حاضرة العباسيين، كان يخطب للمستنصر سنة على منابرها ([14] ).


لكن هذه البلدان ما لبثت أن خرجت من سلطان العبيديين ، فقد أعلنت الدولة الزيرية في سنة 36 هـ، وكذا الدولة الحمدانية سنة 39هـ ولم تأت سنة 443هـ حتى تقلص الحكم العبيدي من المغرب.


وفي سنة 475هـ زالت سلطتهم من المغرب الأقصى، واستولى روجر النورماندي على جزيرة صقلية، وخلع أمير مكة والمدينة الطاعة سنة 462هـ.


في هذه الفترات انتشرت الفوضى وسادت مصر، حتى إن أربعين وزيراً تقلدوا الوزارة في تسع سنوات بعد قتل الوزير اليازوري سنة 451هـ. ثم عاد القحط وأعقبه من الوباء والموت في سنة 459هـ. وكان القحط الأول قد امتد من سنة 446هـ إلى 454هـ، وظلّت الحالة كذلك حتى سنة 464هـ.


وظهرت الفتن والحروب الأهلية في مصر حتى تدارك مصر بدرُ الجمالي والي عكّا الذي استدعاه المستنصر في سنة 466هـ ، فأعاد النظام ، ووجه همه إلى الإصلاح والقضاء على المفسدين.


مات المستنصر سنة 487هـ، وبويع ابنه المستعلي دون أخيه الأكبر نزار.


المستعلي أبو القاسم أحمد (487-495هـ) :


عندما مات المستنصر سنة 487هـ كان قد عهد إلى ابنه الأكبر نزار، إلا أن الأفضل ابن بدر الجمالي قائد الجيوش خلع نزاراً هذا وولّى مكانه أخاه الأصغر المستعلي أبا القاسم، فثار نزار وهرب إلى الإسكندرية ، ودعا لنفسه وأخذ البيعة، فلحقه الأفضل وهزمه وسجنه حتى مات، واستقر الأمر للمستعلي.


لما خلع نزار لم تعترف الإسماعيلية بخلافة المستعلي ، وبقيت بجانب أخيه ، ولما مات نزار هذا بقيت الإسماعيلية على رأيهم ، وأن الخلفاء من نسب نزار وليس المستعلي، وتعرف هذه المجموعة بالإسماعيلية الشرقية، ومنهم الحشاشون Assassinsجماعة الحسن ابن الصباح، والذين عرفوا أيضاً بالباطنية كجزء من كلّ، وقاموا باغتيالات لشخصيات إسلامية عسكرية كانت ترابط في الجهاد ضد الصليبيين الذين استولوا على بعض أرض المسلمين ، لذلك لابد هنا من الكلام عن هذه الفرقة ، ولو بشيء من الاختصار.


فرقة الحشاشين Assassins :


كان لتأسيس جماعة الحشاشين على يد الحسن بن الصباح خطر كبير على الأمة الإسلامية في ذلك الوقت، وفي كل وقت، فقد درس الحسن بن صباح كتب الإسماعيلية، واشترى قلعة "ألموت" الواقعة على الشاطئ الجنوبي لبحر قزوين (الخزر) وجعلها مقرّه، فمنها انطلق وبها اعتصم. وقد دخل قلعته مرة ولم يخرج إلا بعد خمس وعشرين عاماً، كان يدرس خلالها ويخطط.


لقد قامت حركة الحشاشين باغتيال ثمانين شخصية إسلامية قيادية سُنِّيَّة، ما بين عاالم وقائد عسكري مجاهد ، وقد كان نظام الملك وزير ملكشاه السلجوقي أول ضحاياهم ، وفي عام 523هـ ازداد خطر الإسماعيلية في مدينة دمشق -وكانت تشكل خط الدفاع ضد الصليبيين في ذلك الوقت وهم في فلسطين- ودعوا الفرنجة للحضور اليها حتى يتسلموها، وكان زعيمهم يدعى "المزدقاني"، فاكتشف أمره تاجُ الملوك -حاكم دمشق- فاستدعاه فقتله ، وعلّق رأسه على باب القلعة، ونودي في دمشق بقتل الباطنية، فقتل منهم ستة آلاف نفس ، وعندما علم صاحب بانياس ([15]) بهذا -وكان إسماعيلياً باطنياً- راسل الفرنجة فسلم إليهم القلعة ورحل إلى بلادهم.


وقُتِل عماد الدين الزنكي -رحمه الله- على أيديهم أثناء حصاره لقلعة جعبر على شاطئ الفرات ، وقتلوا من قبله الأمير مودود، قتلوه في دمشق يوم الجمعة بعد الصلاة في مسجدها ، وقتلوا من العلماء قاضي أصفهان عبيد الله الخطيب، والقاضي أحمد قاضي نيسابور، قتلوه في شهر رمضان ، ولاشك أن أيديهم امتدت في زماننا الحاضر إلى قتل بعض علماء المسلمين وقوادهم كأمثال فاضح الباطنية في وقتنا الكاتب إحسان إلهي ظهير.


وإنّ محالفة الباطنيين مع أعداء المسلمين ضد المسلمين خلال التاريخ لهو أكبر دليل على عداوتهم للإسلام ، وولايتهم لأعداء المسلمين من يهود ونصارى وغيرهم من ملل الكفر.


يقول لويس برنارد في كتابه (الحشاشون The Assassins): «كانت هناك علاقة بين شيخ الجبل (رئيس الباطنية في الشام) وبين ملك القدس من الصليبيين وهو الكونت هنري"، و "عندما غزا سانت لويس بيت المقدس سنة 1250م تبادل الهدايا مع شيخ الجبل، وكان الصليبيون يسمونهم الملحدين، وأتت في كتاباتهم بـ Mulihet" . "وعندما مرَّ ماركو بولو Marco Poloمن فارس سنة 1273م رأى قلعة وقرية "ألموت" وقال عنها : إنها المقر الرئيسي للإسماعيلية» اهـ.


وكان للإسماعيلية عمليات اغتيال في أوربا، فكان بعض الملوك فيها يستخدمونهم في التخلص من أعدائهم، وكانوا يطلقون كلمة رفيق على أعضائهم.


ومازال للإسماعيلية رجال يكتبون عنها ويشيدون بما فعل أجدادهم (!)، فمنهم د. مصطفى غالب، له كتاب (تاريخ الدعوة الإسماعيلية) و كتاب عن (الحركات السرية في الإسلام)، وكتاب عن الحسن بن الصباح أسماه (الطائر الحميري، الحسن بن الصباح)، وله موسوعة فلسفية حشاها بآراء الباطنيين كابن سينا والفارابي وإخوان الصفا وغيرهم ممن ينسبون إلى الإسلام. وهناك الكاتب عارف تامر له كتاب (على أبواب أَلَموت) وكتاب (الحاكم بأمر الله) وبعض التحقيقات على كتب الإسماعيليين.


بقية حكّام العبيديين :


جاء الآمر بعد المستعلي عام 495 هـ، وهو الذي قتل الأفضل بن بدر الجمالي قائد الجيوش عام 515هـ وقد خلفه ابنه الأكمل ، ويبدو أن الآمر كان مختلفاً عن غيره من ملوك العبيدية، إذ إنه ألغى الاحتفالات التي كانت تقام بمناسبة المولد النبوي ، ومولد فاطمة وعلي ، ومولد الخليفة القائم بالأمر.


في عام 524 هـ قُتِل الآمر بيد الباطنية الذين كانوا يرَوْن أنّ أولاد نزار أحق بالملك من أولاد المستعلي ، وخالف الأكمل العبيديين -وكان من الشيعة الاثني عشرية- فقتلوه.


وفي عام 529هـ -أي في عهد الحافظ الذي خلف الآمر المقتول- استُوزِر بهرام الأرمني على القاهرة ، وكثرت الأرمن فيها.


ازدادت حدّة الخلافات بعد الحافظ بين جنود ووزراء العبيديين. وقد جاء بعد الحافظ الظاهر ثم الفائز تلاه العاضد، والذي بعهده انتهت وعضدت دولة بني عبيد الباطنية، وذلك بعد أن حكمت لمدة 260 عاماً مساحات شاسعة من بلاد المسلمين شرقاً وغرباً.


انتهت دولة العبيديين على يد صلاح الدين يوسف بن أيوب -رحمه الله-، فانتهى عهد الباطنية ، وعادت مصر وما بقي من دولة بني عبيد إلى حظيرة أهل السنة والجماعة ، ثم تابع صلاح الدين والمسلمون خلفه المسيرة الجهادية حتى فتحوا القدس ، وأعادوا المسجد الأقصى إلى رحاب الإسلام وذلك عام 583 هـ ([16]).


الهوامش :




1 ـ انظر ما نقله الطبري في تاريخه عن سبي القرامطة لنساء أهل البيت وفعلهم بهن في حوادث سنة 290 هـ


2 ـ ـ سيراف ميناء قديم على الخليج العربي من جهة فارس.


انتهى ما نقلناه من كتاب «التاريخ الإسلامي» ج6 ص59-100 وللاستزادة والتفصيل انظر تاريخ الطبري حوادث سنة 298 إلى 301 هـ


4 ـ الشيعة والتشيع، إحسان إلهي ظهير.


5 ـ انظر «الشيعة وأهل البيت» إحسان إلهي ظهير، ص294


6 ـ من المعروف أن الإسماعيلية هي حركة مختلفة عن التشيع تماماً، بالرغم من أنها حملت راية التشيع لآل البيت ابتداءً واستغلت شعور العاطفة لأهل البيت عند العامة، لكنها ما لبثت أن كشفت عن وجهها الحقيقي بعد أن سيطرت على مصر.


7Al-Isma’iliyah and the Origin of theFatimids. The Muslim World, vol. 49, p299


8 ـ أي أن الجد ميمون القداح كان مجوسياً، وتهوَّد ابنه عبد الله بن ميمون، ثم أظهر التشيع.


9 ـ يعني إسماعيل بن جعفر الصادق؛ ثم يأتي الأئمة المستورون.


10 ـ الشيعة وأهل البيت لإحسان إلهي ظهير (ص283-284).


11 ـ الديصان ثنوي فارسي مشهور في القرن الثاني الميلادي؛ تحول إلى النصرانية بعد أن عمل منجماً في مدينة أديسا (الرها/أُرفا). ومع كونه أصبح نصرانياً فقد كان يحمل بعض المعتقدات الإلحادية والزردتشية. ويبدو أن حفيده ميمون أظهر الإسلام ولكنه تبع خطا جده ديصان في الخلط بين أكثر من دين.


12 ـ الشيعة والتشيع: فرق وتاريخ، للكاتب إحسان إلهي ظهير (ص236).


13 تاريخ الإسلام السياسي (3/173).


14 ـ انظر فتنة البساسيري في كتب التاريخ.


15 ـ مدينة قرب أرض فلسطين، وهي غير بانياس التي على ساحل الشام.


16 ـ لا بد لي أن أذكر هنا أني استفدت كثيراً من تعليقات الأستاذ محمود شاكر على هذه العجالة عندما اطلع عليها.






التوقيع :
فرسان السنه
http://www.forsanelhaq.com/
من مواضيعي في المنتدى
»» ادعاءات التيجاني شبهات حول الصحابي الجليل معاويه رضي الله عنه
»» اما سلسلة نسبه فهناك كلام فيها والله العالم ..
»» جرجيس يتهمنا بأننا لا نعرف آل البيت
»» الى الزملاء الشيعه ..ماهو رأيكم بالعلاقة بين الصحابة والقرابة من كتب الرافضة
»» رحمة الله سبحانه للتائبين