الحمد لله رب العالمين
العبادة هي : " كل أمر يحبهُ الله تبارك وتعالى ويتقرب به العبد إليه " .
فإتباع الشيطان من إنكار العبودية لله تبارك وتعالى , وإن العبودية تعني الخضوع والتذلل لله تبارك وتعالى وأن لا يعبد سواه , ولكن المسألة تحتاجُ إلي توضيح وهل التوسل بغير الله تبارك وتعالى من العبادة أيها المهاجر .قولهُ تعالى : " إلا " وهي إستثناء ولهذا ذكر الله تبارك وتعالى أنهُ لا يمكن أن يغوي المخلصين حين قال جل في علاه : " إلا عبادكَ منهم المخلصين " أنه لا يقدر على إغواء المخلصين صدقه الله في هذا الاستثناء فقال : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) فلهذا قال الكلبي : العباد المذكورون في هذه الآية هم الذين استثناهم إبليس . وهذا في التفسير الكبير لفخر الدين الرازي , ولعلنا نكمل بحول الله وقوتهِ . ( إلا عبادك منهم المخلصين ) يقول : إلا من أخلصته منهم لعبادتك ، وعصمته من إضلالي ، فلم تجعل لي عليه سبيلا فإني لا أقدر على إضلاله وإغوائه .
يقول الحافظ إبن كثير رحمه الله تعالى : " وقوله : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) أي : الذين قدرت لهم الهداية ، فلا سبيل لك عليهم ، ولا وصول لك إليهم ، (إلا من اتبعك من الغاوين ) استثناء منقطع " . أما عصمة الأنبياء فهذا مبحث آخر وطويل جداً فليس لعصمة الأنبياء دخل في هذه الآية ولكن لنرى ما نقلت عن الطبري .
وقد أورد ابن جرير هاهنا من حديث عبد الله بن المبارك ، عن عبد الله بن موهب حدثنا يزيد بن قسيط قال : كانت الأنبياء يكون لهم مساجد خارجة من قراهم ، فإذا أراد النبي أن يستنبئ ربه عن شيء ، خرج إلى مسجده فصلى ما كتب الله له ، ثم سأل ما بدا له ، فبينا نبي في مسجده إذ جاء عدو الله - يعني - : إبليس حتى جلس بينه وبين القبلة ، فقال النبي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . [ فقال [ ص: 536 ] عدو الله : أرأيت الذي تعوذ منه ؟ فهو هو . فقال النبي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ] قال : فردد ذلك ثلاث مرات ، فقال عدو الله : أخبرني بأي شيء تنجو مني ؟ فقال النبي : بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم مرتين ؟ فأخذ كل [ واحد ] منهما على صاحبه ، فقال النبي : إن الله تعالى يقول : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) قال عدو الله : قد سمعت هذا قبل أن تولد . قال النبي : ويقول الله : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ الأعراف : 200 ] وإني والله ما أحسست بك قط إلا استعذت بالله منك . قال عدو الله : صدقت ، بهذا تنجو مني . فقال النبي : " أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم " ؟ قال : آخذه عند الغضب والهوى . إنتهى قول الإمام إبن كثير .
وأجيبك بما قال الإمام الطبري في التفسير : " [ ص: 105 ] وقوله : (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) يقول تعالى ذكره : إن عبادي ليس لك عليهم حجة ، إلا من اتبعك على ما دعوته إليه من الضلالة ممن غوى وهلك " الذي أرجوه هو أن تتأمل كلام المفسر الإمام الطبري رحمه الله تعالى تأملاً جيداً , والرواية السابقة التي نقلها الإمام الحافظ إبن كثير عن الطبري وأوردها في تفسيره هي التي نقلها الطبري رحمه الله تعالى في التفسير , والإجابة على الكلام الاول إنتهى أما عن سؤالك من هم المخلصين .
فالإجابة كالتالي : " هم الذين أخلصوا عبادتهم لله عز وجل كالصحابة والتابعين ومن حسن إسلامهُ وآمن بالله وإتقى فالمخلص هو من أخلص عبادتهُ لله لم يدعوا إلي الله ولم يؤمن إلا بالله , ولم يطعن فيمن رضي عنهم وآمن أن النبي خير الهدى , وأن أبي بكر وعمر خليفتاه وان يؤمن بأركان الإيمان والإسلام والإحسان ويخلص عملهُ لوجه الله تعالى هذا هو المخلص من أخلص عبادتهُ كلها لله تبارك وتعالى " وفي تفسير الرازي نص على أنهم المخلصين في عبادتك الذين لا يمكن أن يغويهم الشيطان والله تعالى أعلى وأعلم بالصواب .