عرض مشاركة واحدة
قديم 07-10-09, 06:48 PM   رقم المشاركة : 3
الشريف الحنبلي
متى عيوني ترى عيون غاليها ؟





الشريف الحنبلي غير متصل

الشريف الحنبلي is on a distinguished road


قراءة نقدية في أشهر الكتب المؤلفة في فضائل آل البيت ( 3 )

قراءة نقدية في كتاب « نور الأبصار في مناقب آل بيت النَّبيِّ المختار »


تأليف: سيِّد مؤمن بن حسن الشَّبَلنْجيِّ (ت بعد 1297هـ)


كتاب الشَّبلنْجيِّ في فضائل أهل بيت النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم مشحونٌ بالبدع والخرافات، طافحٌ بالقصص الواهيات!
ويكفي أن تقرأ مقدِّمة المؤلف، لترى سبب تأليفه الكتابَ، فلقد قال (ص2) ما نصُّه:
«أصاب عيني رَمَدٌ، فوفَّقني الله الفرد الصَّمد لزيارة السَّيِّدة نفيسة بنت سيدي حسن الأنور؛ فَزُرْتُها وتوسَّلتُ بها إلى الله، وبجدِّها الأكبر في كشف ما أنا فيه، وإزالة ما أُكابده وأُقاسيه([1])(!) ونذرْتُ إنْ شافاني الله لأجمعنَّ كليمات من كتب السَّادة الأعلام تشتمل على ذكر بعض مناقب أهل بيته الكرام.
فمضى زمنٌ يسيرٌ وحصل الشِّفاء! فأخذتُ في الأسباب، وعزمتُ على الوفاء ... ([2])» إلخ كلامه.

* ومن تصفَّح الكتاب وتأمَّله وَجَدَ المؤلِّف شحنه بالبدع والخرافات كما سبق:
( أ ) فلقد عقد المؤلِّف باباً عَنْونه: (باب في ذكر جماعة من أهل البيت لهم بمصر القاهرة مزارات مشهورة، ومساجد معمورة)، وقد ذكر فيه سائر قبور أهل البيت الموجودة بمصر، وأماكن وجودها، داعياً القراء تصريحاً وتلميحاً إلى تعظيمها، والتبرك بها، وسؤالها قضاء الحوائج، وزوال المصائب! فهو كما سبق في مقدِّمته للكتاب ممن يُعظِّم قبور الأولياء وأضرحتهم ومزاراتهم!
وهذا الصَّنيع هو عادة القُبُورية معظِّمي أضرحة الأولياء والصَّالحين.
قال عبد الحفيظ فرغلي في كتابه «أهل البيت في مصر» ([3]):
«وقد اعتنى الصُّوفية على وجه خاصّ بشأن هذه المزارات والأضرحة، على اعتبار أنها ذكرى من ذكريات الرسول ^، وأثرٌ من آثاره الشَّريفة (!). فصاحب الضَّريح منسوبٌ إلى المصطفى، ومن حقِّ المنسوب أن يُحترم إجلالاً للمنسوب إليه (!)».
ومما يُنبَّه إليه أنَّ أكثر هذه القبور لا يُعرف مواضعها على الحقيقة، بل ولو عُرفتْ حقيقةً ما جاز لأحدٍ أن يفعل عندها ما يفعله القُبُوريون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض كلامه عن بعض المشاهد الموجودة بمصر والعراق والشام: «...وكذلك مقابر كثيرة لأسماء رجال معروفين، قد عُلِمَ أنها ليست مقابرهم!»([4]).
مع ذلك يقول الشَّبلنْجيّ في كتابه (ص39): «واعلم أنه لا عبرة بالاختلاف في دفن بعض أهل البيت الذين لهم بمصر مزارات؛ فإنَّ الأنوار التي على أضرحتهم شاهد صدقٍ على وجودهم بهذه الأمكنة (!) ولا يُنكر ذلك إلا من ختم الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة (!)» اهـ كلامه.
سبحانك هذا بهتان عظيم!
بل إنَّ هذا الأمر مضادٌّ لفعل الصَّحابة الكرام y وأرضاهم.
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في «تفسيره»([5]) (4/377): «وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لمَّا وُجِدَ قبر دانيال في زمانه بالعراق؛ أمر أن يُخفى عن النَّاس، وأن تُدفن تلك الرُّقعة التي وجدوها عنده فيها شيء من الملاحم وغيرها».
قال الشَّيخ عبد الرَّحمن المعلِّمي - رحمه الله تعالى - تعليقاً عليه: «أقول: قوله: أمر أن يُخفى عن الناس؛ ذُكِرَ أنه أمر بحفْر ثلاثة عشر قبراً، وأن يُدفن في إحدها ليلاً، وتُطْمس القبور كلُّها» اهـ([6]).
قال العلاَّمة السَّهسوانيُّ - حمه الله تعالى -: «لم يتبرَّك الصَّحابة والتَّابعون بقبرٍ، ولا دَعَوْه، ولا به، ولا عنده»([7]).
* وثمَّة إشارةٌ إلى أمرٍ مهمٍّ :
وهو أنَّ هؤلاء الأولياء والصَّالحين المدفونين يكرهون ما يُفعل عندهم كلّ الكراهة، كما أنَّ المسيح عليه السَّلام يكره ما يفعل النَّصارى به، وكما كان أنبياء بني إسرائيل يكرهون ما يفعله الأتباع عندهم ... فلا يظننَّ المرء المسلم أنَّ هذا النهي عن اتِّخاذ قبورهم أعياداً وأوثاناً؛ فيه غضٌّ من أصحابها، بل هو من باب إكرامهم والإحسان إليهم. والذي ينبغي محبَّتهم واتِّباعهم، وإحياء ما أحيوه من الدِّين، والدُّعاء لهم بالمغفرة والرَّحمة والرّضوان([8]).
* ومما ذكر الشَّبَلنْجيُّ من المشاهد والمزارات([9]):
مشهد السَّيِّد الحسين رضي الله عنه، وقبور: السَّيِّدة سكينة بنت الحسين، والسَّيِّدة رقية وزينب ابنتيْ علي، والسَّيِّد مرتضى الحُسيْني، والسَّيِّدة فاطمة بنت الحسين السِّبط، والسَّيِّدة صفية، والسَّيِّدة عائشة بنت جعفر الصَّادق، والسَّيِّدة نفيسة بنت حسن الأنور، والسَّيِّد الأنور والد نفيسة، والسَّيِّد إبراهيم بن السَّيِّد زيد([10]).
وقد ذكر عند كلِّ واحد منهم - رضي الله عنهم ورحمهم - أشياء غريبة، وكراماتٍ مستحيلة! يقيني أنهم لا يعلمون عنها شيئاً، وإنما هي من صنْع الخُرافيين الدَّجَّالين([11])!
وقد أورد أدعيةً وأذكاراً مخصوصة تُقال عند زيارة أضرحتهم، والقُبَب التي بُنيتْ على قبورهم، لم يرد عليها أي دليل من كتاب أو سنَّة! نقلها في غالبها - أيضاً - عن عبد الوهاب الشَّعراني في كتابيه «الطبقات الكبرى» وَ «المنن»، وغيرهما من كتبه الخُرافية.
*من تلك الأدعية قوله (ص192): (السَّلام عليك يا ابنت فاطمة الزَّهراء، ويا سلالة خديجة الكبرى، أنتم أهل البيت غياثٌ لكلِّ قوم في اليقظة والنوم (!) فلا يُحرم من فضلكم إلا محروم، ولا يُطرد عن بابكم إلا مطرود (!) ...) إلخ؛ وزعم أنَّ ذلك كان يفعله بعض السَّلف عند زيارة قبرها!
ولا يخفى على المسلم العادي أنَّ الذي علَّمه النَّبيُّ ^ أصحابه هو السَّلام الشَّرعيّ على أهل المقابر، «فالزِّيارة النَّبويّة التي كان يفعلها ^ عند الصَّالحين، كعمِّه حمزة، وسائر الشُّهداء، وغيرهم، أنْ يقول: السَّلام عليكم دار قوم مؤمنين ورحمة الله وبركاته» ([12]).
لما ثبت في «صحيح مسلم»([13]) من حديث عطاء بن يسار، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله ^ كلَّما كان ليلتها من رسول الله ^ يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: «السَّلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما تُوعدون غداً مؤجّلون، وإنا إنْ شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد». ونحو هذا من الأدعية المشروعة.
( ب ) ومن غرائبه ما أورده في حقِّ كثير من أهل البيت الكرام من القصص الغريبة - كما سبق - بدعوى أنها كرامات، خصوصاً ما يتعلَّق بقبر السَّيِّدة نفيسة رحمة الله عليها([14]). وهي في حقيقة الأمر دعوة مُبطَّنة للغلو فيهم، والتبرك بقبورهم، وسؤال الحاجات منها!
وجميع ما ينقله، إنما ينقله عن عبد الوهاب الشَّعراني في «طبقاته» وَ «مننه»، وغيرها من تصانيفه المنحرفة.
ففي (ص188 - 189): ذكر أنَّ امرأةً عجوزاً كان لها أربع بنات يتقوّتْن من غزلهن من الجمعة إلى الجمعة، وفي آخر الجمعة تأخذ العجوز غزلهن وتمضي به إلى السوق فتبيعه وتشتري بنصف ثمنه كتَّاناً وبنصفه الآخر ما يَقْتتن به. فأخذته يوماً العجوز ولفَّته في خرقة حمراء ومضت به إلى السوق، فبينما هي مارّة في الطريق؛ والغزل على رأسها انقضّ طائرٌ على رزمة الغزل واختطفها وارتفع! فوقعت المرأة مغشيًّا عليها! فلما أفاقت دلّوها على السَّيِّدة نفيسة وقالوا لها: امضي إليها واسأليها الدعاء فإنَّ الله تعالى يزيل ما بك!
فمضت إليها فأخبرتها بقصتها وما جرى لها، وسألتها الدُّعاء، فقالت لها السَّيِّدة نفيسة: اقعدي فإنه على كلِّ شيء قدير. فقعدت المرأة على الباب ...... فما كان إلا ساعة وإذا بجماعة قد أقبلوا عليها واستأذنوا في الدخول عليها، فأذنت لهم فدخلوا وسلَّموا عليها. فسألتهم عن أمرهم فقالوا: إنَّ لنا لأمراً عجيباً!
نحن قومٌ تجَّار، لنا مدة ونحن مسافرون في البحر ونحن بحمد الله سالمون، فلما وصلنا قرب بلدكم انفتحت المركب التي نحن فيها، ودخل الماء وأشرفنا على الغرق! وجعلنا نسدّ المكان الذي انفتح بجهدنا فلم ينسد! فاستغثنا الله، وتوسَّلْنا بكِ إليه!
فإذا بطائر ألقى إلينا خرقة فيها غزل، فوضعناها في المكان المنفتح، فانسدَّ بإذن الله تعالى ببركتك! وقد جئنا بخمسمائة درهم فضة شكراً لله على السلامة. فعند ذلك بكتْ السَّيِّدة نفيسة، ثم نادت العجوز فجاءت فقالت لها السَّيِّدة: بكم تبيعين غزلك كلّ جمعة؟ فقالت: بعشرين درهماً. فقالت: أبشري، فإنَّ الله عوَّضك عن كلِّ درهم خمساً وعشريم درهماً... ثم قصَّت القصة عليها، ودفعت لها ذلك، فأخذته وأتت بناتها فأخبرتهم بما جرى، وكيف ردَّ الله لهْفتها ببركة السَّيِّدة؟! ...... وأترك لك التعليق على هذه القصة!!
* وانظر أمثلة لبعض تلك الغرائب (ص144 و154 و162 و189 و198 و199 و200 وبها ثلاثة أخبار و201 وبها خبران و202 وبها ثلاثة أخبار).
( ج ) جعل المؤلِّف خاتمة الكتاب في مناقب الأربعة الأقطاب كما عبَّر!
والأقطاب الأربعة هم كما قال: (سيدي أحمد الرِّفاعي([15])، وسيدي عبد القادر=

الجيلاني([16])، وسيدي أحمد البدوي([17])، وسيدي إبراهيم الدُّسوقي([18])!).
وأرى لزاماً عليَّ التعليق في هذا الصَّدد على قصةٍ ذكرها الشَّبَلنْجيُّ على أنها كرامة لأحمد البدوي، ولها صلةٌ مباشرةٌ بأحد أئمة الإسلام وفقهائه، ألا وهو (الحافظ تقي الدِّين ابن دقيق العيد([19]))، وهي في الواقع كذب عليه؛ فأردتُ أن أَذُبَّ عن الشَّيخ رحمه الله تعالى.
وسيتبيَّن لك من خلال قراءتها الغرض الذي سيقت من أجله؛ وإليك سياقها من كتاب الشَّبَلنْجيِّ (ص239)، إذ يقول في سياق كرامات أحمد البدوي ما نصُّه:

« كراماته :

الأولى: أنَّ الشَّيخ تقي الدِّين ابن دقيق العيد قاضي القضاة بالدِّيار المصرية سمع بالشَّيخ وأحواله، فنزل إليه واجتمع به بناحية طندتا وقال له: يا أحمد! هذا الحال الذي أنت فيه، ما هو مشكور، فإنه مخالف للشَّرع الشَّريف، فإنك لا تُصلِّي، ولا تحضر الجماعة! وما هذه طريقة الصَّالحين([20])! فالتفت إليه سيدي أحمد البدوي (رضي الله عنه!)، وقال: (اسكت وإلاّ أُطيِّر دقيقك! ودَفَعَهُ دفْعةً، فلم يشعر بنفسه إلا وهو في جزيرة واسعة، لم يَعْلَمُ لها طولاً ولا عرضاً!).
فأقبل يلوم نفسه ويعاتبها، وهو ذاهل العقل، غائب عن الصَّواب، ويقول: (ما لي ومعارضة أولياء الله تعالى، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). وصار يبكي، ويستغيث، ويبتهل إلى الله. فبينما هو كذلك إذ ظهر له رجلٌ له هيبة ووقار، وسلَّم عليه، فردَّ عليه السَّلام، وقام عليه وجعل يُقبِّل يديه ورجليه!
فقال: ما قضيتك؟ فأخبره بخبره مع سيدي أحمد البدوي!
فقال له: لقد وقعتَ في أمر عظيم! أتدري كم بينك وبين القاهرة؟!
قال: لا والله. قال: بينك وبينها سفر ستين سنة!
فازداد همًّا على همِّه، وغمًّا على غمِّه، وكبر في قلبه الخوف! وقال: يا تُرى من يُخلِّصني من هذه الورطة؟! إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
وأقبل على الرجل يقول له: أرشدني يرحمك الله.
فقال له: هوِّن عليك الأمر، فما يحصل لك إلا الخير إنْ شاء الله تعالى.
قال: وكيف لي بذلك؟
فأخذ بيده وأراه قبَّةً كبيرةً، وقال له: ترى هذه القبَّة... اذهب إليها، واجلس فيها، فإنَّ سيدي أحمد البدوي يُصلِّي فيها العصر بجماعة من الرِّجال، ويُودِّعونه وينصرف كلُّ واحد إلى حال سبيله! فإذا صلَّيتَ معهم فتعلَّق به، وتملَّقْ بين يديه، وقبِّلْ يديه ورجليه، واكشفْ رأسك، وتأدَّبْ معه! وقل له: أستفغر الله وأتوب إليه، وأعود لما صدر مني... فإذا رأى منك ذلك فإنه يُقبل عليك، ويردُّك إلى موضعك إنْ شاء الله تعالى. وكان الرجل الذي أتى الشَّيخ ابنَ دقيق هو الخضر عليه السَّلام!!
فامتثل الشَّيخ تقي الدِّين ابن دقيق العيد أمره، ومشى إلى القبَّة، وجلس فيها على وضوء ينتظر قدوم الجماعة، فما كان إلا هنيهة حتى أقبلت الجماعة من كلِّ جانب ومكان، وأُقيمت الصَّلاة، فتقدَّم سيدي أحمد البدوي (رضي الله عنه!) وصلَّى بهم إماماً.
فلمَّا انقضت الصَّلاة تعلَّق الشَّيخُ ابنُ دقيق بأذياله، وكشف رأسه، وجعل يُقبِّل يديه ورجليه، ويبكي ويستغفر ويعتذر! وأنصف من نفسه.
قال: فأقبل عليه سيدي أحمد (رضي الله عنه!)، وقال له: ارجع عما كنت فيه، ولا تعد إلى مثله!
فقال له: السَّمع والطاعة يا سيدي!
فدفعه دفعةً لطيفةً وقال: اذهب إلى بيتك ؛ فإنَّ عيالك في انتظارك.
قال: فلم يشعر ابن دقيق العيد بنفسه إلا وهو واقف بباب داره بمصر، فأقام مدةً ببيته لا يخرج منه لما جرى له مع سيدي أحمد البدوي (رضي الله عنه!)». اهـ من «نور الأبصار».
وتعليقي على هذه القصة ؛ أنها مختلقةٌ من أساسها، وكذبٌ على الإمام تقي الدِّين ابن دقيق العيد - رحمه الله تعالى -، وهي إنما تتناقلها كتب الصُّوفية تحذيراً وتخويفاً للعامة من معارضة ما عليه الأولياء المزعومون!! فإذا حاول أحدٌ الإنكارَ عليهم، أو حتى فكَّر في ذلك ؛ حُذِّر بهذا الحدث الهائل الذي حصل لقاضي قضاة مصر! لتهوُّره ومعارضته قطب الأقطاب السَّيِّد أحمد البدوي! فيالله العجب!
وقد رجعتُ إلى خمسة عشر مرجعاً ترجمتْ لابن دقيق العيد، ما بين تراجم مطوَّلة ومختصرة، إلا أنِّي لم أجد أحداً ذَكَرَ هذه الحادثة لا من قريب ولا بعيد([21])!
وأكبر ظنِّي أنَّ واضعي هذه القصة لو استطاعوا أن ينسبوها لشيخ الإسلام تقي الدِّين ابن تيمية - رحمه الله تعالى - لفعلوا! وذلك أنه من أشهر من تصدَّى للرَّدِّ على أهل الأهواء والبدع، وأخباره مع البطائحية الرِّفاعية مشهورة معروفة([22])؛ ولكنهم علموا أنهم لو فعلوا ذلك لردَّه عليهم آحاد الناس، فضلاً عن أهل العلم والمعرفة ... ولذا عمدوا إلى إلصاق هذه القصة الوضيعة لتقي الدِّين ابن دقيق العيد - رحمه الله تعالى -.
( د ) أدخل الكاتب في كتابه أشياء لا علاقة لها بموضوعه، فقد عقد فصلاً في الكلام عن مناقب أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه(ص52 - 57). وآخر في الكلام عن مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ص59 - 70). وثالثاً في الكلام عن مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه (ص70 - 76) ؛ والكتاب كما عَنْون له مؤلفه: «نور الأبصار في مناقب آل بيت النَّبيِّ المختار»، فإدخال مناقب الخلفاء الثلاثة في الكتاب ليس له معنى! والله تعالى أعلم.

* * *


([1]) تواتر عند جماهير معظِّمي القبور والأضرحة أنَّ قبر السَّيِّدة نفيسة - رحمة الله عليها - أحد المواضع المعروفة بإجابة الدعاء بمصر، فهو موضع - كما يقول المقريزي - لم يزل المصريون ممن أصابته مصيبة، أو لحقت به فاقة أو جائحة يمضون إلى قبرها فيدعون الله عند قبرها فيستجيب لهم، وهو مُجرَّبٌ على حدِّ زعمهم!
- انظر: «خطط المقريزي» (2/441)، وقد ذكر أنَّ هناك مواضع ثلاثة بمصر أيضاً يستجيب الله فيها الدعاء، فيصبح مجموع المواضع أربعة، وهي: (سجن نبي الله يوسف عليه السلام - مسجد موسى عليه السلام - المخدع الذي على يسار المصلي في قبلة مسجد الأقدام بالقرافة).
قال صاحب «تحفة الأحباب وبغية الطلاب في الخطط والمزارات والتراجم والبقاع المباركات» (ص104): «وقبرها أحد الأماكن المجاب فيها الدعاء بمصر(!)».
وقال: «ولم يزل الصَّالحون والأئمة والفقهاء والقراء والمحدِّثون والعلماء يزورون مشهد السَّيِّدة ويدعون عنده، وهو مجرَّبٌ بإجابة الدعاء (!)».
وهذا الأمر جعل بعضهم يُؤلِّف كتاباً سمَّاه «الروضة الأنيسة بفضل مشهد السَّيِّدة نفيسة»، وهو لشرف الدِّين الحُسيني الجواني؛ نقل منه المقريزي في «الخطط» (2/440).

([2]) ﴿ تنبيه: «قال بعض المحقِّقين: إنَّ العبد إذا وقف على مَنْ يستعظمه، جعل له رقةً وخشوعاً وإقبال قلبٍ وإخلاصاً في الدُّعاء، فقد يجاب، فيظن أنه ببركة صاحب القبر! والمعلوم أنَّ صاحب القبر طالبٌ من الزائر أن يدعو له، ويستغفر له، فهو في برزخٍ قد انقطع عن الأعمال، يفرح بما يُهدى إليه من الأحياء، لا أنه بصدد قضاء حاجات الأحياء». انظر: «الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف» للإمام الصنعاني (ص47). وراجع تعليقي على خاتمة السَّخاويِّ في «ارتقاء الغرف» عند إيراده قصةً لأحد الأشراف عند قبر النبي ^، وفيه كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية يُجلِّي الحقَّ في هذه المسألة المهمة.

([3]) انظر (ص39).

([4]) انظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/654).

([5]) في تفسير قوله تعالى: ﴿ قال الّذِين غَلَبُوا على أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدَاً ﴾ [الكهف: آية 21].

([6]) انظر: «عمارة القبور» للمعلمي (ص288).

([7]) انظر: «صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان» (ص362 وما بعدها). وراجع كتاب الشيخ الألباني: «تحذير الساجد من اتِّخاذ القبور مساجد»، فهو مفيدٌ في هذا الباب.

([8]) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/748 و739 - بتصرُّف).

([9]) ونفس الصَّنيع فعله أبو الحسن علي بن أحمد السَّخَاوي في كتابه «تحفة الأحباب وبغية الطلاب في الخطط والمزارات والتراجم والبقاع المباركات»، وعبد الحفيظ فرغلي في كتابه «أهل البيت في مصر». وسبقهما إلى ذلك التقي المقريزي في «الخُطط»، عفا الله عن الجميع.

([10]) ﴿ تنبيه: من العجيب - كما يقول العلاَّمة مرعي الكرمي، ونقله عن شيخ الإسلام - أنَّ هذه المشاهد والمقامات غالبها أو كلُّها كذب! وقد ضرب لذلك مثلاً بمشهد الحسين t الذي بقاهرة مصر. وأفاد رحمه الله أنَّ العلماء اتَّفقوا كلّهم على أنَّ ذلك المشهد باطل، ليس فيه رأس الحسين ولا شيء منه، وإنما افْتُعِلَ بالقاهرة في أيام الفائز عيسى حين بُويع بالخلافة وله خمس سنين، وكان هو وجنده روافض، فافتعلوا هذا المشهد قصداً، وفضلوا به في نفوسهم لاستجلاب العامة غرضاً! انظر: «شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور» للشيخ مرعي (ص113)، وراجع «اقتضاء الصراط المستقيم» لشيخ الإسلام (2/653).

([11]) سأكتفي بذكر مثال واحد كما سيأتي يتعلَّق بالمرأة الصالحة نفيسة رحمها الله تعالى؛ وإلا فالمقام يطول.

([12]) انظر: «الإنصاف في حقيقة الأولياء» للصنعاني (ص45).

([13]) كتاب الجنائز - باب ما يُقال عند دخول القبور (2/669) - رقم (974) عن عائشة رضي الله عنها. وله طريق عند مسلم أيضاً (249) من حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة t.

([14]) قال الحافظ الذَّهبيُّ في «سير أعلام النبلاء» (10/106) في ترجمتها: «ولجَهَلة المصريين فيها اعتقادٌ يتجاوز الوصف، ولا يجوز مما فيه من الشرك، ويسجدون لها، ويلتمسون منها المغفرة. وكان ذلك من دسائس دُعاة العُبيديَّة». اهـ كلامه.
وبنحوه قال ابن كثير في ترجمتها في «البداية والنهاية» (10/274) ؛ فانظره.

([15]) هو الشَّيخ الزَّاهد أحمد بن يحيى الرِّفاعي الحُسيني، أبو العبَّاس، مؤسس الطريق الرفاعية. ولد في قرية حسن بالعراق سنة (512هـ)، ومات في قرية أُم عبيدة بالبطائح سنة (578هـ). انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» (21/77 وما بعدها)، و«البداية والنهاية» (12/333 وما بعدها)، و«طبقات الشعراني» (1/121 وما بعدها).
﴿ عجيبة : سائر كتب الطُّرقية التي تترجم للشيخ أحمد الرفاعي تذكر عنه أنه لمَّا حجَّ ووقف على القبر الشريف أنشد قائلاً:
في حالة البُعْدِ روحي كنت أُرْسِلها يُقبِّل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دوْلة الأشْباح قد حضرتْ فامْدُدْ يمينك كي تحظى بها شفتي
فخرجتْ له اليدُ الشَّريفةُ من القبر فقبَّلها بحضرة الناس وهو ينظرون!! انظر: «نور الأبصار» (ص330).
وقد أثنى عليه الذهبي في «السِّير» وفي «العبر» وغيرهما من كتبه، ونبَّه على أنَّ جميع ما يُنسب إليه إنما هو كذب عليه. قال - رحمه الله تعالى - في «العبر» (4/233): «ولكن أصحابه فيهم الجيِّد والرديء، وقد كثر الزغل فيهم، وتجدَّدت لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق؛ من دخول النيران، وركوب السِّباع، واللعب بالحيّات! وهذا لا عرفه الشَّيخ ولا صلحاء أصحابه؛ فنعوذ بالله من الشيطان».
وللأُستاذ عبد الرحمن دمشقية بحثٌ جيِّدٌ في بيان حال الرجل، والتنبيه على ما أحدثه بعده الأتباع والرّعاع، في كتاب أسماه «الرفاعية» (ص11 وما بعدها)

([16]) هو الشَّيخ الإمام الزاهد، عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيلي الحنبلي، شيخ بغداد. قال ابن رجب في «ذيل الطبقات» (1/244): «وبعض الناس يذكر نسبه إلى علي بن أبي طالب t». ولد بجيلان سنة (471هـ)، ومات سنة (561هـ). قال الذَّهبيُّ في «السِّير» (20/450) في ترجمته: « ليس في كبار المشايخ من له أحوال وكرامات أكثر من الشَّيخ عبد القادر، لكن كثيراً منها لا يصحّ، وفي بعض ذلك أشياء مستحيلة ».
وقال في آخرها (20/451): «وفي الجملة ؛ الشَّيخ عبد القادر كبير الشأن، وعليه مآخذ في بعض أقواله ودعاويه، والله الموعد، وبعض ذلك مكذوبٌ عليه».
- انظر ترجمته في: «العبر» (4/175)، «سير أعلام النبلاء» (20/439)، «طبقات الشعراني» (1/108)، «ذيل طبقات الحنابلة» (1/244)، «شذرات الذهب» (4/1198).

([17]) هو أحمد بن علي بن إبراهيم الحُسيني، أبو العبَّاس، المتصوِّف، شيخ العرب، المشهور بـ (السَّيِّد البدوي)، صاحب الشهرة بالديار المصرية. ولد بفاس سنة (596هـ)، ومات في طنطا سنة (675هـ). انظر ترجمته في: «طبقات الشعراني» (1/158 - 163)، «الأعلام» (1/175)، و«صراع بين الحق والباطل» لسعد صادق (ص26 - 30) ففيه كلام جيِّد في بيان حقيقة (السيد البدوي!).

([18]) هو إبراهيم بن عبد العزيز بن علي الدسوقي الحُسيني، ينتسب إلى الحسين بن علي. ولد في دسوق سنة (633هـ)، ومات سنة (676هـ). قيل كان يتكلَّم بجميع اللغات، وذُكر أنه يعرف لغات الوحش والطير، وأنه رأى في اللوح المحفوظ وهو ابن سبع سنين، وأنَّ قدمه لم تسعه الأرض، وأنه ينقل اسم مريده من الشقاوة إلى السعادة، وأنَّ الدُّنيا جُعلت في يده كالخاتم!!
- وانظر ترجمته في: «طبقات الشعراني» (1/143 - 158)، «شذرات الذهب» (7/350 - 351)، «أهل البيت في مصر» (ص134 136).

([19]) هو الإمام العلاَّمة الحافظ، قاضي القضاة، محمد بن علي بن وهب بن دقيق العيد. وُلِدَ بمدينة ينبع البحر في طريق الحجِّ سنة (625هـ). سمع من ابن المقيِّر، وابن عبد الدايم، وروى عنه علاء الدِّين القونوي، والقطب الحلبي. من أشهر مؤلفاته: «الإلمام»، «شرح العمدة». مات بالقاهرة سنة (702هـ). انظر: «تذكرة الحفاظ» (4/1481)، «البداية والنهاية» (14/28).

([20]) انظر ما يدلُّ على ذلك في كتاب «الكشف عن حقيقة الصوفية» لمحمود عبد الرؤوف القاسم (ص519).

([21]) راجع ترجمة ابن دقيق العيد - رحمه الله - في:
«تذكرة الحفاظ» (4/1481 - 1483)، «العبر» (4/6)، «معجم شيوخ الذهبي» (ص544)، «مرآة الجنان» لليافعي رغم صوفيته (4/177 - 178)، «البداية والنهاية» (14/28 - 29)، «طبقات السُّبكي» (9/207 - 249)، «ذيل التقييد لمعرفة رواة السُّنن والمسانيد» (1/325 - 326)، «الدرر الكامنة» (4/91 - 96)، «طبقات ابن قاضي شهبة» (2/225)، «النجوم الزاهرة» (8/164 - 165)، «الدليل الشافي» (2/658)، «السلوك في معرفة دول الملوك» (2/368)، «حسن المحاضرة» (1/317 - 320)، «شذرات الذهب» (6/5)، «البدر الطالع» (2/229 - 232).

([22]) لشيخ الإسلام مع البطائحية مناظرة مشهورة، انظرها بتمامها في «مجموع الفتاوى» (11/445 - 475). وقد استلَّها الأستاذ عبد الرحمن دمشقية وحقَّقها وعلَّق عليها في رسالة سمَّاها: «مناظرة ابن تيمية لطائفة الرفاعية» - نشر مكتبة ابن تيمية بالقاهرة، سنة (1409هـ).