عرض مشاركة واحدة
قديم 13-09-11, 09:53 AM   رقم المشاركة : 1
درة الايمان
أملي في الله ربي







درة الايمان غير متصل

درة الايمان is on a distinguished road


إتحاف النبيل بفوائد حديث جبريـل _ عليه السلام _

الشيخ ابو زكريا بن عاطي الجزائري
(المقال الأول)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده..أما بعد فهذا –بعون الرحمن الرحيم- هو المقال الأول في شرح حديث جبريل -عليه السلام- ضمن سلسلة المقالات التي تعنى بشرح بعض أحاديث الحبيب الشفيع والوقوف عند فوائدها ودررها والاستمتاع بلآلئها وكنوزها...فعلى الله الكريم اعتمادي وإليه تفويضي واستنادي

1- نص الحديث: عن عمر -رضي الله عنه- قال:"بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه..فقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟، قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه!فقال: فأخبرني عن الإيمان؟، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت..قال: فأخبرني عن الإحسان؟، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.قال: فأخبرني عن الساعة؟، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل..قال: فأخبرني عن أماراتها؟، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رِعاءَ الشاءِ يتطاولون في البنيان..ثم انطلق فلبثت مليًّا، ثم قال: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم"...رواه مسلم.

2- صحابي الحديث: هو عمر بن الخطاب القرشي، صحابي جليل مشهور، ثاني الخلفاء الراشدين المهديين، أول من لقب بأمير المؤمنين، وزير النبي –صلى الله عليه وسلم- وصهره....أدركه دعاء النبي–صلى الله عليه وسلم-:"اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك.."..وقد كان من صناديد قريش حتى قال بعض الصحابة:"لا يسلم ابن الخطاب حتى يسلم حمار الخطاب..فلما أكرمه الله بالإسلام اعتـز المسلمون وقوي جانبهم، كما قال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-:"لا زلنا أعزة منذ أسلم عمر"...هو المحدّث الملهم كما ثبت بذلك النص عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم-...وموافقاته لربه مشهورة معروفة..كانت تهابه شياطين الإنس والجنّ...ومع ذلك: ارتسم على وجهه خطان أسودان من شدّة البكاء..حكم فعدل..وروي له خمسمائة وتسعة وثلاثون حديثا...استمرت خلافته عشر سنين وستة أشهر ومات كصاحبيه وعمره ثلاث وستون سنة...رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة داره ومثواه...

3- منـزلة الحديث:
- هذا الحديث من معين النبوة الصادقة؛ يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثمانيةٌ من أصحابه الكرام رضي الله عنهم، وهم: عمر بن الخطاب، وولده عبد الله، وأبو هريرة، وأبو ذر الغِفاري، وعبدُ الله بن عباس، وأنس بن مالك، وأبو عامر الأشعري، وجرير بن عبد الله البجلي، وعنهم خلق كثير، حتى عدّه صاحب "نظم المتناثر" من المتواتر. - كما أنّ الحديث فيه بيان العقيدة، والعقيدة مبنية على أركان الإيمان الستة، وفيه بيان الشريعة، وذلك بذكر أركان الإسلام الخمسة، و فيه ذكر الآداب والسلوك، والعبادة، وتوجيه القلب إلى الله -جل وعلا- بذكر الإحسان، وفيه ذكر الساعة وأمارتها، وهذا نوع من المغيبات...
- وقد تضمن الحديث ذكر الإسلام والإيمان والإحسان، وفيه أن هذه الثلاثة هي الدين؛ لأنه في آخرها قال -عليه الصلاة والسلام-:"أتاكم يعلمكم دينكم" ..إذًا فالدين الذي هو خير الأديان وخاتمتها منقسم إلى ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان...ولهذا نقول: لم يبعد النجعة من سمى هذا الحديث (أم السنة) لأن السنة كلها راجعة إليه..أو هو أصلها كأمّ الكتاب وأمّ القرى...

4- معاني الكلمات:
طلع علينا: أي ظهر علينا.
لا يرى عليه أثر السفر: أي لا يرى عليه علامة السفر وهيئته.
أماراتها: علاماتها.
الحفاة: جمع حاف، وهو من لا نعل له في رجليه.
العراة: جمع عار، وهو من لا ثياب على جسده.
العالة: جمع عائل، وهو الفقير.
رعاء:جمع راع، وهو الحافظ للشيء القائم على شؤونه
والشاء: جمع شاة، وهي واحدة الضأن وفي لفظ صحيح: رعاة الشاة.
الساعة: القيامة.
فأخبرني عن أماراتها:الساعة لها أمارات، وهي الدلائل والعلامات والأشراط، قال -جل وعلا-:"فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا"
وأمارات الساعة قسمها العلماء إلى قسمين: أشراط وأمارات صغرى، وأشراط وأمارات كبرى، والمذكور هنا هو بعض الأمارات الصغرى، وهي تلك التي تحصل قبل خروج المسيح الدجال، ذكر منها:"أن تلد الأمَةُ ربَّتها"...وتطاول الرعاة والفقراء في البنيان.
قال:" ثم انطلق، فلبثت مليًّا"انطلق يعني: جبريل، "فلبثتُ": أي عمر -رضي الله عنه- مليًّا: جاء في بعض الروايات أنها ثلاثة أيام، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"يا عمرُ أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.

5-من فوائد الحديث:
(1) الإيمان قول وعمل ونيّة. وهذه كلّها قد اشتمل عليها الحديث الذي بين أيدينا. فالإيمان عند أهل الحق: قول باللسان، وتصديق بالجَنَان (اعتقاد جازم بالقلب)، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان...
(2) استنبط منه الإمام القرطبي-رحمه الله-: استحباب جلوس العالم بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا احتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه.فقد جاء في بعض روايات هذا الحديث: عن أبي ذر وأبي هريرة - رضي الله عنهما- قالا: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلس بين ظهري أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل. فطلبنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه. قال: فبنينا له دكانا من طين فجلس عليه وكنا نجلس بجنبتيه. وذكر نحو هذا الخبر فأقبل رجل فذكر هيئته حتى سلم من طرف السماط فقال: السلام عليك يا محمد قال فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم...الحديث.(صحيح سنن النسائي).
(3) وفيه أنه ينبغي للإمام ونوابه، وكذا العالم أن يبرزوا بعض الأوقات للناس لقضاء حوائجهم والنظر في مصالحهم؛ وفي بعض روايات هذا الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس).. قال الحافظ ابن حجر: أي ظاهرا لهم غير محتجب عنهم ولا ملتبس بغيره, والبروز الظهور.
(4) بيان تواضع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه وغيرهم. وكيف لا يكون كذلك وهو الذي قال فيه ربه:"وإنك لعلى خلق عظيم"؟!
(5) وفيه إشارة لما ينبغي للمسئول من العفو والصفح عما يبدو من جفاء السائل؛ لصنيعه المتقدم في جلوسه، ولتخطيه الرقاب حتى جلس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولكونه ناداه باسمه المجرد، مع أن ربه لم يناده باسمه المجرد خلافا لغيره من إخوانه الأنبياء والرسل –عليهم السلام-..
(6) وفيه أنه ينبغى للعالم أن يرفق بالسائل ويُدْنِيه منه ليتمكن من سؤاله غير هائب ولا منقبض، قاله النووي-رحمه الله-.
(7) قد يفهم من السياق أن السائل وضع كفيه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم.وقد أورد الحافظ في الفتح من حديث ابن عباس، وحديث أبي عامر الأشعري رواية مصرحة بذلك. وفي هذا من الفوائد: أن على طالب العلم أن يبالغ في الإصغاء إلى معلمه، ولا ينصرف عنه بالشواغل؛ فإنّ وضعَ السائلِ -وهو جبريل عليه السلام- يديه على فخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- صنيع منبه للإصغاء إليه والاهتمام الزائد بما يقوله.
(8) وفيه إجابة السائل بأكثر مما سأل.فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجاب السائل عن الساعة؟ بجواب جامع "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"..لم يكتف بذلك وإنما زاده أن بين له بعض أماراتها، فقال"وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتْ الأَمَةُ رَبَّتهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ"، ثُمَّ تَلا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ.."الآيَةَ.
وحديث عمر هذا يرويه عنه ولدُهُ عبدُ الله: فعن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل ...فذكر الحديث.
ولقد تضمن الجواب زيادة على السؤال للاهتمام بذلك إرشادا للأمة لما يترتب على معرفة ذلك من المصلحة. فأنت ترى أنهم سألاه عن علم الله، وعن القَدَرِ؟ فكان يكفيه أن يبيّن لهما معنى الإيمان، وأن القَدَرَ من الإيمان. لكنه أخبرهما عن معنى الإيمان والإسلام والإحسان وغير ذلك. وليس في هذا خروج عن النهج السَّويِّ، لعلم ابن عمر مدى ترابط هذه الأصول الثلاثة، والواجب معرفتها جميعا.
ودليل فعل ابن عمر من السنة: ما جاء عن أبي هريرة قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هو الطهور ماؤه الحل ميتته" رواه الخمسة.
(9) الحث على السؤال عن العلم النافع في الدنيا والآخرة، وترك السؤال عما لا فائدة فيه. وقد قال تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).وقد قيل: حسن السؤال نصف العلم. فحسن السؤال من أسباب تحصيل العلم. قيل لابن عباس:"بما بلغت العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول".وقال الزهري:"العلم خزانة مفتاحها المسألة".وسئل الأصمعي:"بم نلت ما نلت؟ قال: بكثرة سؤالي، وتلقفي الحكمة الشرود".
(10) آداب طلب العلم تسبق الطَّلَبَ نفسه، ولذلك تأدب جبريل في جلسته ثم سأل. وهذا له تأثير كبير على مدى استفادته من معلمه. فعليك بالأدب إن أردت انبساط العلماء إليك. وقد كان بعض السلف لا يعلّم من لمس منه سوء الأدب..
(11) أهمية التعليم عن طريق السؤال: طريقة السؤال والجواب، من الأساليب التربوية الناجحة قديماً وحديثاً، وقد تكررت في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في كثير من الأحاديث النبوية؛ لما فيها من لفت انتباه السامعين وإعداد أذهانهم لتلقي الجواب الصحيح. قال القاضي عياض –رحمه الله-:" وفي جملة حديث السائل من الفقه...أمر العالم الناس سؤاله عما يحتاجون إليه ليُبيّنه لهم، وأنهم إن لم يحسنوا السؤال ابتدأ التعليم من قبل نفسه؛ كما فعل جبريل، أو يجعل من يسأل فيجيب بما يلزمهم علمه". كما ينبغي لمن حضر مجلس علم، ورأى أنّ الحاضرين بحاجة إلى معرفة مسألة ما، ولم يسأل عنها أحد، أن يسأل هو عنها ـ وإن كان هو يعلمها ـ لينتفع أهل المجلس بالجواب كما فعل جبريل في هذه القصة. فقد كان غرض جبريلَ عليه السلام من أسئلته هذه أن يتعلم المسلمون، وهذا ما بينه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أتاكم يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. وفي رواية أبي هريرة عند البخاري ومسلم: هَذَا جِبْرِيلُ أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا).
وهذا الأسلوب يعتبر من أبرز الأساليب التي اتبعها نبيُُّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -في تعليم الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
ونضرب لذلك مثالين:أحدهما: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار".
والآخر: عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّ من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم حدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة. قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا".
(12) استحباب الأبيض من اللّباس: فسياق هذا الحديث يقتضي مدح من كان على هذه الصفة –شدّة بياض الثياب-، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب الثياب البيض، وكان يلبسها، وأمر بتكفين الموتى فيها..
وقد كان الإمام مالك –رحمه الله- لا يجلس مجلس الحديث حتى يتطهر ويتطيب ويلبس أحسن الثياب احتفاء بحديث النبي –صلى الله عليه وسلم-..
(13) مشروعية الرحلة في طلب العلم: وفي ذلك –زيادة على حديثنا- قصة موسى مع الخضر -عليهما السلام-. وهي قصة شهيرة معروفة ماتعة، وردت تفاصيلها في القرآن والسنة.
وقد رحل جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- شهراً كاملاً في مسألة واحدة.وكان سعيد بن المسيب –رحمه الله- يقول:" إن كنت لأسهر الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد".
(14) اليقظة في مجلس العلم تفيد في حفظه ونشره: ولذلك حفظ عمر –رضي الله عنه-الأسئلة بأجوبتها.
(15) وجوب ردّ العلم إلى الله تعالى. وقد كان الصحابة الكرام إذا سُئلوا عن شيء لا يعلمونه، قالوا: الله ورسوله أعلم. وهذا أدب مع الله تعالى إذ يردون العلم إليه، وأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم إذ هو مصدر التلقي والمبلغ عن ربه عزَّ وجل.
وجاء في صحيح البخاري في حديث اجتماع موسى بالخضر عليهما السلام: أن موسى عليه السلام قام خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بمجْمع الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعلَمُ منك، قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ، فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ، فَانْطَلَقَ، وانطلق بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَحَمَلا حُوتًا فِي مِكْتَلٍ حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ...الحديث.
(16) من أخطأ "لا أدري" أصيبت مقاتله: فينبغي لمن سئل عن شيء لا يعلمه، أن يقول: لا أعلم، أو: لا أدري، ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته, بل يكون ذلك دليلا على مزيد ورعه وتقواه.
وقد كان علماء السلف يرون أنّ "لا أدري" نصف العلم.وقد قال الشعبي رحمه الله: لا أدري. فقيل له: أما تستحي أن تقول هذه الكلمة وأنت فلان..قال: إن الملائكة لم تستحيِ حينما قالت: لا علم لنا إلا ما علمتنا...وقال ابن وهب: لو كتبنا عن مالك لا أدري لملأت الألواح...وقال ابن عجلان:”إذا أخطأ العالم لا أدري أصيبت مقاتلة“.
قال ابن مسعود:”أيها الناس، من علم منكم شيئاً فليقل، ومن لم يعلم فليقل لما لا يعلم: الله أعلم“..وفي هذا إشارة إلى أنه المسؤول عن الشيء بعد وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم- لا ينبغي أن يقول:"الله ورسوله أعلم" وإنما كان ذلك أدبا في حياة المصطفى-صلى الله عليه وسلم-.
(17) ذكاء الصحابة الكرام: فقد تعجبوا لتصديقه مع أنه سائل، ثمّ عدم إنكار النبي –صلى الله عليه وسلم- عليه..كما تعجبوا من عدم معرفتهم بالسائل من جهة وعدم ظهور آثار السفر عليه من جهة أخرى..
(18) سؤال القادم، أو السائل عن اسمه ليس على سبيل الوجوب: ففي حديث ابن عباس في خبر وفد عبد القيس، قال:"من القوم؟ أو من الوفد؟" -الشك من الراوي-، وفي هذا الحديث لم يسأل السائل عن اسمه أو ما يعرف به؛ فيحمل فعله الأول على الاستحباب.
(19) ينبغي للسائل أو المستمع حين استماعه لجواب أو حديث، أن ينطقَ بما يُشعِر -من يحدّثه- انتباهه وحضور قلبه، وهذا يظهر في قول جبريل -عليه السلام- للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-"صدقت"، أكثر من مرّة.
(20) إذا كان السؤال عاماً، فالأفضل أن تقتصر الإجابة على أهم المهمات، فالسؤال عن الإسلام وخصاله سؤال عام يدخل تحته أعمال الجوارح كلّها، لكنه اقتصر على أهم المهمات وهي الأركان.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
انتهى –بفضل الله وكرمه- المقال الأول في شرح حديث جبريل –عليه السلام-، ويليه –بإذن الله تعالى- المقال الثاني، فترقبوه - رعاكم الله وأيّدكم-.






التوقيع :
...




***

قال بعض السلف :
متى أطلق الله لسانك بالدعاء والطلب فاعلم انه يريد ان يعطيك وذلك بصدق الوعد بإجابة من دعاه الم يقل الله تعالى : "فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"
من مواضيعي في المنتدى
»» هل هذا الحديث صحيح؟؟
»» بين الموت والحياة ثواني سبحان الله
»» مغامرات اللّيبراليين ببلاد الحرمين
»» أنور مالك: لكل من سألني لماذا صرت تدافع عن الثورة السورية؟ أقول:
»» مادمت تقرأ الأذكار أبشر بكل خير