عرض مشاركة واحدة
قديم 14-10-08, 08:25 PM   رقم المشاركة : 9
أعلى المئذنة
عضو نشيط







أعلى المئذنة غير متصل

أعلى المئذنة is on a distinguished road


نافذة بلا ستائر
السبت,تشرين الأول 14, 2006

أوهام إبراهيم عيسى (مقال )

أوهام إبراهيم عيسى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ

فى مقاله المنشور بجريدة الدستور المصرية فى عدد الرابع من رمضان خرج علينا الأستاذ إبراهيم عيسى برأي عجيب وهو أنه لا يصدق أن النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودى بثلاثين صاعا من الشعير . وقال بالحرف : ( ستقول إن هذا حديث فى البخاري , على عيني ورأسي البخاري لكن النبي لم يرهن سلاحه فى حياته ولا قبل وفاته لا ليهودي ولا لمجوسي ) وساق الكاتب عددا من الأدلة التى يؤيد بها رأيه , منها أن النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم فى أيامه الشريفة الأخيرة لم يكن محتاجا يمد يده لأحد بسبب نصيب النبي من غنائم الحرب والغزوات وقلة نفقاته على أهل بيته لأنه لم يكن ملكا . وأضاف : ( لو افترضنا أن النبي فى حاجة ماسة لثلاثين صاعا من الشعير فمن باب أولى أن يرهن أو يقترض من مليارديرات الإسلام من الصحابة العظام الذين كانوا موجودين على ذات الأرض ودعموا ومولوا وساندوا دعوة الإسلام بأموالهم وثرواتهم ) . وانتهى الكاتب إلى أن هذه الرواية ( حديث الدرع المرهونة ) لا تصح ولا يجب أن تصح لا تاريخا ولا عقلا ولا نقلا .

ويبدو من القراءة المتأنية لهذا المقال أن الهدف الأول لكاتبه هو أن يملأ نصف الصفحة التى تفردها له جريدة الدستور من خلال موضوع ديني يتفق مع جلال شهر رمضان الكريم . فجاء المقال مليئا بالأخطاء العقلية والنقلية والتاريخية . ولنبدأ من البداية :

فأما أن إبراهيم عيس لا يصدق حديثا ورد فى صحيح البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد . فهذه مشكلته وحده , ويكفى أن نقول له فى هذا الصدد : إن هناك علما فى الإسلام اسمه علم الجرح والتعديل أو علم الرجال .نشأ مع ظهور الإسلام حين كان النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن أشياء يحب أن يطمئن إليها فى إنسان ما . وتطور هذا العلم على يد كوكبة من العلماء أفنوا حياتهم فى تتبع رواة الأحاديث والوقوف على سلوكهم ومذاهبهم ومعرفة أهوائهم .فوثقوا منها ما رأوه ثقة وضعفوا ما ثبت ضعفه عندهم . وكان الهدف الأسمى لهذا العلم صون حديث الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم

من كذب أصحاب الهوى .ووضع الحديث فى موضعه من الصحة أو الضعف أو الفساد , ولم يتحرج العلماء من إظهار الغلظة على الكذابين والتصدي للرواة المتقولين على النبي الكريم . فعبد الرحمن بن مهدى يقول : سألت شعبة وابن المبارك والثوري ومالك بن أنس عن الرجل يتهم بالكذب . فقالوا : انشر فإنه دين .

فإذا جاء إبراهيم عيسى وقال البخاري على عيني ورأسي ولكني لا أصدق هذا الكلام ولا يدخل عقلي على الإطلاق فإننا نقول له إن المشكلة فى عقلك ؛ لأن العقل السليم لا يمكن أن يصدق أن البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وابن حبان وأحمد والشافعي – مع منزلتهم ومكانتهم الخلقية والعلمية – يمكن أن تضل عقولهم وأهواؤهم فيثبتوا فى كتبهم حديثا مشكوكا فى صحته .

أما الحديث نفسه فيمكن الاستدلال على صحته نقلا وعقلا وتاريخا . فهذا الحديث الشريف ورد فى عدد كبير من الكتب منها صحيح البخاري وسنن النسائي ومسند الشافعي وسنن ابن ماجه وصحيح ابن حبان وغيرها , وورد الحديث بصيغ مختلفة . ولكنها جميعا تدور حول معنى واحد هو أن النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم اشترى من أحد اليهود طعاما وأعطاه درعه رهنا . وأن الرسول مات ودرعه مرهونة عند ذلك اليهودي . ففي صحيح ابن حبان عن عائشة أن رسول اله صلى الله صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهودي طعام إلى سنة ورهنه درعا من حديد . وفى صحيح ابن حبان أيضا عن أنس قال : رهن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم درعا له عند يهودي بدينار فما وجد ما يفتكها به ( يفك رهنها ) حتى مات . وفى مصنف أبى شيبة عن ابن عباس قال : " قبض رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم و درعه مرهونة بثلاثين صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله " . وفى مسند الشافعي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : " رهن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم درعه عند أبى الشحم اليهودي "

والقراءة المتأنية لهذه الروايات تؤدى بنا إلى حقائق واضحة : الأولى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رهن درعه عند يهودي فى مقابل طعام أحضره لأهل بيته , وفى رواية أن هذا الطعام كان شعيرا وفى رواية دقيقا وفى رواية أن مقدار هذا الشعير ثلاثون صاعا وفى رواية عشرون . وفى صحيح ابن حبان عن أنس أن قيمة هذا الطعام كانت دينارا . ونخرج من هذه الروايات بالحقيقة المؤكدة وهى أن الرسول رهن درعه عند اليهودي من أجل طعام لأهل بيته سواء كان هذا الطعام شعيرا أو دقيقا وسواء كانت قيمته دينارا أو أكثر . والحقيقة الثانية أن الرسول كان بحاجة إلى هذا الطعام فقد ذكر أنس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي نفس محمد بيده ما أصبح لآل محمد ولا أمسى إلا صاع وإنهم تسعة أبيات " لأن عنده يومئذ تسع نسوة . ولم يقل الرسول ذلك متضجرا ولا شاكيا وإنما قاله معللا رهن درعه عند اليهودي . وفى مصنف عبد الرازق رواية تبين أن الرسول اضطر إلى رهن درعه . تقول الرواية إن رجلا كان يطالب النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم بحق فأغلظ له , فأرسل النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم إلى يهودي للتسليف منه فأبى أن يسلفه إلا برهن فبعث إليه بدرعه وقال إني لأمين فى الأرض أمين فى السماء .

والحقائق التاريخية تثبت أن نصيب الرسول من غنائم الحروب والغزوات كان سريعا ما ينفد بسبب نفقة الرسول على بيته وعياله أو بسبب تصدقه على الفقراء والمساكين , وقد علق صاحب فتح الباري على حديث الدرع المرهونة بقوله : " وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والزهد فى الدنيا والتقلل منها مع قدرته عليها والكرم الذي أفضى به إلى عدم الادخار حتى احتاج إلى رهن درعه " ونحن لا نستبعد ذلك من الرسول الكريم فهو القائل : " لو كان لي مثل أحد ذهبا ما يسرني أن لا يمر على ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين " وقد ثبت أن النبي كان يستلف حتى إذا جاءته أموال الصدقة رد ما كان قد استلفه بمثله أو أفضل منه . فعن عطاء بن يسار عن أبى رافع قال : ( استلف رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم بكرا فجاءته إبل من الصدقة فأمرني أن أقضى الرجل َ بكرَه . فقلت لم أجد فى الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم : أعطه إياه . فإن خيار الناس أحسنهم قضاء ) . وروت عائشة أنه استلف من خولة بنت حكيم وسق تمر عجوة ثمنا لجذور اشتراه من أعرابي . وكان السلف بينهم مشهورا معروفا . فعن محمد بن أبى مجالد قال : ( أرسلني أبو بردة وعبد الله بن شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أوفى فسألتهما عن السلف . فقالا : كنا نصيب المغانم مع رسول اله صلى الله صلى الله عليه وسلم فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم فى الحنطة والشعير والزبيب إلى أجل مسمى . قال . فقلت : أكان لهم زرع . أو لم يكن لهم زرع . قالا : ما كنا لنسألهم عن ذلك ) فها هو رسول الله يسلف أنباط الشام الشعير والحنطة والزبيب إلى أجل مسمى دون أن يعلم إن كان لهم زرع أم لا , ولما احتاج الرسول إلى الطعام لأهل بيته أرسل إلى اليهودي يستلف منه الشعير فقال : إنما يريد محمد أن يذهب بمالي , فقال النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم : كذب . إني لأمين فى الأرض أمين فى السماء . ولو ائتمنني لأديت . اذهبوا إليه بدرعي .

والعقل لا ينكر أن يكون الرسول قد استلف شعيرا أو دقيقا من يهودى ورهن درعه عنده . فقد أحل الإسلام طعام أهل الذمة والأكل من ذبائحهم والتزوج بنسائهم وأباح زيارتهم وعيادة مرضاهم وتقديم الهدايا لهم . وكان بعض الصحابة إذا ذبح شاة يقول لخادمه : ابدأ بجارنا اليهودي . فلا يستبعد بعد ذلك أن تمتد هذه الإباحة إلى مبادلتهم البيع والشراء . ولو كان هذا الشراء بالثمن المؤجل . قال صاحب البدائع : " ويسكنون فى أمصار المسلمين , يبيعون ويشترون لأن عقد الذمة شرع ليكون وسيلة إلى إسلامهم . وتمكينهم من المقام فى أمصار المسلمين أبلغ فى هذا المقصود وفيه أيضا منفعة المسلمين بالبيع والشراء.

وهذا اليهودي _ كما ورد فى بعض الروايات _ هو أبو الشحم من بنى ظفر وهى بطن من الأوس ولم يكن بينه وبين المسلمين عداء . فلا مانع يمنع من التعامل معه بالبيع والشراء . وما كان الرسول ليرهن سلاحه عند يهودى حربى .

أما لماذا لم يرهن الرسول أو يقترض من أغنياء المسلمين فقد قال العلماء : والحكمة فى عدوله صلى الله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما لبيان الجواز أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمنا أو عوضا فلم يرد التضييق عليهم .

ويتساءل إبراهيم عيسى فى مقاله : ( إذا كان النبي قد مات ودرعه مرهونة عند يهودى . فما مصير هذه الدرع .فلم نجد كتابا ولا سيرة ولا تاريخا حكى لنا عن أبى بكر وقد استرد الدرع وسدد رهنها ولا عن عمر بن الخطاب ) ونقول له للمرة الثانية اقرأ فإنك لم تقرأ . فقد روى اسحق بن راهويه فى مسنده عن الشعبي مرسلا أن أبا بكر افتك الدرع وسلمها لعلى بن أبى طالب , وذكر الطلاع فى الأقضية النبوية أن أبا بكر افتك الدرع بعد النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم .

بقى أن نشير إلى أن الرأي الذي انتهى إليه إبراهيم عيسى وهو أنه لا يصدق حديث البخاري أو يشكك فى صحته . هذا الرأي سبقه إليه الأستاذ يسرى الخطيب فى كتابه المعنون بين شهيق وزفير . وكل ما كتبه إبراهيم عيسى تنويع على هذا الرأي دون الاحتكام إلى العقل والنقل والتاريخ .والله ورسوله أعلى وأعلم


منقول

المصدر
http://hani.maktoobblog.com/116926/%...2%D8%A7%D9%84_)