فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة ، يؤمنون به من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل (1) وهؤلاء هم الوسط في فرقة الأمة ، كما أن الأمة المرحومة هي الوسط في الأمم ، فهم وسط الأمة في باب الصفات (2) بين أهل التعطيل الجهمية ، وأهل التمثيل المشبهة ، كما أنهم وسط في باب أفعاله (3) تعالى بين الحرورية والقدرية ، وفي باب أسماء الإيمان والدين (4) بين المعتزلة والمرجئة .
وفي أصحاب (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج .
ومما نطق بها القرآن ، وصح بها النقل من الصفات " النفس " قال تعالى : . . . { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } . . . [ المائدة : 116 ] .
وقال تعالى : . . . { كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } . . . [ الأنعام : 12 ] .
وقال تعالى : { وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } [ طه : 41 ] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم » (1) إلى غير ذلك من الأدلة .
« وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء (2) ويوعيها (3) ما أراد » .
وأن الله تعالى يجيء يوم القيامة كما قال : { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } [ الفجر : 22 ] .
وأن الله يقرب من خلقه ، كيف شاء كما قال : . . . { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] .
_________
ومن صفاته سبحانه : اليد (1) ، واليمين (2) ، والكف (3) ، والإصبع (4) ، والشمال (5) ، والقدم (6) ، والرجل (7) ، والوجه (8) ، والنفس (9) ، والعين (10) ، والنزول (11) ، والإتيان (12) ، والمجيء (13) ، والكلام (14) ، والقول (15) ، والساق (16) ، والحقو (17) ، والجنب (18) ، والفوق (19) ، والاستواء (20) ، والقوة (21) ، والقرب (22) ، والبعد (23) ، والضحك (24) ، والتعجب (25) ، والحب (26) ، والكره (27) ، والمقت (28) ، والرضا (29) ، والغضب (30) ، والسخط (31) ، والعلم (32) ، والحياة (33) ، والقدرة (34) ، والإرادة (35) ، والمشيئة (36) ، والفوق (37) ، والمعية (38) ، والفرح (39) ، إلى غير ذلك مما نطق به الكتاب والسنة . فأدلة ذلك مذكورة فيها .فكل هذه الصفات ، تساق مساقا واحدا ، ويجب الإيمان بها على أنها صفات حقيقية ، لا تشبه صفات المخلوقين ، ولا يمثل ، ولا يعطل ، ولا يرد ، ولا يجحد ، ولا يؤوَّل بتأويل يخالف ظاهره .
(1) مضى ذكر الأدلة على إثبات « اليدين » لله تبارك وتعالى .
(2) لما ثبت أن « كلتا يديه يمين » صحيح مسلم ( 1827 ) انظر التعليق رقم ( 5 ) بهذه الصفحة .
(3) لما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا في فضل الصدقة : « . . . فتربُو في كف الرحمن » . رواه مسلم ( 1014 ) والحديث رواه البخاري أيضا ( 3 / 278 و 13 / 415 فتح الباري ) وليس فيه ذكر « الكف » .
(4) انظر التعليقين السابقين رقم ( 1 ) بحاشية ص 48 ورقم ( 2 ) بحاشية ص 69 .
(5) اتفق أهل السنة والجماعة على إثبات اليد صفة لله ، واتفقوا أيضا على أن يديه اثنتان كما قال تعالى : . . . بل يداه مبسوطتان . . . ( المائدة - 64 ) ، وقوله : . . . لما خلقت بيدي . . . ( ص - 75 ) . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في أهليهم وحكمهم وما ولوا » . واختلفوا في إطلاق الشمال على قولين أصحهما الجواز وهو قول الإمام عثمان بن سعيد الدارمي والقاضي أبي يعلى والإمام ابن جرير فيما يظهر من تفسيره سورة الزمر ، ومن المتأخرين الإمام محمد بن عبد الوهاب . وحجتهم الأحاديث التي ورد فيها ذكر الشمال . وذهب آخرون إلى عدم جواز ذلك وهو قول إمام الأئمة ابن خزيمة والخطابي والبيهقي . واحتج هؤلاء بحديث « وكلتا يديه يمين » وزعم بعضهم أن هذا الحديث معارض لأحاديث الشمال وهو أقوى منها والتحقيق أنه لا تعارض بينها ، قال العلامة الجليل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في تعليقه على كتاب التوحيد : « وفي هذا إثبات الصفات وأنه سبحانه له يمين وشمال ، وأن كلتا يديه يمين ، كما في الحديث الآخر ، وسمى إحداهما يمينا والأخرى شمالا من حيث الاسم ، ولكن من حيث المعنى والشرع كلتاهما يمين وليس في شيء منهما نقص » .
(6) انظر التعليق رقم ( 3 ) بحاشية ص 65 .
(7) انظر صحيح البخاري ( 8 / 595 فتح ) وصحيح مسلم ( 2846 ) .
(8) قال تعالى وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [ الرحمن : 27 ] .
(9) انظر آيات هذا الفصل عند المؤلف .
(10) جاء في الحديث الذي يحذر به النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الدجال « أنه أعور وأن الله ليس بأعور » . انظر صحيح البخاري ( 13 / 91 ) وصحيح مسلم ( 2933 ) .
(11) مضى الكلام عليه مفصلا تعليق رقم ( 1 ) بحاشية ص 64 .
(12) قال تعالى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ . . . [ البقرة : 210 ] .
(13) قال تعالى : وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [ الفجر : 22 ] .
(14) سيأتي الكلام عليه مفصلا في الفصل القادم .
(15) قال تعالى : . . . وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [ الأحزاب : 4 ] .
(16) انظر صحيح البخاري ( 13 / 421 فتح ) حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في الرؤية إذ فيه « . . . فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن » وانظر صحيح مسلم ( 183 ) .
(17) الحَقْوُ في اللغة : الإزار أو معْقِدُه ( القاموس المحيط 4 / 320 ) والنهاية ( 1 / 417 ) . [ فالحديث في صحيح البخاري ذكر بأن الرحم أخذت بحقو الرحمن . ( فتح الباري : 8 / 579 ) ح 4830 وفي هذا غنية ] .
(18) قال تعالى : وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله [ الزمر : 55 ، 56 ] . والأئمة في تفسير قوله تعالى : « في جنب الله » على خمسة أقوال : أحدها : في طاعة الله تعالى . والثاني : في حق الله . والثالث : في أمر الله . والرابع : في ذكر الله . والخامس : في قرب الله وجواره . فيكون المعنى عندهم على ما فرطت في طلب قرب الله تعالى وهو الجنّة . ولهذا لا تصلح هذه الآية وحدها لإثبات أن « الجنب » من الصفات لأن الآية ما سيقت لذلك ولم يفسرها أحد بذلك . وقد قال الإمام الدارمي في « الرد على المريسي » ( ص 540 عقائد السلف ) : « إنما تفسيرها عندهم تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعو إلى ذات الله تعالى واختاروا عليها الكفر والسخرية بأولياء الله ، فهذا تفسير الجنب عندهم ، فمنْ أنبأك أنهم قالوا جنب من الجنوب فإنه يجهل هذا المعنى كثير من العوام فضلا عن علمائهم وقد قال أبو بكر - رضي الله عنه - : » الكذب مجانب للإيمان « وانظر تفسير الطبري ( 25 / 13 ) و » زاد المسير « ( 7 / 192 ) و » مجموع الفتاوى « . ( 6 / 394 ) .
(19) نؤمن بأن الله فوق خلقه . كما قال تعالى عن الملائكة يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ . . . [ النحل : 50 ] وقد تقدمت الأدلة التفصيلية على علو الله على خلقه وهذا مما أجمع عليه سلف الأمة .
(20) تقدمت مباحثه مفصلة .
(21) قال تعالى : إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [ الذاريات : 58 ] .
(22) قال تعالى : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ . . . [ البقرة : 186 ] .
(23) لا يوصف الله بـ « البعد » إذ هذا الوصف مما لا دليل عليه في الكتاب والسنّة بل يخالف قوله تعالى : . . . فَإِنِّي قَرِيبٌ . . . ولعل المؤلف أراد العلو عندما ذكر القرب وقد سبق أن قال المؤلف : « فكل ما في الكتاب والسنّة من الأدلة الدالة على قربه ومعيته لا ينافي ما ذكره من علو وفوقيته فإنه سبحانه عليٌّ في دُنُوِّه وقريب في عُلُوِّه » .
(24) قال صلى الله عليه وسلم : « يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة يُقاتِل هذا في سبيل الله فيُقتل ثم يتوب الله على القاتل فيُستشهد » البخاري ( 6 / 39 فتح ) ومسلم ( 1867 ) كلاهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(25) قال صلى الله عليه وسلم : « عَجِبَ الله من قوم يدخلون الجنة في السّلاسِل » رواه البخاري ( 6 / 145 فتح ) .
(26) قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ . . . [ المائدة : 54 ] .
(27) قال تعالى : . . . وَلَكِنْ كَرِهَ الله انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ . . . [ التوبة : 46 ] .
(28) قال تعالى : كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [ الصف : 3 ] .
(29) قال تعالى : لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ . . . [ الفتح : 18 ] .
(30) قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ . . . [ الممتحنة : 13 ] .
(31) قال تعالى : . . . لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ الله عَلَيْهِمْ . . . [ المائدة : 80 ] .
(32) قال تعالى : عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [ العلق : 5 ] .
(33) قال تعالى : الله لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ . . . [ البقرة : 255 ] .
(34) قال تعالى : تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ الملك : 1 ] .
(35) قال تعالى : . . . إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [ هود : 107 ] .
(36) قال تعالى : . . . قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ . . . [ آل عمران : 73 ] .
(37) انظر التعليق : رقم ( 9 ) بحاشية ص 71 .
(38) قال تعالى : . . . وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [ الحديد : 4 ] . وليعلم القارئ أن هذه المعية هي معية العلم والإحاطة - لا معية الذات - كما ذكر أهل التفسير ، وقد مضى قول نعيم بن حماد وبيان المصنف لمعنى المعية فليراجع .
(39) انظر التعليق رقم ( 1 ) بحاشية ص 65 .