عرض مشاركة واحدة
قديم 11-09-08, 01:11 PM   رقم المشاركة : 6
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


حكم الاعتماد على الحساب الفلكي


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :


فقد كثر الكلام حول العمل بالحساب الفلكي في دخول شهر رمضان وخروجه وتحديد الأعياد فرأيت إيضاح الحكم وبيانه لعامة الناس في هذه البلاد وغيرها ، ليكونوا على بصيرة في عبادتهم لربهم ، فأقول وبالله التوفيق :



إن الله سبحانه وتعالى علق بالهلال أحكاماً كثيرة كالصوم والحج والأعياد والعدد والإيلاء وغيرها ؛ لأن الهلال مشهود مرئي بالأبصار ومن أصح المعلومات ما شوهد بالأبصار ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الحكم بالهلال معلقاً على الرؤية وحدها ؛ لأنها الأمر الطبيعي الظاهر الذي يستطيعه عامة الناس فلا يحصل لبس على أحد في أمر دينه ،


كما قال صلى الله عليه وسلم : (( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا )) ، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين [1] ،


وقال صلى الله عليه وسلم : (( لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ))[2] .


ومن هذا يتبين أن المعول عليه في إثبات الصوم والفطر وسائر الشهور هو الرؤية أو إكمال العدة ، ولا عبرة شرعاً بمجرد ولادة القمر في إثبات الشهر القمري بدءاً وانتهاء بإجماع أهل العلم المعتد بهم ما لم تثبت رؤيته شرعاً . وهذا بالنسبة لتوقيت العبادات ، ومن خالف في ذلك من المعاصرين فمسبوق بإجماع من قبله وقوله مردود ؛ لأنه لا كلام لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا مع إجماع السلف .


أما حساب سير الشمس والقمر فلا يعتبر في هذا المقام لما ذكرنا آنفاً ولما يأتي :



أ‌- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لها في قوله : (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ))[3] وحصر ذلك فيها بقوله : (( لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه ))[4] وأمر المسلمين إذا كان غيم ليلة الثلاثين أن يكملوا العدة ، ولم يأمر بالرجوع إلى علماء النجوم .


ولو كان قولهم هو الأصل وحده ، أو أصلاً آخر مع الرؤية في إثبات الشهر لبين ذلك .


فلما لم ينقل ذلك بل نقل ما يخالفه دل ذلك على أنه لا اعتبار شرعاً لما سوى الرؤية ، أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات الشهر ، وأن هذا شرع مستمر إلى يوم القيامة . قال الله تعالى : وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً [5] .



ودعوى أن الرؤية في الحديث يراد بها العلم ، أو غلبة الظن بوجود الهلال ، أو إمكان رؤيته لا التعبد بنفس الرؤية مردودة ؛ لأن الرؤية في الحديث متعدية إلى مفعول واحد فكانت بصرية لا علمية ، ولأن الصحابة فهموا أنها رؤية بالعين ، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة من غيرهم .



وجرى العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهدهم على ذلك ، لم يرجعوا إلى علماء النجوم في التوقيت . ولا يصح أيضاً أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : (( فإن غم عليكم فاقدروا له ))[6] أراد أمرنا بتقدير منازل القمر لنعلم بالحساب بدء الشهر ونهايته ؛ لأن هذه الرواية فسرتها رواية : (( فاقدروا له ثلاثين ))[7] وما في معناها .



ومع ذلك فالذين يدعون إلى توحيد أوائل الشهور يقولون بالاعتماد على حساب المنازل في الصحو والغيم والحديث قيد القدر له بحالة الغيم .



ب- أن تعليق إثبات الشهر القمري بالرؤية يتفق مع مقاصد الشريعة السمحة ؛ لأن رؤية الهلال أمرها عام يتيسر لأكثر الناس من العامة والخاصة في الصحاري والبنيان بخلاف ما لو علق الحكم بالحساب فإنه يحصل به الحرج ويتنافى مع مقاصد الشريعة ، لأن أغلب الأمة لا يعرف الحساب ، ودعوى زوال وصف الأمية بعلم النجوم عن الأمة غير مسلمة ، ولو سلمت فذلك لا يغير حكم الله ؛ لأن التشريع عام للأمة في جميع الأزمنة .



ج- أن علماء الأمة في صدر الإسلام قد اجمعوا على اعتبار الرؤية في إثبات الشهور القمرية دون الحساب فلم يعرف أن أحداً منهم رجع إليه في ذلك عند الغيم ونحوه ، أما عند الصحو فمن باب أولى .



د- تقدير المدة التي يمكن معها رؤية الهلال بعد غروب الشمس لولا المانع من الأمور الاعتبارية الاجتهادية التي تختلف فيها أنظار أهل الحساب ، وكذا تقدير المانع ، فالاعتماد على ذلك في توقيت العبادات لا يحقق الوحدة المنشودة .



ولهذا جاء الشرع باعتبار الرؤية فقط دون الحساب رحمة للأمة وحسماً لمادة الاختلاف ورداً لهم إلى أمر يعرفونه جميعاً أينما كانوا .



هذا وينبغي الانتباه إلى أن اختلاف المطالع من المسائل التي حصل فيها الاختلاف بين أهل العلم ، وقد درستها هيئة كبار العلماء في إحدى دوراتها السابقة واتخذت قراراً بالأكثرية مضمونه :


أن الأرجح قول من قال : إن لكل بلد رؤيته وعليهم أن يرجعوا إلى علمائهم في ذلك عملاً بما رواه مسلم في صحيحه من حديث كريب عن ابن عباس ونصه : عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية في الشام ، قال : فقدمت الشام فقضيت حاجتها ، واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة



ثم قدمت المدينة آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ، ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت : رأيناه ليلة الجمعة . فقال : أنت رأيته . فقلت : نعم ، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين أو نراه ، فقلت : أو لا تكتفي برؤية معاوية ؟


فقال : لا ، (( هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ))[8] . أ . هـ .



فأما قول من قال إنه ينبغي أن يكون المعتبر رؤية هلال مكة خاصة ، فلا أصل له ولا دليل عليه ، ويلزم منه أن لا يجب الصوم على من ثبتت رؤية الهلال عندهم من سكان جهات أخرى إذا لم ير الهلال بمكة .



وختاماً أسأل الله أن يمن على المسلمين بالفقه في دينه والعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يعيذهم من مضلات الفتن ، وأن يولي عليهم خيارهم إنه سميع قريب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .





--------------------------


[1] رواه البخاري في الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا نكتب ولا نحسب )) برقم 1913 ، ومسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم 1080


[2] رواه البخاري في الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((إذا رأيتم الهلال فصوموا)) برقم 1906 ، 1907 ، ومسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم 1080


[3] رواه مسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤيته برقم 1081 ، والنسائي في الصيام باب ذكر الاختلاف على عمرو بن دينار برقم 2124


[4] رواه البخاري في الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((إذا رأيتم الهلال فصوموا)) برقم 1773 ، ومسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم 1795


[5] سورة مريم ، الآية 64


[6] رواه البخاري في الصوم باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان برقم 1767 ، ومسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم 1799


[7] رواه مسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم 1796


[8] رواه مسلم في الصيام باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم برقم 1087


http://www.binbaz.org.sa/mat/8411