عرض مشاركة واحدة
قديم 03-07-08, 08:31 PM   رقم المشاركة : 1
مفوز المبارك
عضو ماسي







مفوز المبارك غير متصل

مفوز المبارك is on a distinguished road


هل السلفية هي خط الدفاع الأخير وضوء على الرافضة وحزب اللات


" منقول "


الجنرال الأمريكي (جون أبي زيد) قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، يعتبر أن الإستراتيجية الفائزة في العراق وفي أنحاء العالم الإسلامي هي عزل الطليعة السلفية عن المسلمين العاديين الذين يرغبون في حياة أفضل وأكثر حرية، وهو يقول إن «وعاظ السلفيين يرون أنفسهم جزءاً من طليعة حركة مهمتها دفع المسلمين الآخرين نحو تبني (الأفكار الراديكالية)» ويشـبه أبي زيد ـ قبحه الله ـ هؤلاء بلينين وتروتسكي وزعماء الشيوعية الآخرين. وخلال تجمُّع لخبراء في السياسة الخارجية بواشنطن، طرح أبي زيد سؤالاً وجيهاً: ماذا كنتم فاعلين عام 1890 لو كنتم تعلمون مدى الدمار الذي ستجلبه تلك الطليعة البلشفية؟»(1) والجواب معروف طبعاً.
التيارات السلفية إذن هي هدف الهجوم الأول بالنسبة للصف المعادي، وتكمن المفارقة هنا في أن السلفية بالنسبة للصف الإسلامي هي خط الدفاع الأخير، أو بلفظ آخر هي آخر من يظل متمسكاً بالثوابت الإسلامية التي تحولت عند الغالبية إلى متغيرات. يقول الله ـ تعالى ـ: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170] وتفيد كلمة «يُمَسِّكون» «أن التمسك أمر تنبغي ملازمته في جميع الأزمنة».
وفي الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، يشاء الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن تبقى التيارات السلفية رافعة لراية النقاء العقدي والديني للأمة في مواجهة اختلاط الرايات والشعارات، وفي كل أزمة ونازلة في الآونة الأخيرة؛ فقد باتت السلفية تمثل خط المواجهة الأخير الذي يحمل عبء رفع راية العلم وبذل الجهد لمنع اندثار ثوابت الإسلام.
وقد دخلت فتنة «حزب الله اللبناني» كل بيت تقريباً، وأصبحت رايات الحزب وصور زعيمه تخفق في مختلف أنحاء العالم العربي، وهتفت الجماهير في رحاب الأزهر السني: «نصر الله نصر الله.. كل مصر حزب الله»، وشَبَّهه المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بـ «صلاح الدين الأيـوبـي» ووصـفه آخـرون بـأنـه زعـيم الأمـة الإسلامية، وحـتى اليساريـون التبـس عليـهم الأمــر وخلـطــوا بــين «النـاصرية» و «النصرية» واعتبروا أن «الألف» لا تصنع فارقاً كبيراً، فرفعوا لافتات «ناصر 1956م، نصر الله 2006م».
ولكن اليساريين لا تثريب عليهم اليوم؛ فقد تسرب دينهم من ثقوب كثيرة في عقولهم وقلوبهم من قبل، والجماهير تسوقهم قناة الجزيرة أكثر مما يفعله ألف منبر وخطيب، وإنما تكمن الأزمة في الإسلاميين المنبهرين بحزب الله، وتحديداً في المنهج الذي اتبعوه في اتخاذ موقف التأييد والدعم، وقد حاولتُ جـاهـداً تلمُّـس معـالم واضـحة لهـذا المنـهج فأعياني البحث، ولم أجد إلا عبارات عاطفية حماسية تتحدث عن الوحدة مع حزب الله (الإثني عشري)، ولكني لم أجد أي حديث عن الوحدة مع تيارات وجماعات سلفية، إنها وحدة من نوع خاص إذن، تتجاوز حقائق الدين والتاريخ والسياسة، وحدة تقفز برشاقة فوق أحاديث الفرق الضالة؛ بينما تتعثر في أحاديث الطائفة المنصورة.
والملاحظ أن الاعتراضات على تبنِّي أغلبية التيارات السلفية لموقف مضاد لحزب الله متباينة إلى حد كبير؛ فبعضها يركِّز على أهمية الوحدة في الظرف الحالي، وبعضها يرفض اتهام الشيعة أصلاً بأنهم روافض، والبعض الآخر يعتبر أن الإمامية بمثـابة مذهب فقهي خامس، وبعض هؤلاء يختزل القضية في أن عـدو عـدوي صـديق لي، وكل من يضرب الكيان الصهيـوني لا بد من موالاته أياً كان.
والحق الذي نراه أن المنهج الواجب اتباعه لتحديد الموقف الصائب من هذه القضية الشائكة لا بد أن يتضمن ثلاثة محاور: الأول: عقدي، والثاني: تاريخي، والثالث: سياسي.
< أولاً: المحور العقدي:
اختلاط الرايات وتداخلها أصبح فتنة العصر، فالقضايا كلها من المتشابهات قياساً إلى تراجع العلم في أوساط الناس من ناحية، وتراجع العلماء عن اتخاذ مواقف عقدية حازمة من ناحية أخرى، وأصبحت المنطلقات العقدية هي آخر ما ينظر إليها في تحديد الولاءات واللاءات. وفي فتنة حزب الله، انتقد بعض الإسلاميين صراحةً المنهج العقدي في تفسير الأحداث والمتغيرات، ونقدم مثالاً على ذلك مقالة نشرت على موقع مجلة العصر تحت عنوان «خدعة التحليل العقدي» اعترض فيها الكاتب بشدة على اتباع رؤية عقدية في تفسير الأحداث في لبنان، وقال: «فالمشايخ الذين يفسرون الحرب في لبنان على أنها (مشكلة طائفية)، وانحراف وتوريط نجد تفسيرهم عقدياً جزئياً وخاطئاً» وقال بعبارة واضحة: «المحلل العقدي ضيق الأفق، قريب المدى، محدود الأبعاد في التفسير، ويأنس لرؤيته وموقـفه أولئـك المحدودون الذين لا يتحملون تعدد مجالات الرؤية، وصحيح أن التفسير الأحادي المغلق، الذي لا يدع مجالاً للتفكيـر ولا تعدد الأفهام، يصلح للقادة الغوغائيين، وقادة الجنود في الميدان، ولكنه لا يصلح لمستوى أعلى من الناس، ولا يصلح أن يسيطر على دولة؛ لأنها ستصبح بهذا التفسير فاشلة».
وقدم الكاتب عدة مسوغات لهذا النقد الحاد، فقال: «لماذا يعاني التفسير العقدي من القصور، والتعصب وقصر النظر؟: لأن المحلل العقدي يؤمن بأنه على الحق دائماً، وأن النصوص معه تؤيده وتحفزه وتحدد أطراف المعركة»، وقال أيضاً: «المحلل العقدي المتزمت لطائفته سواء أكان شيوعياً أم شيعياً أم سنياً، فإنه لا يرى العالم إلا من خلال عقيدته، وهي تعطيه مرة جزءاً تافهاً من المعرفة، ومرة تساعده كثيراً على المعرفة في التحليل، ولكن تغيب عنه آفاق قضيته».
ويقدم الكاتب بعض البدائل التي يراها أنسب من التحليل العقدي للوصول إلى موقف صائب من مختلف القضايا، فيقول: «إننا نجد في التحليل الاقتصادي والعنصري الاستعماري تفسيراً كثيراً للأحداث الدائرة اليوم، للصراع بين الأقوياء والضعفاء، بين الشعوب المغلوبة المقهورة على أرضها وثروتها وبين الغالبين تفسيراً واضح التعليل. أما التفسير العقدي فيسقط عند رجلي قائله، وبخاصة لو نقله إلى الحدود المجاورة لبلد التحليل؛ فلو نقلت صراع سنة وشيعة بضعة كيلو مترات من لبنان إلى فلسطين لسقط، ولو حملته إلى إيـران أو العـراق أو أفغانستان، فلا شك أنه لا يساوي حبراً كتب به».
والحق أن الأفكار الواردة في هذه المقال تحتاج إلى إسهاب في تناولها والتعليق عليها باعتبارها مثالاً على النقد الموجه ضد التيارات السلفية التي تعتمد رؤية عقدية في تحديد موقفها من حزب الله في لبنان، ولكن نكتفي في هذا السياق بالإشارة إلى نقاط رئيسة:
1 ـ يتضمن هذا الطرح ـ مع تقديري الشديد للكاتب ـ بواكير انهزامية تستدعي تجديداً مزعوماً كالذي جاء به (الشيخ محمد عبده) من قبل، وهو نمط من التجـديد لا يحـسن انتـقاء القديم والبالي المفتقر إلى تحديث، بل القاعدة عنده: ذَرُوه كله أو اتركوه كله، وأي فكر يتعرض للتقادم بمرور الزمن، وليس العيب في تقادم بعض مفردات المنهج السلفي، بل الخلل في سوء تشخيص موضع التقادم والتحديد الخاطئ لموطن التغيير والتجديد؛ فما قدمه المقال هو بمثابة تعليق الثوب الصحيح على المشجب الخطأ.
2 ـ من معالم الانهزامية الواردة في المقال: الانسحاب فكرياً إلى موقف حيادي مزعوم يستدعي خطاب «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» في غير موطنه، وهذا الموقف قد يكون سائغاً في مجال الاختلاف الفقهي مثلاً، ولكن أن نعتبره في التعامل مع فرق وطوائف أجمع جل العلماء على ضلالتها، فهذا ليس طلباً للحق، ولكنه تنازل عن أصل الحق الذي أعتنقه من أجل فسح مجال أوسع للالتقاء مع مخالف هو نفسه لن يتنازل عما يراه حقاً، وبذلك لا يكون المطلوب هو تطوير أو ترقية التحليل العقدي، ولكن التخلي عنه وتعطيله لفترة من الزمن ريثما تتحقق مصالح سياسية يراها البعض معتبرة، وبذلك لا يصبح الوضع المثالي عند أصحاب هذا الطرح أن يتم اعتماد منهجية متكاملة في التحليل ترتكن على التفسير العقدي أولاً، وتعتبر بمعطيات السياسة والجغرافيا وغيرها ثانياً، ولكن يصبح الوضع مثالياً في بعض الأحيان ـ لديهم ـ باستبعاد التفسير العقدي مؤقتاً أو دائماً حتى لا يشوش على معطيات السياسة، أو بمعنى آخر تعطيل طائفة لا بأس بها من النصوص القرآنية والنبوية من أجل الارتقاء العقلي والفكري الذي يرومه أصحاب هذا الطرح.
3 ـ مشكلة هذا الطرح أنه يتخلى عما يسميه جموداً، فيقع في حالة هلامية فكرية لا تستقر في قالب معين، وهي حالة تجعل أصحابها في أحسن حالاتهم يصطفون ضمن ركب البراجماتية العالمية، فرفاق اليوم قد يكونون أعداء الغد، وخصوم الأمس لا مانع من موالاتهم اليوم، وهو ما وقعت فيه كثير من الفصائل الإسلامية بالفعل، فأصبحنا نرى تناقضات يضطر الرأي العام والخاص إلى تجاهلها والقفز عليها اعتباراً للظروف الصعبة، ولكن ينبغي الإشارة إليها لأهميتها: تباين المواقف من الاحتلال داخل جماعات تنتمي إلى الفكر نفسه، فبعض الإسلاميين في العراق يهادن الاحتلال الأمريكي الذي قتل عشرات الألوف من العراقيين السنة، ويشارك في مشروعه السياسي الذي تعتبر المشاركة السنية أهم عوامل نجاحه، بينما حركة حماس التي تتمي إلى الفكر نفسه تتخذ موقفاً مقاوماً للاحتلال الصهيوني، وبينما يبذل بعض الإسلاميين في سورية جهوداً جبارة لإسقاط النظام السوري، تدافع حماس والجهاد الفلسطيني بشدة عن بقاء النظام الذي قتل الآلاف من جماعة الإخوان المسلمين في سورية، ودعم حركة أمل الشيعية في لبنان والتي كانت تضم عناصر حزب الله قبل تأسيسه، دعمها في إقامة المذابح للفلسطينيين في لبنان، وفي قضية حزب الله يصبح علينا وفقاً لنهج التخلي عن التحليل العقدي أن نؤيد حسن نصر الله بقوة، رغم أنه تلميذ ووكيل علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية الذي يدرب ويمول حرسه الثوري ميليشيات الصدر وبدر في العراق لذبح أهل السنة.
4 ـ في مقابل حزب الله اللبناني الذي يحظى بهذه المكانة الرفيعة، فإن تجاوز الولاءات العقدية أدى إلى الإحجام عن دعم حركة طالبان ولو سياسياً أثناء الغزو الأمريكي لأفغانستان، وقد تداعى بعض العلماء فقط لزيارة الحركة في محاولة منهم لإنقاذ تمثال بوذا، وفي الصومال يحقق اتحاد المحاكم الإسلامية إنجـازات هـائـلة لا يحفل بها الإسلاميون المنشغلون بحسن نصر الله، رغم أن مسؤول الأمم المتحدة سافيريو بيرتولينو اعترف أنه: «على مدى 15 سنة لم يستطع أحد أن يقوم بما قاموا به ـ اتحاد المحاكم الإسلامية ـ في 15 يوما»(1). أليس من اللافت أن كل الحركات السياسية ذات التوجه السلفي تتعرض للإهمال التام من قِبَل غالبية الإسلاميين؟
5 ـ الخطأ الأول في هذا الطرح أنه يعتبر التفسير العقدي مجرد مكون من مكونات التفسير الصائب، يتقلص أحياناً إلى حد التلاشي، ويتعاظم أحياناً نادرة، والصحيح أن التفسير العقـدي هو المـرحلـة الأولـى والقـاعـدة الأساس التي ينبني عليها مراحل أخرى مـن المعــرفة والفهــم والتحلــيل، ومـن ثم لا يمكـن تصور منظــومة تحليلــية متكـاملة لا تنطلق من مرحلتها الأولى العقـدية، وبـذلـك يكـون النقد الذي يمكن توجيهه للسلفيين في هذا المجال هو اكتفاء بعضهم بالمرحلة الأولى من مراحل الفهم والتحليل دون بقيتها، وليس تعاطيهم معها.
6 ـ لا توجد منهجية أخرى للتحليل أو التفسير تجعل متبعها يحقق قدراً كبيراً من التوازن الداخلي والخارجي ـ بقدر ما يلتزم منها ـ سوى التفسير العقدي، وحتى لا نقع في الخلل نقول: (التفسير العقدي الإسلامي) لأن أصحاب هذا الطرح ترتكز بعض أفكارهم كما قلنا سابقاً على «التأرجح الحيادي» الذي يجعلهم يناظرون المحلل العقدي الإسلامي بالمحلل العقدي الشيوعي، وحسب قولهم: إذا كان الأخير قد جانبه الصواب بحكم التجربة التاريخية ـ التي ينعون علينا الاستفادة منها ـ فإذن لا بد أن يكون حكم الإخفاق مطرداً على كل محلل عقدي حتى ولو كان مسلماً.
< ثانياً: المحور التاريخي:
الاعتماد على التاريخ منهجاً للتقويم وبلورة مواقف صائبة أمر بالغ الأهمية، فمقولة (التاريخ يعيد نفسه) صحيحة إلى مدى كبير، والتيارات الإسلامية تحديداً تعيد إفراز أخطائها بصورة مستمرة ولكن في قوالب متجددة؛ بحيث إن التقويم التاريخي يفيد في تلافي تلك الأخطاء، فقط لو استطاعت تلك التيارات القفز قليلاً فوق ضغوط الواقع وتداعياته..
ونذكر بعض الأمثلة التاريخية التي تكشف تعرض بعض التيارات الإسلامية للخطأ في تحديد موقفها من فصائل شيعية:
1 ـ عندما وقعت الثورة الخمينية عام 1979م تداعى كثير من الإسلاميين للترحيب بها والتهليل لها، واعتبارها نصراً للإسلام وأهله، ونشطت دعاوى التقريب والتسامح واتُّهم السلفيون كالعادة بأنهم محترفو تعكير الأجواء الأخوية، وأنهم يتخيلون أوهاماً وترهات لا أساس لها من الصحة، ولكن بعد 26 عاماً، اضطر هؤلاء جميعاً للاعتراف بالدور الإيراني الطائفي الدموي في العراق ضد السنة.
2 ـ عـندما تـأسـس (حـزب الدعوة) الشيعي في العراق على يد محمد باقر الصدر، كانت علاقاته إيجابية مع حركة الإخوان المسلمين في العراق، حتى إن عدداً من عناصره انضموا لجماعة الإخوان، واستفاد الحزب الشيعي كثيراً من خبرات الإخوان التنظيمية والتربوية، ولكن لم يلبث الحزب أن أشتد ساعده ووضع خطة لتصفية الرموز الإسلامية السنية ومن بينها قيادات الإخوان في العراق، ولكن مواجهة (صدام حسين) للحزب أجهضت تلك الخطة الغاشمة، والآن حقق (إبراهـيم الجعفري) إنجازاً كبيراً بإشرافه على قتل أكثر من 40 ألف عراقي سني خلال تسلمه رئاسة الحكومة لأقل من عام، كما صرح بذلك (الشيخ حارث الضاري) رئيس جبهة علماء المسلمين، وذكر أحد الناشطين العراقيين نقلاً عن أحد القيادات الإسلامية المقيمة في لندن، أنهم قد انخدعوا بحزب الدعوة أثناء حكم صدام حسين، وقدموا له خدمات كثيرة وفتحوا له منابرهم ومراكزهم في أوروبا قبل أن يكتشفوا حقيقته الدموية بعد احتلال العراق(2).
3 ـ عندما دخل الاحتلال الصهيوني جنوب لبنان نثر الشيعة عليه الورود ورحبوا به لأنه سيخلصهم من الفصائل الفلسطينية، وعندما وضعت الحرب الأهلية أوزارها في لبنان قام الجيش السوري بجمع السلاح من جميع الفصائل المقاومة دون تفرقة، وكان الهدف الرئيس هو تقليم أظفار الجماعة الإسلامية اللبنانية السنية، واكتملت اللعبة بأن سلم حزب الله أيضاً ما لديه من سلاح، ولكن لم يلبث الجيش السوري أن أعاد لحزب الله أسلحته بعد أيام قليلة، ومنذ عام 1982م سيطر حزب الله على الجبهة الجنوبية بإشراف الحرس الثوري الإيراني، ومنع أي مقاتل سني من مجرد الاقتراب من الحدود مع فلسطين(1)، ومع ذلك عقد عضو اللجنة المركزية لحزب التحرير اللبناني عثمان بخاش مؤتمراً صحفياً في بيروت، دافع فيه عن حزب نصر الله وقال: «إن الأقاويل التي تروَّج بالقول إن الشيعة روافض هي أقاويل بائسة تنم عن جهل قائليها» [موقع أخبار الشرق 27/7/2006م].
4 ـ حزب الله لا يتبرأ من تاريخه ولا يخفي عقائده، ويمكن التأكد من ذلك من خلال دُور النشر الشيعية في بيروت والتي تطبع جميع الكتب الشيعية الدينية والطائفية، كما أن قناة المنار رغم أسلوبها الدعائي وخطابها المداهن، إلا أن المتابع لها تتراكم لديه رؤية واضحة عن طائفية الحزب، وقد بثت القناة مؤخراً برنامجين وثائقيين أنتجهما على عدة حلقات عن كل من محمد باقر الصدر، والخميني، ويتضمنان عرضاً لأفكارهما وتوجهاتهما، ومعلوم أن باقر الصدر من شيوخ حسن نصر الله زعيم حزب الله الحالي.
< ثالثاً: البعد السياسي:
وبما أن الرؤية العقدية والتجربة التاريخية تدفعان في اتجاه بلورة موقف معارض لحزب الله اللبناني، فإنه لا يتبقى أمام مؤيديه من الإسلاميين السنة إلا التمسح بأعتاب المصالح السياسية، وخاصة أنهم يتهمون التيارات السلفية بضعف الاطلاع السياسي وسطحية الاستيعاب لمتغيرات الواقع؛ فهل تدعم الرؤية السياسية اتخاذ موقف إيجابي من حزب نصر الله؟
كتب الصحفي الأمريكي (جون باري) في النيوزويك يتهم المسؤولين الأمريكيين والصهاينة بأنهم عاجزون عن الموازنة بين المكاسب قصيرة الأجل والأثمان طويلة الأمد في حرب لبنان؛ فهل يمكن القول إن الإسلاميين يعانون من المشكلة نفسها؟
1 ـ يطرح أحد الكتاب تساؤلاً منطقياً بخصوص مشروع حزب الله السياسي: «هل أعلن حزب الله عن مشروعه للقُوى المتحالفة معه فضلاً عن أن يعلنه للملأ من وراء هذا التصعيد المفاجئ وغير المسبوق، وكيف لي أو للقوى المتحالفة معه أن أثق وأمشي في مشروع لا أعرف بداياته فضلاً عن نهاياته، وهل هو مشروع إسلامي، أو عربي، أم أنه مشروع إيراني، وربما مشروع نظام إقليمي يُهيأ للمنطقة؟»(2).
2 ـ حزب الله يرتهن الوضع الفلسطيني لصالحه، هذه حقيقة واقعة، ولا يمكن القول إن حرب حزب الله قد أدت إلى تخفيف الضغوط على الفلسطينيين، بل على العكس من ذلك يستمر الضغط عليهم ولكن دون تغطية إعلامية أو اهتمام شعبي، فالجيش الصهيوني قتل خلال حربه على لبنان 163 فلسطينياً في غزة، منهم 78 مدنياً، ومن بينهم أيضاً 36 من الأطفال الصغار، إضافة إلى 20 امرأة، والمدافع أطلقت أكثر من 12 ألف قذيفة، وتمّ تنفيذ أكثر من 14 عملية غزو(3) واعتقل رئيس المجلس التشريعي (د. عزيز الدويك) وتعرض (إسماعيل هنية) رئيس الوزراء لمحاولة اغتيال بالسم، ولم تصل حتى الآن كذلك المساعدات المالية التي وعدت بها إيران قبل خمسة أشهر، وكل ما حدث أن القضية الفلسطينية أصبحت مرتهنة لحساب حسن نصر الله صاحب القرار الذي سحب التأييد الشعبي والسياسي من حماس، وحظي بمكانة لم ينعم بها حتى (الشيخ أحمد ياسين) ـ رحمه الله ـ وتحاول إيران استيعاب حماس في هذه المنظومة وعندما التقى (علي لاريجاني) الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني (خالد مشعل) في دمشق أكد له أن «هذه معركة الجميع، وأن حماس ليست فقط مؤيدة بل شريكة فيما يجري في هذه المعركة؛ لأن هذه المعركة تُخاض من أجل فلسطين»!(4)، ومن ثم صرح (محمود مصلح) عضو البرلمان عن حركة حماس: «لا أحد يريد التفاوض من دون حزب الله، القيام بذلك بشكل منعزل هو خيانة»!(5).
3 ـ لا يمكن القول إن انتصار حزب الله أو الكيان الصهيوني يحققان مصلحة واضحة للمسلمين السنة؛ فانتصار الصـهاينة لا يحمل إلا مساوئ لا حصر لها سوف تتحملها المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني قبل غيرهم، كما سيزداد مستوى الخنوع العربي والتسلط الأمريكي، وستنتقل واشنـطن إلى المرحـلـة التـالـية في أجندتها الشرق أوسطية، أما انتصار حزب الله فمعناه أن طهران سوف تنتقل إلى البند التالي في أجندتها التوسعية، وأن أسلوب تحريك الأقليات سيكتسب زخماً جديداً، وسيبرز المشروع الإيراني بقوة على المستوى الإقليمي، وستزداد وطأة الاستحواذ الإيراني السوري على حركات المقاومة الفلسطينية، وسيتراجع النفوذ العربي على الفصائل الفلسطينية، ورغم حرص حركة حماس على تحرير قرارها السياسي من أي محاولات للاستيعاب، فإن حجم الضغوط والحصار المفروض عليها ليست هينة، أما في حالة: لا نصر ولا هزيمة، فسوف تبقى الأوضاع كما هي على الصعيد الفلسطيني، لكن مع تهوين الدم العربي أكثر، ولن يلتفت أحد إلى سياسة التدمير والقتل التي يمـارسـها العـدو في الضفـة أو غزة، وستكون إيران هي الرابح الأول.
4 ـ انتصار حزب الله ولو سياسياً في هذه الحرب سوف يزيد من قوة الاختراق الشيعي للدول العربية، ومعلوم أن أغلب الدول العربية يوجد بها حركات شيعية تنشط لنشر مذهبها بين المسلمين السنة، وسيسعى دعاة التشيُّع إلى استخدام الزخم الهائل (لكاريزما حسن نصر الله) وانتصار الحزب، ويخطئ من يعتقد أن حزب الله اللبناني لا يهتم بهذه القضايا، فهي بند رئيس في أجندته، وهو يستغل علاقاته بحركات المقاومة الإسلامية لاختراق المجتمع الفلسطيني، ويعتبر الشيعة أن (فتحي الشقاقي) مؤسس حركة الجهاد تشيع من قديم، ويذكرونه بهذه الصفة في الكتب التي تتحدث عن المتحولين من السنة إلى الشيعة، كما يُذكر «محمد شحادة» على أنه من عناصر الجهاد وهو داعية نشط للتشيع في فلسطين(1). وقد ذكر الدكتور عبد الله النفيسي في الندوة التي نظمتها قناة الجزيرة وبثتها قبل ثلاثة أشهر عن إيران ومنطقة الخليج العربي، ذكر أن أحد قادة الجهاد أخبره بأن المساعدات الإيرانية للحركة تكون عادة مصحوبة بمطبوعات تروِّج للمذهب الشيعي، وقد كان حزب الله نشطاً في هذا المجال في الفترة التي اعتقل فيها مئات الفلسطينيين في مرج الزهور جنوب لبنان، حيث كانت لقاءات مطولة تعقد بين دعاة الحزب وناشطيه مع قيادات فلسطينية، وهو ما أدى لتشيع بعض العناصر من حركة الجهاد بالفعل، وكان هذا الاختراق من أسباب المشاحنات التي وقعت بين حركتي حماس والجهاد، حيث كانت حماس تبدي في أول الأمر قلقها من هذا الاختراق وخاصة أن قيادات الحركة في الخارج تأثروا في مراحل سابقة بالدعوة السلفية في الكويت أي أن رؤيتهم العقدية في هذه القضية على قدر من الوضوح، ولكن موقف حماس تراجع بسبب الاحتضان الإيراني السوري للحركة في مقابل الإهمال والإقصاء العربي(2)، ومكمن الخطر في تنامي الإقصاء العربي لحركة حماس للدرجة التي تصل بالحركة مع إدراكنا لفطنة قيادات حماس في هذه المرحلة. إلى أن تتشيع سياسياً، أي يصبح قرارها السياسي مرتهناً بالمصالح الإيرانية على الأقل فيما يتعلق بالشؤون الخارجية للحركة، مع إدراكنا لفطنة قيادات حماس في هذه المرحلة، والغريب أن الدول العربية تبدي قلقها وتخوفها من السياسة الإيرانية التوسعية في الوقت الذي لا تبذل فيه أي جهد لتأمين حركات المقاومة السنية من الانزلاق إلى التشيع السياسي، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه القضية دائماً، هو: هل توجد دولة عربية يمكن أن تستضيف وجوداً نشطاً لمكتب حماس السياسي بخلاف سورية وإيران ولبنان، أي قوس الهلال الشيعي؟
5 ـ العلاقة بين حزب الله وتيار الصدر في العراق راسخة، وقد ذكرت تقارير أمريكية أن إيران تستغل تيار الصدر لتسريب مساعدات إلى حزب الله اللبناني، ويعتبر التيار أن مقتدى الصدر وحسن نصر الله ينسجان على المنوال نفسه، وقبل أيام ألقى حازم الأعرجي من حركة الصدر خطبة أدان فيها الدولة الصهيونية، وأعلن تضامنه مع حزب الله الذي شبهه بجيش المهدي الميليشيا الموالية للصدر، وقاد مقتدى الصدر مظاهرة حاشدة لدعم حزب الله، كما يحظى الحزب أيضاً بدعم حزب الفضيلة الشيعي المتركز في البصرة، وكلا التيارين: الفضيلة والصدر، يمارسان أعمالاً وحشية ضد السنة؛ فما الذي يجمع بينهما وبين حزب الله، وهل هناك حلقة مفقودة؟
6 ـ يقول (إبراهيم السيد) الأمين العام الأول لحزب الله، إن: «لبنان بناه الاستعمار بالشكل الذي يحقق من خلاله البوابة والمدخل الفكري والثقافي إلى منطقة الشرق الأوسط، وهو يحمل كل الأسلحة السياسية والعسكرية والفكرية والثقافية والحضارية من أجل تحويل شعب من شخصية معينة إلى شخصية أخرى منسجمة مع شخصية الغرب»(3). ونحن نقول: إن إيران تسعى اليوم، بل منذ عقود، لكي تحول لبنان إلى بوابة خاصة تحمل طابعها ومذهبها الديني تخترق من خلاله بقية الدول العـربيـة؛ إذ الملاحـظ أن الفـصائـل الشيعية في العراق لا تحظى بأي شعبية لدى الرأي العام العربي، ولا تبذل هي مجهوداً في كسب ود العرب، بخلاف حزب الله اللبناني وقيادته الحريصة على تصدُّر مكانة بارزة لدى الشارع العربي المسلم.
7 ـ لم يحظَ (الشيخ حارث الضاري) بالدعم ولا بالتأييد الذي حصل عليه (حسن نصر الله) زعيم حزب الله الشيعي، ولم يحصل عليه أيضاً أي زعيم عراقي سني، ولم ترفع أي مظاهرات في دولة عربية شعار هيئة علماء المسلمين في العراق أو صور قادتها، فليهنأ إذن ملالي إيران؛ فقد نجحوا في خداع الرأي العام العربي، وقدموا غطاءً شيعياً شيعياً لأعمالهم في العراق، ونقلت قناة الجزيرة عن وكالات الأنباء أن القتلى الواردة جثثهم إلى مشرحة بغداد في الشهر الماضي فقط كانت أكثر من 1800 جثة، أغلبهم بطبيعة الحال من السنة، هدية من طهران للشعوب السنية بمناسبة حرب لبنان.
< أيها السلفيون في العالم... اتحدوا!
قد تكون التيارات السلفية بالفعل هي خط الدفاع الأخير في مواجهة الاختراق الشيعي، ولكنه خط مذبذب من الداخل، يعاني من الخلافات «المجهرية» بين تياراته، وهي خلافات لا يمكن رؤيتها بالعقل المجرد، بل تحتاج إلى قدرات ذهنية خاصة لاستيعابها، وتبقى هذه التيارات مع ذلك محضناً للإسلام وحصناً لعقيدته الصافية، ويحتاج اضطلاعها بهذا الدور الخطير إلى استحضار عدد من الأفكار والمفاهيم:
1 ـ ينبغي على التيارات السلفية أن تعيد النظر في آلية تكوين الولاءات والعداءات فيما بينها، فالأمر لا يتحمل هدراً للجهود والطاقات، ولا يليق التشاحن على قضايا اجتهادية بينما يفسح بعضهم مجالاً لحزب الله كي يصطف بجوارنا، والمطلوب العمل على ترسيخ ثقافة التعاون على البر والتقوى، والتناصح في قضايا الخلاف.
2 ـ إعادة النظر في الخطاب الدعوي السلفي على ضوء التطورات والتغيرات، فلم نعد وحدنا في هذا العالم، وكل كلمة محسوبة ولها تبعاتها، كما أن الانطلاق من فرضية توجيه الخطاب إلى أنصار وأتباع لم تعد كافية في إقرار الحق، فهناك شبهات واختلاط وتدليس وتداخل، ومن ثم يجب الحرص على تكوين الرؤية القوية، وتوثيق المعلومة، وتعميق التحليل، والابتعاد عن الخطاب الدعائي المحض الذي ينبني على العاطفة ويعتمد على موالين مصدقين أكثر مما يعتمد على قوة التحليل ووضوح المعلومات؛ فالأمة في الوقت الحالي تحتاج بقوة أن يرفع التيار السلفي مستوى خطابه ويقوي أساليب الإقناع والمناظرة والجدال لديه لكي يدافع وينافح عن الثوابت التي يتولى حفظها وصيانتها.
3 ـ السلفيون مطالبون بحسن التفقه في الواقع وتناول القضايا السياسية بعمق وتبصر، فقد أعرضت كثير من التيارات السلفية عن الاهتمام بالقضايا السياسية في الماضي حتى قال بعض رموزها: «السياسة نجاسة والبعد عنها كياسة» فخلطوا بين ممارسة العمل السياسي وبين فهم الواقع والأحداث، ولذلك فإن كثيراً من الدعاة والمحاضرين والباحثين السلفيين عندما يتناولون مثل هذه القضايا السياسية في الآونة الأخيرة يعتمدون منهجية متماثلة مع منهجية إعداد الدروس والمحاضرات والبحوث الدعوية والدينية المحددة، غافلين عن أن السياسة علم له مناهجه وأصوله التي يجب اعتمادها في تناول مفرداته وقضاياه، مع أهمية استحضار الثوابت والمنطلقات الشرعية في ذلك.
4 ـ تحتاج التيارات السلفية في ظل الظروف المعقدة إلى تكوين رؤية استشرافية للمخاطر التي تتهدد الأمة ومن ثم تبني آلية مبكرة لمواجهتها قبل أن تتحول إلى قضايا رأي عام، كما حدث مع أزمة حزب الله حيث أصبحت مخاطبة الجماهير وإقناعها بحقيقته عسيرة في كثير من الدول، وكثير من الدعاة السلفيين تعرضوا لانتقادات شديدة جراء ذلك.
5 ـ الوهابية ـ ومن ثم السلفية ـ في الفكر الشيعي هي الوريث الشرعي للمسؤولية عن اضطهاداتهم المزعومة بل عن مزاعمهم الكاذبة حول تجني الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ على آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك فإن مواجهة السلفية تأتي ضمن القضايا المشتركة بين جميع الفصائل والأحزاب الشيعية من مقتدى الصدر إلى حزب الله مروراً بغيرهم، ولذلك فإنه حتى لو تبنت التيارات السلفية موقفاً إيجابياً من حزب الله، فلن يغير ذلك من ثوابت الأحزاب الشيعية ضد السلفية الوهابية.
6 ـ من أهم الركائز التي يعتمد عليها الشيعة في نشر دعوتهم في أوساط السنة، كثرة رجال الدين عندهم إلى درجة كبيرة، وذلك بسبب الدعم المالي المتراكم من (جمع الخُمْس)، وفي المقابل تتراجع أعداد الدعاة السنة في كثير من الدول العربية والإسلامية، وهذا يدع قطاعات كثيرة من المجتمعات تعاني من أثر الجهل وتقع فريسة لدعاوى الضلال، وقد ساهمت الثورة الخمينية في دعم التعليم الديني لدى شيعة لبنان منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وقدمت مساهمات مالية ضخمة لإقامة الحوزات العلمية والإنفاق على طلبة متفرغين للعلوم الدينية الشيعية، وفي إيران كان تقدير عدد رجال الدين غداة الثورة الخمينية يتراوح بين 85 و185 ألف رجل دين وناشط شيعي، وتذكر بعض الصحف الفرنسية تقديراً لعدد «الملالي» في إيران في مرحلة ما بعد الخميني يبلغ نحو 380 ألف شخص(1).
7 ـ تحتاج التيارات السلفية إلى تشكيل هيئات علمية تجمع شتات مجتهديها وعلمائها، ويناط بهذه الهيئات إصدار الفتاوى وتقديم الرؤى الشرعية في النوازل، وحتى لا تكون مواقف هذه التيارات متناثرة في فتاوى يتحمل عِبْأَها عالم واحد أو جهة واحدة، وخاصة أن تعدد الآراء والاجتهادات في هذه المرحلة يضفي قيمة متزايدة للاجتهادات الجماعية.
وحتى تستطيع التيارات السلفية أن تمارس دورها الأهم في حفظ ثوابت الدين من التحلل ـ بعد توفيق الله تعالى ـ لا بد أن تمتلك زمام المبادرة، فلم يعد ملائماً ولا لائقاً أن يسيطر خطاب الاستعلاء والانتقاء والانكفاء الذي يميز قطاعاً من التيارات السلفية؛ لذا ينبغي الانعتاق من الأبراج العاجية ومخالطة الجماهير؛ فلدى هذه التيارات فضول علم، والناس ذوو فاقة، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، وقد أصبحت أنفاس السلفيين ورؤوسهم معدودة ومحسوبة عليهم، وفي فرنسا مثلاً أحصت الاستخبارات عدد السلفيين فوجدتهم خمسة آلاف، ينشطون في أربعين مسجداً(2) ولم نسمع عن إحصاءات قدمت عن تيارات إسلامية أخرى، ونشرت مجلة نيوزويك الأمريكية في نسختها العربية استطلاعاً للقراء عن احتمال ظهور طالبان عربية، مع طرح تساؤل عن كيفية التعامل معها(3)؛ مع العلم أن حزب الله اللبناني قدم طيلة 24 عاماً نموذجاً مثالياً لـ (طالبان شيعية)! وأنشأ مجتمعاً دينياً مغلقاً ومكتفياً ذاتياً دون أن يتعرض لأي انتقادات طالما أنه لم يقترب من الحدود الفلسطينية. إنها السلفية السنية إذن التي تقض مضاجع الجميع وتثير القلق في النفوس؛ فهل آن للسلفيين أن أن يعـوا مـا يدور حولهم، وأن يتلافوا ما قد يؤخذ عليهم وبخـاصة أنهم أصبحوا في دائرة الضوء والمتابعة لهم من شـتى الجهات المهتمة التي تعمل على إجهاض منهجهم لمكانتهم الكــبرى فـي نفـوس الأمة {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].