أهل السنة والجماعة , هذا المسمى الذي تحاول كل فرقة من الفرق الاسلامية التسمي به وجعله شعارا لها وتنفي كل فرقة عن الاخرى هذه التسمية وهذا الوصف لأن هذا المسمى لا يصلح الا مع فرقة واحده وهي الفرقة الناجية والباقي في النار كما اتى في حديث الفرق الثلاث وسبعون عن النبي صلى الله عليه وآله .
فأهل السنة في العالم وما هم عليه من اختلاف وتفرق تسمي كل فرقة نفسها بأهل السنة والجماعة , كذلك الحال عند الشيعة ومختلف فرقها وطوائفها كل يسمي نفسه بأهل السنة والجماعة , والكل ما بين سنة وشيعة يقول نحن من نتمسك بسنة النبي محمد صلوات الله عليه وآله .
هذا ما حداني ان اقدم للجميع المعنى الجلي القاطع لأهل السنة والجماعة , وهو قول فصل للداعي ابي حاتم الرازي قدس الله روحه الشريفة في كتابه المسمى بالزينة
وأدع الاختيار للفرقة التي تتصف بهذه الاوصاف لتنال احقية التسمية بهذا الاسم .
[c]بسم الله الرحمن الرحيم[/c]
الجماعة :مأخوذ من الاجتماع والمجامعة على أمر واحد ورأي واحد وشكل للسنة وقرين لها . يقال :فلان من أهل السنة والجماعة اذاكان متمسكا بسنة رسول الله صلي الله عليه تاركا لما ابتدعه المبتدعون بعده ثابتا مع أهل الجماعة الذين اجتمعوا على امام هاد جامع لهم .
وفي الحديث ان النبي صلي الله عليه قال ( افترقت بنو اسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق انتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة ناجية وسائرها هالكة ) .قيل : يارسول الله ومن الفرقة الناجية ؟ . قال : ما انا واصحابي عليه اليوم .
وضد الجماعة : الفرقة ... لان الجماعة نعت لقوم مجتمعين على امام واحد لا يتفرقون عن امره ولا يختلفون عليه في رأية متمسكين بسنة رسول الله صلي الله عليه .
وأهل الفرقة متفرقون في اهواء شتي وآراء مختلفة متبددون متلاعنون يتبرأ بعضهم من بعض ويلعن بعضهم بعضا . والفرقة نعت لهم . وفي حديث علي صلوات الله عليه ان رجلا سألة ، فقال : اخبرنا عن أهل الجماعة ، ومن اهل الفرقة ، ومن اهل السنة ، ومن اهل البدعة ؟.قال : اما اهل الفرقة فإلمخالفون لي ولمن اتبعني وان كثروا ، واما اهل البدعة فالمخالفون لامر الله عزوجل وكتابه وسنة رسول الله عليه : العاملون بآرائهم واهوائهم وان كثروا ، واما اهل السنه فالمتمسكونبما سنه الله عزوجل ورسوله صلي الله عليه وان قلوا .
وقال بعض العلماء : لا تكون الجماعة الا بجامع موفق مسدد بتأييد من الله عزوجل ونصر منه وخلافة من رسول الله صلي عليه ، وان لم يكن له من الله عزوجل نصر وتأييد ومن رسوله خلافه فهو رأس الفتنة لمن اتبعه من اهل الفرقة والبدعة والاختلاف ... لان الله عزوجل قال ( واعتصموا بحبل الله جميعا ) فحبل الله أمانة وعهده وكتابة . قال النبي صلي الله عليه وسلم ( كتاب الله حبل ممدود من السماء الس الأرض طرف منه بيد الله وطرف منه بايديكم ) فالحبل : العهد والامان . قال الله عزوجل ( الا بحبل من الله وحبل من الناس ) قال المفسرون : عهد من الله وعهد من المؤمنين . واهل الفرقة والاختلاف خارجون عن الجماعة والسنة وان كثروا لانهم لم يجتمعوا على مؤلف جامع مؤيد من الله ، فقولهم باطل وعملهم ضائع وامرهم منتثر . واهل السنة والجماعة مجتمعون على امام واحد مؤيد جامع لامورهم ...فهم على نظام واحد متسقون ، متصلون ، متآخون في الله . لان الامام لهم بمنزلة النظام الذي قد نظمهم ، والامام في كلام العرب : النظام ، والمثال الذي يؤلف بين المختلفين ويجمع شمل المتفرقين ، وهو لهم مثال وقدوة . قال لبيد ) :
وكنت امامنا ولنا نظاما................ وكان الجزع يحفظ بالنظام
فكما يحفظ النظام الخرز والجزع ان ينتثر ، فكذلك الامام يحفظ اهل الجماعة ويضمهم على سنة رسول الله صلي الله عليه من ان ينتثروا وتيبدوا ويتفرقوا لا يستغنون عنه طرفة عين والا تفرقوا والاضاعوا وهلكوا وتفرقوا تفرق الجزع والجواهر اذا اتقطع نظاما وقد وصف الله اهل الجماعة في كتابة انهم مؤتلفون مجتمعون على كلمة واحدة قد الف بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم . فهذا في اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين قال فيهم انهم اهل السنة والجماعة حيث يقول : ما انا واصحابي عليه اليوم . واما اهل الفرقة فهم اضداد لاهل الجماعة فهم وان اجتمعوا بابدانهم فانهم متفرقون بآرائهم . متبددون في مذاهبهم واهوائهم ... وبهذا وصفهم الله عز وجل فقال ( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) فهذا فيمن خالف رسول الله صلى الله عليه واله ... فلما جرت السنة من هذه في اهل الجماعة الذين ثبتوا على الجماعة وتمسكوا بالسنة فكذلك جرت السنة في من كان مخالفا لأهل الجماعة والسنة , فانهم وان كانوا في ظاهر امرهم مجتمعين على امر واحد فانهم متباينون متباغضون متشتتون يتبرأ بعضهم من بعض ويكفر بعضهم بعضا لانهم يتأولون الكتاب بآرائهم ويقيسون الدين بمذاهبهم , فمن استحسن رأيا اخذ به , لا يرجعون الى امام مؤيد , ولا يفزعون الى عالم موفق , بل اعتمدوا على عقولهم , وعولوا على اختياراتهم , فان اصابوا خافوا ان يكونوا اخطأوا , وان اخطأوا ظنوا انهم اصابوا ... كما وصفهم امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام لم يلجأوا الى حصن منيع فيمتنعوا , ولم يأووا الى ركن وثيق فيحترزوا , ولا قائد لهم فيهديهم , ولا هادي لهم فيرشدهم ... فهم سدى مهملون كأنهم لم يسمعوا قول الله عز وجل حيث يقول ( ايحسب الانسان ان يترك سدى ) ولا قول رسول الله صلى الله عليه وآله حيث يقول ( من مات ولا يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ) يعيشون جهالا ويموتون ضلالا , نعوذ بالله ممن هذه حاله , فهذه صفة اهل القرية الذين لا راعي لهم , ولا امام عليهم . واما اهل الجماعة فقلوبهم مؤتلفة وآرائهم مجتمعة ... قد تمسكوا بامام مؤيد مسدد مطهر يرجعون اليه فيما يلتبس عليهم من امر دينهم فيخرجهم من ظلم العمايات , ويزيل عنهم الشكوك والشبهات عاملا بكتاب الله آخذا بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ... بنوره يستضيؤون ومن علمه يقتبسون وبه يقتدون , يعيشون علماء , ويموتون هادين مؤمنين , ابصروا نور الهدى فاهتدوا , وعرفوا الضلال فنجوا , يعرفون في دنياهم بهاديهم , ويدعون في الآخرة بامامهم , فمن اوتي كتابه بيمينه فاولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلا , ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى وأضل سبيلا , لو انصفوا لنجوا ولو تركوا العناد لأستراحوا , ولو تدبروا لعلموا ان الناس لا يصلحون بلا هاد ولا يستقيمون بلا امام ولا قائد الا من اهتدى وعرف الطريق فهدى , ولا امام الا لمن علم به وائتم به المسترشد فسلم ,
وقد قال الأفوه :
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم............ولا سراة اذا جهالهم سادوا
ومن تبع الاهمال هو اعذر ممن يأتم بالجهال ... بل هما جميعا ملومان , والمعذور من وجد الامام العادل فاهتدى , وتعلم فوعى, وتعلق بحجزة هاد فنجا ... فان الارض لا تخلو من امام عالم حجة لله على خلقه : كلما مضى سلف قام مقامه خلف , هم الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله حيث يقول ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله , ينفون عنه تحريف الجاهلين وتأويل الغالين وانتحال المبطلين ) وهم الذين وصفهم امير المؤمنين علي ابن ابي طالب صلوات الله عليه حيث يقول ( لا تخلو الارض من قائم بحجة : اما ظاهر ناطق واما خائف مغمور لكي لا تبطل حجج الله وبيناته , فهم ائمة الهدى ومصابيح الدجى ), وهم كما قال الاول:
كواكب دجن كلما انقض كوكب........... بدا واجلت عنه الدجنة كوكب
وكما قال الآخر :
اذا مقرم منا ذرا حد نابه..............تخمط فينا ناب آخر مقرم
وأما الجماعة التي تدعيها العامة من الناس فأصل ذلك اجتماعهم على ابي بكر بعد النبي صلى الله عليه واله , ثم على عمر , ثم على عثمان , ثم على علي ... فقيل لهم : أهل الجماعة . وكان هذا الاسم لأن مآلهم بعد خروج علي عليه السلام واصحاب الجمل واهل الشام حتى قتل علي عليه السلام , فلما قتل وكثرت الفتن بخروج الحسن , ثم بخروج الحسين , ثم بعد ذلك ايام ابن الزبير والخوارج ... كان السواد الاعظم وعامة الناس مجتمعين على بني امية ايام معاوية , وبعده على ولده , ثم بعد ذلك على بني مروان ... فادعت العوام من التابعين هذا الاسم , وقالوا نحن اهل الجماعة .. من خالفنا فقد شق العصا , وخالف الامة , وترك السنة , ونحن اهل السنة والجماعة , يعنون انهم مجتمعون على امام واحد مع اختلافهم في المذاهب والاراء , وابتداعهم الاهواء الكثيرة , واقامتهم على التنازع والتشاجر بينهم في الاحكام والفرائض , وتكفير بعضهم لبعض , وتبرؤ بعضهم من بعض ... يعنون بذلك اجتماعهم على ولاية من وليهم من الولاة برا كان أم فاجرا , ومعاونتهم من غلب وقام بالامر من غير اجتماع على دين , بل معناهم التفرق في المذاهب , والابتداع في الاهواء ,,, الا ان الاكثر والاغلب الذين يقال لهم السواد الاعظم فرقتان يقال لهما : اصحاب الحديث , واصحاب الرأي ثم لهم بعد ذلك ألقاب كثيرة لكثرة آرائهم قد لقبوها بعضهم بعضا , ونسبوا الى رؤسائهم .