شعوب دمرت و أكثر من نصف سكانها أبيدت و مع ذلك أصبحوا هم سادة العالم نعم أتكلم عن ألمانيا و اليابان و كوريا و نحن منذ ما يزيد عن خمسة قورون و نحن في أسفل سافلين لا فكريا و لا علميا و لا عمليا و لا إنجازات تذكر كل ما في الأمر أننا أصبحنا عالة و سخرية لدى الأمم ففي الدول الغربية أصبحت كلمة عربي مرادفة للفقر و التوحش و الغباء و السرقة وكل ما يمت للشر بصلة نحن أمة بلا فائدة عالة على الجميع لولا رعاية الله لنا بمنحنا ثروات طبيعية لأصبحنا في خبر كان وهذه بعض أراء ابن خلدون في العرب منذ قرون بعيدة.
باب في أن العرب ابعد الناس عن الصنائع ( 404 )
والسبب في ذلك أنهم اعرق في البداوة وابعد عن العمران الحضري وما يدعو إليه من الصنائع وغيرها.. والعجم من أهل المشرق وأمم النصرانية عدوة البحر الرومي أقوم الناس عليها لأنهم اعرق في العمران الحضري وابعد عن البداوة وعمرانه .
ولهذا نجد أوطان العرب وما ملكوه في السلام قليل الصنائع بالجملة حتى تجلب إليه من قطر آخر وانظر بلاد العجم من الصين والهند والترك وأمم النصرانية كيف استكثرت فيهم الصنائع .
في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم ( 543)
من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية إلا في القليل النادر وان كان منهم العربي في نسبه فهو أعجمي في لغته ومرباه ومشيخته مع العلم أن الملة عربية وصاحب شريعتها عربي .
والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة .
وأماالعلوم العقلية أيضا فلم تظهر في الملة إلا بعد أن تميز العلم ومؤلفوه واستقر العلم كله صناعة فاختصت بالعجم وتركتها العرب وانصرفوا عن انتحالها فلم يحمله إلا المعربون من العجم شان الصنائع كما قلنا أولا .
باب في أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو اثر عظيم من الدين على الجملة ( 151 )
والسبب في ذلك أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة فقلما تجتمع أهواؤهم فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم ...
وهم مع ذلك أسرع الناس قبولا للحق والهدى لسلامة طباعهم من عوج الملكات وبراءتها من ذميم الأخلاق إلا ما كان من خلق التوحش القريب المعاناة المتهيئ لقبول الخير ببقائه على الفطرة الأولى وبعده عما ينطبع في النفوس من قبيح الوائد وسؤ الملكات .
ما زلنا كما نحن لم نختلف كثيرا