عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-11, 02:24 PM   رقم المشاركة : 10
@القصيم@
عضو فعال






@القصيم@ غير متصل

@القصيم@ is on a distinguished road


بسم الله الرحمن الرحيم

من صفات الله تعالى: أنه متكلم، وأن كلامه قديم النوع، حادث الآحاد، ليس أنه تكلم في القدم ثم لا يتكلم بعد ذلك. فقوله: كلام قديم يعني جنس كلام الله قديم؛ بل ليس له بداية وليس له نهاية.
وأنه لا يحيط بكلامه أحد؛ لقول الله تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا يقول: لو أن البحار بحار الدنيا كلها مداد يعني حبر وأشجار الدنيا كلها أقلام، فكتب بذلك المداد وكتب بتلك الأقلام، تكسرت الأقلام ونفد البحر قبل أن ينفد كلام الله تعالى. ثم ذكر أنه يسمعه من شاء من عباده، يسمعه من شاء من خلقه، سمعه منه موسى عليه السلام، سمع كلام الله منه من غير واسطة، ويسمعه جبريل عليه السلام من غير واسطة، ويسمعه أيضا من أذن له من الملائكة ومن الرسل، يسمعون كلام الله. وكذلك أيضا يكلم المؤمنين يوم القيامة في الآخرة ويكلمونه ويسمعون كلامه، ويأذن لهم فيزورنه كما يشاء. دليل على أنه يتكلم بكلام يسمع ويعقل كما يشاء.
ذكر بعد ذلك الأدلة على أن الله تعالى متكلم، ويتكلم إذا شاء، منها: قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ثقلت هذه الآية على المعتزلة، فحاول بعضهم تحريفها. جاء أحدهم إلى أبي عمرو القاري أحد القراء السبعة وقال: أريد أن تقرأ هذه الآية: ( وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى تَكْلِيمًا ) يعني: كلم موسى الله؟ أي أن موسى هو المكلم فقال له أبو عمرو رحمه الله: هب أني قرأت هذه الآية، أو قرأتها أنت كذلك، كيف تصنع بقول الله تعالى في سورة الأعراف: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ فانقطع ذلك المعتزلي، وعلم أنه لا حيلة له في تحريفها.
وكذلك قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ صريح في أن الله تعالى كلم، وقال تعالى: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي أخبر بأنه اصطفاه، يعني: فضله بكلامه.
وكذلك قال تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أثبت أنه يكلم بعض خلقه وحيا، ويكلم بعضهم من وراء حجاب كما كلم موسى من وراء حجاب، وقال تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ النداء لا يكون إلا بكلام، وكذلك النجوى، وقد أثبت ذلك ربنا تعالى لنفسه فقال تعالى: وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى هل يكون نداء بغير كلام؟! وقال: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى وقال تعالى: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ ناديناه وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا .

وكذلك قال تعالى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي وقال تعالى: وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا .
معلوم أن النداء لا يكون إلا بكلام، تعرف ذلك العرب، فيقول قائلهم:
وداع دعـا يا من يجيب إلى الندا
فلـم يستجبـه عنـد ذاك مجـيب
ويقول:
فقلت ادعـي وأدعـو إن أنـدى
لصـوت أن ينــادي داعيــان
فآيات النداء صريحة في أن الله تعالى ينادي، وأنه يتكلم.
كذلك قوله تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ يكلم موسى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي هل الشجرة تقول ذلك؟! سمع هذا الكلام لما رأى تلك النار، قال: إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ من الذي ناداه؟ نودي، ناداه الله تعالى: إني أنا ربك، وقال: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ فهل يجوز أن تقول الشجرة إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي دل على أن هذا كلام الله تعالى، وأنه سمعه موسى لا يجوز أن يقول: هذا أحد غير الله.
ذكر بعد ذلك عن ابن مسعود وروي مرفوعا: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء أثبت الصوت، تكلم، سمع صوته، يدل على أن الله تعالى يتكلم كيف يشاء. وفي حديث أبي هريرة يقول عليه السلام: إذا أراد الله أن يوحى بالأمر تكلم بالوحي، أخذت السموات منه رجفة، أو قال: رعدة فأخبر بأنه يتكلم بالوحي. في حديث عبد الله بن أنيس يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراة، حفاة، غرلا، بهما. فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان رواه الأئمة واستشهد به البخاري
يحشر الخلائق يوم القيامة بعدما يبعثون حفاة عراة حفاة، ليس لهم أحذية، عراة ليست عليهم أكسية، غرلا أي يعودون كما كانوا، أي غير مختنيين كما خلقوا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ يعني: يعيدهم الله كما كانوا، بهما يعني أنهم لا يتكلمون إلا بإذنه يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ فيناديهم بصوت دل على أنه يسمع، يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان.
ذكر بعد ذلك قصة موسى في بعض الآثار أن موسى لما رأى النار وقال: إِنِّي آنَسْتُ نَارًا رأى نارا من بعيد، فقال: إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ لما رأى النار هالته ففزع منها لما رآها شجرة تشتعل فيها نار؛ ومع ذلك لا تحرق النار لا تحرق أغصانها ناداه ربه: يا موسى لما ناداه أجاب سريعا استئناسا بالصوت فقال: لبيك.. لبيك.. أسمع صوتك ولا أرى مكانك. سمع الصوت واستأنس به، أين أنت؟ فقال: أنا فوقك، وأمامك، وعن يمينك، وعن شمالك. يعني: أني محيط بك، وأني قريب منك. فعلم أن هذه الصفات لا تنبغي إلا لله تعالى، فقال: كذلك أنت يا إلهي. يعني: أنت ربي، أفكلامك أسمع أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى
ففي هذا.. أن موسى سمع كلام الله، وأنه استأنس به، وأن ربه كلمه بهذا، بقوله: يا موسى يا موسى وبقوله: أنا فوقك، وعن يمينك، إلى آخره، وبقوله: بل كلامي يا موسى
فالحاصل.. أن هذا دليل على إثبات صفة الكلام.