رابعاً : بين الحـزن والخـوف ( لا تحزن إن الله معنا )
لم يرد في الآية الكريمة أن أبا بكر رضي الله عنه كان خائفاً رغم أن الموقف موقف خوف أكثر منه موقف حزن. وإنما ورد فيها ذكر الحزن. والحزن غير الخوف:الحزن على أمر واقع،والخوف من أمر متوقع. فمايقال من أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان خائفاً مضطرباً لا أصل له، ولا دليل عليه سوى الدعوى العارية.
وحتى لو افترضنا أن التعبير جاء بلفظ (لا تخف ) دون ( لاتحزن)
فليس في ذلك من عيب أو قدح لأسباب عديدة منها :
1 – إن قول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه : ( لا تحزن إن الله معنا ) لا يبقي للخوف قدحاً ما دام أن الله مع الخائف. فيكون كقوله تعالى لموسى وهارونعليهما السلام : ( لاتخافا إنني معكما) (طه:46).
2 – إن الخوف انفعال نفسي طبيعي لا عيب فيه لذاته. وإنما يذم إذا زاد عن حده، أو اقترن به ما يشين ،وإلافكل إنسان يخاف حتى الأنبياءعليهم السلام كما أخبر الله تعالى عن موسى عليه السلام بقوله: ( ففررت منكم لما خفتكم ) (الشعراء:21)، وقوله : ( ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون ) (الشعراء/14) ، وقوله : ( ياموسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون) (النمل:10)، وغيرها من الآيات. وكما خاطبت الملائكة لوطاً علي السـلام : (لا تخف ولا تحزن إنا منجوكوأهلك إلا امرأتك ) (العنكبوت:32).
3 – إن صيغة النهي لا تستلزم وقوع المنهي عنه إلا بدليل منفصل. وذلك كقوله تعالى لنبيه ضلى الله عليه وسلم : (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه ) (الكهف:28). وكما توصي ابنك تقول لا تكذب ، لا تسرق …الخ. ان هذا مجرد تحذير لا يستلزم وقوع المنهي عنه وهوالكذب والسرقة ..الخ. بل هو أدعى لعدمه.
فلو افترضنا أن النص جاءهكذا: ( لا تخف إن الله معنا ) لما دل على تحقق وقوع الخوف. فكيف ولا ذكر للخوف فيه !إنما هو الحزن! وهوكقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ولا تحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون ) (النحل:127) .
فائده بسيـطه :
[ "وَلاتَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ " (النمل:70 )
" وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِفَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاتَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" (القصص:7 )
" فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّاتَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً " (مريم:24 )
" وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلاتَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَوَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ" (العنكبوت:33 )
" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُواوَلاتَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ" (فصلت:30 )
فقد توجه النهي عن الحزن في الآيات السابقة الى سيدنا محمد والى سيدنا لوط عليهما السلام
والى السيدتين أم سيدنا موسى وأم سيدنا عيسى عليهما السلام والى المؤمنين صادقي الإيمان
فنستنتج من ذلك أن سيدنا أبا بكر الصديق من خيرة خلق الله لأنه قد وجه له نفس النهي الذي وجه لهم]