يا أخي الفاضل رحمك الله أنت ما فطنت لموطن النزاع بعد كل هذا.
أنا وأنت نقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه "أنت مني بمنزلة هارون من موسى".
أليس كذلك؟
طيب، الإمامية يجعلون هذا في طليعة احتجاجهم للإمامة، فيقولون لم يجز لموسى أن يترك قومه بلا وصي وهارون كان الوصي بعد موسى إلى آخر عبثهم المعروف.
هل احتجاجهم بفهمهم لهذا المتن يؤثر في صحته أو ضعفه؟
كما تفضلت أنت وأجبت وأصبت، لا.
طيب بارك الله فيك، هذه هي القاعدة، ليتك تمشي عليها، فهمهم للمتن لا يؤثر في صحته سلبا ولا إيجابا.
هذه ركيزة رئيسة لا يمكن أن نتفق إذا لم نتفق عليها.
إذا عرفت هذا فيجب عليك حين أن تريد أن تحكم على الحديث بالصحة أو الضعف أن تنسى وجود فرق أخرى أصلا، كل كلامهم لا عبرة له ولا دخل له بصحة الحديث وضعفه.
المتن تفهمه على أصول اللغة الصحيحة، وتفهمه على ضوء النصوص الأخرى، تخيل أنك عربي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الكلام، ماذا ستفهم منه، هذا هو المطلوب، فإن احتمل الكلام معنيان أو ثلاثة فتفهمه على ضوء القرآن والأحاديث الأخرى لأنه من الأصول أن الحق واحد خارج من مشكاة واحدة.
نأتي للحديث محل البحث.
هل الحديث بفهمك أنت العربي المجرد وعلى ضوء الأحاديث الأخرى الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، معناه مقبول؟ أو يحتمل وجه مقبول ووجه غير مقبول؟ أو منكر لا يحتمل معنى موافق لعقائدنا؟
لا أعرف واحدا من أهل العلم قال أن معناه منكر لا يحتمل وجها محتملا، بل كل من تكلم في الحديث يفسره على وجه غير منكر كما فعل القاضي عياض رحمه الله وغيره.
الحديث إما إشارة لقتل علي رضي الله عنه بضربه على رأسه، أو إشارة لشبهه بذي القرنين، أو إشارة لعظم مكانته في الأمة، أو لعظم ملكه في الجنة. كل هذا لا محذور فيه إطلاقا، وجاء مثله في غيره من الصحابة رضي الله عنهم.
فقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه بعيسى وإبراهيم عليهما السلام وشبه عمر رضي الله عنه بعمر ونوح عليهما السلام.
وبشر النبي صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه بقتله شهيدا، وغيره.
ونبه على مكانة غير واحد من الصحابة في الأمة، فقال عن أبي عبيدة رضي الله عنه أمين الأمة وغير هذا كثير.
وأشار أن لعمر رضي الله عنه قصر في الجنة وذكر ما لأبي الدحداح في الجنة وغيرهما.
إذن فالحديث لم يفرد علي رضي الله عنه بفضيلة منكرة المعنى ولا فيه عقيدة فاسدة.
هل يحتج به مبتدع على عقيدة فاسدة؟
نعم، ويحتج نفس المبتدع بأنت مني بمنزلة هارون من موسى.
ولكن العبرة في التصحيح والتضعيف ليست بهذا.
أنا لا أقول الحديث صحيح قولا واحدا، بل هو عندي جيد، ومن ضعفه لتدليس محمد بن إسحاق أو خفة ضبطه، فلا إشكال.
ولكن الخطأ في المنهج النقدي نفسه.
وهذا المنهج أوقعك في خطأ آخر ولكنه لم يظهر في هذا الحديث، ونبهتك عليه في الموضوع الآخر وهو الحديث الذي جعلت عهدته على شريك القاضي وهو منه براء.
أرجو أن يكون المقصود اتضح بارك الله فيك.
بالنسبة لقولي عن أبي عبيد في مصاف أحمد والشافعي.
أي أنه من الأئمة المجتهدين الذين يقتدى بهم في السنة والعقيدة الصحيحة، كالشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وبلهم مالك بن أنس وسفيان والأوزاعي وهؤلاء الأئمة الكبار.
أما كلامك عن دراسة الكتب الأخرى، كما قلت في الموضوع الآخر، له إطار ويستفاد منه في سياق هذا الإطار لا خارجه، وضربت لك أمثلة للانتفاع بالكتب المخالفة كما فعل ابن تيمية وابن القيم وابن حزم وغيرهم من الأئمة.
ومعذرة على الإطالة.