السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
أخي الكريم ..
أولا: ما ثبت من كتب الخصوم أن أمير المؤمنين يزيد لم يأمر بقتل الحسين رضي الله عنه ولم يرض به. وشهادة الخصم لخصمه مقبولة وشهادته لنفسه مردودة. بل لم يثبت نقيض ذلك عن أهل السنة. إذن فهو من دمه براء إلا أن يعلم الله تعالى خلاف ذلك.
ثانيا: قولك (لسكوته عن مقتل الحسين) فيه إشكال. فإن كنت تقصد أن يشق جيبا ويلطم خدا ويدعو بدعاء الجاهلية فهذا كله منهي عنه. فيكون في تركه هذا قد أصاب السنة.
وإن كنت تقصد أنه لم يأخذ القتلة بدمه، فهذا خلاف العرف والصواب. لأنه لو كان الحسين رضي الله عنه قد قتل غيلة كمقتل عثمان رضي الله عنه، لكان لقولك وجه، لكنه رضي الله عنه استشهد مقاتلا في معركة، حاملا للسلاح. بل لو جاز الطلب بدمه لطالب ابنه زين العابدين والهاشميون به. فالمسألة إذن برمتها فتنة كفتنة الجمل.
وإن كنت تقصد أنه إنما سكت فرحا بمقتله فكتب الخصوم تنص على أنه أظهر التوجع والحزن على مقتله وعزي وأهل بيته فيه.
ثالثا: حديث أم حرام رضي الله عنها، أخرجه البخاري في صحيحه (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَهُوَ نَازِلٌ فِي سَاحَةِ حِمْصَ وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ . قَالَ عُمَيْرٌ فَحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا. قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: أَنْتِ فِيهِمْ. ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ. فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ لَا). فالطعن في يزيد طعن بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم. إذ كيف يجوز كره من شهد النبي صلى الله عليه وسلم له بالمغفرة وهو الذي لا ينطق عن الهوى؟
رابعا: علمنا رب العباد أن نقول: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) وأمير المؤمنين يزيد رحمه ممن سبقنا بالإيمان، فلا داعي أن نحمل في قلوبنا غلا عليه لقول الله جل وعلا: (وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا ).
من هذا المنطلق أرى أن الرجل رحمه الله قد ابتلي بفتنة، مصداقا لقول الله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) فنسأل الله تعالى له الرحمة والمغفرة، وهو الأولى، والله تعالى أجل وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.