عرض مشاركة واحدة
قديم 07-11-09, 09:14 AM   رقم المشاركة : 2
الشريف الحنبلي
متى عيوني ترى عيون غاليها ؟





الشريف الحنبلي غير متصل

الشريف الحنبلي is on a distinguished road


لقاء ملتقى أهل الحديث مع الشيخ
الأسئلة والأجوبة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فجواباً على أسئلة الإخوان الذين راسلوا منتدى بلجرشي حول بعض مسائل علم الحديث، أقول وبالله التوفيق:

س1: ماذا ترون في رواية سعيد عن عمر؟
صحّ عن سعيد بن المسيب أنه ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، أي أنه ولد سنة(15 هـ)، وعمر (رضي الله عنه) توفي سنة (23 هـ) أي وسنّ سعيد حينها (8) أعوام.
وقد نفى عامة أهل العلم أن يكون قد سمع كل ما رواه عن عمر (رضي الله عنه)، مع إثبات عدد منهم له رؤيةً وسماعاً مجملاً من عمر في بعض الحوادث: كنعيه النعمان بن مقرن، وغير ذلك.
لكن يبقى أنّ مرويات سعيد بن المسيب عن عمر، وخاصة لفتاواه وأقضيته = كثيرة جداً، لايتصور أن يكون ابن ثمان سنين قد سمع ووعى ذلك كله عن خليفة المسلمين (عمر رضي الله عنه).

لذلك كان لابد من الإقرار بأن سعيداً سمع القليل من عمر (رضي الله عنه)، وأنّ أكثر مروياته عنه لم يسمعها منه.

ومع ذلك يقول الإمام أحمد وقد سئل: سعيد عن عمر حجة؟ فقال: "هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل؟!!". وقال أبو حاتم الرازي: "حديثه عن عمر مرسل، ويدخل في المسند على المجاز"، يعني على التجوز والتساهل.

وعبارة أبي حاتم تفسر عبارة الإمام أحمد، وأنه لم يكن يقصد تصحيح سماع سعيد من عمر (رضي الله عنه) في كل ما رواه عنه، وإنما قصد قبول حديثه عنه لقرائن وأسباب احتفت بروايته عنه.

ومن هذه القرائن:
- أن سعيد بن المسيب من كبار التابعين.
- وأنه أعلم التابعين (كما أطلق ذلك غير واحد من الأئمة)، أو من أعلمهم.
- أنه مدني، وحديث أهل المدينة ( وخاصة في تلك الطبقة) أنقى حديث أهل الأمصار، وأبعده عن العلل والتزيد: المقصود وغير المقصود.
- وأنه لايحدث إلا عن الثقات.
- وأن مراسيله عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحّ المراسيل، فكيف عن أصحابه؟! وكيف عمّن أدركه وسمع منه شيئاً؟
- أنّ مراسيله عن النبي (صلى الله عليه وسلم) سبرت فما وجد فيه ما لايقبل، إلا الشيء القليل الذي لايخفى على أهل العلم.
- ويضاف إلى ذلك كله أنه كان أعظم الناس عناية بجمع علم عمر (رضي الله عنه)، من المرويات والفتاوى. يقول يحيى بن سعيد الأنصارى: "إنّ ابن المسيب كان يسمى راوية عمر بن الخطاب، لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته". وقال مالك، وسئل عن سعيد: هل أدرك عمر؟ فقال: "لا، ولكنه ولد في زمان عمر، فلما كبر أكب على المسألة عن شأنه وأمره، حتى كأنه رآه. وبلغني أن عبدالله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره".

فلهذه القرائن ولغيرها خصت مراسيل سعيد عن عمر بالقبول، وهذا حق، فإن لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل؟!

لكن يبقى أن كون أكثر مروياته عن عمر (رضي الله عنه) مرسلة داعياً لعدم الإعتداد بها والإعتماد عليها كاعتدادنا واعتمادنا على المتصل الصحيح، ولا بد من مراعاة كل رواية، وما يحتف بها من قرائن الرد: كالمخالفة أو النكارة والشذوذ.
وهذا أمر عسير جداً، لايدخل غماره إلا من له قدم صدق راسخة في علم الحديث.

س2: عامر الشعبي عن علي؟
وأمّا رواية الشعبي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فهي وإن كان فيها شبه برواية سعيد عن عمر (رضي الله عنه)، من جهة ثبوت رؤية الشعبي وسماعه لحديث واحد عن علي (رضي الله عنه)، إلا أن أهل العلم لم يحكموا بقبولها كما فعلوا في حديث سعيد عن عمر (رضي الله عنه)، كما سبق بيانه.

وما هذا التفريق بين الصورتين إلا لاختلاف الحالين، ولفقدان بعض أهم القرائن التي سبقت في كلامنا عن حديث سعيد عن عمر (رضي الله عنه) في حديث الشعبي عن علي (رضي الله عنه).

حتى أن أبا حاتم الرازي لإنكاره ثبوت ما أكثر روايته الشعبي عن علي (رضي الله عنه) من مسائل الفرائض ليقول: "هذا عندي ما قاسه الشعبي على قول علي، وما أرى علياً كان يتفرغ لهذا".

وهناك احتمال آخر لسبب رد حديث الشعبي عن علي (رضي الله عنه) عند بعض الأئمة وهو أنّ الشعبي أخذ الفرائض عن الحارث الأعور عن علي (رضي الله عنه) عند بعض الأئمة، وفي الحارث كلام شهير لأهل العلم.

س3: ما الضابط الدقيق في تقوية الاحاديث بالشواهد؟
تقوية الأحاديث بالشواهد (أي بمجيء الحديث من رواية صحابي آخر، على حسب المشهور عندنا من معنى الشاهد) من المسائل التي توسع فيها أكثر المتأخرين والمعاصرين توسعاً غير مرضي، فلا ما هم عليه بصحيح، ولا إغلاق باب هذا النوع من القرائن بالصحيح أيضاً، والتوسط هو الصواب.

أما وضع ضابط للحالة التي تقوى فيها الشواهد والحالة التي لا تقوي فيها، فهذا أمر يعرفه ذووا الخبرة والعلم، ولكل مسألة جزئية حكمها الخاص.

لكني أقول: إنّ الشاهد إذا كان مختلف المخرج، ولا يعود الحديث الضعيف الذي أريد أن أعضده به اليه، أو يعود هو إليه، وأطمأن قلب الناقد إلى أنه شاهد حقيقي ليس وهمياً = يمكن أن ينفع في تقوية الحديث الضعيف. وكلّما اتحد اللفظ في الشواهد أو تقارب تقاربا كبيراً، كلما كان ذلك أدعى للانتفاع بشهادته. وكلما كان الضعف خفيفاً كلما كان التقوي بالشاهد مقبولاً، وكلما ازداد الضعف قوة كلما بعد إحنمال التقوي بالشاهد، حتى إذا بلغ الضعف درجة شدة الضعف العائدة إلى الإتهام بالكذب سقط احتمال تقويه مطلقا".

الخلاصة: أنّ الشواهد قرائن تقويه وترجيح. فقد تقوى هذه القرائن على التقوية أو الترجيح في مسألة، لعدم وجود قرائن في جانب الرد والتضعيف، أو لضعفها في مقابل قرائن التقوية. أو لاتقوى على ذلك؛ لنزولها وضعفها في مقابل قرائن الرد.

س4: ما رأيكم بحديث قراءة آية الكرسي بعد الصلاة؟
وأمّا حديث "من قرا آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يكن بينه وبين الجنة إلا الموت"، فهو حديث مقبول، لاينزل عن درجة الحسن. لو لم يكن له إلا حديث أبي أمامة (رضي الله عنه) لكفاه، فهو حديث أخرجه النسائي في الكبرى ولم يعله، وصححه ابن حبان. ولا أعرف أحداً من المتقدمين أعلّه، إلا ما كان من حكمهم بتفرد أحدرواته به. لكن الحكم بالتفرد وحده مع عدم وجود نكارة في اللفظ، ومع عدم الإعلال من قبل أئمة النقد به، بل مع تصحيحهم له = لايصح أن يكون متعلقاً للتضعيف.

س5: فضيلة الشيخ سؤالي يتعلق بقضية التفريق بين منهج المتقديمين والمتأخرين في التصحيح والتضعيف. أرجو منكم البيان الشافي عن هذه القضيه، وهل هذا التفريق سائغ؟
أمّا البيان الشافي فهو حري بمصنف كامل، وهو ما قمت به بفضل الله ومنته، من نحو ثلاث سنوات. وإنّما أخرت طباعته ونشره استكمالاً لبعض الجوانب غير الأساسية المتعلقة بالموضوع، فعسى أن ييسر الله (تعالى) نشره قريباً (بإذنه عز وجل).

لكني سوف أذكر بعض الأمور التي تجلى وجه الحق في هذه المسألة:
أولاً: لايتردد أحد ممن له علاقة بعلم الحديث أن أئمة النقد في القرن الثالث والرابع، من أمثال ابن معين وابن المديني وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وأبي حاتم وأبي زرعة وابن خزيمة والعقيلي وابن أبي حاتم وابن عدي وابن حبان والدارقطني وأمثالهم = أنهم أعلم (بمراتب كثيرة) من المتأخرين من أمثال الذهبي وابن حجر والسخاوي والسيوطي فمن جاء بعدهم إلى المعاصرين.

ثانياً: لايشك أحد ممن له علاقة بعلم الحديث وبعلمائه وتراجمهم وأخبارهم أن أئمة الحديث ممن سبق ذكر أعيانهم أسلم الناس قلبا (وفكراً) من العلوم الدخيلة على العلوم الإسلامية التي أثرت فيها تأثيراً سيئاً، كعلم المنطق ووليده علم الكلام، وأنهم في هذا الأمر ليسوا كعامة المتأخرين ممن تأثروا بتلك العلوم: بطريق مباشر أو غير مباشر (كما بينت ذلك في المنهج المقترح).

ثالثاً: لايخفى على أحد أن علم الحديث كان خلال القرون الأولى حياً بين أهله؛ لأنهم هم الذين سايروا مراحل نموه وتطوره، وواجهوا الأخطار التي أحدقت به بما يدفعها، وهم الذين وضعوا قواعده وأتموا بناءه، حتى اكتمل. وأنه بعد ذلك ابتدأ في التناقص، حتى وصل الى درجة الغربة ( كما صرح بذلك ابن الصلاح ت 643هـ). ولذلك غمضت على المتأخرين كثير من معالمه، وخفيت عليهم معاني بعض مصطلحاته، وصاروا يصرحون في مواطن كثيرة (بلسان الحال والمقال) أنهم مفتقرون الى الإستقراء والدراسة لأقوال المتقدمين ومناهجهم لاستيضاح معالم علم الحديث ومعاني مصطلحاته التي كانت حية واضحة المعالم عند المتقدمين (كما سبق).

ولذلك كنت قد وصفت المتقدمين في كتابي (المنهج المقترح) بـ ( أهل الإصطلاح )، ووصفت المتأخرين بأنهم (ليسوا من أهل الإصطلاح)؛ لأنهم (أعني المتأخرين) مترجمون لمعاني مصطلحات المتقدمين، ومستنبطون لمعالم علمهم: أصولاً وفروعاً، وليس لهم دور آخر سوى ذلك، إلا أن يحفظوا لنا الأوعية التي تركها المتقدمون (وهي الكتب).

وبذلك يظهر لنا الفرق الكبير بين الفريقين، إنه كالفرق بين: من كان من أهل الإحتجاج بلغته من العرب (فهم أهل اللغة)، ومن جاء بعد انقراض هؤلاء ممن صنف كتب اللغة. بل من جاء بعدهم بزمن، بعد أن أفسد علم المنطق من علوم اللغة ما أفسده في العلوم الأخرى، وبعد أن ضعف العلم باللغة كما ضعفت العلوم الأخرى!!!

وإذا كان الأمر بالنسبة للمتقدمين والمتأخرين على ما سبق شرحه، فهل يشك أحد أن هناك فرقا بين المتقدمين والمتأخرين ؟!!!

وإني لأسأل: إذا تكلم في علم من العلوم رجلان، أحدهما: أعلم به، بل هو من مبدعيه وواضعيه. وثانيهما: أقل علما به بمراتب، بل قصارى شأنه أن يفهم كلام الأول ويستوضح منهجه = أيهما سيكون أولى بمعرفة الحق في مسائله؟ ومن منهما سيكون قوله أصوب وأسد.

وبصراحة أكثر: إذا صحّح أحد المتأخرين حديثاً، ألن يؤثر على تسديد حكمه أنه : 1) أقل علماً من المتقدمين، 2) وأنه قد تأثر فكره وعقله بمناهج غريبة عن علم الحديث، 3) وأنه ما زال مفتقراً لفهم واستيضاح بعض معالم علم الحديث .. ؟!!

وإذا قرر أحد المتأخرين قاعدة من قواعد نقد الحديث في القبول والرد، أو أصل أصلاً في إنزال الرواة منازلهم جرحاً أو تعديلاً، ثم وجدنا أن تلك القاعدة أو ذلك الأصل يخالف ولا يطابق التقعيد الواضح أو المنهج اللائح من أقوال أو تصرفات الأئمة المتقدمين = فمن سيتردد أن المرجع هم أهل الاصطلاح وبناة العلم (وهم المتقدمون) ؟!!! إني – بحق – لا أعرف أحداً يخالف في ذلك؛ لأني لا أتصور طالب علم يخفى عليه مأخذه!

أما قول من يقول: إن المتأخرين من علماء الحديث (كالذهبي والعراقي وابن حجر والسخاوي والسيوطي) أعرف الناس بمنهج المتقدمين في قواعد الحديث، وأنهم نصروا مذهبهم = فإني أقول له:
أولاً: فإذا اختلف المتأخرون (وما أكثر ما اختلفوا فيه: من تعريف الحديث الصحيح ... إلى المدبج ومعناه) = فمن هو الحكم؟ وإلى ماذا المرجع؟ أو ليس هو تطبيقات المتقدمين وأحكامهم وأقوالهم؟
أم أن هذا القائل لتلك المقالة يريد منا أن نقفل باب الاستقراء والدراسة لأقول الأئمة المتقدمين؟!!!
ما أشبه الليلة بالبارحة! كنا – معشر أتباع الدليل – نذكر الأدلة لمقلدة المذاهب، ونعجب بل نستنكر قول المقلدين المتعصبين: إن إمامنا أعرف بهذه الأدلة منكم، وكل من خالف قول إمامنا إما مؤول أو منسوخ!! ثم أرى بعض أتباع الدليل يرجعون إلى مثل هذا القول!!!

فإن كان ذلك القائل لايريد منا إقفال باب الاستقراء والدراسة لأقوال الأئمة المتقدمين، بل هو مؤيد لهذا المنهج = فما الذي يستنكره على دعاة هذا المنهج؟! وأخشى ما أخشاه أنه بذلك يؤصل (من حيث يشعر أو لم يشعر) منهج التقليد الأعمى، وينسف أصل السلفية العظيم، وهو الرجوع الى الدليل الصحيح، وهذا ما نراه في بحوث ودراسات كثير من المعاصرين من المخالفين لنا في منهج دراسة علوم الحديث. فأصبحنا ضحكة لأهل البدع: نجتهد في الفروع الفقهية، ونقلد في علوم الحديث!! ونرضى أن نعد أخطاء العلماء العقدية، ونستشنع أن يخطأ أحد منهم في تفسير مصطلح من المصطلحات!!!
فإنا لله وإنا اليه راجعون.

ثانياً: أضف إلى ذلك كله في الرد على تلك المقالة: أن المتأخرين الذين تصدوا إلى علم الحديث تأليفاً وبياناً لقواعده وشرحاً لمصطلحاته قد أخطئوا في بعض ما قرروه، وهذا يعترف به المخالف قبل المؤالف.
وبجمع بعض تلك الأخطاء بعضها إلى بعض، وبعد دراستها لمعرفة سبب وقوع ذلك العالم فيها. ولمعرفة ما إذا كانت مجرد خطأ جزئي أم أنها خطأ منهجي = تبين أن بعض تلك الأخطاء سببها خطأ منهجي، أي في طريقة دراسة ذلك العالم لتلك المسائل ومنهجه في تناولها. وهذا ما أثبته بوضوح كامل في كتابي (المنهج المقترح)، وبيّنت دواعيه التاريخية والعلمية والعقدية والفكرية، واستدللت له بأدلة واقعية من أخطاء بعض العلماء.
وذلك الخطأ المنهجي في دراسة المصطلح لدى المتأخرين لم يتناول كل دراستهم، ولذلك أصابوا في كثير من مباحث علم الحديث، لما طبقوا المنهج الصواب، الذي لاندعوا – اليوم – إلا إليه.
لكن ظهور ذلك المنهج الخطأ لدى بعض العلماء المتأخرين كان أثره واتساع دائرة تطبيقه تدريجياً، إلى العصر الحديث. فكان (المنهج المقترح) أول كتاب يبين بجلاء أن خطا المتأخرين في علوم الحديث ليس دائماً خطأ جزئياً كغيره من الأخطاء التي يمكن استدراكها بسهولة، ولا يكون له خطورة على العلم ذاته. بل إنّ بعض تلك الأخطاء نتجت عن خطأ منهجي خطير، قائم (في وجهه السافر) على مشاحة أهل الاصطلاح اصطلاحهم، وعلى مناقضة أصحاب التقعيد تقعيدهم!! وكان (المنهج المقترح) بعد ذلك أول كتاب أيضاً يبين معالم المنهج الصحيح لفهم المصطلح، بوضع خطوات واضحة له.

وفي الختام: فإني أنصح كل من فاته أجر وشرف السبق إلى إحياء منهج المتقدمين، أن يبادر إلى مسايرة ركب هذا المنهج، الذي يزداد أتباعه يوما بعد يوم (بحمد الله تعالى). ولا تقعدن بك (أخي) حظوظ النفس (من الحسد والكبر) عن فضيلة الرجوع الى الحق، فهذا لن يزيدك إلا كمداً وغماً وإثماً بزيادة ظهور الحق وأهله؛ فإن الحق يغلب ولا يغلب، وإن بدت للباطل دولة، فغلبة البرهان لاتكون إلا للحق في كل زمان.

س6: وهل الشيخ الإمام الألباني (عليه رحمة الله) كان على منهج المتقدمين أم المتأخرين؟
الجواب باختصار: كل ما أصاب فيه الشيخ (عليه رحمة الله) فهو فيه على منهج المتقدمين، وأما ما أخطأ فيه: فمنه خطأ جزئي لا علاقة له بالمنهج، ومنه خطأ منهجي تأثر فيه الشيخ (عليه رحمة الله) بمن سبقه من العلماء المتأخرين ، كما تقدم آنفاً بيانه.

س7: ما هو الضابط في مخالفة المتقدمين في التصحيح والتضعيف، وهل يسوغ تصحيح أو تضعيف حديث مخالفة للمتقديمن. أقصد إذا ورد حد يث ضعيف لم يصححه أحد فهل يسوغ تصحيحه للمتأخرين بناء على ما تبين لهم من حيث خبرتهم وعلمهم في التصحيح والتضعيف لا اتباعاً للهوى بل عن طريق الدراسة والبحث.
الجواب: هذه المسألة من أهم المسائل التي بينتها في كتابي الذي نوهت بذكره في بداية الأسئلة، حول مسألة التصحيح والتحسين والتضعيف لأهل الأعصار المتأخرة. وهي مسألة طويلة، ولذلك لايمكن تفصيلها هنا. لكني أذكر هنا ضابطاً كلياً، قد يكون في حاجة إلى أمثلة، أرجئها إلى صدور الكتاب؛ فأقول:

إن أحكام الأئمة المتقدمين: منها ما نفهم مأخذه ودليله وعندنا أهلية الاجتهاد فيه، ومنها ما لانفهم دليله ومأخذه أو ليس لدينا أهلية الاجتهاد فيه. فالقسم الأول: يحق لنا أن نخالف فيه الإمام المتقدم، والقسم الثاني : لايحق لنا فيه أن نخالفه.

أضف الى ذلك: أن المتقدمين إذا اتفقوا على حكم، أو تلقت الأمة حكم أحدهم بالقبول (مثل أحاديث الصحيحين)، فلا يحق للمتأخرين نقدها، إلا بدعوى صادقة أنها مستثناة مما تلقي بالقبول، كأن يكون خالف في ذلك أحد المتقدمين تصريحاً بالقول أو بالتصرف أو تلميحاً، وكلما كان القول أو التصرف أقوى في دلالته ودليله كلما قوي الاعتماد عليه، وكلما كان التلميح أخفى كلما احتاج إلى بينة أقوى تسند اجتهاد المتأخر.

والخلاصة أيها الإخوان من أهل الحديث وطلبته: إن طريقكم لطويل، وسهركم في سيركم غير قليل. لكن العاقبة فيه حميدة والأجر عند الله جزيل.

س8: ما رأيكم في ععنعة أبي الزبير المكي عن جابر بن عبدالله؟
عنعنة أبي الزبير عن جابر مقبولة، الا إذا جاء ما يقتضي الشك في الاتصال. وهذا ما بينته في (أحايث الشيوخ الثقات لأبي بكر الأنصاري رقم 33).

س9: هل كل من وُصف بالتدليس وعنعن ترد روايته؟
أمّا من وصف بالتدليس فلا يقتضي هذا الوصف دائماً رد العنعنة مطلقاً؛ لأن التدليس أنواع، ولأنواعه مراتب. بينتها في كتابي المرسل الخفي (1/ 463-550)، وفي أشرطة مسجلة من نحو أربع سنوات أو خمس سنوات، بعنوان (دروس متقدمة في علوم الحديث).

س10: ما معنى القرائن التي في علوم الحديث، ومتى نُعملها؟
أمّا القرائن وإعمالها، فجوابه الصحيح لايكون إلا من خلال الممارسة الطويلة. وهي باختصار: علامات القبول أو الرد التي تلوح للناقد في كل رواية، مما يتعلق بالرواية أو الراوي أو الظروف المحيطة بواحد منهما.

س11: أريد أن أتمكن في علم العلل فما العمل؟
أمّا علم العلل والتمكن منه: فهو مرتق صعب، وطريق وعر، ومسلك ضيق؛ لكنه غير مستحيل لأصحاب الهمم العلية والعقول الذكية والنفوس الزكية، بعد توفيق رب البرية.
على أن للمتأخرين حداً لايتجاوزونه من علم العلل، لايقتربون فيه أبداً من الغاية التي بلغها المتقدمون. ولقد كررت العزو الى كتبي، طلباً للإختصار، وحفاظاً على وقتي ووقت السائلين وكرهاً لتكرير الكلام، فلنقل الصخر أهون من تكرير الحديث.

ذلك أن هذا السؤال هو ما أجبت عنه بمؤلف لطيف الحجم، مطبوع من سنوات، هو ( نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية).

س12: من سيكمل تحقيق كتاب (علل الدارقطني)؟
أمّا عن إكمال تحقيق علل الدارقطني، فليس لي بذلك من علم.

س13: ماصحة زيادة البيهقي: "إنك لاتخلف الميعاد" بعدالدعاء ... عقب الأذان؟
زيادة: "إنك لاتخلف الميعاد" محفوظة في الرواية، فهي ثابتة في رواية الكشميهني لصحيح البخاري، مع ورودها في السنن الكبرى للبيهقي بإسناد صحيح كذلك. غير أن الحديث كله مما اختلف فيه، فقد رده أبو حاتم الرازي، وأقره ابن رجب الحنبلي في شرح العلل، مع تصحيح البخاري وابن خزيمة وابن حبان له!

س14: ما صحة حديث: "رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار"، وهو حديث متكلم فيه من العلماء المعاصرين خصوصاً. نرجو تبيين ذلك مأجورين؟

وحديث: "رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار" حديث شديد الضعف كما بينته في تحقيقي لمشيخة ابن أبي الصقر (رقم 16، 43).

س15: هل كل مايقوله الألباني (رحمه الله) من تصحيح وتضعيف وغيره صحيح قطعاً، حتى لو حسنه الترمذي أو ابن ماجه مثلاً. فبعض العلماء يأخذ عليه بعض المآخذ في تخريج الأحاديث. أنا أعلم مكانة الألباني تماماً ومن مستمعي أشرطته كرحلة النور وغيرها.

س16: وهل مقبل الوادعي (رحمه الله) يعد من علماء الحديث المعتبرين في التخريج وغيره؟

أمّا السؤال عما لو كانت أحكام الشيخ الألباني (رحمه الله) مقبولة مطلقاً، فهذا لايقوله عاقل، كما لايقول عاقل أنه مردود القول مطلقاً. فالألباني (رحمه الله) عالم كغيره من أهل العلم، يؤخذ من قوله ويرد، حسب الدليل القائم بواحد من القبول أو الرد.
وكذا القول في الشيخ مقبل (رحمه الله). وفي هذا المجال أنصح الإخوان بأن لا يعوّدوا ألسنتهم الكلام في الأشخاص عموماً بمثل هاتيك الأحكام المطلقة، التي لاتكاد تكون حقاً. خاصة إذا كان الحديث عن أهل العلم، الذين لهم قدم صدق في خدمة علوم الشريعة وفي الدفاع عن أمتهم.

س17: قال ابن عبدالبر في (التمهيد 10/278) عن أحاديث سقوط الجمعة والظهر: "ولم يخرج البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثاً واحداً وحسبك بذلك ضعفاً لها". اهـ. فهل إذا لم يكن لحديث ما أصلٌ في الصحيحين يُعتبر ضعيفاً؟ وهل يقتصر ذلك على المسائل الفقهيّة أم يتعدّاه لغيرها؟ وماذا لو وجدنا أحاديث في غير الصحيحين وفيها ترجيحٌ للمختلف فيه من أقوال أهل المذاهب ولكن ليس لها أصل في الصحيحين، هل نعمل بها؟

الجواب: أن الحديث الذي يكون أصلا في بابه، ولم يخرج الشيخان أو أحدهما ما يدل على معناه، لايلزم أن يكون ضعيفاً، بل قد يكون صحيحاً، وربما كان على شرطهما أو شرط أحدهما (غير أن هذا: وهو ما كان صحيحاً على شرطهما، وهو أصل في بابه، ولم يخرجا ما يدل على مثل معناه = قليل جداً).
غير أن اعتبار عدم وجود الحديث الأصل في بابه في الصحيحين أو أحدهما قرينة على عدم الصحة، أو بعبارة أدق: اعتبار ذلك داعياً لزيادة التثبت من صحة الحديث ومن خلوه من علة باطنة = هذا صحيح لاغبار عليه. فهو وحده ليس دليلاً ولا سبباً كافياً للتضعيف، لكنه سبب لزيادة الخشية من أن يكون ضعيفاً.

س18: هل هناك طريقة سهلة لمعرفة زوائد عبدالله بن الإمام أحمد على مسند أبيه بمجرّد التأمّل في السند ؟

أمّا زوائد عبدالله بن الإمام أحمد، فتعرف بسهولة، إذا كان عبدالله يروى الحديث عن غير أبيه.

س19: قال ابن عدي في أحمد بن محمد اليمامي: "مقارب الحديث وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق"، وقال البخاري في أبي حمزة الثمالي: "هو عندي مقارب الحديث ليس له كبير حديث"، وقال في عمر بن هارون: "مقارب الحديث، لا أعرف له حديثاً ليس إسناده أصلاً أو قال ينفرد به إلا هذا الحديث"، فمن هذه العبارات يظهر أنّ "مقارب الحديث" ليست تقوية لحال الراوي، وإنّما نفي للضعف الشديد عنه فقط، فما قولكم (وفقكم الله)؟

أمّا مقارب الحديث فهي من ألفاظ التعديل ولاشك، لكنها من آخر مراتب التعديل. ويدل على ذلك أمور وأقوال كثيرة، وهو المقرر في كتب المصطلح.

أمّا العبارات التي ساقها السائل فلا تخالف ذلك، إلا عبارة ابن عدي، فلا يمكن حملها على إرادة التعديل. لكن يبقى أن الأصل في هذه العباره إرادة التعديل، إلا إذا جاءت قرينة تصرفها عن ذلك. وهذا التعامل ليس مختصا بلفظ (مقارب الحديث)، بل هو شامل لعامة ألفاظ الجرح والتعديل، وهو أنه قد تأتي قرائن تبعدها عن أصل معناها المصطلح عليه.

س20: قد أراد الإمام أحمد من تصنيفه لمسنده جمع كل الأحاديث التي لها أصل. فإذا وقعنا على حديث ليس في مسنده عرفنا أنه ليس له أصل. ولكن في الصحيحين بعض الأحاديث مما لم يخرجها أحمد في مسنده. ولا أعلم أحداً من العلماء ضعف حديثا بمجرد أنه ليس في المسند. فما هو السبب يا ترى؟ هل يمكن أن يقال أن هذا بسبب عدم اطلاع الإمام أحمد على تلك الروايات؟ لكن كيف نقول ذلك وقد علمنا أنه كان يحفظ ألف ألف حديث (أي مليون حديث)؟
وهل من الممكن أن يقال أنه قصد الأحاديث المشهورة ولم يقصد الأحاديث الغريبة الصحيحة؟! أم أنه لم يُنهِ كتابة مسنده؟!

الإجابة: إنّ جود أحاديث في الصحيحين غير موجودة في مسند أحمد لاينفع أن يكون وحده دليلاً على أن شرط المسند قد اختل؛ لاحتمال أن لا تكون أصولاً في بابها، أو أن الإمام أحمد قد أخرج حديثاً آخر يدل على ما دلت عليه، ولو كان بلفظ آخر مختلف تماماً.

وعليه تعلم أن الجزم بأن شرط المسند قد اختل في حديث ما، من أعسر الأمور؛ لأن هذا يستلزم استعراض المسند كاملاً، وتدبر أحاديثه كلها، إذ لعل الإمام أحمد أخرج حديثا آخر يدل على معنى الحديث الذي هو أصل في بابه ولم يخرجه، ثم المعنى لا يلزم أن يكون ظاهراً، بل قد يكون فيه خفاء، وإنما يدركه الفقيه كالإمام أحمد وابنه عبدالله وابن عمه حنبل! فأنى لي أن أجزم بأن الإمام أحمد أخل بأصل من الأصول في مسنده ؟!!

س21: فضيلة الشيخ : هل لي أن أقترح عليك - و قد أنقذك الله من البحوث الأكاديمية- أن تفرغ لاستقراء الصحيحين، لتزيد (إجماع المحدّثين) بياناً و قوةً. و لا يخفى على شريف علم الشيخ ما لدعوته الطيبة من ثقل في الواقع، و مخالفة للمألوف، فبالاستقراء الدقيق تُقطع الحجة المُقلّ الفقير، و يُذعن المتشكك الذي عنده من الإنصاف شروى نقير.
فهل للشيخ أن يعدنا بأن تكتحل العيون برؤية (حُجة إجماع المحدثين) ...

أما اقتراح الأخ محمد الناصر: فإن (إجماع المحدثين) مستغن عنه، لأنّ حجة إجماع المحدثين في (إجماع المحدثين)، وإنما الذي يطالب بالحجة من خالف إجماع المحدثين، (ولن يجد هو ولا غيره إلى إيجاده سبيلا). كما قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه.

وهذا إجماع المحدثين، فإني أنتظر رداً يأخذ أدلته دليلاً دليلاً بالنقض، لأن بقاء دليل واحد كاف لإثبات الدعوى. أمّا أن يكون الرد على جزئيات الأدلة وبعض أمثلتها، مع الإتكاء على التقليد الأعمى، فهذا لايرضاه ذووا العقول لأنفسهم، ولا ينخدع به إلا الأغرار.