عرض مشاركة واحدة
قديم 16-10-10, 04:43 PM   رقم المشاركة : 2
al3wasem
عضو ماسي







al3wasem غير متصل

al3wasem is on a distinguished road


ميزان القوى القبلية عند بيعة أبي بكر



من المعروف ان خلافا سياسيا مؤقتا حدث بين الصحابة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وان الأنصار بادروا الى سقيفة بني ساعدة لتعيين رئيس عليهم قبل ان يلتحق بهم بعض المهاجرين فيناقشوهم ويقنعوهم بانتخاب أبي بكر، الذي كان من أصغر قبائل قريش وهي تيم، ولم يكن معه من رجال قريش الا أبو عبيدة ابن الجراح وعمر بن الخطاب، الذي كان ينتمي هو الآخر لقبيلة ضعيفة، هي عدي، وهذا ما أدى الى توقف البطون الكبرى من قريش كبني عبد مناف وأمية وأسد وبني زهرة وبني مخزوم، عن بيعة أبي بكر لفترة، ثم بايعوه.

يقول ابن قتيبة الدينوري: ان بني هاشم اجتمعت عند بيعة الانصار الى علي بن ابي طالب... واجتمعت بنو امية الى عثمان واجتمعت بنو زهرة الى سعد وعبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد مجتمعين، فلما اقبل عليهم ابو بكر وابو عبيدة وقد بايع الناس ابا بكر قال لهم عمر: ما لي أراكم مجتمعين حلقا شتى؟ قوموا فبايعوا ابا بكر فقد بايعته الأنصار".[18]

وكان من بين الرافضين في البداية زعيم قريش أبو سفيان، حيث ذهب الى الإمام علي يحرضه ضد ابي بكر قائلا:" أرضيتم يا بني عبد مناف ان تلي عليكم تيم؟!" ثم عرض عليه ان يبايعه: "أمدد يدك أبايعك، فلأملأنها عليه خيلا ورجلا". وأيده في ذلك العباس بن عبد المطلب الذي قال لعلي أيضا:"امدد يدك أبايعك وآتيك بهذا الشيخ من قريش (يعني ابا سفيان) فيقال: عم رسول الله بايع ابن عمه، ويبايعك أهل بيتك، فلا يختلف عليك من قريش اثنان، والناس تبع لقريش". ولكن الامام علي رفض الاستجابة لهما، دون ان يخفي امتعاضه من بيعة ابي بكر.[19]

ويبدو من خلال قول العباس لعلي، الذي يتضمن تحليلا للواقع السياسي وتنويها بدور قريش وبني عبد مناف، ان سيطرة أبي بكر على الأمور لم تتم ببيعة السقيفة مباشرة، إذ لم يحضَ بصوت الأكثرية من المسلمين، أو من قريش، وانما بقيت بيعته معلقة حتى بايعه بنو هاشم وبنو أمية وبنو زهرة، ولو كان علي قد استجاب لدعوة العباس وأبي سفيان لكان قلب الأمر على أبي بكر والأنصار، لأنه كان يحظى بأكبر وأقوى الأصوات، ولكنه أحجم عن المنافسة وانسحب من أمام أبي بكر، خوفا من إحداث شقاق بين المهاجرين، أو بينهم وبين الأنصار، وفتح بذلك الباب أمام استقرار نظام أبي بكر.

يقول الطبري:"حدثنا أبو صالح الضرار ، قال : حدثنا عبد الرزاق بن همام ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك ، وسهمه من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : أما اني سمعت رسول الله يقول : لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال . واني والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته . قال : فهجرته فاطمة فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها علي ليلاً...
فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم توفيت .


قال معمر : فقال رجل للزهري : أفلم يبايعه على ستة أشهر ! قال : لا ؛ ولا أحد من بني هاشم ؛ حتى بايعه علي . فلما رأى على انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر ، فأرسل إلى أبي بكر : أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد ، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر ،
فقال عمر : لا تأتهم وحدك ، قال أبو بكر : ولله لآتينهم وحدي ، وما عسى أن يصنعوا بي !
قال : فانطلق أبو بكر ، فدخل على علي ، وقد جمع بنى هاشم عنده ، فقام علي فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، فإنه لم يمنعنا من أن نبايعك يا أبا بكر إنكار لفضيلتك ، ولا نفاس عليك بخير ساقه الله إليك ، ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقاً ، فاستبددتم به علينا .
ثم ذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقهم . فلم يزل علي يقول ذلك حتى بكى أبو بكر .
ثم قال علي : موعدك العشية للبيعة ، فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ، ثم عذر عليا ببعض ما اعتذر ، ثم قام علي فعظم من حق أبي بكر ، وذكر فضيلته وسابقته ، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه . قالت : فأقبل الناس إلى علي فقالوا : أصبت وأحسنت ، قالت : فكان الناس قريباً إلى علي حين قارب الحق والمعروف" .[20]


وهذا ما يؤكدا أيضا المسعودي في (مروج الذهب)[21] وابن الأثير في (الكامل في التاريخ) حيث ينقل عن الزهري قوله: بقي علي وبنو هاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى ماتت فاطمة، رضي الله عنها، فبايعوه.[22]

وكذلك ابن أبي الحديد الذي يقول: وأما الذي يقوله جمهور المحدثين وأعيانهم، فإنه عليه السلام امتنع من البيعة ستة أشهر، ولزم بيته، فلم يبايع حتى ماتت فاطمة عليها السلام، فلما ماتت بايع طوعاً. [23] وينقل عن صحيحي مسلم والبخاري: أنه لما ماتت فاطمة عليها السلام، خرج من بيته فبايع أبا بكر، وكانت مدة بقائها بعد أبيها عليه الصلاة والسلام ستة أشهر.[24]




ومع بيعة الامام علي لأبي بكر بعد ستة أشهر من وفاة الرسول (ص) طويت صفحة الخلاف بين الامام علي وإخوانه من السابقين والمهاجرين والأنصار، وعم الود والحب والتقدير والتعاون في سبيل الله والدفاع عن الاسلام، الى حد تزويج الامام علي ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب.[25] وتسمية ثلاثة من أبنائه باسم أبي بكر وعمر وعثمان.

ذلك الأمر الذي يؤكده الموقف الشيعي الإيجابي من الشيخين وعموم الصحابة،
والثابت عبر الروايات المتواترة من الشيعة والسنة، والذي قدمناه في الصفحات الآنفة قبل قليل.


ولكن بعض الروايات تقول إن الامام علي أخذ يقاوم أبا بكر وانه أركب فاطمة على حمار وراح يدور بها في طرقات المدينة ليلا، استجلابا لدعم الأنصار له، وانه اعتصم مع الزبير وعدد من المهاجرين في بيته وحملوا السلاح استعدادا للمقاومة[26]، مما دفع أبا بكر الى أن يرسل عمر الى فاطمة الزهراء ليهددها بإحراق البيت عليهم أو يخرجوا للبيعة، وان الامام علي قد أُجبر على بيعة أبي بكر.[27]

ولكن الميزان العام لمعادلة القوى ، والجو العام لتطور الأحداث يستبعد الرواية السابقة التي تتحدث عن ممارسة العنف في أخذ البيعة لأبي بكر،
فاذا كان أبو بكر قد ترك سعد بن عبادة ولم يجبره على البيعة، فقد كان أضعف من أن يجبر الامام علي على البيعة، وأبعد من أن يأمر باقتحام داره وجلبه بالقوة، أو يسمح لأي أحد بتهديده بإحراق بيته عليه، وهو ما تقوله الأسطورة التي نشأت في القرون التالية، وحملت بين طياتها تفاصيل أسطورية أخرى أبعد ما تكون عن الحقيقة.
مثل ضرب عمر للزهراء وحرق باب بيتها فعلاً، والتسبب في إسقاط جنينها (محسن) أثناء الهجوم على بيتها، والعياذ بالله.




وهنا يحق لنا أن نتساءل:
هل تقاوم هذه الأسطورةُ الروايةَ الأولى علميا؟
وهل هي رواية متواترة؟
أم هي خبر آحاد؟ أو إشاعة سخيفة؟
وهل هي مسندة بشكل متصل؟
أم مقطوعة ومرسلة وغامضة ومتناقضة ومجهولة؟
وهل هي قديمة ومعروفة في الأجيال الأولى؟
أم نظرية حادثة في العصور المتأخرة؟




يقول ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة): "اختلفت الروايات في قصة السقيفة، فالذي تقوله الشيعة - وقد قال قوم من المحدثين بعضه ورووا كثيراً منه - أن علياً عليه السلام امتنع من البيعة حتى أخرج كرهاً،
وأن الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال: لا أبايع إلا علياً عليه السلام، وكذلك أبو سفيان بن حرب، وخالد ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، والعباس بن عبد المطلب وبنوه، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وجميع بني هاشم. وقالوا : إن الزبير شهر سيفه، فلما جاء عمر ومعه جماعة من الأنصار وغيرهم،
قال في جملة ما قال: خذوا سيف هذا فاضربوا به الحجر. ويقال: إنه أخذ السيف من يد الزبير فضرب به حجراً فكسره، وساقهم كلهم بين يديه إلى أبي بكر، فحملهم على بيعته ولم يتخلف إلا علي عليه السلام وحده، فإنه اعتصم ببيت فاطمة عليها السلام، فتحاموا إخراجه منه قسراً،
وقامت فاطمة عليها السلام إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه، فتفرقوا وعلموا أنه بمفرده لا يضر شيئاً، فتركوه.


وقيل: إنهم أخرجوه فيمن أخرج وحمل إلى أبي بكر فبايعه. وقد روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري كثيراً من هذا. [28]

فأما حديث التحريق وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة، وقول من قال إنهم أخذوا علياً عليه السلام يقاد بعمامته والناس حوله؛ فأمر بعيد والشيعة تنفرد به، على أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه، وسنذكر ذلك. [29]

وما أشار اليه ابن أبي الحديد، ورد في خبرٍ في مصنف ابن أبي شيبة ( توفي سنة 235) الذي نقله عن محمد بن بشر (بن الفرافصة العبدي، توفي سنة 203) حدثنا عبيد الله بن عمر (بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، المعاصر لمالك بن أنس)

حدثنا زيد بن أسلم (العدوي، توفي سنة 136)[30] عن أبيه أسلم (مولى عمر بن الخطاب، توفي بين سنة 60 – 70 هـ) : أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ،

فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : " يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت ".

قال : فلما خرج عمر جاءوها فقالت : تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فَروا رأيكم ولا ترجعوا إلي، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر".[31]


وبغض النظر عن قيمة الرواية والكتاب العلمية، فان هذه الرواية تتحدث فقط عن التهديد بحرق البيت.[32] مع إعراب عمر عن محبته للزهراء، وانصراف علي والزبير ومبايعتهما لأبي بكر، ولكن رواية أخرى ينقلها أحمد بن عبد العزيز الجوهري فيما بعد (في القرن الرابع الهجري)، تتحدث عن مجيء عمر في عصابة وصياح الزهراء ومناشدتها لهم، وإخراج علي والزبير بالقوة من البيت للبيعة.[33] فيما تضيف رواية ثالثة ينقلها الجوهري أيضا:" أنهم اجتمعوا على أن يبايعوا علياً عليه السلام، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج إليه الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة عليها السلام تبكي وتصيح" رغم أنها تعود فتناقض نفسها وتقول على لسان الامام علي ومن اجتمع عنده:"ليس عندنا معصية، ولا خلاف في خير اجتمع عليه الناس؛ وإنما اجتمعنا لنؤلف القرآن في مصحف واحد.
ثم بايعوا أبا بكر، فاستمر الأمر واطمأن الناس".[34]




وفي رواية رابعة مقطوعة السند[35]، ينقلها الجوهري ، تتحدث عن عزم الزبير على بيعة علي في مواجهة أبي بكر، وذهاب عمر مع خالد بن الوليد الى بيت علي، وأخذ السيف من الزبير وتكسيره بالحجر، ثم الأخذ بيده ودفعه وإخراج علي معه، وقيام فاطمة على باب الحجرة ومخاطبة أبي بكر:" يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله! والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله".[36]

وكل هذه الروايات لا نستطيع التأكد من صحتها، لأن ابن أبي الحديد ينقلها في القرن السابع الهجري عن الجوهري، الذي توفي القرن الرابع ، عن كتابه (السقيفة وفدك) المفقود، الذي ينقل الروايات من دون سند متصل، رغم توثيق ابن أبي الحديد له.[37] وبالتالي لا يمكن الاعتماد على أية رواية منها. لأن الوجدان في الكتب من أضعف طرق الرواية، خاصة اذا كانت قديمة وعرضة للتلاعب والتزوير.

ونشاهد مثل هذا التخبط لدى مؤرخ آخر هو البلاذري في (أنساب الأشراف) حيث ينقل مجموعة روايات متناقضة، ولكها بلا سند متصل، فيشير في الرواية الأولى التي ينقلها عن (أحمد بن محمد أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري) الى اعتزال علي وطلحة والزبير في بيت فاطمة، دون أي استخدام للعنف معهم.[38] ويؤكد هذا المعنى في الرواية الثانية التي ينقلها عن (هدبة بن خالد،حدثنا حماد بن سلمة، أنبأ الجريري، عن أبي نضرة) والتي يقول فيها ان عليا والزبير فتحا الباب لعمر وخرجا معه طائعين وبايعا أبا بكر. [39]

كما يؤكده في الرواية الثالثة التي ينقلها عن المدائني، عن عبد الله بن جعفر، عن أبي عون، ولكنه يذكر أن البيعة تمت بعد ارتداد العرب، وأنها تمت بشكل سلمي وودي،
حيث يقول:"لما ارتدت العرب، مشى عثمان إلى عليّ. فقال: يا بن عم، إنه لا يخرج أحد إلى هذا العدو، وأنت لم تبايع. فلم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر. فقام أبو بكر إليه، فاعتنقا، وبكى كل واحد إلى صاحبه. فبايعه فسرّ المسلمون، وجدّ الناس في القتال، وقطعت البعوث". [40]


ولكن البلاذري يشير في رواية رابعة ينقلها عن (بكر بن الهيثم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس) الى أمر أبي بكر لعمر بالإتيان بعلي اليه " بأعنف العنف" قبل أن يبايع.[41]دون أن يذكر تفاصيل عملية الجلب وما حدث خلالها من عنف.

ثم يشير البلاذري في رواية خامسة ينقلها عن (المدائني، عن مسلمة بن محارب، عن سليمان التيمي، وعن ابن عون) الى " أن أبا بكر أرسل إلى عليّ يريد البيعة، فلم يبايع. فجاء عمر، ومعه قبس فتلقته فاطمةُ على الباب، فقالت فاطمة: يا بن الخطاب، أتراك محرّقاً عليَّ بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. وجاء علي، فبايع وقال: كنتُ عزمتُ أن لا أخرج من منزلي حتى أجمع القرآن". [42]

وبغض النظر عن انقطاع السند في كل روايات البلاذري الآنفة، توجد ملاحظة على شخصيته "الانتهازية" إذ ينقل عنه أنه كان يمدح المأمون ثم كان من ندماء المتوكل، كما يقول ابن عساكر وياقوت الحموي، ويقال أنه وسوس في آخر أيامه ومات في البيمارستان. وأما المؤرخ البصري علي بن محمد أبو الحسن المدائني (توفي سنة 224) الذي نقل البلاذري عنه الرواية الأخيرة، فانه ليس بالقوي في الحديث، كما يقول ابن عدي في (الكامل). ولم يذكره ابن حبان في الثقات، إضافة الى أنه قلّما يذكر رواية مسندة.

ومن هنا فان رواية البلاذري في القرن الثالث الهجري، عن استعمال عمر للعنف مع علي، أو تهديده بقبس من نار، رواية ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها في مقابل الروايات الأخرى.

واذا ما انتقلنا الى كتاب آخر صدر في نفس الفترة، وهو كتاب (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة الدينوري (213 – 276)، فاننا سوف نشاهد فيلما هنديا مليئا بالبكاء والدموع والخيال اللامحدود، بدل أن نقرأ رواية علمية يعتمد عليها. وفي الحقيقة ان ابن قتيبة يعفينا عن تجشم الرد على روايته الأسطورية بالاعتراف مسبقا في مقدمة الكتاب بأنه يعتمد طريقة الجمع والقص والتأليف دون ذكر دقيق للمصادر. [43] وهي طريقة غير علمية وتثير كثيرا من الشكوك والريبة في ما يرويه.

ومن هنا فان ابن قتيبة يضيف على الروايات السابقة كثيرا من التفاصيل الجزئية الجديدة من جيبه الخاص، حيث يقول:"ان أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث اليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها،
فقيل له : يا أبا حفص.. ان فيها فاطمة!
فقال: وإن، فخرجوا فبايعوا، الا عليا...فأتى عمر أبا بكر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟

فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: اذهب فادع لي عليا. قال فذهب الى علي فقال له: يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله.

فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلا. فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر رضي الله عنه لقنفذ: عد اليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال: سبحان الله!..". [44]


وكثيرا ما يستشهد الشيعة برواية ابن قتيبة، باعتباره "سنيا" دون أن ينظروا الى طبيعة كتابه (الامامة والسياسة) المثير للشك والريبة، والذي يحتوي على قصص وحكايات ضد أئمة أهل البيت وواضحة البطلان.[45]

ورغم أن مؤرخين "سنة" آخرين ذكروا قصصا مشابهة في القرون التالية، فان مجرد نقل أي كاتب من أية طائفة، لأي خبر، حتى لو كان بلا دليل ولا سند، لا يمنح روايته مصداقية علمية، أو يرفعها الى مصاف الروايات المتواترة المتفق عليها. كما فعل مثلا ابن عبد ربه الأندلسي (246 - 328) في (العقد الفريد)[46] عندما ذكر رواية التهديد بحرق بيت فاطمة ، وأضاف عليها أمر أبي بكر لعمر بمقاتلة علي والعباس والزبير الذين قعدوا في بيت فاطمة "حتى بَعث إليهم أبو بكر عمرَ ابن الخطاب ليُخرِجهم من بيت فاطمة، وقال له: إِن أبوا فقاتِلْهم. فأقبل بقَبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمةُ، فقالت: يا بن الخطاب، أجئت لتُحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلتْ فيه الأمة.

فخرج علي حتى دخل على أبي بكر فبايعه، فقال له أبو بكر: أكرهتَ إمارتي؟ فقال: لا، ولكني آليتُ أن لا أرتدي بعد موت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى أحفظَ القرآن، فعليه حَبست نفسي". [47] ولم يذكر الأندلسي لروايته هذه أي سند، رغم أنه ينقل رواية أخرى لا يوجد فيها سوى ندم أبي بكر في آخر لحظة من حياته، عن كشف بيت فاطمة.[48]


وإذا صحت هذه الرواية، فانها لا تحمل في طياتها أكثر من كشف البيت أو تفتيشه، دون اعتراف باستعمال العنف أو تهديد بإحراق البيت على فاطمة الزهراء عليها السلام.

ولكن الأمور تتطور عادة عبر التاريخ، ومن الأصدقاء الى الأعداء، فتصبح الحبة قبة، والأسطورة حقيقة. ولقد هالني في الحقيقة وأنا أبحث في هذا الموضوع أن أجد كاتبا (كمحمد الشاهرودي) يتحمس لقضية الحرق والضرب، يدعي وجود التواتر والتظافر على دعواه، ويستشهد بكتاب الملل والنحل لأبي الفتح الشهرستاني، الذي ينقل عنه أنه يقول:" انّ عمر ضرب بطن فاطمة (عليها السلام) يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، و كان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها".

وعندما راجعت الكتاب متعجبا ومستغربا ، وجدت الشهرستاني يقذف إبراهيم بن سيّار النظّام المعتزلي بهذه التهمة الشنيعة، لا أنه هو من يقول بها، بعد أن يتهمه أيضا بالرفض، ويعدد مثالبه فيقول ما نصه:"الحادية عشرة: ميله إلى الرفض، ووقيعته في كبار الصحابة. قال: أولا: لا إمامة إلا بالنص والتعيين ظاهرا مكشوفا. وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على عليّ رضي الله عنه في مواضع، وأظهر إظهارا لم يشتبه على الجماعة، إلا أن عمر كتم ذلك، وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة ...

وزاد في الفرية فقال: إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح: احرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين".[49] وبغض النظر عن صحة التهم التي يوجهها الشهرستاني الى النظّام، أو عدم ذلك، فان مجرد نقل أي كاتب لأي خبر، حتى لو كان عاريا من الدليل، لا يجعله صحيحا وصادقا، ومتواترا.


والعجيب من بعض المؤرخين الذين يأتون بعد قرون ويرددون قصصا أو تهما لا أساس لها من الصحة، مثل الصفدي الذي جاء في القرن السابع الهجري، وردد تلك التهم الغريبة ضد النظّام، في كتابه (الوافي بالوفيات) دون دليل ولا سند، والأعجب منه أن يأتي آخرون فيجعلون أقواله حجة فيما يذهبون، فيصدقون تلك التهم الباطلة التي لا أساس لها من الصحة، ويجعلون منها دليلا لاتهام خيار الصحابة وعظمائهم مثل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.[50]



ان حدثاً جزئياً كموضوع كشف بيت فاطمة الزهراء، وإخراج من تحصن فيه من الصحابة، وإجبارهم على البيعة لأبي بكر، لو ثبت ذلك، كان يمكن أن يطوى مع التاريخ، ويذهب مع الزمان، في خضم الأحداث والتطورات الكبرى الإيجابية والسلبية التي أعقبت ذلك،

ولم يكن ليستوقف الأجيال اللاحقة على مدار الزمن، لو كان المسلمون ينظرون الى تلك الحقبة ورجالها نظرة شخصية، ولم يضفوا عليها مسحة دينية إيجابية وسلبية،

إيجابية من طرف ما عرف بأهل السنة، وسلبية من طرف ما عرف بالشيعة، وذلك بعد أن حاول أهل السنة اعتبار تجربة الصحابة مقدسة ومصدرا من مصادر التشريع في الاسلام، ورووا عن الرسول الأعظم (ص) قوله:"اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر".

في الوقت الذي حاول الشيعة إضفاء هالة من القدسية على أئمة أهل البيت واعتبروهم مصدرا ملحقا بمصادر التشريع الى جانب القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وخاصة بعدما قال الإماميون بنظرية النص في الخلافة وكونها امتدادا للنبوة.


ولقد كان الإماميون بحاجة ماسة الى رواية من ذلك القبيل، حتى يبنوا نظريتهم السياسية حول (الإمامة الإلهية لأهل البيت). فبالاضافة الى النصوص التي جاءوا بها من أجل إثبات النص على الامام علي،

والتأويلات التي قاموا بها لبعض الآيات القرآنية، كانوا بحاجة الى أدلة تاريخية تؤكد نظريتهم، ولكن التاريخ الاسلامي، وتاريخ الامام علي بالخصوص، كان يكذب نظريتهم ويهدمها من الأساس، فكيف يصح النص على الامام بالخلافة ويقوم هو بالتنازل عن "حقه الشرعي" طواعية ويبايع أبا بكر؟ إذن لا بد أن يكون هناك عنف وإرهاب وقمع واستضعاف له "يثبت" أنه بايع تحت الضغط والإكراه، وان بيعة أبي بكر كانت باطلة، وكذلك مبدأ الشورى والاختيار.


ولكي تتم الصورة، لا بأس بأن تروى قصة التهديد بحرق الدار عن حفيد عمر بن الخطاب عن ابن مولاه زيد بن أسلم. كما في رواية ابن أبي شيبة. وإذا لم تنهض الروايات "السنية" بتشكيل الصورة "التاريخية" فلا بأس أيضا بأن تنسج روايات خاصة "شيعية" حول الموضوع ، ويضاف اليها الكثير الكثير.

ولعل من المثير للسخرية أن تتم هذه العملية في القرن الثالث أو القرن الرابع، بعد غياب أو فقدان أئمة أهل البيت، ووصول النظرية السياسية الإمامية الى طريق مسدود.

في دلالة بارزة على غياب العقل الاسلامي وانحدار الحضارة الاسلامية.


واذا ما عدنا الى أواسط القرن الثالث الهجري، فانا سوف نواجه ما يسمى بـ:"الحيرة" التي ضربت الشيعة الإمامية بعد وفاة الامام الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر) سنة 260 هـ دون خلف ظاهر معروف، وهو ما أدخل شيعته في أزمة حادة أدت الى تفرقهم الى أكثر من أربع عشرة فرقة، وافتراض يعضهم (وهم الأثنا عشرية) وجود ولد مستور له، قالوا انه غائب وسوف يظهر في المستقبل.

ومن ذلك الحين لم يظهر الامام المفترض الغائب "محمد بن الحسن العسكري" مما أدى الى ان تصبح النظرية الإمامية نظرية تاريخية وهمية غير قابلة للتطبيق .

ومع ذلك فان أنصار النظرية ظلوا يتحمسون لتأييد نظريتهم ونقد نظرية الشورى والاختيار، ويحاولون قراءة التاريخ بشكل مغاير لسلوك أهل البيت والامام علي، وكتابته من جديد. ومن أجل ذلك تشبثوا بحكاية تهديد عمر بحرق بيت فاطمة الزهراء، وحولوا التهديد المفترض الى واقع تاريخي ثابت،

وأضافوا على الحادث كثيرا من الرتوش الأخرى مثل ضرب الزهراء وعصرها وراء الباب وكسر ضلعها وإسقاط جنينها "محسن" ووفاتها على إثر ذلك.










التوقيع :
يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ - الحشر10

هذا ميزان الايمان من الله لكل المسلمين المؤمنين بكتاب الله فمن لم يرضى بالقرآن ويعمل به فهو رافض لله ورسوله استحوذ عليه الشيطان فـعمى قلبه

الحقيقة المؤكدة : ابليس هو اول الروافض لكلام وامر الله تعالى ثم اتبع ابليس كل الروافض من الانس والجن
من مواضيعي في المنتدى
»» بيع مسجد في روسيا هل من يوصل النداء لمن بيده الحل ويكسب الأجر
»» للشيعة والروافض جديد الإعجاز العددي في القرآن والسنة
»» هل بدأ العد التنازلى لضرب وتدمير ايران ؟ الامر خطير فعلا
»» الرد على 200 شبهة للشيعة وكشف الحقائق الغامضة في دين الشيعة الروافض
»» مناظرة د. البراك هل موقف الشيعة الإمامية من الشيخان اليوم يوافق اعتقاد علي رضي الله