عرض مشاركة واحدة
قديم 22-12-11, 09:12 PM   رقم المشاركة : 4
ما هزني حكي عذالي
عضو نشيط






ما هزني حكي عذالي غير متصل

ما هزني حكي عذالي is on a distinguished road


أنطلقت بنا سيارتان (لاندكروز) من مدينة الكحلاء في محافظة ميسان، حيث أستقلت كل
عائلة سيارة، وفي مكان ما وجدنا أشخاصا بأنتظارنا، حيث قالوا أن الطريق يتطلب السير
على الأقدام، فكمنّا الى أن حل الظلام، سرنا الليلة كلها كاملة تخللتها بعض الأوقات
للاستراحة والطعام، وفي الصباح كمنّا (اختبأنا) وقد نمنا نوما متقطعا يقطعه الخوف
ويوصله التعب. وعندما حل الظلام مشينا قليلا لنجد أنفسنا على حافة بحيرة كبيرة (لا
أذكر أسمها) وبأنتظارنا أشخاص معهم زورقان يبدو أنهما عائدان للجيش العراقي، وفي
الزورقين بعض المؤونة كالطحين والتمر.
رجع سائقا السيارتين، وركبنا الزورقين، وعلى صوت الماء اذ تحركه الغراريف
(المجاذيف) بدأت الأحاديث التي لا تعرف لها رأس أو أساس، وأنما تبعثها نشوة يشوبها
الخوف والترقّب.
قال لنا أحد الرجلين الذين يجذفان بمهارة: ان شاء الله راح تخلصون من صدام، فرددنا
بأصوات متشابكة: لعنة الله …أنه…. لقد دمر العراق…لقد حارب المسلمين… وقد
ألححنا بالذم والتعريض، وهنا نبضت في أحد الرجلين حمية العراق والعرب فقال بشيء من
الحزم والحدة: بس هوه زلمة. فصرنا نخفف من الحديث، ثم فتحنا مواضيع أخرى. كانت
المجموعة التي تنقلنا الى أيران دقيقة وحذرة في عملها، وطرقها تشبه المافيا.
وصلنا إلى اليابسة فأخرج الرجلان الزورقين وحملاهما على أحدى سيارتي “بيك أب”
صغيرتان كانتا بالانتظار بينما تكدسنا في السيارة الأخرى، أنطلقت بنا السيارتان ما
يقارب الساعة حتى وصلنا إلى بحيرة قالوا أن أسمها “أم نعاج” وأنه بمجرد أجتيازها
فسوف نكون في الأراضي الأيرانية.
وضعوا الزورقين في الماء، وأنتظرنا يوما حتى تهدأ الرياح، حيث قالوا أن هذه البحيرة
لا تؤمن أمواجها وقد غرق فيها الكثير. في حوالي العاشرة ليلا أنطلق الزورقان بعد أن
هدأت الريح. كان يداعب مخيلتنا أننا سنكون عند شروق الشمس صباحا في ايران.
وبعد ساعات من القلق والترقب وقد تعب الرجلان اللذان يقودان المركب…
قال أحدهما : لقد وصلتم ان شاء الله، سوف يستقبلكم المجاهدون في الوزارة!. تصورت أن
في ايران وزارة خاصة بالمجاهدين، ولكن تبين فيما بعد أن “الوزارة” أسم كان يطلق على
(تشكيل) أصبح أسمه في ما بعد مجاهدوا الثورة الاسلامية في العراق، وهو بزعامة
المدعو (أبو زينب الخالصي). وقعنا بالأحضان على (المجاهدين)، أحضر أحدهم دفترا
وقلما وأخذ يسأل كل منا ليصف له الأوضاع في العراق ورأي الشارع العراقي. كانت أكياس
الطحين الأبيض والسكر والشاي والسكائر في زاوية (المقر) تثير في نفوسنا الكتير من
الشراهة والفضول والتساؤل.
رأيت على بعد أمتار العلم الايراني يرفرف على سارية معدنية فأستأذنت أحدهم للمشي
قليلا حول المكان حيث أخذت العائلتان تغطان في نوم عميق في أحد الأكواخ المبنية “
وكذلك المقر ” من القصب والبردي، فقال: “أخذ راحتك بس لا تروح بعيد” ، فصرت أمشي
حتى وقفت تحت العلم الايراني وأخذت أبكي من شدة الفرح وأقبّل السارية وأشكر الله
حيث (أوقفني في هذا المكان).
رأيت من بعيد سيارة “جيب” عسكرية، فمشيت مسرعا نحو المقر. وقفت السيارة أمام باب
المقر وترجّل منها ثلاثة عسكريين أحدهما ضابط برتبة ملازم ثان والآخران جنديان
أحدهما يتكلم اللهجة العراقية. سأل الضابط الايراني الرجل الذي همّ بأستقبالهم
مشيرا إلي: أين كيا؟ (من هذا) فأجابه الرجل: مجاهد نو (مجاهد جديد)، فأخذا يتحدثان
قليلا وأنا أقف بجانبهم فصار الضابط يتحدث وهو يحرك عصاه التي يمسكها، فتعمد أن يمس
بها أنفي قبل أن يدوس ببسطاره على أطراف قدمي وكأنه لم يشعر بكلتا الحالتين.!
دخل (المجاهد) إلى الداخل وخرج وهو يحمل أربعة أسماك كبيرة أعطاها للضابط، وقبل أن
ينصرفوا التفت الجندي الذي يتكلم العراقية الى الرجل وسأله: ماكو فد أطّلاع (خبر
سري)؟ فأجابه راح يوصلّك. وعندما انصرفوا قال لي الرجل: ألم أقل لك لا تبتعد كثيرا؟
سوف تذهبون غدا ألى سوسنكرد (الخفاجية).
وهكذا حصل، وعلى طول الطريق من ساحل بحيرة أم نعاج إلى الخفاجية، شعرت وكأن الحرب
لا زالت قائمة!، فالأيرانيون لم يزيلوا أي من آثار الحرب.. دبابات معطوبة، مدافع
محطمة، سيارات محترقة، قذائف منفجرة وأخرى لم تنفجر، ظروف فارغة، بذلات ممزقة،
أحذية متناثرة، وكأن معركة ضارية قد وقعت قبل يوم.
وعلى الطريق توقفنا في مكان، فقالوا ان ذلك “للزيارة”، دخلنا من بوابة كبيرة فرأيت
أمام البوابة لوحة كبيرة مكتوب عليها:[ فأخلع نعليك أنك بالواد المقدس]. وعندما
دخلنا أخذ (المجاهدون) يعرفوننا بالمكان الذي يبدو أنهم قد زاروه عدة مرات، فقالوا
أنه المكان الذي قتل فيه الجنود العراقيون جنودا أيرانيين.! لقد تم تمثيل ما يشبه
عملية الاعدام الجماعي وبشكل بشع، على شكل دمى ومجسمات بحرفية تامة وكأنها واقعية.
أقترب منا “السادن” وهو رجل معمم يتكلم العربية بلكنة فارسية ليشرح الواقعة، ثم
أقمنا خلفه الصلاة والدعاء والزيارة وكانت تشبه عندنا زيارة عاشوراء، وقد ختمها
بالقول: ” اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن في هذه الساعة وفي كل ساعة….ألخ”.
وعند خروجنا من (الوادي المقدس) سألت أحد (المجاهدين) الذين يرافقوننا ببراءة
أيمانية فيها الكثير من التصنّع: لماذا لم يزيلوا آثار الحرب لحد الآن؟! فقال
(المجاهد) بطريقة تجمع بين الجدّ والتأكيد وما بين التهكم المصطنع: حتى لا تنسى
الأجيال القادمة ما صنعه صدام وجنوده بالأيرانيين، ثم أعقب كلامه بضحكة باهتة.!
بدأ الشعور بالاحباط يتسلل الى نفسي خلال الطريق الى الخفاجية، فأحاديث (المجاهدين)
كانت تنم عن وضع غريب يعيشونه في ايران غير الذي تأتي به الأخبار. والبيوت والقرى
والمدن التي نمرّ بها أشبه بسكان العصر الحجري. رائحة المستنقعات تزكم الأنوف ،
ونعيق الضفادع يعزف نشيد استقبال على الطريقة الأيرانية. الشوارع معظمها أسفلتها
مكسر. ملابس الناس فيها كثير من الرثاثة. الوجوه متعبة وتخفي ورائها مأساة عميقة،
وحكايات مريرة. وبين هذه الصور أحسست بأننا أرخص سلعة في الوجود.
وصلنا الخفاجية في منتصف النهار تقريبا، فأخذونا الى زريبة في أطراف مدينة الخفاجية
بأتجاه مدينة البسيتين وفي قرية بيوتها متناثرة ، بينما قال سيد علاء بأنه سيسكن مع
أقاربه في الخفاجية، ألتفت لي سيد علاء وقال: (أشوفك إن شاء الله) ، فذهب الجميع
ولم أرى سيد علاء من يومها وإلى الآن.
بدأنا نشعر بالخوف والحيرة والألم، فليس لدينا في هذه الزريبة أية بطانيات أو بساط
نفترشه أو أدوات للطبخ أوالغسل، لا ماء ولا طعام، ولكن من حسن الحظ أن الوقت كان
الصيف، فالحر يمكن تحمله رغم البعوض الذي كان يبقينا مستيقضين حتى الصباح، وكذلك
أهل القرية كلهم عرب خوزستانيون (الأحوازيون يسمون هناك بالخوزستانيين) وقد قدموا
لنا كل المساعدة رغم أنهم لا يحبون الذين يعادون صدام حسين.
أخذ يأتينا كل يوم أحد المعممين العراقيين ليسجل أسمائنا وبعض المعلومات عنا ثم
يدفع لنا بضعة تومانات لا تكفي لسد وجبة طعام واحدة.. بعد طول الأسئلة
والأستفسارات، فكانوا وكأنهم يتعمدون تعليقنا بالأمل والرجاء بأحسن الحال ثم
يتركوننا في شدة المعانات وشظف العيش.
وذات يوم جاءنا أحد العراقيين وقال أنه من جماعة السيد الحكيم وسوف يأخذنا إلى
وكيله المدعو (أبو مرتضى الشيباني) للمقابلة والانخراط في قوات بدر.. لم يأخذنا الى
بيت أبو مرتضى لنقابله وإنما الى بيت يسكن فيه والده المدعو أبو حميد، وكان البيت
فارها ومؤثثا بأحسن الأثاث وفيه كل وسائل الترف، وكان البيت في حي من أحياء
الخفاجية أسمه “المشروطة”. ولقد عرفنا فيما بعد أن أبو حميد يمارس السحر والشعوذة
(والطب الشعبي) والرذيلة رغم سنه الذي يقارب الستين ورغم أنه متزوج من أمرأة عمرها
حوالي العشرين سنة، وكانت أيرانية (عجمية) قد تكون قبلت بزواجه لكونها كانت “خرساء”
ولمكانته في الدولة الأيرانية وجاهه وغناه.
كانت تأتيه بعض النساء الأحوازيات لحل مشاكلهن الأجتماعية، وذات مرة أكتشف أحد
الرجال الأحوازيين وشماً تحت سرّة زوجته، وبعد أن تقصى الحقيقة وأعترفت له الزوجه
بأن أبو حميد (العراقي) هو الذي عمل لها الوشم لكونها كانت مريضة، فقرر الزوج
الانتقام من أبو حميد، ولكن أبو حميد كان قد عرف بأنكشاف أمره للزوج ففر الى محافظة
كرم****ه البعيدة جدا عن الخفاجية خوفا من الانتقام.
المهم أننا قابلنا أبو مرتضى الشيباني، وبرغم “المحابس” التي يتختم بها والهيئة
التي يبدو عليها، والطريقة التي يتحدث بها فإنه كانت نظراته تنبأ بنفس شريرة لا
تطمأن لها النفوس. أتفقنا أن يأتينا صباحا ليأخذنا بسيارة (المجاهدين)، وفي الصباح
الباكر وقفت أمام الزريبة سيارة “تويوتا كوستر” بلون كاكي يبدو كأنها من سيارات
العراق، حيث لم نر في ايران في ما بعد هذا النوع من السيارات. كان بجانب أبو مرتضى
شخصين فضّي الطباع وأحاديثهما فجّة وسمجة، وفي مؤخرة السيارة مجموعة من الشباب
عليهم ملامح عراقية، فخرجنا أنا وأخي نهرول ونتقفز (نكمّز) لأظهار حماسنا ونشاطنا
ولياقتنا البدنية.!

أنطلقت بنا السيارة بسرعة كبيرة، كان الصمت يسود الموقف رغم محاولات البعض في
المجاملة والتعارف. وفي منطقة مقطوعة توقفت السيارة فنزل أبو مرتضى ورفيقيه وأنزلوا
أثنين من الشباب، وعلى الفور أفرغ أبو مرتضى مسدسه فيهما فسقطا قتيلين على الفور.!
ركبنا السيارة ذاهبين إلى المعسكر، وما أن أنطلقنا قال أحد رفاق أبو مرتضى بصوت
عال: هذا مصير الذي يخون المجاهدين، فأخذنا نقول: (والله يستاهلون)، (أيطبهم طوب)
بينما كنا في قمة خوفنا الذي تركه آثاره على ملابسنا الداخلية بعد رؤية مشهد القتل
العمد وبدم بارد..!
وإلى اللقاء في الجزء الرابع.
اللهم اجعلني مجاهدا وسببا في نصرة الاسلام والمسلمين






التوقيع :

المشاركة في مشروع القادسية الثالث
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=111767

من مواضيعي في المنتدى
»» عالم مسلم: ناسا تخفي حقائق ليلة القدر خشية انتشار الاسلام
»» فيلم مقارنة مصورة بين الغربيات والمسلمات
»» كاتبة أمريكية : " خطاب مفتوح للسعوديين "‎
»» حملة (الدفاع عن الموقفين المحتسبين في معرض الكتاب
»» حقيقة الدم اللي على الروافض من آثار الضرب