عرض مشاركة واحدة
قديم 27-04-11, 08:24 PM   رقم المشاركة : 5
تقي الدين السني
عَامَلَهُ الْلَّهُ بِلُطْفِه








تقي الدين السني غير متصل

تقي الدين السني is on a distinguished road


إن مسألة العصمة قبل البعثة من المسائل التي إختلف فيها , فذهبت الرافضة وأضرابهم إلي القول بعصمتهم نقلاً وعقلاً قبل وبعد البعثة , وهذا لا يجانب الصواب في شيء لأن الأنبياء عليهم السلام رسل الله تبارك وتعالى في الأرض , وإن الأنبياء كما ثبت في الدليل عند أهل العلم " عصموا في التبليغ " ويبقى الخلاف في قبل البعثة .

وفي شرح المختصر لإبن حاجب : " ( مسألة ) : الأكثر على أنه لا يمتنع عقلا على الأنبياء - عليهم السلام - معصية , وخالف الروافض . وخالف المعتزلة إلا في الصغائر . ومعتمدهم التقبيح العقلي , والإجماع على عصمتهم بعد الرسالة من تعمد الكذب في الأحكام ; لدلالة المعجزة على الصدق , وجوزه القاضي غلطا ، وقال : دلت على الصدق اعتقادا . وأما غيره من المعاصي ، فالإجماع على عصمتهم من الكبائر ، وصغائر الخسة . والأكثر على جواز غيرهما " وقال في الحاشية : "

المسألة الأولى : في بيان [ أن ] الأنبياء - عليهم السلام - هل هم معصومون أم لا ؟

وهذه المسألة كالمقدمة للمسائل الأخر . وذلك لأن السنة لما كانت منقسمة إلى الأفعال والأقوال والتقارير ، وجب أن يبحث أولا عن الأفعال والأقوال في أنها هل تكون [ حقة ] يجب علينا التأسي بها أم لا ؟ وذلك إنما يتحقق بعد بيان عصمتهم .

فنقول : ذهب أكثر الأصوليين إلى أنه لا يمتنع عقلا أن يصدر ، قبل البعثة ، من الأنبياء - عليهم السلام - صغيرة كانت أو كبيرة .

وخالفهم الروافض مطلقا ، أي لا يجوز أن يصدر عنهم ، قبل البعثة ، معصية ، صغيرة كانت أو كبيرة .

وخالفهم المعتزلة إلا في الصغائر ، أي لا يجوز أن يصدر عنهم الكبائر ، ويجوز أن يصدر عنهم ، قبل البعثة ، الصغائر .

ومعتمد الفريقين : التقبيح العقلي ; لأن إرسال من لم يكن معصوما من الكبائر - كما هو عند المعتزلة - ومن الكبائر والصغائر - كما [ ص: 479 ] هو عند الروافض - يوجب التنفير عنه ، وهو مناف لمقتضى الحكمة ، فيكون قبيحا عقلا . وأما بعد البعثة والرسالة فالإجماع منعقد على عصمتهم من تعمد الكذب في الأحكام وما يتعلق بها ; لأن المعجزة دلت على صدقهم فيها . فلو جاز كذبهم فيها لبطل دلالة المعجزة .

واختلفوا في جواز صدور الكذب منهم غلطا ، فجوزه القاضي ، وقال : دلالة المعجزة على صدقهم فيما صدر عنهم قصدا واعتقادا . وما صدر عنهم غلطا فالمعجزة لا تدل على صدقهم فيه .

وأما غير الكذب من المعاصي ، فالإجماع منعقد على عصمتهم من الكبائر مطلقا ، والصغائر الدالة على خسة فاعله ونقص مروءته ، كسرقة كسرة .

وأما غير الكبائر والصغائر الخسيسة فالأكثر على جواز صدورها منهم " , وقد أجمع المسلمون على عصمة ما كان من النبي في تبليغ الرسالة فلا يحتمل أن يقع منهُ الخطأ في تبليغ الرسالة وخصوصاً سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم , قال الشيخ العلامة إبن باز رحمه الله تعالى : " قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – ( فتاوى ابن باز ج6/371 ) : " قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام – ولاسيما محمد – صلى الله عليه وسلم – معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل ، قال تعالى : " والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى " النجم /1-5 ) ، فنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – معصوم في كل ما يبلغ عن الله قولاً وعملاً وتقريراً ، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم " انتهى . والله أعلم .

وهذا ما قالهُ شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله تعالى في عصمة الأنبياء في التبليغ فقال في مجموع الفتاوي (18/7) : " فان الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقاً وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه " . وهذا لا يختلف فيه أحد ولا بشر وقد تقدم الكلام في ذلك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ( مجموع الفتاوى : ج4 / 319 ) : " إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام ، وجميع الطوائف ... وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول " انتهى . وقد تقدم بيان مسألة " ملتهم " أي غلبة أصحاب شعيب عليهِ فقدموهم في الكلام ولا يعني بالضرورة رمي شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله تعالى نبي الله شعيب بالكفر والعياذ بالله فهذا كلامهُ في مجموع الفتاوي والمسألة في عصمة الأنبياء قد بينها اهل العلم وخاضوا فيها , ولو نظر القومُ إلي تحقيق كتاب " أيات أشكلت " لكان في ذلك خير وما كانوا طرحوا هذه السخافات في محاولة الطعن في شيخ الإسلام إبن تيمية .

وأما الدليل على وقوع الصغائر من الأنبياء .

وأما صغائر الذنوب فربما تقع منهم أو من بعضهم ، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أنهم غير معصومين منها ، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يُقرون عليها بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها فيبادرون بالتوبة منها .

والدليل على ‏وقوع الصغائر منهم مع عدم إقرارهم عليها :‏‏ - قوله تعالى عن آدم : " وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) طه / ‏‏121-122 ، وهذا دليل على وقوع المعصية من آدم – عليه الصلاة والسلام - ، وعدم إقراره عليها ، مع توبته إلى ‏الله منها .‏

‏ - قوله تعالى " قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوٌ مضلٌ مبين* قال رب إني ظلمت ‏نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " القصص/15،16 . فموسى – عليه الصلاة والسلام - اعترف ‏بذنبه وطلب المغفرة من الله بعد قتله القبطي ، وقد غفر الله له ذنبه .

- قوله تعالى : ‏" فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " ‏‏ص / 23،24 ، وكانت معصية داود هي التسرع في الحكم قبل أن يسمع من الخصم ‏الثاني .

وهذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يعاتبه ربه سبحانه وتعالى في أمور ‏ذكرت في القرآن ، منها :

- قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي ‏مرضات أزواجك والله غفور رحيم " التحريم /1 ، وذلك في القصة المشهورة مع بعض أزواجه – صلى الله عليه وسلم - .

- كذا عتاب الله تعالى للنبي – صلى الله عليه وسلم - في أسرى بدر :

فقد روى مسلم في صحيحه ( 4588 ) " قال ابن عباس : فلما أسروا الأسارى قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما - : " ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ " فقال أبو بكر : يا نبي الله ! هم بنو العم والعشيرة , أرى أن تأخذ منهم فدية , فتكون لنا قوة على الكفار , فعسى الله أن يهديهم للإسلام ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " ما ترى يا ابن الخطاب ؟! " قال : قلت لا ، والله يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم ، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكني من فلان - نسيبا لعمر – فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها ، فهوي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر قاعدين وهما يبكيان ، قلت : يا رسول الله ! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " أبكي للذي عَرَضَ عليّ أصحابُك من أخذهم الفداء ، لقد عُرِض عليّ عذابُهم أدنى من هذه الشجرة " – شجرة قريبة من نبي الله – صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عز وجل : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " إلى قوله : " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا " الأنفال / 67–69 ، فأحل الله الغنيمة لهم .

ففي هذا الحديث اتضح أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للعفو عن الأسرى إنما كان أمرا اجتهاديا منه بعد مشاورة أصحابه ، ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم فيه من الله تعالى نص .

- قوله تعالى : " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " عبس /1-2 ، وهذه قصة الصحابي الجليل عبد الله ابن أم مكتوم الشهيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي عاتبه الله فيها .

قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى : ج4 / 320 ) :

" وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم ( أي الأنبياء ) غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ، ولا يقرون عليها ، ولا يقولون إنها لا تقع بحال ، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً ، وأعظمهم قولاً لذلك : الرافضة ، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل " انتهى .

وقد يستعظم بعض الناس مثل هذا ويذهبون إلى تأويل النصوص من الكتاب والسنة ‏الدالة على هذا و يحرفونها . والدافع لهم إلى هذا القول شبهتان :

الأولى : أن الله تعالى أمر ‏باتباع الرسل والتأسي بهم ، والأمر باتباعهم يستلزم أن يكون كل ما صدر عنهم محلاً ‏للاتباع ، وأن كل فعل ، أو اعتقاد منهم طاعة ، ولو جاز أن يقع الرسول صلى الله عليه وسلم في معصية ‏لحصل التناقض ، لأن ذلك يقتضي أن يجتمع في هذه المعصية التي وقعت من الرسول ‏الأمر باتباعها وفعلها ، من حيث إننا مأمورون بالتأسي به ، والنهي عن موافقتها ، من ‏حيث كونها معصية .‏

‏وهذه الشبهة صحيحة وفي محلها لو كانت المعصية خافية غير ظاهرة بحيث تختلط ‏بالطاعة ، ولكن الله تعالى ينبه رسله ويبين لهم المخالفة ، ويوفقهم إلى التوبة منها من غير ‏تأخير .‏

الثانية : أن الذنوب تنافي الكمال وأنها نقص . وهذا صحيح إن لم يصاحبها توبة ، فإن التوبة ‏تغفر الذنب ، ولا تنافي الكمال ، ولا يتوجه إلى صاحبها اللوم ، بل إن العبد في كثير من ‏الأحيان يكون بعد توبته خيراً منه قبل وقوعه في المعصية ومعلوم أنه لم يقع ذنب من نبي إلا وقد سارع إلى التوبة والاستغفار، فالأنبياء لا يقرون ‏على ذنب ، ولا يؤخرون توبة ، فالله عصمهم من ذلك ، وهم بعد التوبة أكمل منهم ‏قبلها .‏ إنتهى كلام الشيخ محمد المنجد حفظه الله تعالى , في ذلك عصمة الأنبياء في التبليغ والكبائر وينتفي ذلك عن شيخ الإسلام إبن تييمة طعنهُ في نبي الله شعيب عليه السلام . والله أعلم .







التوقيع :
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
«لوددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا يُنسبُ إلىَّ شيءٌ منه أبدا فأوجرُ عليه ولا يحمدوني!» تهذيب الأسماء واللغات(1/53)
من مواضيعي في المنتدى
»» أكان النبي يعتقد [ بنسخ الأرواح ] وهل ثبت عن [ الأئمة ] بسند صحيح إعتقادهم بهذا .. ؟
»» حديث ( الخوارج كلاب أهل النار ) ضعيف جداً .
»» تسديد الملك في الذب عن مالك
»» معاوية بن الحكيم المتوفي سنة 300 يروي عن الصادق في التهذيب [ وتعليق المحقق ]
»» رواة الرافضة يكذبون علينا وهم صيام ودليلنا اسناد صحيح