شبكة الدفاع عن السنة

شبكة الدفاع عن السنة (http://www.dd-sunnah.net/forum/index.php)
-   الحــوار مع الــصـوفــيـــة (http://www.dd-sunnah.net/forum/forumdisplay.php?f=21)
-   -   نظرية الفيض و وجود الله سبحانه (http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=133281)

شعيب الاشباني 06-08-11 03:47 AM

نظرية الفيض و وجود الله سبحانه
 
السلام عليكم و رحمة الله

عموما هناك ثلاث تصورات لنظرية الخلق
نظرية الخلق المستمر في لا زمن
نظرية الخلق في زمن
و نظرية الفيض

لماذا نرفض نظرية الفيض؟
إذا كانت الصفة شيء فهي موجودة أي لها وجود فعلي
و إذا كانت هذه الصفة غير الموصوف و بالتالي غير الموصوف
فإن رفض نظرية الفيض غير ممكنة بدون تشبيه و ذلك عندما تكون النظرية تفسيرا عقلانيا مقبولا للمعرفة و الوجود، أي فيض المعرفة المستمرة المتجددة من العقل الكامل المطلق، و فيض الوجود من الإرداة أي تحول الإرادة، و بما أنها موجودة فعلا لا هي الموصوف الذات، إلى وجود ممكن بهذه الإرادة و الإرادة واجبة الوجود بغيرها و هي الذات العلوية الكاملة.

فرضيتي
إذا رفضنا الفيض فهذا يعني أننا نشبه إرادة الوجود العلوي الإلهي بالوجود المستمر أو على الأقل بالوجود الإنساني إذ أن الوجود الإنساني كذات تتفرع عنه الإرداة و لا تفيض منها شيء بل تتحقق في شيء من شيء، و القرآن الكريم لم يذكر شيئا لا عن مفهوم العدم في حد ذاته و لا عن أي خلق من عدم، فلماذا كفّر المتكلمون الفلاسفة و المتصوفة المعرفيون (الغنوصيون و الباطنيون) في شيء لا وجود له في القرآن أصلا.

و الذي لا يستطيع أن يستوعب الفيض أو يتبادر إلى ذهنه ما يراه يتنافى مع عقيدته فالأولى أن يسكت و لا يخوض في شيء لم يخض فيه القرآن كالفيض على سبيل المثال بدل الرفض الغنوصي الذي لا يقوم على شيء إلا مشاركة المتصوفة المعرفيون في غنوصيتهم، و مثل هذا يُقال فيما يُعرف بالدور و التسلسل و الحركة و الجوهر و العرض و الممكن و الواجب و المستحيل و كل الأمور و المجردات الأخرى التي إستخدمها الفلاسفة و المتكلمون لإثبات الحدث و بالتالي وجود الوجود العلوي الإلهي و كأن وجود الله رهين بالحدث أو أن مفهوم الخلق لا يصح إلا بإفتراض مفهوم غنوصي و باطني كالعدم، هذه الأشكال من الإستدلالات لا وجود لها أصلا في القرآن و ليس هناك ما بثبتها إلا المجردات العقلية التي تفرض نفسها كبديهيات.

إذا رجعنا إلى القرآن لا نجد معقولات يشير الله إليها في هذا الأمر إلا دليل الإختراع و العناية، إلا أن العناية أو الإختراع ليسا بأدلة على وجود الله أصلا بل على ألوهيته، و لذلك ربما نتفق مع إبن تيمية رحمه الله عندما لاحظ بشكل دقيق أن الحركة العشقية لا تصلح كإستدلال على الله، و كذلك إبن رشد في نقده لأدلة المتكلمين مع أنه هو بنفسه سقط فيما سقط فيه المتكلمون أي مقولات، يراها برهانية كتلك التي تقوم على الحركة الأرسطوطاليسية و السببية الأفلاطونية، لم يذكرها القرآن و لا تصلح، من وجهة نظري، كأدلة تثبت ذات الله. هذه النظرية تتفق مع آراء الفيسلوف الفرنسي باسكال الذي قال بالرهان كدليل على الله و كثيرا من الناس تكلموا و آدعوا أن باسكال أثار جدلا حول ما كان يسمى بأدلة الألوهية، تلك الأدلة الفلسفية التي إن صحت لا تثبت إلا وجود مطلق ثابت يمكن أن نطلق عليه إله فلسفي و قد يكون شيء غير ما تصوروا على سبيل المثال جوهر القوانين و الظواهر التي تحكم العالم، و كذا الأدلة الكلامية التي عرضها أوغسطينوس و المتكلمون المسلمون و جددها توماس أكوينا في أوروبا. الحقيقة أن باسكال لم يناقش تلك الأدلة ليرفضها فهو لم يرفضها بل رأى أنها تخاطب عقل الإنسان و العقل في حد ذاته فلسفة لا قيمة له بدون تحديد المعرفة و مصادرها و قيمتها، بينما الرهان يخاطب الوجود الإنساني. و الفيلسوف العقلاني الذي رفض تلك الأدلة بالفلسفة هو كانت لكنه أتى بدليل آخر يقوم على الأخلاقية و الأخلاقية ليست مجرد عمليات لأن العملية لا قيمة لها بدون مصدر موحد معقول و ثابت لتصدير القيمة و تخليقها و هذا المصدر الواجب هو الله، و لكن إذا دخلنا في التفاصيل فسوف لا نخرج بهذه النتيجية السطحية لأن فلسفة الأولوهية عند كانت أكبر من التركيز على رفضه لتلك الأدلة التي ساقها هيجل الفيسلوف الألماني العقلاني المعروف ليدافع عنها.

الدليل الاسلامي الذي يذكره القرآن ليس إلا شيئا واحدا يعرف بالفطرة أي تلك الغريزة التي تجعل الإنسان يشعر بالله إذا توفر المجال الصحيح الذي يوافق تلك الفطرة و الفطرة مثل شفرة إلكترونية مصنوعة لكي تشتغل ببرنامج محدد و عندما تحاول أن تبرمج الشفرة بتعليمات لا تتفق مع طبيعتها فإنك ستفشل أي لابد من البرمجة بالتعليمات التي تصلح لها، أما العناية و الإختراع فإنهما يصلحان لإيقاظ الفطرة و تثبيتها و كذا لتثبيت الألوهية أي التوحيد. هذا هو التفسير الصحيح الذي يجعلنا نفهم إختلاف الناس و حرية تصرفهم من جهة و طبيعة التبليغ الذي لا يكره الناس في الذين من جهة ثانية.

أعتقد أن الخوض في الأدلة العقلية سيدفعك في حالة تمسكك بتلك العقلانية نفسها إلى القول بالفيض و لا حل آخر، إذن لنفترض أنك تعمل بتلك المعقولات لإثتات الله فلماذا لا نأخذ بمستلزماتها كلها و نعرض عن الفيض، ثم ما المشكلة في الفيض إفترضا أن سلوك المنهج العقلاني في إثبات الله و توحيده صحيح؟

بارك الله بكم

الثقافة الاسلامية 06-08-11 12:13 PM

باختصار.. هذا واضح البطلان.. الفيض يستلزم منه وحدة الوجود, وقدم العالم, ونفي صفة الخلق ونفي الارادة عن الله عز وجل. تفسير الخلق بهذه الطريقة هو في واقعه نفي له. لذلك اختلفوا في عدد الاعراض والمراتب الخ. لانها قول على الله ما لا يعلمون وبما يخالف الكتاب والسنة.


اقتباس:

إذا كانت الصفة شيء فهي موجودة أي لها وجود فعلي
و إذا كانت هذه الصفة غير الموصوف و بالتالي غير الموصوف


"لها وجود فعلي" عادة يقصد بها ان الوجود كوجودنا. وعلى ذلك كل ما يتبع هذا الافتراض باطل لانه مبني على باطل.


اما القول بان الصفة هي عين الشيء فاستخدمت الفكرة بتسلسل للوصول الى نتيجة ان كل الاشياء واحد في المحصلة.

يقول شيخ الاسلام ابن تيمية في هذا في سياق الرد على معتقدات ابن سينا:

"ويجعلون الصفة عين الموصوف، ويجعلون كل صفة هي الأخرى، فيجعلون نفس العقل الذي هو العلم نفس العاقل العالم، ونفس العشق الذي هو الحب نفس العاشق المحب، ونفس اللذة هي نفس العلم ونفس الحب، ويجعلون القدرة والإرادة هي نفس العلم، فيجعلون العلم هو القدرة وهو الإرادة وهو المحبة وهو اللذة، ويجعلون العالم المريد المحب الملتذ هو نفس العلم الذي هو نفس الإرادة وهو نفس المحبة وهو نفس اللذة، فيجعلون الحقائق المتنوعة شيئًا واحدًا، ويجعلون نفس الصفات المتنوعة هي نفس الذات الموصوفة، ثم يتناقضون فيثبتون له علما ليس هو نفس ذاته، كما تناقض ابن سينا في إشاراته، وغيره من محققيهم، وبسط الكلام في الرد عليهم بموضع آخر‏.‏ "

فعندما تقول ان الفلك ممكن الوجود بذاته, واجب الوجود بغيره.. هذا يختلف عن القول بان واجب الوجود, جعل الفلك واجب الوجود بذاته. هذا هو القول بقدم العالم, فضلا عن كون الفكرة أصلا غير منطقية وليس لها معنى حقيقي. بل هو لعب بكلام ليس له معنى ممكن. فهو ممتنع لذاته. وبالتالي هذه سفسطة بدون معنى.

اما قولك ان "العناية والاختراع" دليل الوهية فقط ولا يستدل به. يا أخي بالعقل "بديع السماوات والأرض" لا يفهم منها قدم السماوات والارض وانها واجبة الوجود. بل العكس تماما.

سبب المشكلة في نظر هؤلاء هو في واقعه محاولة الخوض في الكيف ومحاولة ادراك الله تعالى الذي لا تدركه الابصار, عن طريق ما هو موجود من الخلق. وهنا أصل المشكلة, وهو تشبيه, فالعقل لا يدرك الا معاني محدودة, وافتراض ان الله تعالى يخضع لقوانين العقل المخلوق, هو مخالف للعقل, وطرح لا يخلو من غرور.

مناصرة الدعوة 06-08-11 09:46 PM

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=106589

شعيب الاشباني 07-08-11 04:15 AM

أستاذي عالي المقام الثقافة الإسلامية،
منكم و من علمكم الغزير نستفيد إن شاء الله و أرجو أن تعذرني إن أسأت الأدب مع منتزلتك و ناقضتك في بعض ما ذهبت إليه.
يقول حضرتك أن الفيض يستلزم نفي الإرداة و وحدة الوجود و قدم العالم و قد رأيت في هذا شبه العقيدة الجدلية (الكلام) إذ أن من المتكلمين من نفى صفة أو أولها على أساس فهم يرى فيه أن الصفة كذا تستلزم هذا و هذا ينافي فهم ذلك إذن لا تثبت الصفة أو تؤول.
في الحقيقة لا أرى أن نفي النسيان و النوم عن الله فيه نوع من نفي الإرادة أي الله لا يريد أن ينام، نحن نتحدث هنا في سياق إستخدام ما يسمى الحجج العقلية في إثبات الذات المطلة العلوية و من جنس تلك الحجج ما يستلزم الاستسلام بالفيض لأنها النظرية الأقرب للعقل في فهم نظرية الخلق أي أقرب للعقل الحسي و العملي من نظرية الخلق المستمر في لا زمن و أقرب من الخلق في زمن.
أما وحدة الوجود فنحن إن سلمنا أن الإرادة صفة و الصفة غير الموصوف و بالتالي الصفة غير الذات فإن العالم المتغير و العقل المتحرك لم يفيض عن الذات و إنما عن الإرادة، إذا نفينا ذلك فنحن نسقط في مشكلتين: مشكلة تشبيه إرادة الله بإرادتنا مثلا لأن إرادتنا لا يفيض منها شيء و إنما تتحقق في شيء، أما المشكلة الثانية فهي، إن سلمنا جدلا بقيمة و إمكانية الإستدلال على وجود الله بالعقل، فهي أننا غير متماسكين نأخذ ما نريد من هذا العقل و هذا عين الهوى.
أما قدم العالم فقد قلت في موضع آخر أنه لا إشكال فيه إذا قلنا أن قدم العالم غير قدم الله كما نقول أن وجود الله ليس كوجود الإنسان و سمع الله ليس كسمع الانسان و رحمة الحيوان ليس كرحمة الله و غير ذلك من المتشابهات في الأسماء. إن رفضك لقدم العالم، و أقصد العالم ككل أي كل شيء غير الله و ليس هذا الكون فقط، رفض مذهبي كلامي بنى عليه حجة الاسلام الغزالي رحمه الله تكفيره للفلاسفة و نقل منه هذا المذهب كثير من كبار العلماء منهم من أشار إليه صراحة و منهم من وافقه فقط.

الوجود في الحقيقة وجودين منطقي و واقعي أي عين و نوع، فالوجود الفعلي يعني الوجود الحقيقي، و إذا كانت الارادة موجودة فعلا فإما أن تكون هي الذات أو شيء غير الذات و بما أن كثير من العلماء يقولون بالقول الثاني إذن الإرادة شيء موجود فعلا أي حقيقة واقعا.


لم أفهم لماذا أتيت بالتبديع هنا و نحن نتكلم عن الأدلة العقلية في إثبات الذات العلوية، أما المذهب الذي يقول بالحدث لا القدم، فهو المدعي و هو الذي يجب أن يقول لنا ما معنى البدعة، هذا مع العلم أن القرآن ليس فيه أصلا شيء عن ما قد يسمى الخلق من عدم أو العدم أو غير ذلك من الأشياء التي نجدها في العقيدة الجدلية من جوهر و عرض و استحالة و امكان و وجوب و غير ذلك ...


سيدتي المحترمة مناصرة الدعوة
شكرا على الرابط القيم.


جزاكم الله خيرا

فارس الكلمة 07-08-11 04:25 AM

حياكم الله اخى شعيب الرابط الذى وضعته الاخت فيه الخير الكثيرفى هذه المسألة ولعله حل اشكالاتك

ونسئل الله السلامة والعافية والسلام عليكم


الثقافة الاسلامية 07-08-11 01:21 PM

أستاذي عالي المقام الثقافة الإسلامية،
منكم و من علمكم الغزير نستفيد إن شاء الله و أرجو أن تعذرني إن أسأت الأدب مع منتزلتك و ناقضتك في بعض ما ذهبت إليه.

بل انت اعذرني ان رددت على ما تطرحه وارجو ان لا تتحسس من ذلك. وبالمناسبة انا لما قلت "غرور" قصدت غرور بالعقل البشري الذي لا يخلو من نقص. لم اقصد شخصك.

يقول حضرتك أن الفيض يستلزم نفي الإرداة و وحدة الوجود و قدم العالم و قد رأيت في هذا شبه العقيدة الجدلية (الكلام) إذ أن من المتكلمين من نفى صفة أو أولها على أساس فهم يرى فيه أن الصفة كذا تستلزم هذا و هذا ينافي فهم ذلك إذن لا تثبت الصفة أو تؤول.

في الحقيقة لا أرى أن نفي النسيان و النوم عن الله فيه نوع من نفي الإرادة أي الله لا يريد أن ينام، نحن نتحدث هنا في سياق إستخدام ما يسمى الحجج العقلية في إثبات الذات المطلة العلوية و من جنس تلك الحجج ما يستلزم الاستسلام بالفيض لأنها النظرية الأقرب للعقل في فهم نظرية الخلق أي أقرب للعقل الحسي و العملي من نظرية الخلق المستمر في لا زمن و أقرب من الخلق في زمن.

أخي هنا تكرر الادعاء فقط بدون استدلال. والسبب في رأيك انه اقرب للعقل. لكن صعب تطلب من غيرك قبول ذلك كمسلمة. نحن عندما نناقش عقلانية الشيء, ادعاء ان س او ص اقرب للعقل, ليس فيه اي دليل. بل تكرار للادعاء. اما مواضيع النوم والنسيان فلا ارى امكانية مقارنتها بموضوع الفيض ونفي الارادة فيه. فهذا موضوع وهذا موضوع.

أما وحدة الوجود فنحن إن سلمنا أن الإرادة صفة و الصفة غير الموصوف و بالتالي الصفة غير الذات فإن العالم المتغير و العقل المتحرك لم يفيض عن الذات و إنما عن الإرادة، إذا نفينا ذلك فنحن نسقط في مشكلتين: مشكلة تشبيه إرادة الله بإرادتنا مثلا لأن إرادتنا لا يفيض منها شيء و إنما تتحقق في شيء، أما المشكلة الثانية فهي، إن سلمنا جدلا بقيمة و إمكانية الإستدلال على وجود الله بالعقل، فهي أننا غير متماسكين نأخذ ما نريد من هذا العقل و هذا عين الهوى.

لا يا أخي الكريم, بل لا تقع في مشكلة التشبيه. هذا فيه ان ارادة الله كارادتنا. وكون ارادتنا لا يفيض منها شيء, ولا نقول بالفيض في الله تعالى, هذا لا يستلزم منه التشبيه. بل ان اعتقاد انه يوجب التشبيه هو عين التشبيه. لماذا؟ لانه بما ان الحكم على الشيء فرع عن تصوره, محاولة ادعاء ان وجود رحمة عند الله ورحمة عند الناس يستلزم التشبيه, هو في الواقع محاولة تصور رحمة الله وكأنها مثل رحمة البشر. فلا يريد الشخص قبول فكرة ان الرحمة هي بطريقة تليق بجلاله وانتهى الموضوع, لأنه يريد ان يتصور كيفية الرحمة, فوقع في التشبيه. وهذا ارى فيه تعطيل للعقل, والانغلاق ومحاولة ابقاء العقل في زاوية ضيقة.

مثال آخر لماذا ينفي البعض استواء الله على العرش ويقومون بتأويل الآية؟ لأنه خالف عقلهم الذي اوقفوه عند حدود معينة, فقالوا أن ذلك يستلزم احتواء الله بمكان, والمكان مخلوق, وهذا ممتنع. فعمليا هم قاموا بالتشبيه ومحاولة تصور الله وادراكه بطريقة مادية. وأوقفوا عمل العقل عند هذا الحد ولم يطيقوا فكرة ان ذلك يتم بطريقة تليق بجلاله ولا نخوض في الكيف لعدم قدرتنا على التصور لله تعالى الذي لا تدركه الابصار. لم يطيقوا ذلك. وأرادوا حصر العقل في الامور المادية المحسوسة, واعتبروا ان ذلك من العقل!

وارى نفس نمط التفكير في المنطق المؤدي للقول بقدم العالم. لانهم يريدون حصر العقل في الماديات التي تدركها عقولهم. ولم يريدوا قبول فكرة وجود ما هو خارج عن ادراك عقولهم, وهذا بوضوح, مخالف للعقل, بل وتعطيل له. فوقعوا في التشبيه الذي أرادوا نفيه.


أما قدم العالم فقد قلت في موضع آخر أنه لا إشكال فيه إذا قلنا أن قدم العالم غير قدم الله كما نقول أن وجود الله ليس كوجود الإنسان و سمع الله ليس كسمع الانسان و رحمة الحيوان ليس كرحمة الله و غير ذلك من المتشابهات في الأسماء. إن رفضك لقدم العالم، و أقصد العالم ككل أي كل شيء غير الله و ليس هذا الكون فقط، رفض مذهبي كلامي بنى عليه حجة الاسلام الغزالي رحمه الله تكفيره للفلاسفة و نقل منه هذا المذهب كثير من كبار العلماء منهم من أشار إليه صراحة و منهم من وافقه فقط.

بل هناك اشكال لانك جعلته واجب الوجود مع الله, وليس ممكن الوجود, اوجده غيره بارادة منه. فجعلتهما واحدا. عندما تجعلهما واحدا ثم تقول انهما ليسا بواحد الا يخالف هذا العقل وبوضوح؟ لانك لا تستطيع ان تقول بانه ممكن وذلك عن طريق القول بان وجود عالم قديم بقدم الله, لكن وجوده ليس كوجود الله. لأن حقيقة هذا القول هو ان العالم ممتنع الوجود بدون الله, وان قلت بانه التفسير الوحيد للخلق, جعلت الله تعالى ممتنع الوجود بدون عالم قديم معه. فجعلت الله محتاجا الى غيره ونسبت له النقص.

وكذلك فيه تجاهل للآية "بديع السماوات والأرض" و "خالق كل شيء" بل وادعاء بطلان امكانية الاستدلال بالقرآن. وهذا ايضا مخالف للعقل.

فعندما نقول ان العالم شيء, والقرآن يقول ان الله خالق كل شيء, ثم يأتي احد ويقول العالم قديم بقدم الله, لكن قدمه غير قدم الله. ونؤول الآية حتى يستقيم قولنا, هذا اراه مخالف للعقل للاسباب المذكور بعضها اعلاه, والحس البديهي. ويكفي من فساد هذا القول انه ان قلنا بان العالم واجب الوجود, فحتى ان قلت ما هو ممتنع لذاته ان وجوده ليس كوجود الله, فانك بجعله واجب الوجود, نسبت النقص الى الله تعالى, وانه لا يمكن ان يوجد, بدون هذا الوجود. وقول ان هذا الوجود ليس كوجود الله لا يغير من حقيقة الأمر شيء, وهو القول بان الله ممتنع الوجود بدون عالم قديم. فجعلتهما كل منهما محتاج للآخر في وجوده حتى تستقيم هذه النظرية؟

ثم انت قلت "الاستدلال على وجود الله", وليس في شيء مما ناقشناه استدلال على وجود الله نفسه. وهذا دليل آخر على انه بهذه النظرية, تجعل الله محتاجا الى غيره. وكل هذا حتى تستدل على وجود الله, بوجودنا!

الوجود في الحقيقة وجودين منطقي و واقعي أي عين و نوع، فالوجود الفعلي يعني الوجود الحقيقي، و إذا كانت الارادة موجودة فعلا فإما أن تكون هي الذات أو شيء غير الذات و بما أن كثير من العلماء يقولون بالقول الثاني إذن الإرادة شيء موجود فعلا أي حقيقة واقعا.

اخي هنا انت تستدل هنا بأقوال وليس بأدلة عقلية. هذا يسمى circular reasoning اي التسبيب الدائري. لماذا تقول ان س حقيقة؟ لان العلماء قالوا ذلك. طيب لماذا قالوا ذلك؟ قيل "لأنه حقيقة".


لم أفهم لماذا أتيت بالتبديع هنا و نحن نتكلم عن الأدلة العقلية في إثبات الذات العلوية، أما المذهب الذي يقول بالحدث لا القدم، فهو المدعي و هو الذي يجب أن يقول لنا ما معنى البدعة، هذا مع العلم أن القرآن ليس فيه أصلا شيء عن ما قد يسمى الخلق من عدم أو العدم أو غير ذلك من الأشياء التي نجدها في العقيدة الجدلية من جوهر و عرض و استحالة و امكان و وجوب و غير ذلك ...

أتيت بايات لانها بوضوح خالفت نقطة معينة قلت بها, واستدل بها لأني اؤمن بعدم تعارض العقل والنقل. واؤمن امكانية الاستدلال على الله بظاهر القرآن والسنة. وان الاستدلال بالعقل بشكل مجرد عن القرآن ثم اسقاط معانيها على آيات القرآن, هو مخالف للعقل وللدين. لماذا اؤمن بعدم تعارض العقل والنقل؟ هذا مبحث منفصل. ان كنت لا تقبل الاستدلال بآيات كتاب الله, , حتى لو كان ذلك بتأويل (كالقول بان النقاش هو لمعرفة تفسير الآيات الخ) فهذه مشكلة بحد ذاتها تستحق التأمل. ويصعب معها النقاش حول اي شيء آخر, فيجب معرفة الارضية المشتركة اول وما يمكن الاستدلال به, قبل النقاش, والا تكون المنطلقات والمسلمات عند كل شخص مختلفة عنها عند الآخر.

وعلى هذا, قبل الخوض في كل هذه المواضيع, يجب النقاش والاتفاق حول مناهج الاستدلال, والا لن نقبل ما تقوله, ولن تقبل انت ما نقوله, ليس للاختلاف في ذات الموضوع بقدر ما هو في منهج الاستدلال. طبعا لا اقول انه يجب علينا فعل ذلك الآن, لكن من باب العلم او التذكير بان سبب الخلاف في موضوع كهذا ومواضيع كثيرة أخرى, هو موضوع منهج الاستدلال, والموقف من العلاقة بين العقل والنقل. ممكن في جزئيات معينة النقاش بالأدلة العقلية, لكن كثيرا ما ستوجد نقاط اختلاف ينبني عليها نقاط أخرى, مبنية على الاختلاف في منهج الاستدلال.


هناك نقطة أخرى ربما تبطل ايضا فكرة الفيض وذلك عن طريق العلم الحديث, ونظرية الانفجار الكبير big bang theory لكن هذا موضوع آخر وطويل فقط احببت الاشارة اليه.

شعيب الاشباني 08-08-11 03:52 AM

الأستاذ فارس الكلمة
جزاك الله خيرا سيدي الكريم و لكن إسمح لي أن أقول لك أني قرأت الموضوع و كنت أتمنى أن يرد شيخنا أبو عثمان ردا مفصلا لنسفيد منه أكثر، ثم الفيض في ذلك الموضوع يتحدث عن معنى آخر يتعلق بالغنوصية لا بالإيجاد و الموجد و الوجود. الفيض كحل فلسفي يفسر المعرفة ينفسم إلى طريقين: طريق غنوصي أو باطني أو كلاهما و آخر فلسفي مجرد. الفيض في ذلك الموضوع يتناول الجانب الغنوصي و الباطني، لا علاقة له بنظرية المعرفة بشكل كامل و إن كنت أرى أن الفيض هو أفضل تفسير لتوضيح المعرفة. خذ مفهوم "العدم" الذي يمكن لنا تصوره، و السؤال: ما مصدر هذا التصور؟ لا يمكن أن يكون الحس لأن حدود الحس كلها مناقضة للعدم، و لا يمكن أن يكون العقل لأن العقل أداة تترجم المحسوسات إلى قوانين معرفية تقيّم الحس، و يبقى الإدعاء الآخر و هو ما يسمى المعارف الباطنية أو الفطرية أو المولودة التي يتمسك بها الفلاسفة العقلانيون أصحاب العقلانية في نظرية المعرفة، لكن هذا الإدعاء ينفيه القرآن من حيث أنه أي القرآن يوضح بشكل لا شك في فحواه الظاهري أن الإنسان يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئا. و لكم يجب أن نعير الإختلاف بين الناس في التصور لأن العدم عند المعتزلة مثلا ليس العدم في اللغة الإشارية التي يعني فيها العدم نقيض الوجود، بينما العدم عند الفيزيائيين خصوصا عند ستيفن هاويكنغ في فرضييه التي يقول من خلالها أن الكون بإستطاعته أن ينشأ من عدم دون الحاجة الضرورية لوجود علوي عدم آخر. أنا في نظريتي، و قد تكون خاطئة إذا ثبت ما ينقضها، أرى أن الفيض يحل هذه الإشكالية الفلسفية و من خلالها أفهم أن إستطاعة تصورنا للعدم نتيجة صدور أي فيض مصادر التصورات من عقل كامل مطلق يدرك بذاته المطلقة العلوية كل شيء أي ذاته و ما فاض عن وجوده الذاتي و إرادته. أشكرك و أشكر تعقيباتك و نقدك الذي أشتاق إليه لتمنو معارفي و تظهر أخطائي و تتسع نظرتي.

ملاحظة: ما عرضته في هذا الموضوع سيدي الحبيب ليس بإشكالية ((عندي)). هو موضوع مطروح للنقاش و الفيض له معاني كثيرة جدا لدى المتصوفة و الجدليون الكلاميون و الفلاسفة.

أستاذي الحبيب الثقافة الإسلامية
أشكرك على ردك القيم الذي إن لم يدل على شيء فإنه يدل على عقليتك العلمية و إطلاعك الواسع و حسك النقدي بالمنطق السليم.
إسمح لي أن أقول لك أنا أتفق معك في كل ما ذكرت و بالخصوص ما تراه قولا بلا إستدلال أو خطأ منطقي في التعبير، و هذا الإتفاق مع سيادتك الموقرة يأتي من حيث أنني لم أخاطبك في ردي بأسلوب حججابي، بل إقتصرت فيه على الخطابة العرضية بشكل مجمل و إعتراضية في أجزاء منها كلامك عن إستلزام الفيض لنفي الإرادة، الإتحاد و قدم العالم. أخيرا و بشكل موجز هناك آراء كلامية جدلية و جزء فلسفي أشرت إليه في ردك لا أتفق معه و قد أرد عليه في وقت آخر بعد إعادة توضيح فحوى الموضوع، بالإضافة إلى رد لم أفهمه نهائيا و هو:
(أنا) : إذا كانت الصفة شيء فهي موجودة أي لها وجود فعلي.
(أنت) : "لها وجود فعلي" عادة يقصد بها ان الوجود كوجودنا. وعلى ذلك كل ما يتبع هذا الافتراض باطل لانه مبني على باطل.
(أنا) : الوجود في الحقيقة وجودين منطقي و واقعي أي عين و نوع، فالوجود الفعلي يعني الوجود الحقيقي، و إذا كانت الارادة موجودة فعلا فإما أن تكون هي الذات أو شيء غير الذات و بما أن كثير من العلماء يقولون بالقول الثاني إذن الإرادة شيء موجود فعلا أي حقيقة واقعا.
(أنت) : اخي هنا انت تستدل هنا بأقوال وليس بأدلة عقلية. هذا يسمى circular reasoning اي التسبيب الدائري. لماذا تقول ان س حقيقة؟ لان العلماء قالوا ذلك. طيب لماذا قالوا ذلك؟ قيل "لأنه حقيقة".


إعادة توضيح فحوى الموضوع
أنا أختلف مع إبن رشد في رده على المتصوفة (الغنوصية و الباطنية لا السلوكيون) فيما يخص معرفة الله و الإستدلال على وجوده، و كذلك في رده على من أطلق عليهم الحشوية. المتصوفة، عنده، أصحاب عرفان أي ممن يرى حصول المعرفة بصفاء النفس و الجهاد بالعمل الصالح فيقول أن هذا ليس سببا لحصول المعرفة و إنما شرط كما أن الصحة الجسدية ليست سببا لإكتساب المعرفة و إنما شرط. أما الحشوية، عنده و بتعبيره، فهم من ينكرون إمكانية حصول معرفة الله بالعقل و يرد عليهم بالآيات القرآنية التي تؤكد على النظر العقلي و هنا يتفق مع المتكلمين في ظرورة النظر لصحة الايمان لكن يختلف معهم في المنهج و يرد أدلتهم التي تقوم على الجوهر و العرض و الإمكان و الوجوب (حيث يرد هنا أيضا على إبن سينا لكي يصفي الأرسطاطوليسية من الإضافة و التأويلات الأفلاطونية و السينوية) و غير ذلك، إلا أن البنيان الذي إعترض به على المتكلمين من حيث أنه يرى أنها جدليات لا تفيد اليقين تنطبق أيضا على أدلته هو مثل الحركة التي إنتقدها إبن تيمية فذهب أبعد مما ذهب إليه إبن رشد حيال المتكلمون حيث إن إبن تيمية لم يكتفي بالقول أن الدليل القائم على الحركة لا يفيد اليقين فقط بل لا يفيد الدليل بادئ ذي بدأ، و أدلت إبن رشد منقسمة إلى قسمين حيث يعطي هو معنى آخر لتوافق العقل و النقل و هي: العقل البرهاني من جهة و الظاهر من العقائد التي قصد الشرع حمل الجمهور عليها من جهة ثانية.

إذن،
نظريتي في هذا الموضوع لا تٌناسب الحشوية و لا المتصوفة المعرفيون (الغنوصيون و الباطنيون) و بتعبيري أنا: لا تناسب من يقول أن الإستدلال على وجود الله لا يكون بالعقل كما لا تناسب من يقول أن معرفة الله تكون بالإخلاص و الجهاد النفسي و العرفان بشكل عام.
بل تٌناسب من يرى الإستدلال على وجود الله بالعقل سواء تأكيدا و طمأنة (للنص) أو بمعزل عن النص كما هو الحال مع الفلاسفة العقلانيون في كل زمان و مكان.

و أنا آخذ بالفيض هنا، و أقصد فيض الوجود الواجب الوجود بغيره لكن وجوب وجوده لا كوجوب وجود الله كما أن وجود الله لا كوجود غيره و صفاته لا كصفات غيره، جدلا و ليس تقريرا. ما معنى "جدلا" في هذا السياق؟
إنما أرد على من يقول بالإستدلال العقلاني على وجود الذات العلوية الإلهية لأن نفس المنهج، الذي ينطلق من بين منطلقاته من قياس الشاهد على الغائب و ليس في الشاهد شيء يحدث إلا في شيء أو من شيء، يستلزم القول بالفيض و أقرب أنواع الفيض، في نظريتي هنا التي أقول بها جدلا لا تقريرا، هو فيض الوجود من إرادة الله لا من ذاته لأن أخذ الذات يعني الحلول على الأقل و غالبا يعني وحدة الوجود فلاشيء إلا هو.

الآن نأتي إلى الإشكالية (و هذا هو أصل الموضوع لمن فقهه و إستعان بملكاته العقلية الدقيقة):
- ليس في القرآن إشارة إلى أي طريق يصح كإستدلال عقلي على وجود الذات العلوية الإلهية و إنما كلها مؤكدة للألوهية فقط. إذن بطل مذهب إبن رشد في مذهبه الذي يفهم من خلاله الدليل السمعي و أخذه بالعناية و الإختراع لأن العناية و الإختراع في القرآن أدلة على الألوهية تخاطب أناسا يؤمنون أصلا بالربوبية، و تُبطل أيضا من يقول أن السمع هو طريق الدليل على الله بما في ذلك وجوده. إذن ما الحل؟ الله موجود لأنه أرسل رسول ليس بدليل بل خطاب و بيان أي إنذار و أنت حر تؤمن أو لا تؤمن.

- الإستدليل العقلي على وجود الذات العلوية الإلهية بالسببية (التي تحتاج إلى دليل أولا فليس هناك ما يدل على أن حركة الجسم أ بعد إصطدامه بالجسم ب أي شيء يستلزم أن يكون في أحد الجمسين خاصية سبب هذه الحركة) و العناية و الإختراع و الجوهر و العرض و الإمكان (لاسببية أي لا حتمية) و الوجوب و الاستحالة و الحركة و الجوهر و العرض و غير ذلك تستلزم الأخذ بالفيض أيضا، على الأقل فيض الوجود من صفة الإرادة إن كانت الإرادة شيء يتمتع بوجود حقيقي و ليست بذات أي ليس الارادة هي نفسها المريد. أو بمعنى آخر ليست الصفة الموصوف.



حياكم الله و عذرا إن وجدتم أخطاء مطبعية في ردي.

فارس الكلمة 08-08-11 04:17 AM

بارك الله فيك اخى شعيب ولكن اعذرنى لعدم كفاية علمى عما ذكرت
وان شاء الله شيخنا ابا عثمان يوضح لنا وسأكتفى بالمتابعة

وجزاكم الله خيرا

الثقافة الاسلامية 08-08-11 08:23 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شعيب الاشباني (المشاركة 1349504)

و أنا آخذ بالفيض هنا، و أقصد فيض الوجود الواجب الوجود بغيره لكن وجوب وجوده لا كوجوب وجود الله كما أن وجود الله لا كوجود غيره و صفاته لا كصفات غيره، جدلا و ليس تقريرا. ما معنى "جدلا" في هذا السياق؟

مرحبا بك أخي الكريم, الموضوع خاصة بالطريقة التي عرضتها متشعب. وقد لا استطيع الاستمرار في النقاش لانه يحتاج لاستحضار الذهن وتخصيص وقت طويل له لتشعب الموضوع. لكن لو اردت التلخيص بجمل قصيرة عن احدى اسباب رفض فكرة الفيض (خاصة وانك تتكلم عنها جدلا لا تقريرا) , لقلت ان عند القول بهذه "النظرية" كطريقة اثبات وحيدة لوجود الله لا يخلو من :

1- القول بان هناك حاجة لفكرة الفيض لاثبات وجود الله ولا يمكن اثبات وجود الله بدونها.

أو

2- ليس هناك حاجة. وهذا ينقسم الى قسمين, وهما

الف - القول بانه ليس هناك حاجة مع وجود احتمال صحة فكرة الفيض (لا احب تسميتها بنظرية),

او

باء- ليس هناك حاجة, مع عدم وجود هذا الاحتمال.



فان قيل بالأول, فهذا يعني انه لا يمكن اثبات وجود الله, الا باثبات وجود عالم قديم بقدم الله. ولكن هذا العالم ليس هو الله. هنا جعلت الله محتاجا لغيره. والقول بان وجوب وجود عالم قديم ليس كوجوب وجود الله, او ان وجوده هو بارادة الله, لا يغير شيء في حاجة وجود الله الى وجود آخر حتى يصبح وجوده ممكنا, وهذا مهما وصف هذا الوجود الآخر. لأن هذا فيه نسبة النقص الى الله تعالى. خاصة ان قيل ان هذا العالم القديم مختلف عن الله ولم يقال بوحدة الوجود.

وطبعا لا يعقل ان يقال ان نسبة النقص الى الله ممكنة بارادته. فهذه المقدمة ممتنعة اصلا بل كلام بلا معنى. مثله مثل سؤال بعض الملاحدة "هل يستطيع الله ان يخلق حجرا لا يستطيع رفعه؟" فان قلت لا , قيل اذن الله ليس قادر على كل شيء, وان قلت نعم, قيل ان الله ليس قادر على كل شيء كذلك.

لكن معنى هذا السؤال في حقيقته "هل يستطيع الله فعل شيء لا يستطيع فعله؟" فهنا افترضت في السؤال وجود ما لا يستطيع فعله أصلا واعتبرته امكانية ذلك امر مسلم به. والخطأ في هذا واضح. وكذلك أقول حول امكانية ان يكون الله ناقصا بارادته. فباختصار, القول باثبات وجود الله بانه لا يمكن الا باثبات وجود عالم قديم بقدمه, هو جعل الله محتاجا لغيره, وبالتالي نسبة النقص اليه سبحانه.

وان قيل بالثاني, حصل اتفاق على انتفاء الحاجة لهذه الفكرة. لكن يبقى موضوع هل هو ممكن ام لا؟ فان قيل الفكرة ممكنة, ذكرت نفس ما ذكرته في النقطة الأولى حول استحالة ذلك مع الاقرار بوجود الله بدون القول بوحدة الوجود مثلا (والا وقع التناقض). ويبقى في الاخير خيار عدم وجود هذا الاحتمال.

هذه فقط احدى اسباب بطلان فكرة الفيض.

ورغم عدم كونه جزء اساسي في الموضوع احببت ان اعلق تعليقا سريعا على رأي ستيفن هوكنغ وهو انه خاض برأيه الذي ذكرت فيما ليس له علاقة بتخصص العلمي لكن مع ذلك اعتبر البعض كلامه حقيقة علمية. لأنه تم "تأليه" هوكنغ من البعض فاعتبروا كلامه في أي مجال هو قرآن منزل وان كل ما يصدر منه هو كلام علمي وحقائق علمية. بينما في واقعه هو خاض في قوله هذا في الادلة العقلية مثله مثل غيره, لكن اراد بعض الملاحدة اعطاء كلامه صبغة علمية لخلفيته العلمية. فيبقى كلامه ادعاء, وفي نظري, ادعاء يخالف العقل وبكل وضوح, ولو صدر من غيره لاصبحت كلمته تلك مجال للتندر والسخرية لكن لكونه فيزيائي مشهور ومحبوب عند فئة معينة من الناس تم تلقي كلمته تلك بطريقة مختلفة.

وشكرا لك على رحابة صدرك.

شعيب الاشباني 10-08-11 04:46 AM

لا عليك أستاذي فارس الكلمة. أنا أيضا أكتفي بالمتابعة و ظاهر الموضوع أني أطرح بينما حقيقة طرحي أي ما وراء الطرح عشق المتابعة و التطلع إليه من خلال ردود و نقد و أخذ و رد يلي وضع الفكرة موضع التساؤل و التجاذب لأنني سأتعلم أكثر من متابعة ذلك أكثر مما أتابعه في فكرتي التي أعبر عنها بألفاظ و جمل لغوية قابلة للتفجير. و قد صدق فيلسوفنا طه عبد الرحمان عندما لاحظ و بشكل دقيق جدا، و هذا حال من يجيد اللغة توظيفا و فقها تجده أعقل الناس و أقدرهم على الإنجذاب نحو حب العلم و فنون التحليل كما يفصح عن ذلك إمامنا الشافعي في فلسفة اللغة عنده، عندما قال أن الأصل في الكلام الحوار و الأصل في الحوار الخلاف أي نحن لا نستطيع أن نتكلم في شيء دون حصول خلاف بيننا و هذا الخلاف في الحقيقة جمال ناصع في التواصل بين الناس في مختلف فنون العمل و المعارف.

سيدي الفاضل الثقافة الإسلامية
أشكرك جزيل الشكر على متابعتك و ردودك العلمية و أنا أقولها لك حقيقة أن الموضوع قد لا يهمك من حيث تتناوله و قد يهمك من حيث أتناوله أنا فنفترق في نقط و نجتمع في نقطة مهمة و هي اننا كلانا نتخذ موقفا معينا من أصحاب المعقولات في الإستدلال على أصل الموجودات أي هؤلاء الذين يدعون قوة العقل و قيمته في ذلك الإستدلال مع العلم أن المنهجية المتبعة في ذلك تقتضي التسليم بالفيض أيضا لتفسير نظرية الخلق تفسيرا عقليا مقبولا يتماسك مع المعطيات الأخرى التي تتبع نفس المنهجية و إلا حصل، عند الرفض و الإنتقاء، نوع من المفارقة أو حتى التناقض مهما علت قوته أو آنخفضت. إذا تحول هذا الأساس إلى المنطلق الذي ننطلق منه لمعالجة هذه الإشكالية النقدية للعقلانية المجردة فسوف لن نحتاج إلى الخروج من الموضوع و تشعبه إلا أن السياق يستلزم ذلك أحيانا و الله وحده المستعان.

تبقى الأهمية الكبرى هي الإستفادة و فتح آفاق التفكير الحر إلى الجانب الإلتزام الإستسلامي في الفكر العملي أي ذاك الفكر الذي يطرح نتائجه في التداول السلوكي و المعاملاتي و الشرائعي.

ملاحظة: هذا الموضوع سوف يتخذ أشكالا مختلفة و لذلك سأسرد لكل إتجاه موضوع خاص و خاصة في التصوف بين العقل و النقل.

حياكم الله


الساعة الآن 12:26 PM.

Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "