أنا السبب...
عائض أبو زيد
الأحد 09 مايو 2010
ماذا لوساد هذا المنطق بين النَّاس ؟
وهو في الحقيقة واقعٌ كالشمس؛
ولكنَّ النفس البشرية جبلت على تحميل الآخرين خطأها,
وتبرير مايكون من زللها, وإيجاد الأعذار بكل وسيلة,
وتضيق ذرعاً بمن حولها
وتتعامى عن وقفةٍ يسيرة مع تصرفاتها.
تهرب بكل قوة وعمى إلى نفق مظلم,
تريد الخروج من طرفه الآخر,
وكلما إزدادت هروباً إزدادت بعداً وضياعاً,
وضعف عزمها من اليقين, وأوهن ظهرها حمل مشاكلها.
يجنُّ جنونها حين ترى الأصابع وقد أشارت لها
أنتِ السبب في كل ماكان منك,
تدَّعي أنها في غربة وتضحي من أجل مبادئها,
وماعلمت وأيقنت أن ضحايا الحمق كثر,
وضحايا العجلة واللجاجة والكبر والجهل أكثر,
عجبي من هذه النفس توقع الإنسان في الخطأ,
ثم تقف أمامه في ثوب المحامي وتقول أنت بريء,
عجبي من هذه النفس
تدعي الإطمئنان وهي أمارة بالسوء,
توهم صاحبها أنَّه فريد زمانه, وجهبذ عصره,
وخليفة المؤمنين, وأشعر الشعراء, وعبقري العباقرة.
توحي له بأنَّ القوم يتربصون به الدوائر,
ويطلبون له عيباً فيعجزهم,
وهو لو قلب في نفسه, وماكسبت يداه,
وسمع عن أحوال النَّاس؛
لعلم وأيقن أنَّ كلَّ واحد مشغولٌ بحاله,
ومعني بأمر خاصته,
ثمَّ أنَّه ونفسه المغرورة المسكينة فيهما من العيوب
ما يجعلهما يتواريان عن الخلائق.
ليته ينظر بنظرة منصفة لنفسه ولغيره,
سيجد أنَّ هناك من هو أعلم منه بدرجات,
ومن هو أذكى منه بمسافات,
ومن هو أزكى وأطهر وأنقى,
وأكثر تضحية بنفسه وماله ووقته من أجل الأمَّة,
وماهو في حقيقته إلا عبد أثقلته الذنوب,
وتجمعت عليه الهموم,
وأضاعته الأوهام في عرض صحراء الحياة,
سيجد أنَّه كره من حقه الحب, وقرّب من حقه البعد,
ورفع من كان وضيعاً, ووضع من كان رفيعاً,
وظنَّ سوءً فيمن ظنَّ به خيراً,
سيجد أنه اتهم بريئاً, وبرءى مذنباً,
كم خسر من صديق, وكم فقد من ناصح,
وكم ضحك عليه الشامت, وكم بكى من أجله مُحبه .
ليت شعري لو تأمل الواحد منَّا موقفاً حصل له في حياته,
فليبدأ ولينظر من أول نقطة, ثم ينظر أين انتهى؟
وكم نال مانال من تعب ونصب؟
وكم أضاع وأهدر من الوقت والعقل والجهد
في سبيل ردة فعل جرَّته لكلمة أوقدت فتنة؟
أو رغبة أذهبت دنياه وآخرته,
أو تلمس حاجة أهان بها نفسه.
ما أتلف الإنسان إلا غضبٌ لم يحكمه,
ورغبة لم يملكها,
وحزن لم يصبر عليه,
وفرح لم يشكر له,
وعلمٌ لم يتواضع به,
وجهلٌ لم يزله بالعلم,
ومال لم يبحث من أين أتى به وفيما أنفقه؟
وخطأ لم يتب منه,
وزلل لم يعتذر عنه,
وكلمة حق لم يقلها,
ومنكر لم ينكره,
وحقوقٌ لم يؤدها.