وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اختلف العلماء في الصلاة بعد العصر على أقوال :
الأول : كراهية التنفل مطلقاً, سواء أكان تنفلاً بسبب أم من غير سبب , فلا يُصلَّى في هذا الوقت إلا الفريضة الفائتة . وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه , كما حكاه عنهم أبو جعفر الطحاوي في ( شرح معاني الآثار )
الثاني : كراهية التنفل المطلق , أما التنفل الذي له سبب فليس يُكره أن يُصلَّى في هذا الوقت . وهذا مذهب الشافعي .
قال النووي : مذهبنا ان النهي عن الصلاة في هذه الاوقات ( يعني : أوقات النهي عن الصلاة ) إنما هو عن صلاة لا سبب لها , فاما ما لها سبب فلا كراهة فيها , والمراد بذات السبب : التى لها سبب متقدم عليها . فمن ذوات الاسباب : الفائتة فريضة كانت أو نافلة إذا قلنا بالاصح أنه يسن قضاء النوافل فله في هذه الاوقات قضاء الفرائض والنوافل الراتبة وغيرها وقضاء نافلة اتخذها وردا , وله فعل المنذورة , وصلاة الجنازة , وسجود التلاوة , والشكر , وصلاة الكسوف , وصلاة الطواف , ولو توضأ في هذه الاوقات فله أن يصلى ركعتي الوضوء . اهـ ( المجموع شرح المهذب 4/170 )
قلت : وهذا المذهب هو رواية عن الإمام أحمد , قدَّمها المجد ابن تيمية في المحرر ( 1/86 ) , واختار هذا المذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم , وقال عنه الشيخ الإمام عبدالعزيز بن باز : هو أصح الأقوال , وبه تجتمع الأخبار . اهـ ( تعليقات الشيخ ابن باز على فتح الباري 4/364 طبعة دار طيبة )
الثالث : إباحة التنفل مطلقاً ؛ بسبب ومن غير سبب . قال الحافظ ابن حجر : وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر, وبذلك جزم بن حزم . اهـ ( فتح الباري 4/364 طبعة دار طيبة )
قلت : كذا قال الحافظ , والذي في ( المحلى 3/7_8 ) أن ابن حزم خالف داود في هذه المسألة ؛ حيث منع من التنفل عند اصفرار الشمس , وأما داود فقد أباحه مطلقاً .
وادعى هولاء أن أحاديث النهي منسوخة , كما قال الحافظ ابن حجر . وذكر أن الناسخ عندهم هو حديث : ( من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى )
فدل على إباحة الصلاة في الأوقات المنهية . كذا قالوا , وفيه نظر ظاهر .
الرابع : إباحة التنفل مطلقاً بعد العصر والشمس حية , ( أي : قبل اصفرار الشمس ) , وهذا المذهب يُروي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه كما في فتح الباري ( فتح الباري 2/370 طبعة دار طيبة )
وهو اختيار الإمام ابن خزيمة كما يظهر من تبويبه للحديث في ( صحيحه 2/265 ) , كما اختاره الحافظ ابن حزم , ورجحه من المعاصرين الشيخُ العلامةُ محمد ناصر الدين الألباني كما في ( السلسلة الصحيحة برقم 200 ) , وحجة هذا القول هو الحديث أخرجه أبو داود ( 1274 ) , والنسائي ( 1/280 ) , وأحمد ( 2/ 46 طبعة الرسالة ) وغيرهم من حديث عَلِيٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ .
وفي رواية الإمام أحمد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يُصَلَّى بعد العصر الا أن تكون الشمسُ بيضاءَ مرتفعةً )
قال الحافظ ابن حجر : إسناده صحيح قوي . ( فتح الباري 2/370 طبعة دار طيبة )
وقال الشيخ الألباني : إسناده صحيح , وكذلك قال الحافظان العراقي والعسقلاني , وصححه ابن حبان أيضاً وابن حزم . اهـ ( صحيح سنن أبي داود _ الأصل _ 5/19 )
وهذا المذهب هو أرجح الأقوال في هذه المسألة , والله تعالى أعلم .