إبراهيم الأزرق
مهلاً هم لا يذودون عنها ذا السويقتين القادم من أرض الحبشة لهدمها واستخراج كنزها!
فهذا النوع من الهدم ليس موضوعاً لهم، وإنما هم يذودون من يروم عمارة البيت الحرام؛ عمارة حسية أو معنوية! لكنهم يسمون الأمور بغير اسمها..!
قد يقول لي قائلٌ ما لي أراك متحاملاً على القوم؟ كيف تقول: هم لن يذودوا عنها ذا السويقتين؟! حنا************ –أبا عبدالرحمن- هم ينتسبون للإسلام!
فأقول: لم أقل إنهم لن يذودوا عن البيت إذا جاء ذو السويقتين! ولكن المستمع لتهويلهم يخال أنهم إنما يتكلمون عنه لا عن الداعية المصلح فضيلة الشيخ الدكتور يوسف الأحمد! فإنما نبهتُ على موضوع حديثهم حتى لا يقع الخلط بين الأحمد وذي السويقتين! لكنْ أَمَا وإنَّك قد قلتَ ما قلتَ، ونسبتَ إليَّ –أي أُخيَّ- بسوء فهمٍ ما ذكرتَ فدعني أتمنى ولا تحجر عليَّ الأماني!
غاية ما أتمناه يا صاحبي من هؤلاء بالنسبة لذي السويقتين إذا هو جاء -لا أراك الله يوماً يكون فيه ذلك الرجل صاحب القوة العظمى والإمبريالية غربيِّ الجزيرة- ألا يكونوا في جيشه الهادم للكعبة -لا محالة- فذاك خبر الصادق المصدوق في الصحيحين وغيرهما!
ثم دعني أخي الكريم أخاطب فيك العقل بالمنطق الرصين لتعلم لماذا لا يحسن بعضُ الناس الظنَّ بهؤلاء المزايدين بالحرص على حرمة البيت، الرامين الشيخ الأحمد بقصد التخريب والهدم! هل رأيت أحد هؤلاء الحاملين على الشيخ الأحمد قد شَنَّ مثل تلك الحملة على نتنياهو وكنيسُ الخرابِ يُقْتَطَعُ من المسلمين؟ هل رأيتهم يشنون تلك الحملة والحفرياتُ مِنْ حَولِ الأقصى ومن تحته جاريةٌ يرام بها هدمه وهي كل يوم تتقدم؟!
فلماذا المفارقة؟ ولماذا الكيل بمكيالين، والأقصى أولى القبلتين وثالث المسجدين المباركين؟
مع أن الأحمد إنما دعا بالقول... وذاك ينفذ بالفعل ما خطط له حكماء صهيون..
الأحمد إنما أراد عمارة المسجد الحرام على أحسن الأوجه وأكملها... وذاك إنما يريد بناء الهيكل المزعوم!
لقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا عائشة! لولا أن قومك حديثوا عهد بشرك لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين؛ باباً شرقياً وباباً غربياً، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة"، والحديث في صحيح الإمام مسلم، فلا أدري ماذا يقول اللبراليون الذائدون عن حياض الكعبة في هذا الحديث؟ هل تراهم –يا صاحبي- حدثاء عهد بشرك؟ أمَّا المنافقون فربما إذ هم كل يوم يتقلبون وفي كل حين يتلونون لهم مع كل حادثة دين!
هذا مع أن الأحمد لا يتحدث عن الكعبة البيتِ الحرام، وإنما يتحدث عن مسجدها الذي هُدِم ووُسِّع وبُنِي مراراً على مَرِّ تاريخ الإسلام، ولا نزال نرى جداراً للمسعى يهد وتوسعة في شرقيه تبنى –رغم إنكار كثير من علماء الدين- وطابقاً علوياً يزاد وهلم جراً!
إذاً الفورة ليست لإنكار الهدم، بل ذود لبراليينا إنما هو في الحقيقة صد عن أسباب العمارة الحسية والمعنوية، ولهم في ذلك سلف صدوا عن البيت من قديم: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) [الحج: 25]، (ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلاّ المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون) [الأنفال: 34].
الأحمد يريد التوسعة برأي رشيد يريد أن يستوعب البيت المزيد.. من المسلمين الذين تقصيهم القرعة في بلدان مجاورة كل عام عن حج البيت فيتولون وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا إلى الحج السبيل.
وهؤلاء يريدون التضييق والصد عن البيت العتيق بسبب الضيق..
الأحمد يريد أن يكون طواف الناس طوافاً شرعياً خالياً من المنكرات، يراعي فيه ما قاله أهل العلم قبله كفقيه الشافعية ابن جماعة القائل في منسكه الكبير هداية السالك إلى مذاهب الأئمة الأربعة في المناسك: "من أكبر المنكرات ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجوههن، وربما كان ذلك في الليل، وبأيديهم الشموع متقدة..." إلى أن قال: "نسأل الله أن يلهم ولي الأمر إزالة المنكرات" ، قال ابن حجر الهيتمي بعد أن نقله: "فتأمله تجده صريحاً في وجوب المنع حتى من الطواف عند ارتكابهن دواعي الفتنة" ، وتأمل كيف عد كشفهن عن الوجه –ولايتصور من المحرمة الطائفة غير كشف الوجه والكفين، لا يظن بهن تبرجاً أو تهتكاً ومجوناً- مع إيقاد الشموع –ولك أن تقارنها بكشافات الحرم!- ولو بصحبة الأزواج من أسباب الفتنة.
وقال ابن جماعة أيضاً: "ولايستحب لها تقبيل ولا استلام مع مزاحمة الرجال، ولا يستحب لها الصلاة خلف المقام، أو في غيره من المسجد مزاحمة للرجال، ويستحب لها ذلك إذا لم تفض إلى مخالطة الرجال. وهذا مما لايكاد يختلف فيه؛ لما يتوقع بسببه من ضرر" ، فأما إذا تحقق الضرر كتزاحم الأجساد وتلاصق الأكباد فلا يختلف فيه كما ذكر ابن جماعة، بل عد ما هو دونه من أكبر المنكرات وهو طواف المرأة سافرة مزاحمة موقدة ما يكشف وجهها ولو كان معها زوجها!
وأما العفيفات الفاضلات العالمات فأسوتهن عائشة رضي الله عنها التي كانت تطوف بالبيت حجرة ناحية عن الرجال لا تخالطهم، كما في الصحيح، وكان عطاء يقول: لم يكن يخالطن الرجال يعني في الطواف.. وكان طواف النساء من وراء الرجال، قد فرشت لهن حصباء مشهورة ذكرها المؤرخون، وندبوا لهن الطواف في الليل إلى غير ذلك من وسائل التنظيم المانعة للخلطة المحرم عند البيت في الصدر الأول .
إذا ما هي أسباب الثورة البربرية اللبرالية، والأحمد يدعو لتحقيق مقصود ما قاله علماء الشريعة قبله؟!
ما هي أسبابهم الحقيقية للصد عن عمارة المسجد الحرام؟
أترك لك المجال، ولكني إذا رأيت بني علمان يصولون ويجولون بدعوى الذود عن الكعبة لم آمن أن يكون إسافهم الذي يقدسون ينتظر نائلة التي يعظمون، والقصة معروفة! فلا غرو إذا حمل مثل الشيخ الأحمد على إساف ونائلة أن يهب للذود عنهما اللبراليون.. فتلك هي الحرية!
أسأل الله أن يهدي قلوبهم وألا يمسخها أحجاراً لا تقبل وحياً ولا تنكر منكراً.
إبراهيم الأزرق