خطاب بليغ إلى جماعة التبليغ
إن دعوة الغير إلى هذا الدين(الإسلام) الذي جاءنا به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لبناءالفرد والأسرة والمجتمع بناءًا فكريا بالعلم النافع، وروحيا بالتزكية والتطهر،ووجدانيا بالقيم الجمالية،مما لا يرتاب في فضلها من يؤمن بكتاب الله وسنة رسوله…
وجماعة التبليغ،ممن علت همتهم، وعظم اجتهادهم في مجال الدعوة إلى الله، وجهودهم المبذولة أكبر دليل على ذلك، وليس ينكر جهودهم أحد إلا مبطر للحق، إلا أنهاتبقى بأمس الأرب إلى تصحيح إذ تحمل في طياتها أخطاءا ،ممايجعل دعوة هذه الجماعة محايدة عن دعوة السلف
والخيركل الخير في اتباع من سلف والشر كل الشرفي ابتداع من خلف
ويعلم الله أنه ما دعاني إلى تجريد قلمي من غمده لهذه السطور، إلا حبي لكل من ضرب صفحاعن زخارف ومتاع دنيا زماننا،وجعل همه وشغله الشاغل تبليغ أو تذكيرالناس بهذا الدين القويم الذي هُدينا إليه ـ ولله الحمد والمنةـ، وإن جماعة التبليغ! ممن أشهد لهم ببذل الكثير من الوقت للتبليغ ولكن تبقى دائما كلمة الإمام مالك رحمه الله البالغة الغالية، نصب عيني وهي: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).
لقد خرجتُ شخصيا مع جماعةالتبليغ عدة مرات في (ساحل العاج) ومرة في (مصر) ومرة في (الصين) وصحبتهم في (تايلاند) فلمحت منهم أخطاءا، فرأيت من دليل حبّي لهم، ومن الواجب، التنبيه إليها،والتذكير بشأنها، ونصحهم لوجه الله تعالى امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم(الدين النصيحة، قلنا لمن ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه البخارى ومسلم في صحيحيهما والترمذي والنسائي وأبوداود والدارني في السنن وأحمد في المسند وهذا لفظ الصحيحين.
ومما هو جدير بالذكرأن محمد إلياس مؤسس (التبليغ) وعبدالرحيم شاه الديونبدي واحتشام الحسن الكاندهلوي وأبا الحسن علي الحسيني الندوي وغيرهم من مقربي ومعاوني محمد إلياس،قد تأثروا بحركة المتصوفة مثل الطريقة الجشتية في الهند، فرأوا من المناسب لحالة المسلمين في الهند (بدون استناد إلى دليل) أن يقتطع كل واحد منهم جزءا من وقته للدعوة،نظرا لقلةعددهم. وهكذا استمرالحال إلىأن صار الخروج فرضا واجبا في اعتقاد الجماعة، وأصبحوايستدلون على ذلك بقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكروتؤمنون بالله…) آل عمران 110
وبقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخيرويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر…)آل عمران 104
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( بلغو عني ولو آية) جزء حديث رواه البخاري والترمذي وأحمد والدارمي.
وبحديث ابن عباس في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن فقال ادعهم إلى شهادة أن لاإله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.) وروى مثله مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد والدارني بألفاظ مختلفة.
ولكن تُرى، هل هذه الحجج في محلها؟ الجواب قطعا لا
فقوله تعالى: ( كنتم خير أمّة أخرجت للناس….) ليس فيها ما زعموا، وإنما الآية دليل خيرية هذه الأمة بكونها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.
قال ابن كثير في تفسيره: والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس.اهـ
قلت: وهذا ليس بالخروج حتما، لاريب أن الدعوة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة كل مسلم وهذاما يسفرعنه قوله صلى الله عليه وسلم(بلغوا عني ولو آية..) تقدم تخريجه، ولكن ثمة فرق بين ذلك،وبين الخروج متصديا للدعوة، فكل مسلم مأمور بالدعوة في أسرته، ومحل عمله،مأمور بدعوة جيرانه،وإخوانه في مجتمعه آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، وأما لخروج متصديا لها، فهذاوظيفة الأنبياء، ولا ينعدم التصدي للدعوة بانعدام الأنبياء إذالعلماء ورثة الأنبياء كما نطق به الحديث (..إن العلماء ورثة الأنبياء..) رواه البخاري والترمذي وأبوداود وابن ماجه وأحمدوالدارني.
وعليه فإن الخروج متصديا للدعوة وظيفة العلماء، ولذلك قال تعالى: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير………) قال القرطبي في تفسيره :مِن في قوله(منكم) للتبعيض ومعناه أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء وليس كل الناس علماء: وقيل:لبيان الجنس،والمعنى لتكونواكلكم كذالك، قلت أي(القرطبي) القول الأول أصح.اهـ
وذكرابن كثير في تفسيره: قال الضحاك: هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة يعني المجاهدين والعلماء. اهـ
ومما يوضح ذلك، قوله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) سورة يوسف 108 قال الطبري في تفسيره (على بصيرة) بذلك، ويقين علم مني.اهـ
لذا أنصحكم بعدم تحريض العامة على الخروج، بل على تعلّم أمور دينهم، فإن أول ما نزل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، هو( إقرأ).
وقال البخاري رحمه الله باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى: ( فاعلم أنه لاإله إلا الله ) فبدأ بالعلم، وما أحسن قول القائل:
العلم يرفع بيتا لا عمود له والجهل يهدم بيت العز والشرف
ومصداق ذلك:
أنني التقيت في (ساحل العاج) بأحد الإخوة من جماعة التبليغ إثر رجوعه بأيام، من(الإجتماع) بباكستان،فسألته قائلا: هل حججت بيت الله ؟ قال لا فقلت: هل يعني ذلك أ ن تكاليف السفرإلى باكستان، لا توصلك بإذن الله إلى مكة؟ قال لا بل تكاليف الحج أقل من ذلك، فقلت :ولماذالم تبادرإلى الحج؟
فقال: لا بد من اكتساب الإيمان واليقين بالخروج والمشاركة في الإجتماع قبل الحج، ثم أضاف قائلا: كثيرا ما نرى الحجّاج يرتكبون المعاصي بعد حجّهم،.. فهذا يعني أنهم لم يكتسبوا لإيمان واليقين قبل حجهم.اهـ
أليس هذا ضلالا مبينا! أليس هذا بخطر عظيم، يا جماعة التبليغ! تُرى لو فقه هذا الرجل، لاعتقد هذا الإعتقاد؟ الجواب عند كل منصف هو لا.
والتقيت بأحدهم في (مصر) وكان في طريق عودته من (الإجتماع) بباكستان فأخذ يقول، إنه حج أكثر من مرة ولكن لم يشعر بالإيمان مثل شعوره به في الإجتماع.اهـ
فأين هذا الرجل من قول الرسول صلى الله عليه وسلم (…والحج المبرورليس له جزاء إلا الجنة) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما والترمذي والنسائي وابن ماجه في السنن وأحمد في المسند ومالك في الموطأ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأما الإستدلال بإرسال الرسول معاذا إلى اليمن، فأولاً، من هو معاذ بن جبل؟ أليس من أعلم الصحابة؟ وإن معاذا لمّا بعثه الرسول عليه الصلاة والسلام أمره أن يُعلم القوم بعد إسلامهم ،الصلوات الخمسة و……………..) وليس بالخروج كماتفعل الجماعة وارجع إن شئت إلى الحديث فاقرأه على مهل هل فيه من دليل لجماعة التبليغ؟!
وبعثَ الرسولُ مصعب بن عميررضي الله عنه إلى المدينة، قبل الهجرة فأقام فيهم مدة، يدعوهم إلى الإسلام ويعلمهم أمور دينهم ولم يأمر أحدا منهم بالخروج.
ومن أخطائهم، أنهم لا يغيرون المنكر بل ينكرون على من يغير المنكر ويعتقدون أن من الحكمة ترك مرتكب المنكر فيتأثر بالخروج معهم ويترك المنكر بنفسه، وهذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلممن رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم في صحيحه وابن ماجه في سننه وأحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهذا لفظ مسلم.
ومن أخطائهم ، تحريض عامة المسلمين على الجرعة والإقبال على الوعظ والإرشاد وهذا من الخطورة بمكان، فما أقبح الجاهل في زي العلماء.
وكل الأخطاء التي لمحتها في الجماعة، نتيجة عدم حرصهم على التعلّم مثل حرصهم على الخروج.
أيها الإخوة(جماعة التبليغ)
أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وقبول النصح، والإقتداء بهدي الرسول ونهج الصحابة في الدعوةإلى الله، كما أوصيكم بتحريض عامة المسلمين على حب العلم الشرعي وتعلّمه بديل تحريضهم على الخروج، فمن كان منكم على بصيرة، وقليل ما هم ، فاليبدأ بالأقرب فالأقرب فهم أولى بالمعروف، ثم الأبعد..
قال تعالى: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) سورة يوسف 108
وتذكّروا يارعاكم الله! قول الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام(من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقا إلى الجنة) رواه مسلم وهذا لفظه، والترمذي وأحمد من حديث أبي هريرة ورواه ابن ماجه والدارني من حديث أبي الدرداء.
وقوله صلى الله عليه وسلم : (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) رواه البخاري ومسلم ومالك في الموطإ من حديث معاوية بن أبي سفيان ورواه الترمذي وأحمد من حديث ابن عباس ورواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة.
هذا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن إريد إلا الإصلاح مااستطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
فتوى سماحة العلامة ابن باز في ( جماعة التبليغ)
سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ـ رحمه الله تعالى ـ عن جماعة التبليغ فقال:
السائل: نسمع عن جماعة التبليغ وما تقوم به من دعوة ، فهل تنصحني بالإنخراط في هذه الجماعة،وأرجو توجيهي ونصحي، وأعظم الله مثوبتكم؟
فأجاب الشيخ بقوله: كل من دعا إلى الله فهو مبلغ (بلغوا عني ولو آية) لكن جماعة التبليغ المعروفة الهندية عندهم خرافات، عندهم بعض البدع والشركيات، فلا يجوز الخروج معهم، إلاإنسان عنده علم يخرج لينكر عليهم ويعلمهم.
أما إذا خرج يتابعهم، لا. لأن عندهم خرافات وعندهم غلط، عندهم نقص في العلم، لكن إذا كان جماعة تبليغ غيرهم أهل بصيرة أهل علم يخرج معهم للدعوة إلى الله. أو إنسان عنده علم وبصيرة يخرج معهم للتبصير والإنكار والتوجيه إلى الخير وتعليمهم حتى يتركوا المذهب الباطل
ويعتنقوا مذهب أهل السنة والجماعة.اهـ