الدكتور عادل عامر
البداء عند الشيعه
المتتبع لأحوال الشيعة يرثي لما هم عليه، فهاهم مشايخهم يربونهم بالأماني، ويعدونهم بالشيء ليسكنوهم ويدخلوا عليهم السرور، تمامًا كما يعد الأب المعدم ابنه بشراء ما طلبه منه، ويبتسم في وجهه ويجفف دموعه، وهو يعلم في نفسه أن هذا لن يكون. وموضوع البداء من الموضوعات التي ضحك أئمة وعلماء الشيعة على عوامهم فيها، من خلال التأليف واختلاق القصص والأخبار والروايات عن قرب ظهور المختفين من أئمتهم الذين ينتظرونهم.
والبداء في اللغة: الظهور، كما يُقال: بدا له سور المدينة، ويأتي بمعنى العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلًا، ويُقال أيضًا: بدا له رأي؛ أي: نشأ له رأي جديد. ففي القاموس "بدا" وبَدوا, وبُدوا, وبَداءَة: ظهر، وبدا له في الأمر بَدوا وبَدَاء وبداة: نشأ له فيه رأي, فالبداء في اللغة ـ كما جاء في القاموس ـ له معنيان: الأول: الظهور والانكشاف، والثاني: نشأة الرأي الجديد، وكلا المعنيين ورد في القرآن, فمن الأول قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284]، ومن الثاني قوله سبحانه: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف: 35]. والبداء بهذين المعنيين لا تجوز نسبته إلى الله عز وجل؛ لأن البداء يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم، وكلاهما محال على الله عز وجل, لأن علمه تعالى أزلي وأبدي، لكن الشيعة ذهبوا إلى أن البداء متحقق في الله عز وجل, تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
ويعتقد الشيعة أن من مَحَاسِن الاعتقاد بالبَدَاء، أنه لو اعتقد الإنسان أن من الناس من كُتِب في السُعَداء فلن تتبدل حاله ولن يُكتب في الأشقياء، ومنهم من كُتِب في الأشقياء فلن تتبدل حاله ولن يُكتب في السُعَداء، وأنه قد جفَّ القلم بما جرى لكل إنسان، عندئذٍ لا يتوب العاصي من معصيته، بل يستمر في ما هو عليه، لاعتقاده بأن الشقاء قد كُتب عليه ولن تتغير حاله، وهذا رأي فاسد، فالتوبة معروفة عند أهل السنة، وحسن الظن بالله مدعو له ومؤكد، وأحاديث خاتمة الأعمال مشهورة، وكلها تنقض كلام الشيعة المتهالك.
والبداء من العقائد الباطلة التي ابتدعها اليهود، وافتروها في دينهم، فهم يكذبون على الله عز وجل ويقولون: إنه يبدو له الشيء فيغير ما كان قد سبق له تقديره، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، وقد استورد الشيعة هذه العقيدة بدافع الحاجة؛ إذ أن من أصوله أن الإمام يعلم الغيب، فكانت أخبار أئمتهم ترِد ببشارة قريبة، أو نصر متوقع، أو ظهور للمهدي، فيتخلف الوعد، ولا يحصل المأمول، فيعتذر الإمام بأن الله قد بدا له شيء فغير أمره، أما الإمام فقد أخبر على نحو ما كان قبل البداء. ولهذا لما توفي إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق في حياة أبيه، وقد كان أبوه عينه على أنه الإمام من بعده، نسبوا إلى أبي جعفر أنه قال: (ما بدا لله في شيء كما بدا له في ابني إسماعيل، إذ اخترمه قبلي، ليعلم أنه ليس بإمام بعدي) [الاعتقادات في دين الإمامية، ابن بابويه، ص(41)].