هل أصبح بوش متصوفا ؟
د . زكريا سليمان بيومي
د . زكريا سليمان بيومي : بتاريخ 16 - 12 - 2007
لم يكن جديداٌ أن نسمع عن اهتمام أحد السياسيين الغربيين بمتابعة احتفالات المتصوفة بمولد أحد العارفين بالله مثلما فعل فرانسيس ريتشاردونني السفير الأمريكي ، فقد سبقه إبان الاحتلال البريطاني لمصر إدوارد لين الذي داوم علي حضور مثل هذه الموالد وكتب عنها كتابه المشهور " المصريون المحدثون عاداتهم وشمائلهم " .
لكن الغريب والجديد هو إعراب الرئيس الأمريكي المؤمن جورج بوش الإبن عن إعجابه بشعر أحد أقطاب التصوف وهو جلال الدين الرومي واستشهاده ببعض من هذا الشعر في إحدى لقاءاته مع الجالية الإسلامية .
ومما يثير الدهشة والانتباه في هذا المشهد الصوفي البوشي أنه يعجب بشاعر إيراني ، فهل كان بوش علي علم بأن جلال الدين الرومي هو جد قديم ومعلم لشعب يعتبره بوش الآن من محاور الشر ؟ وهل يدري بوش أنه يجهز لضربة عسكرية تسعي لإبادة أحفاد جلال الدين الرومي الذي ينال إعجابه ؟ لعلنا نتفق مع ما كتبه الدكتور نصار عبد الله في اعتبار ذلك نكتة العام .
وقد يفرض هذا أن نراجع أنفسنا عن سر ارتباط السياسيين في الشرق والغرب بالمتصوفة ، لا التصوف ، فهذه الطرق قد نشأت واتسع نطاقها في ظل النظام الإقطاعي ، ورأي أقطاب هذا النظام في انتشارها واتساع تأثيرها ما يعينه علي الحفاظ علي مكانته ومكاسبه ، ولهذا سارع الإقطاعيون إلي العمل علي استمرارها ودعم شيوخها فبنوا لهم الأربطة والخانقاوات ومنحوهم العطايا والهبات حتى تنجح طرقهم في أن تجتذب إليها جموع الكادحين وترسخ بينهم ترك الدنيا إلي الآخرة فتحمي الإقطاع من إمكانية الثورة والسعي للتغيير من خلال الرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل .
وحتى إدوارد لين الكاتب الإنجليزي العاشق للطرق الصوفية فقد علق في كتابه أن الاستعمار الإنجليزي سيظل لفترة طويلة في مصر ما بقي هذا الفكر أو هذه القناعات سائدة وراسخة لدي عامة شعب مصر .
وقد استمر الكثير من السياسيين في استخدام المتصوفة في لعبة السياسة كأن يعلن أحد كبار الملاك انتماءه لإحدي الطرق الصوفية كالدمرداش باشا ومن بعده ابنته قوت القلوب الدمرداشية , وكذلك بعض أقطاب حزب الوفد الليبرالي التوجه .
وحتى حين تولي الثوار العسكريون السلطة في مصر واصطدموا بأصحاب الفكر الإسلامي الشمولي الحركي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين تقربوا من الصوفية معربين للشعب عن أنهم لا يعادون الدين الإسلامي بل يعادون من يريد استخدامه في الميدان السياسي ، فعيّن المشير عامر نفسه في المجلس الصوفي الأعلى ، ثم أقلع عن الفكرة وعيّن أحد أتباعه وأقربائه وهو الشيخ علوان كرئيس لهذا المجلس . ثم دمج الكثير من الطرق الصوفية في صفوف الاتحاد الاشتراكي العربي مستفيدا بشعبيتها ولكي يكونوا أداتهم في السيطرة .
ومن المؤكد أن نفس التوجه هو الذي دفع الرئيس المؤمن بوش لأن يعادي الثورة الإيرانية ويحاصرها ثم يعرب عن إعجابه بأحد شعراء أهلها المتصوفة وهو جلال الدين الرومي كما أشار عليه أحد مستشاريه لأنه كما ذكر الدكتور نصار أقل رؤساء أمريكا ثقافة .
.