بقلم : غسان الشهابي
هناك وجهتا نظر في شأن ما يخجل المرء من الحديث عنه: إما تجاهله وكأنه لم يكن ولم يحدث وليس ماثلاً للعيان، وإما مواجهته والتخلص من عقدة الخجل. في الحالة الأولى سينمو الأمر في الظلمات ويتغذى على رطوبة السراديب، وربما يغدو متوحشا إن قيض له أن يخرج إلى السطح، وما الشأن الطائفي العراقي عنا ببعيد. والخيار الآخر ينطوي على إشاعة الحقد والكراهية وتجييش المجتمع ضد بعضه بعضاً.
إلا أن موضوع بعض الأطراف السنية في البلاد بات من الصعب أن يجري تجاهله، ومن المتوجب أن تتم معالجته حتى لا يستفحل هو الآخر ويجري الحكم بدلاً من إشاعة ‘’الهوية’’ الجامعة، إلى تسديد استحقاقات الطوائف التي باتت ألعابها صبيانية كريهة، ولكن هل الإشاحة عنها هو السبيل لحلها؟
تبدو الإجابة الماثلة ‘’لا’’.
فمنذ إطلاق المشروع الإصلاحي، سادت الأطراف المتوترة من الأوساط السنية نغمة لا تنسى مفادها: لو علمنا أن الحرق والتخريب والتظاهر وتسويد وجه الحكومة والحكم في الداخل والخارج، والدعاء بالموت، والمطالبة بالتنحي، ستجعلنا مقرّبين من الحكم، وأعزاء عنده، مجابي الطلبات، لانتهجنا هذا النهج، ولم ندافع عنه ونواليه ونصطف معه في السنوات الحالكات.
يتكرر هذا الحديث في كل مفصل، وعند كل وقفة من الوقفات التي يظهر فيها الحكم السماح والتسامح، إذ يقولون - بما معناه - إذا كان العفو هو نهاية المطاف في كل مرة، فلم إذن كل هذا العناء، وإلقاء القبض، وتشغيل القضاة والمحامين، وإشغال الرأي العام المحلي والدولي، ثم تعود العجلة للدوران؟! فلا العفو نهاية المطاف، ولا هو بكاسر أعين من لديهم مطالب، كما يقولون.
وقرار العفو الأخير - الذي نأمل معه أن يجري التوقف عن الأعمال نفسها التي ما توقفت أبداً، وإعادة ترميم ما انشرخ من العلاقة بين الشعب والسلطة، وبين الشعب والشعب أيضاً، فقد انتشرت رسائل نصية وأخرى إلكترونية، لها السياق نفسه.
فأما رسائل الإنترنت والتي عنونت ‘’لأني سني لا يفرج عني’’، والتي قيل إنها انطلقت من موقع النائب محمد خالد، ففيها المطالبة بالمساواة بين أفراد الشعب وعدم التمييز بينهم (الادعاءات ذاتها على الضفة الأخرى)، وذلك بالسعي الحثيث من أجل الإفراج عن المقبوض عليهم من السنة في بعض السجون الخليجية، كما تدخلت الإرادات العليا من أجل الإفراج عن الثمانية الذين احتجزتهم السعودية في وقت سابق، وجرت اتصالات مكثفة لإخلاء سبيلهم. سرت هذه الرسالة مسرى النار في الهشيم، وأخذت تصل من أكثر من طرف، وكثرتها تقربنا من اليقين على الموافقة الضمنية لمرسليها على ما ورد فيها، ليس من ناحية المطالبة، ولكن من حيث الفكرة الرئيسية الكامنة وراءها (لأني سني لا يفرج عني)، هذه الكثرة بدت وكأنها تتحرك بعقل جمعي لم يكن ليظهر لولا سهولة الاتصال.