الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله على خاتم النبيين، وعلى أهل بيته أمهات المؤمنين، وصحبه الذين رفعوا لواء الدين وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فقد جمعني مجلس قبل أيام ضم بين حضوره بعض الرافضة والمتصوفة فدار الحديث حول المناظرة في قناة المستقلة بين أهل السنة والرافضة وتشعب، فكان مما قاله أحدهم ردا على سؤال أحد الإخوة "ما الدليل على أن عليا كان أولى بالخلافة من أبي بكر" ؟ فأجاب:
"الدليل على ذلك إجماع الأمة على أن عليا (ع) كان أعلم الصحابة بدلالة قوله صلى الله عليه وآله يوم الجحفة في العترة الطاهرة (فَإِنَّهُمْ لَا يُدْخِلُونَكُمْ فِي بَابِ ضَلَالٍ وَ لَا يُخْرِجُونَكُمْ مِنْ بَابِ هُدًى فَلَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ) وهذا نص صريح في أفضليته (ع) لتبوء هذا المنصب بدلالة استخدامه صلى الله عليه وآله (أفعل) التفضيل"
فقلت: قد اعتمدت أيها الشيخ على باطل وادعيت الإجماع زورا، وذلك أننا لا نقر بأنه رضي الله عنه كان أعلم الأمة لما ثبت عندنا من أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان أعلم الصحابة بالحلال والحرام. وأما استحقاقه الإمامة لكونه أفضل الصحابة رضوان الله عليهم فلا وجه لك فيه لأن الأمة أجمعت على جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، هذا إذا سلمنا جدلا أنه كان رضي الله عنه أفضلهم.
فقال الرافضي مقاطعا: هذا من خطل الكلام، وذلك أن الداني والقاصي يعلم أننا لا نجيز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، وإنما أجاز ذلك من الشيعة الفرقة الزيدية، فادعاءك الإجماع هو عين الزور والبهتان.
فقلت ضاحكا: عافاك الله من آفة الجهل، لقد ذهب عنك أيها الشيخ مقالة أئمتك في هذا الشأن لعدولك عن العناية بأقوالهم، ولو كنت ممن صرف همته في تتبع أقوالهم وكتاباتهم ما وقفت هذا الموقف ولا أبنت عن جهلك فيما لا علم لك فيه. فأخبرني عن قول القائل: زيد أعلم من عمرو، أليس فيه تفضيل زيد على عمرو؟
قال الرافضي: بلى
قلت: فأخبرني الآن بعد أن أخذنا رهنك على ذلك، أيهما أعلم عندكم معشر الشيعة، عليٌ بن الحسين أم جعفر بن محمد؟
قال: الرافضي: الأئمة (ع) في العلم سواء.
قلت: قد كذّبت إذن إمامك أبا عبد الله الذي رويتم عنه قوله: "كلنا نجري في الطاعة والأمر مجرى واحد وبعضنا أعلم من بعض" (1) أليس قوله (أعلم) على وزن (أفعل) من صيغ التفضيل؟
قال الرافضي: أنت تعلم أن الروايات تتفاوت في الصحة والضعف وليس يحضرني قول العلماء في صحة هذه الرواية.
قلت: سبحان الله أقول لك قال أبو عبد الله وتقول لا يحضرك قول علماؤكم في صحة الرواية؟ ألستم تزعمون أن كل ما ورد عن الباقر والصادق صحيح؟
قال الرافضي متهكما: هيهات، فليس في الشيعة من يجزم بصحة أي كتاب خلا كتاب الله كما جزمتم بصحة البخاري ومسلم حتى قال قائلكم لو أن رجلا حلف بالطلاق على امرأته أن كل ما في البخاري صحيح ما حنث ولم يلزمه الطلاق، فهات غيرها.
قلت: قد فضحت نفسك أيها الشيخ أمام الملأ وأبنت عن إفلاسك، وادعاءك أنه لا صحيح عندكم غير كتاب الله تعالى مردود من رواياتكم من وجوهٍ عدة، منها:
ما أخرجه الكليني في الأصول أن أحدهم سأل أبا جعفر الثاني "جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ مَشَايِخَنَا رَوَوْا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) وَ كَانَتِ التَّقِيَّةُ شَدِيدَةً فَكَتَمُوا كُتُبَهُمْ وَلَمْ تُرْوَ عَنْهُمْ فَلَمَّا مَاتُوا صَارَتِ الْكُتُبُ إِلَيْنَا فَقَالَ حَدِّثُوا بِهَا فَإِنَّهَا حَقٌّ." (2)
ومنها ما رويتم عن أبي عبد الله أنه قال: "من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيء ولا يعلم من أسبابنا شيئا، وهو أبجد الشيعة وهو سرٌ من أسرار آل محمد عليهم السلام" (3) والكلام في توثيق أئمتكم وعلماؤكم لكل حرف فيه يطول.
وأما استثناؤك كتاب الله تعالى فأحسن ما يقال فيه أنه خرج منك مخرج التقية إذ أن الإيمان بنقصانه وتحريفه من ضروريات المذهب كما روى أكابر علماؤكم في هذا الشأن، والشواهد على ذلك من كتابَي الكافي وكتاب سليم أكثر من أن تحصى عدا.
ولكن أخبرني والحاضرين عن كافي الكليني، أيخلو أن يكون كله صحيحا أو كله ضعيفا أو أن يكون فيه الصحيح والضعيف؟
قال الرافضي: بل فيه الصحيح والضعيف.
قلت: فأخبرني الآن، لو أن أحدكم جمع كل الروايات المجمع على صحتها عندكم من كتاب الكافي فوضعها في كتاب واحد، أيخلو هذا الكتاب من أن يكون كله صحيحا أو كله ضعيفا أو أن يكون فيه الصحيح والضعيف؟
قال الرافضي: بل يكون كله صحيحا.
قلت: فإذا كان إجماعكم على أن كل ما في هذا الكتاب صحيح ثم حلف رجل على امرأته بالطلاق أن كل ما في هذا الكتاب صحيح، أيكون حانثا يلزمه الطلاق؟
قال الرافضي وقد أيقن وقوعه في الفخ: لا يلزمه.
قلت: فما أنكرتم علينا إطلاق الصحيح على ما روي في البخاري ومسلم؟
فانقطع الرافضي ولم يحر جوابا.
قلت: فلنرجع إلى أصل النقاش فأسألك، من أفضل عند الله وعندكم قدرا الأئمة أم أتباعهم؟
قال الرافضي: لا شك أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل وسؤالك هذا ضرب من العبث، كما لو سألتك من أفضل عندكم رسول الله صلى الله عليه وآله أم أبو بكر.
قلت: ليس هذا يشبه ذاك لفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة، ولكن أخبرني، لو أن مهديكم ظهر الآن فمن يتولى رئاسة دولتكم هو أم الخامنئي؟
أجاب الرافضي بسأم: من البدهي أن الإمامة والرئاسة تكون للقائم أرواحنا فداه.
قلت: فإذا وجدتم من هو أفضل منه هل تعدلون بها عنه؟
قال الرافضي: أفصح عن مرادك من غير إطالة.
قلت: أنتم تنكرون إمامة المفضول مع وجود الأفضل وتوجبونها لأئمتكم مع أنكم تقرون بوجود من هم أفضل منهم.
قال الرافضي مسارعا: ومن عساهم يكونون؟
قلت: قد أخرج الكليني في أصوله أنكم معاشر الشيعة أفضل من الأئمة كونكم أصبر منهم على الأذى حيث نسب إلى أبي عبد الله عمن سأله قوله: "إِنَّا صُبُرٌ وَ شِيعَتُنَا أَصْبَرُ مِنَّا قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ كَيْفَ صَارَ شِيعَتُكُمْ أَصْبَرَ مِنْكُمْ قَالَ لِأَنَّا نَصْبِرُ عَلَى مَا نَعْلَمُ وَشِيعَتُنَا يَصْبِرُونَ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ." (4) فثبت بقوله (أصبر) بصيغة التفضيل (أفعل) أن الشيعة أفضل من الأئمة ومع هذا جوزتم إمامة المفضول مع وجود الأفضل.
فانقطع الرافضي ولم يأت بشيء تجب حكايته.
ثم إن الحديث تشعب ودار حول تكفير العلماء لأهل الرفض وحمي الجدل، فانبرى أحد المتصوفة ليلطف النقاش فقال: يا أخي نحن دعاة لا قضاة وقد ثبت عن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من قال لأخيه المسلم يا كافر فقد باء بها أحدهما" فلا يجوز تكفير من نطق بالشهادتين.
فقلت: قد حججت نفسك باستدلالك الواهي هذا، وذلك أن الرافضة شب صغيرهم وشاب كبيرهم على لعن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستفاضت الروايات عن أئمتهم بضلالهم وكفرهم بل وتكفير أمهات المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما، فهل بعد هذا من كفر؟ دع عنك هذا وأخبرني: أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على ثنتان وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" ؟
قال الصوفي: بلى
قلت: فلا يخلو إذن أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم باطلا في نجاة فرقة واحدة أو يكون قولك حقا في نجاة أكثر من طائفة، فاختر ما يحلو لك.
فما زاد الصوفي على قوله "معاذ الله".
نسأل الله تعالى الثبات على الحق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
_______
(1) رواه المفيد في الاختصاص ص 22، والصفار في البصائر الباب السابع، الجزء العاشر
(2) الكافي الجزء 1، بَابُ رِوَايَةِ الْكُتُبِ وَ الْحَدِيثِ وَ فَضْلِ الْكِتَابَةِ وَ التَّمَسُّكِ بِالْكُتُبِ، ص 53، رواية 15 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ شَيْنُولَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي ( عليه السلام ) جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ مَشَايِخَنَا ... الرواية.
(3) كتاب سليم بن قيس الهلالي، تحقيق محمد باقر الأنصاري الزنجاني، مفتتح الكتاب.
(4) الكافي جزء 2 ص 93، الرواية 25 " أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ إِنَّا صُبُرٌ وَ شِيعَتُنَا أَصْبَرُ مِنَّا..." الرواية