العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتـــــــــديات العـــــــــــامـــة > الــــحــــــــــــوار العــــــــــــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-09-08, 04:48 AM   رقم المشاركة : 1
معتمد
عضو ينتظر التفعيل





معتمد غير متصل

معتمد is on a distinguished road


البابا الذي لم يفهم منزلة العقل والعلم في الإسلام

البابا الذي لم يفهم منزلة العقل والعلم في الإسلام (7 من 13)


بقلم: أد يحيي هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
[email protected]



أما عن الجانب العقلي في الإسلام فنرجو للبانديكت وأتباعه أن يعلم مبدئيا أنه في النظرة الإسلامية الكلية يظهر العقل في الكون في بداياته كدرجة عليا من درجات الوعي ..
إن علماء الحيوان المحدثين منذ دارون أخذوا يقررون أن أي اختلاف في المجالات والقدرات الذهنية والانفعالية ، بل والجمالية ، بين الإنسان والحيوانات الأخرى هو اختلاف في الدرجة ، وليس اختلافا في النوع ، وفي هذا يقول الدكتور نورمان بريل على سبيل المثال ،وهو أستاذ لعلم الحيوان ، [1]: ( ما شأن التفكير ؟ إنه لا يخصنا وحدنا .. وإن كنا وصلنا به إلى مستويات أعلى ) .
في النظرة الإسلامية نجد أن جميع المخلوقات تتلقى أوامر من الله تعالى
كن فيكون
ائتيا طوعا أوكرها
ياأرض ابلعي ماءك
وياسماء أقلعي
وأوحى ربك إلى النحل
فإذا لم نشأ أن نجعل ما ورد من ذلك نوعا من المجاز أو التشبيه – وما من ضرورة تدعو لذلك – فإننا يمكن أن نقول : – بما يتفق مع النظرة الإسلامية – إن الوعي هو الصفة الجوهرية للمخلوقات جميعا من أدناها إلى أعلاها ، وأنه درجات مختلفة متصاعدة من الجماد إلى الإنسان ، وعلى درجات هذا السلم المتصاعد يدخل الوعي في أطوار : الانقياد المحض ، ثم الإحساس ، ثم النزوع ، ثم الوجدان ، ثم الذاكرة ، ثم الذكاء ، ثم الإرادة ، فهي جميعا ليست إلا درجات من هذا الوعي المتصاعد ..ولكل مخلوق درجة من الوعي تناسب وظيفته في الوجود ، فبحسب هذه الوظيفة يعطيه الله درجة من الوعي يتلقى بها أوامر الله للقيام بوظيفته .

وتتحدد درجة الإنسان في هذا السلم بتحديد وظيفته : العبادة والخلافة التي تعني إقامة الحضارة [2]، وبما أعطى الله الإنسان من حرية الاختيار فإنه يتميز في وظيفته تلك بأنه ممتحن إزاء أوامر الله بالطاعة أو المعصية ، من هنا كان لابد من أن يصعد في سلم الوعي إلى قمته في الذكاء والإرادة .
ومن هنا نقول : عن وظيفة العقل في الإنسان - من وجهة النظر الإسلامية - ليست هي وظيفة الحاكم على ما يأتيه من الله ، ولا وظيفة الكاشف في كل ما كان شأنه من الغيبيات ، ولكنه في هذه الدائرة : وظيفة المتلقي من الله .
وفي هذا النطاق أيضا ليس من المتصور في النظرة الإسلامية أن يتلقى العقل أمورا مناقضة له ، أو متناقضة في نظره ، كلا فليس في الإسلام ما يناقض العقل ، لا لأن العقل حاكم ، ولكن لأن الإسلام جاء من أجل الإنسان ، فهو من هنا يراعي " تلقي" العقل لما يلقى إليه " طبقا لقوله تعالى : { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلّا ما آتاها } 7 الطلاق ، وكما أنه ليس في الإسلام تكليف جسدي فوق طاقة الجسد ، أو تكليف وجداني فوق طاقة الوجدان فكذلك ليس فيه خطاب للعقل مناقض للعقل ، أي ينغلق دونه فلا يتلقاه .
وهناك فرق بين أن يكون الشيء متناقضا أو مناقضا للعقل كالقول بأن مجموع الثلاثة واحدا – فهذا هو المحظور في الإسلام - وبين أن يكون فوق العقل ، وهذا مالا مفر منه كآلية حدوث البعث " كما بدأكم تعودون " ضرورة أنه { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي وَما أوتيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلّا قَليلاً }85 الإسراء .
وهذا ما يوفر للمسلم التوافق بين عقيدته وعقله .. وهو ما يقصد على وجه الدقة بأن الإسلام دين العقل .
ولنا أن نشير هنا إلى أن هذا يوفر التوازن والتوافق والتكامل بين الجانب العقلي والجوانب الأخرى من جوانب الشخصية .
أما عن خضوع الذات الإلهية لحكم العقل البشري فهو مرفوض عقلا ونقلا ، وكيف يحكم المخلوق على الخالق ؟ ولحساب من تجاهل البانديكت " نقد العقل الخالص " في الفلسفة اليونانية القديمة وبخاصة عند السوفسطائية ، وفي الفلسفة الإسلامية وبخاصة في " المنقذ من الضلال " للغزالي ، وفي الفلسفة الحديثة وبخاصة عند "بلدياته " عمانويل كانت ؟
ولكن ذلك لا يعني أنه سبحانه وتعالى غير متوافق مع منطق الحكمة السليمة ضرورة أنه سبحانه متصف بالكمال المطلق ومن ذلك اتصافه بالحكمة المطلقة وهو موضع اتفاق بين الفرق الإسلامية جميعا عقلا أونقلا .

وهنا نجد العقل البشري في موضعه الصحيح في بناء الشخصية الإنسانية وفقا للنظرة التكاملية المتوازنة ، هنا نجد الإسلام يخاطب الشخصية الإنسانية في تكامل جوانبها جميعا ، الفطرية والوجدانية والعقلية وليس من شك في أن النزعة العقلية قوة أصيلة في الإنسان ، وركيزة هامة في بناء شخصيته ، ومن ثم لا تقبل الشخصية الإنسانية قمع هذه النزعة وإهدارها باسم الوجدان ، أو باسم غيره من قوى الشخصية ، فإذا حدثت محاولة لذلك وقعت الشخصية في اضطراب ، ليس ذلك لاختفاء قوة من هذه القوى الضرورية فحسب ، ولكن لأن القوة المتحيف عليها لا تنتهي ، ولكن تتحفز للصراع ، وتتواثب للغلبة ، وبذا تتحلل هذه القوى ، وتضل من هنا شخصية الإنسان ، ينطبق ذلك على النزعة الوجدانية وكافة الجوانب الأخرى كما ينطبق على النزعة العقلية .

ومن هنا اختص الإسلام نفسه بالعقلاء الذين يستعملون عقولهم : {كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّروا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أولو الْأَلْبابِ } 29 ص [28] { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ في ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فيهِ سَواءٌ تَخافونَهُمْ كَخيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلونَ } 28 الزمر ، { وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلّا الْعالِمونَ } 43 العنكبوت ، { وَمِنَ النّاسِ والدَّوابِّ والْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذَلِكَ إِنَّما يَخْشى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ غَفورٌ } 28 فاطر ، { إِنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذينَ لا يَعْقِلونَ } 22 الأنفال .

على أساس هذا المنهج نرصد تاريخيا نشاط العقل الإنساني في تفهم العقيدة الإسلامية ، كما نرصده في استنباط أصول الفقه والأحكام الشرعية ، كما نرصد هذا النشاط في التقائه بالفلسفة القديمة والوسيطة والحديثة مستصحبا رداء الإسلام السابغ ، ومتسلحا ببعض أسلحتها عندما يحتدم الجدال ، كما نرصد نشاطه في وضع مناهج البحث وقواعد التجربة على مستوى النمو الحضاري ، وقد كان له في كل ذلك أن يجتهد ما شاء له الاجتهاد فيما يعرض له من أمور تحتاج إلى الفهم ، ولم يكن من حقه ولا في قدرته أن يستقل في حركته تلك بعيدا عن النطاق المتكامل للشخصية وفق التصور الإسلامي ، وإنما كان عليه أن يهتدي فيها بهدي الله ، حيث في النهاية تقود الإرادة مسيرة الشخصية السوية إلى ساحة التسليم لله.

ومن هنا كان لابد للعقل في التصور الإسلامي للشخصية : أن يفسح له مجالات النشاط كضرورة تحتمها طبيعته ، لكنه في نفس الوقت : على العقل أن "يعقل" مداه وطاقته ، فيقوم نشاطه – في مجال العقيدة الدينية – على أساس مبدأين : - لا مطعن للعقل فيهما – أولهما : أنه ليس من حق هذا العقل أن يرفض أصلا من أصول الدين يدخل في دائرة الإمكان الذهني [3] ، وثانيهما : ألا يتخذ هذا العقل شيئا مما يصل إليه باجتهاده أصلا من أصول الدين ، وإنما يتناوله – إذا أراد – على سبيل المباحثة والاختبار .

لا نجد في تاريخ الإنسانية كلها دافعا لاستخدام العقل في مجال العلم والتعلم أقوى مما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في فرش طريق العلم بأحلى الأزاهير والورود في قوله صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم ، وإن العالِم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ) رواه أبو داود والترمذي .
كما نرصد تاريخيا نشاط العقل الإنساني في نطاق المنهج العلمي التجريبي
إن الأمر الذي لا شك فيه أن تحصيل العلم بعامة منهج يقره الإسلام ويدعو إليه ويحرض عليه
فالعلم بوجه خاص كان وما يزال من أعظم القيم التي اهتم بها الإسلام ، ويكفي في هذا المقام أن نشير إلى أنه تداخل في أصل الرسالة وبدايتها في أول ما نزل من القرآن الكريم ، وهو في الوقت نفسه وسيلة جوهرية للوصول إلى معرفة الله وخشيته ، يقول تعالى : { إِنَّما يَخْشى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ غَفورٌ } 28 فاطر
ويقول عليه الصلاة والسلام : ( من علم علما فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما . قال الترمذي : حديث حسن ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا ، فكانت منها بقعة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها بقعة أمسكت الماء فنفع الله بها الناس ، فشربوا منها وسقوا وزرعوا ، وكانت منها قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ) متفق عليه ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن ، ويقول صلى الله عليه وسلم ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي ) أخرجه الترمذي ، وقال : حسن صحيح
وهل نجد في تاريخ الإنسانية كلها بيانا أقوى مما جاء في القرآن في قفل باب الجهل ، أو تحريمه بالأحرى في قوله تعالى { وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ والْبَصَرَ والْفؤادَ كُلُّ أولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤولاً } 36 الإسراء
ويكفي أن نعرف أن التعليم كان هدفا ساميا وقيمة عليا منذ قيام المجتمع الإسلامي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ كان يقدم كفداء من الأسر ، وكمهر في الزواج .
ثم انظر إلى العلم وهو يتسنم قمة المجتمع في هذه الحياة الدنيا ، إذ يحكي سالم بن الجعد فيقول : ( اشتراني مولاي بثلاثمائة درهم ، وأعتقني ، فقلت : بأي شيء أحترف ؟ فاحترفت العلم ، فما تمت لي سنة حتى استأذنني أمير المدينة زائرا فلم آذن له )

يتأكد ذلك ببيان نظرة الإسلام إلى أنواع العلوم الأخرى وكيف أنها ترعرعت تاريخيا في ظله ، وأنه يرعاها ، ويوصي بها ، ويعمل على تطويرها .
إنه لا يختص العلم المطلوب في الإسلام بالعلم الديني وإنما يمتد إلى العلم بمظاهر الكون وحقائقه يقول تعالى : {الرَّحْمَنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ ، خَلَقَ الْأِنْسانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ ، الشَّمْسُ والْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ، والنَّجْمُ والشَّجَرُ يَسْجُدانِ ، والسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْميزانَ ، أَلّا تَطْغَوْا في الْميزانِ ، وَأَقيموا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِروا الْميزانَ ، والْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ ، فيها فاكِهَةٌ والنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ ، والْحَبُّ ذو الْعَصْفِ والرَّيْحانُ } 1-12 الرحمن
فما هو العلم الذي لم يحصل التصريح به أو الإشارة إليه في هذه الآيات ؟ علم القرآن ؟ علم اللغة ؟ علوم التعبير بشتى فنونها ؟ علم الفلك ؟ علم النبات ؟ علم طبقات الأرض ؟ علم الحياة ؟ علم الكيمياء ؟ علم الرياضة ؟ علم الاقتصاد ؟علم الميزان والعدل ؟
ألست تجد في هذه الآيات الموجزة ذلك كله ، وفي غيرها من الآيات مما يضيق المقام عن ذكره جميعا ؟
وإذا كانت بعض هذه العلوم قد جاءت بعض مسائلها وأحكامها في القرآن الكريم والسنة المطهرة فيكون الطريق إلى العلم بها هو الوحي ..فإنه لا جدال في أننا نجد الكثير من هذه العلوم لم يأت من مسائلها التفصيلية شيء في القرآن الكريم أو السنة ، وأن الطريق إليها يكون التجريب تارة والتأمل تارة أخرى ، ويدعو إليه القرآن الكريم بربطه مع التفكر في آيات الله . أنظر إلى قوله تعالى : { إِنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والْأَرْضِ واخْتِلافِ الْلَيْلِ والنَّهارِ والْفُلْكِ الَّتي تَجْري في الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَتَصْريفِ الرّياحِ والسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ والْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلونَ } 164 البقرة ، وقوله سبحانه وتعالى : { فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسانُ إِلى طَعامِهِ ، أَنّا صَبَبْنا الْماءَ صَبّاً ، ثُمَّ شَقَقْنا الْأَرْضَ شَقّاً ، فَأَنْبَتْنا فيها حَبّاً ، وَعِنَباً وَقَضْباً ، وَزَيْتوناً وَنَخْلاً ، وَحَدائِقَ غُلْباً ، وَفاكِهَةً وَأَبّاً ، مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ } 24 – 32 عبس ، ثم انظر بعد ذلك إلى قوله تعالى : { قُلْ سيروا في الْأَرْضِ فانْظُروا كَيْفَ بَدأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ } 20 العنكبوت ،
وهذا ما يدعو إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث تأبير النخل – وهو مسألة تجريبية تقنية – فيما جاء بصحيح مسلم بسنده عن رافع بن خديج قال : ( قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يؤبرون النخل ، - يقولون يلقحون النخل - ، فقال : ما تصنعون ؟ قالوا : كنا نصنعه ، قال : لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا ، فتركوه ، فنفضت أو فنقصت ، قال فذكروا ذلك له فقال إنما أنا بشر ، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر . قال عكرمة : أو نحو هذا – قال المعقري فنفضت ولم يشك - أنتم أعلم بشئون دنياكم ) ،أحمد بن جعفر المعقري) هو بفتح الميم وإسكان العين المهملة وبكسر القاف منسوب إلىمعقر وهي ناحية من اليمن.
وهكذا جمع الإسلام في مفهومه بين مصدرين للعلم : الوحي ، والتجربة .
وإذا كان الحد الأدنى من علوم الدين فرض عين على كل مسلم ومسلمة ، فإن الأخذ بشتى العلوم وتخصصَ البعض في فرع من فروعه يصبح فرض كفاية في ذمة الجماعة ، إذا أداه بعضهم سقط عن الباقين . يقول الإمام أبو حامد الغزالي : ( فلا يتعجب من قولنا إن الطب والحساب من فروض الكفايات ، فإن أصول الصناعات أيضا من فروض الكفايات ، كالفلاحة والحياكة ، والسياسة ، والحجامة ، فلو أن بلدا خلا من الحجَّام [ وهو يمثل الجراح في العصر الحديث مع فارق التقدم العلمي بالطبع ] تسارع الهلاك إليه ، … فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء ، وأرشد إلى استعماله ، وأعد الأسباب لتعاطيه ، فلا يجوز التعرض له بإهماله . ) [4]
وقد غفل المسلمون في العصر الحديث عن الحكم الشرعي لعلوم كثيرة ، وضعوها في أطر مستحدثة لا تُشعر بصلتها بواجباتهم الشرعية الأصيلة فيها ، ولو أنهم استفتحوها بكلمة " فقه " مثلا لزرعت فورا في أرضها الخصبة لتنتج ما نصبو إليه منها دون تردد أو تخبط أو تعثر أو إبطاء : مثل : علوم ( فقه ) التخطيط والإدارة والسياسة ، ومثل تكنولجيا الأقمار الصناعية وهندسة المدن ، والكيمياء الحيوية ، والهندسة الوراثية ، والطب ، والإعلام ، والعلوم النووية ، والمفاعلات الذرية ، والطيران ، وصناعة السيارات ، والسفن وعلوم الفضاء .. إن التفريط في هذه العلوم يلحق بالمجتمع كله وصمة المعصية ، ويعرضه لخطر الدنيا والآخرة .
إن المجتمع الذي يسقط ذلك يكون قد أسقط فرضا من الفرائض ، أو واجبا من الواجبات ، أو عبادة من العبادات التي تلزمه بحكم الشرع ..
هكذا جاءت أحكام الإسلام بخصوص العلم في القرآن والسنة .

*****
وهكذا سار المجتمع الإسلامي في طريق العلم ، الطريق الذي يرتبط فيه العلم بالعمل فيثمر التجربة ، والذي يرتبط فيه العلم بالدين فيثمر الإيمان .
ومن هنا قدمت الحضارة الإسلامية شموس العلم التجريبي على المستوى الإنساني من أمثال :
الكندي : الذي يقول فيه كوردان – وهو فيلسوف من فلاسفة النهضة الأوربية يعد الكندي واحدا من اثني عشر، هم أنفذ الناس عقلا ، وأنه كان في القرون الوسطى واحدا من ثمانية هم أئمة العلوم الفلكية ).
ابن الهيثم : الذي يقول عنه جورج سارتون في كتابه تاريخ العلم : ( إنه من أكبر الباحثين في علم البصريات ) .
البيروني : وهو الذي يقول عنه المستشرق سخاو : ( إنه أكبر عقلية في التاريخ ، ومن كبار علماء الفلك ) ، ويقول عنه المرحوم الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام ( هو من أعلام العلماء في تاريخ الإنسانية كلها ) .
ابن النفيس : الذي سلبه الغرب حق اكتشاف الدورة الدموية ونسبها كذبا وتزييفا إلى هارفي ، متناسيا ما قام به ابن النفيس من تجارب وملاحظات واختبارات وصل على أساس منها إلى اكتشاف الدورة الدموية قبل هارفي بعدة قرون .
ابن يونس : الذي يقول عنه الدكتور عبد الحليم منتصر في كتابه " العلوم عند العرب " : ( لقد رصد ابن يونس كسوف الشمس وخسوف القمر في القاهرة ، وقد وصف في زيجه الحاكمي الطريقة التي اتبعها فلكيو العرب في عصر المأمون في قياس محيط الأرض ، وهو الذي اخترع البندول ، وبذلك يكون قد سبق جاليليو بعدة قرون ، وقد برع ابن يونس في حساب المثلثات وأجاد فيها ، وفاقت بحوثه بحوث كثير من الرياضيين ، وحل مسائل صعبة في المثلثات الكروية ، واستعان في حلها بالمسقط العمودي للكرة السماوية على كل من المستوى الأفقي ، ومستوى الزوال ، وابتدع قوانين ومعادلات كان لها قيمة كبرى قبل اكتشاف اللوغارتمات )
ابن ماجد : الربان الشهير أحمد بن ماجد السعدي شهاب الدين النجدي ، ربان سفينة فاسكو داجاما في رحلتها التاريخية إلى بحر الهند من طريق رأس الرجاء الصالح ، وكانت مصنفاته في علم البحار المصدر الأساسي لمصنف مشهور في الجغرافيا الملاحية لأمير البحر التركي سيد علي ريس ، وقد ذكر في مقدمة كتابه عددا من مصنفات سابقِهِ ابن ماجد ، وقد ذكر ابن ماجد في مصنف منها أن له تجربة أربعين عاما في الملاحة ، مما جعل المستشرق " فيران " الذي اكتشف بعض مخطوطاته في خزانة مخطوطات ( الناسيونال بباريس ) يفترض أنه ولد في العقد الثالث من القرن الخامس عشر ، وقد أفسح كراتشوفسكي في كتابه (تاريخ الأدب الجغرافي العربي ) ترجمة مبسوطة لأحمد بن ماجد تبين أنه كان ينحدر من أسرة اشتغل أفرادها بقيادة السفن ، ، ويذكر " سر رتشارد برتون ( أن ملاحي عدن كانوا إلى منتصف القرن التاسع عشر ينسبون اختراع البوصلة إلى ولي يدعى الشيخ ماجد ويقرءون الفاتحة على روحه قبل ركوبهم البحر ) - أنظر إلى الحس الديني المرتبط بالعلم - وآثار ابن ماجد كثيرة – تأخر الكشف عن أصولها العربية إلى أوائل العِقد الثاني من القرن العشرين – بلغت أربعين مصنفا ومعظمها منظومات ، أما كتابه ( الفوائد في أصول علم البحر والقواعد ) فقد رأى فيه المستشرق الفرنسي جابرييل فيران الذي نشره في طبعة موثقة محققة متقنة مع حواش وتعليقات علمية أثرا يدعو إلى الإعجاب واعتبره ذروة التأليف الفلكي الملاحي في عصره . [5]

( إن الإسلام بدعوته إلى العلم هو الذي خرج للإنسانية – كما يقول الإمام الأكبرالأستاذ الدكتور عبد الحليم محمود - رجال الحضارة وجهابذة العلم وأساتذة الدنيا وعمالقة العلماء أمثال : ابن الهيثم ، والكندي ، والفارابي، وابن سينا ن والبيروني ، والزهراوي والخوارزمي وابن البيطار ، وابن حيان ، والإدريسي ، والمسعودي ، وابن بطوطة ، وابن زهرة ، هؤلاء الأعلام وغيرهم كثير في كل فن هم ثمرة الدعوة الإسلامية التي بلغت في الإشادة بالعلم الذروة ) [6]

آباء المنهج التجريبي :
إذا كانت الحضارة الأوربية المعاصرة قد قامت بكل ما فيها من صناعة في الطبيعة ، ومن اكتشافات في الكيمياء ، ومن قوانين فلكية ، ومن اختراعات في جميع المجالات المادية والحسية على أساس من المنهج العلمي التجريبي .....
وإذا كان هذا المنهج في المشهور المتعارف يدين بوجوده إلى الفيلسوف الإنجليزي : فرنسيس بيكون ولكنه عند الدارسين لتاريخ الفكر الأوربي [7] يدين لسلفه الأسبق : روجر بيكون أكثر مما يدين لغيره ....
فإن روجر بيكون – على خلاف كثير من مواطنيه – يعترف في صراحة لا لبس فيها وفي وضوح لا شائبة فيه أنه مدين في منهجه للعرب وللحضارة العربية .
وهذه الحقيقة التي حاول الغربيون جاهدين أن ينكروها يعلنها الآن بعض المنصفين منهم
فها هو الأستاذ بريفولت يتحدث في كتابه " بناء الإنسانية " عن أصول الحضارة الأوربية فيقول : ( إن روجر بيكون درس اللغة العربية والعلوم العربية في مدرسة أكسفورد على خلفاء معلميه في الأندلس ، ولم يكن لروجر بيكون ولا لسميه الذي جاء بعده الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي ، فلم يكن روجر بيكون إلا رسولا من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوربا المسيحية ، وهو لم يمل قط من التصريح بأن تعلم معاصريه اللغة العربية وعلوم العرب هو الطريق الوحيد للمعرفة الحقة ، والمناقشات التي دارت حول واضعي المنهج التجريبي هي طرف من التحريف الهائل لأصول هذه الحضارة ، ) ويقول بريفولت أيضا ( لقد كان العلم أهم ما جاءت به الحضارة العربية إلى العالم الحديث ، ولكن ثماره كانت بطيئة النضج : إن العبقرية التي ولدتها ثقافة العرب في أسبانيا لم تنهض في عنفوانها إلا بعد مضي وقت طويل على اختفاء تلك الحضارة وراء سحب لظلام ) ثم يقول ( إن ما ندعوه العلم قد ظهر في أوربا نتيجة لروح من البحث جديدة ، ولطرق من الاستقصاء لطرق التجربة والملاحظة والمقاييس ، ولتطور الرياضيات إلى صورة لم يعرفها اليونان ، وهذه الروح وتلك المناهج العلمية أدخلها العرب إلى العالم الأوربي )
ويقول المؤرخ الأوربي " اجناسيو أولا غويه " في كتابه " العرب لم يستعمروا أسبانيا " ( لقد ولد الغرب المعاصر من أسبانيا ألفونسو العاشر ومن صقلية فردريك الثاني ، وهما المعجبان بالحضارة الإسلامية المتحمسان لها ، تلك التي كانت كأنها قابلة أو أم مرضع للحضارة الغربية ) [8]
وتقول المستشرقة الألمانية زيجفريد هونكة ( إن المسلمين عندما اتصلوا بالتراث الحضاري للأمم السابقة فإنهم أحاطوا بقلوبهم حتى المؤلفات الفنية الدقيقة في الهندسة، والميكا************ا ، والطب ، والفلك ، والفلسفة ) ثم تقول ( إن العرب لم ينقذوا الحضارة الإغريقية من الزوال ثم نظموها ورتبوها وأهدوها إلى الغرب فحسب ، إنهم مؤسسو الطرق التجريبية في الكيمياء والطبيعة والحساب ، والجبر ، والجيولوجيا وحساب المثلثات وعلم الاجتماع ، لقد قدم العرب أثمن هدية : وهي طريقة البحث العلمي الصحيح التي مهدت أمام الغرب طريقه لمعرفة أسرار الطبيعة وتسلطه عليها اليوم ) [9]
*****
إن الحضارة الإسلامية لم يقتصر دورها على مجرد رعاية الفكر الإنساني السابق عليها وتقديمه للحضارة الأوربية ، ولكنها تعدت ذلك إلى وضع المنهج العلمي التجريبي الذي يربط بين العلم والعمل ، ذلك المنهج الذي احتقره الإغريق ، واحتقرته أوربا في العصور الوسيطة ، يقول فيليب فرانك في كتابه " فلسفة العلم " : ( كانت العادات الاجتماعية – أي عند الإغريق لا تشجع على الاتصال بين نمطي المعرفة –أي النظري والعملي – وإذا حاول إنسان ذو مكانة اجتماعية أن يطبق الفلسفة أو العلم على إحدى المشاكل التقنية فإنه كان يواجه بنقد مرير ، وقد كان الاختبار العملي للمبادئ العامة يتطلب عملا يدويا ، وكان العمل اليدوي في نظر اليونانيين القدامى شيئا يلائم العبيد ولا يليق بالرجال الأحرار ) ، ثم يقول ( لقد وجه أفلاطون نقدا شديدا إلى العلماء الذين عززوا نظريات الميكا************ا البحتة ، أو الرياضيات البحتة ، وكما يقول بلوتارك : لقد عيرهم أفلاطون ، لأنهم أفسدوا الهندسة ، وجعلوها تهبط من شيء عقلاني غير مادي إلى شيء مادي محسوس ، كان عليهم أن يستخدموا المادة وهي تحتاج إلى كثير من العمل اليدوي ، وهي موضوع العمل الحقير ) [10]
ولم يقتصر الأمر في نهضة العلم التجريبي على شروط التخلص من الفلسفة الأفلاطونية اليونانية ومواريث العادات الاجتماعية الإغريقية ، وإنما اقتضى كذلك التحرر من قميص المنطق الأرسطي المهلهل ، وكل ذلك إنما تم على يد البعث التجريبي في الحضارة الإسلامية ، فهاهو ربان سفينة " فاسكو داجاما " أحمد بن ماجد شهاب الدين النجدي الذي قاد السفينة في رحلتها التاريخية إلى بحر الهند من طريق رأس الرجاء الصالح والذي تذكره المصادر البرتغالية باسم " ماليمو كانانا " يقول عن أصالة التجريب في كتابه " الفوائد في أصول علم البحر والقواعد " : ( إن التجريب شيء ما بعده شيء ) ، ثم يحذر ربابنة البحار من استهواء المنطق ، فيما أدلته التجربة قائلا ( فإن أكثر الخطأ في كثرة المنطق ، خصوصا في هذه الصنعة ، وخطؤها في المنطق أكثر من خطئها في العلم .. وأصل علم البحر الفن والتجريب ) [11]
وعلينا هنا أن نتذكر أن العلماء الكبار الذين طبقوا العلم على العمل في الحضارة الأوربية القديمة إنما فعلوا ذلك على جناح طير غارب ، وقد كانوا من غير اليونان من مثل : أبقراط الذي كان من آسيا الصغرى ، وأرخميدس الذي كان من صقلية ، وإقليدس وبطليموس اللذين كانا من الإسكندرية ، أما أرسطو فكما يقول عنه الفيلسوف الفرنسي الشهير روجيه جارودي : ( كان قد اهتم بالفيزياء وعلوم الطبيعة حبا في تصنيف العلوم ، وليس سعيا وراء التجديد أو تسخير الاكتشاف للتطبيق )[12]
في هذا الوقت أو بعده بقليل كان السلف من المسلمين يقررون أن ( العلم يهتف بالعمل ، فإن أجاب حل ، وإلا ارتحل ) وكانوا يستعيذون مما استعاذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( قال : كان رسول الله يدعو فيقول " اللهم إني أعوذ بك من الأربع : من علم لا ينفع ، وقلب لا يخشع ، ونفس لا تشبع ، ودعاء لا يسمع " هذا حديث صحيح ولم يخرجاه . )

وهنا يأتي سؤالان : أولهما :
: لماذا إذن قد تنكرت الحضارة الغربية المعاصرة لصلة الرحم هذه بينها وبين الحضارة الإسلامية في مجال العلم وفي هذا التنكر يمثلها البابا بنديكت وأمثاله ؟
نجد الجواب على لسان الفيلسوف الإسلامي محمد إقبال في قوله : ( إن المنهج الإسلامي كان أكمل وأتم ، وقد أخذته أوربا ناقصا : إن المنهج التجريبي يقف عند الطبيعة وهو منهج إسلامي ، ولكنه ليس بالمنهج الإسلامي الكامل ، فالمسلم لا ينتهي إلى الطبيعة كغاية ، ولا يقتصر عليها كهدف ، وإنما غايته وهدفه هو ما عبر عنه سبحانه وتعالى : { وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى " 42 النجم ، وإذا اقتصرت أوربا على العلم المادي فإن الإسلام لا يقف عند ذلك ، وإنما يوجه الإنسانية إلى مصدر آخر للمعرفة : هو القلب أو هو الروح أو هو البصيرة ، ويجمع الإسلام الاتجاه العلمي الحديث إلى الاتجاه البصيري في قوله تعالى : { وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ والْبَصَرَ والْفؤادَ كُلُّ أولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤولاً } 36 الإسراء
إن المفارقة بين روح الحضارة الإسلامية والنهضة الأوربية العلمية الحديثة لم تكن إذن حول المنهج التجريبي ولكنها تبلورت حول الموقف من علم الوحي .
في ظل النهج الغربي تم استبعاد علوم الوحي من مفهوم العلم . وأصبح مفهوم العلم – كما هو الشأن في أدبيات الحضارة المعاصرة - قاصرا على العلوم التجريبية وحدها ، وأما علوم الوحي فقد حوصرت تحت أسماء أخرى ، وأعلنت الحرب المستوردة بين العلم والدين ، وهي حرب ضارية ، وستظل حربا ضارية طالما أخذنا بمفهوم " العلم " كما هو في الحضارة العلمانية المعاصرة .

*****
ومن هنا كان قد تكرس في المنهج الإسلامي " أهمية عقد النية " في طلب العلم بصنوفه المختلفة ، والمقصود توجه النية في طلب العلم إلى الله ، والدار الآخرةعملا بقوله صلى الله عليه وسلم فيما يعتبر تقويما لكافة الأعمال ( إنما الأعمال بالنيات ) متفق عليه ، عليه أن ينوي خمسة أشياء - كما ذكرها الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين - :
أن ينوي بتعلمه الخروج من الجهل عملا بقوله تعالى : { قل هَلْ يَسْتَوي الَّذينَ يَعْلَمونَ والَّذينَ لا يَعْلَمونَ 9} الزمر ،.
أن ينوي بعلمه أن يعمل به : لأن العلم آلة للعمل ، وطلب الآلة لا للعمل عبث ولغو .
أن ينوي بعلمه أن يعمل به في منفعة الخلق عملا بقوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء بمسند الشهاب لمحمد بن سلامة القضاعي : بسنده عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( خير الناس أنفعهم للناس ) .
أن ينوي بتعلمه إحياء العلم عملا بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام الربيع بن حبيب الأزدي البصري بسنده عن جابر بن زيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تعلموا العلم قبل أن يرفع ) ورفعه ذهاب أهله .
أن ينوي بتعلمه تجديد العلم عملا بقوله صلى الله عليه وسلم فيمن بعثهم الله ليجددوا أمرهذا الدين ، فيما رواه الحاكم في مستدركه على الصحيحين بسنده عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: قال – قال الحاكم : ولا أعلمه إلا عن رسول الله - ( إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) .
وروي أن الله بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وبعث على رأس المئتين محمد بن إدريس الشافعي ، وبعث القاضي أبا العباس بن شريح على رأس الثلاث مائة .
وأن ينوي بعلمه العمل به في إصلاح الحال دفعا لسوء المآل : وفقا لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحاكم في مستدركه بسنده عن الحسن بن محمد بن علي عن مولاة لرسول الله قالت : دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها - أو على بعض أزواج النبي - وأنا عنده فقال : ( إذا ظهر السوء فلم ينهوا عنه أنزل الله بهم بأسه ، فقال إنسان يا نبي الله : وإن كان فيهم الصالحون ؟ قال نعم يصيبهم ما أصابهم ، ثم يصيرون إلى مغفرة الله ورحمته ) .

وينبغي للمتعلم أن يطلب بعلمه وجه الله تعالى والدار الآخرة ، ولا ينوي به طلب الدنيا ، لأنه إذا طلب به وجه الله والآخرة ينال الأمرين جميعا ، وفقا لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام الترمذي بسننه بسنده عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له " ، وفي رواية أخرى في المعنى نفسه له بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تعالى يقول يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك ، وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك ) قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب .
والتفرغ لعبادته تعالى يعني أن نتوجه إليه في كل ما نأتي من أعمال وقربات ، ومنها طلب العلم .
فإذا لم يقدر المتعلم على تصحيح النية فالتعلم أفضل من تركه ، لأنه إذا تعلم العلم فإنه يرجى أن يصحح نيته ، فقد روي في الأثر: ( من طلب العلم لغير وجه الله لم يخرج من الدنيا حتى يأتي عليه العلم فيكون لله تعالى وللآخرة ) .
وإذن فإنه كما أن النية تصحح العلم فإن العلم يصحح النية ، ويحدث هذا لمن كان قريبا من الله ، لم يشتط به الطريق ، وفي هذا يقول الإمام مجاهد رضي الله عنه (طلبنا العلم وما لنا فيه كثير من النية ، ثم رزقنا الله فيه النية ) [13]
إن الإسلام يجمع في منهجه التربوي الحضاري بين الأركان الأساسية الكبرى للحضارة الإسلامية : العلم والعمل والإيمان جميعا ، وهذا الجمع هو ما قامت الحضارة الغربية على أنقاضه ، وهذه الأنقاض هي ما حالت بين الحضارة الأوربية والتماهي - أو التشابه - مع الحضارة الإسلامية . وهنا يأتي السؤال الثاني : من أين إذن جاء التراجع في مجال العلم في المجتمع الإسلامي ؟
أهم الأسباب فيما نرى – دون المصادرة على أسباب أخرى – جاء من إهمال الربط يبن العلم والعمل ، في الوقت الذي دب فيه الفساد في الغرب المعاصر منذ بداية النهضة في فك عرى الربط بين العلم والدين . ولقد كان لهم أسبابهم في ذلك ، وهي أسباب صحيحة بحسب ما بين أيديهم من دين ، ولكن تلك مسألة أخرى ، لا يصح معها قياس على الحالة الإسلامية التي تنطوى على دين له ماله في إطلاق عنان العلم وفق ما ذكرناه سابقا .
ويأتي النموذج التطبيقي للربط إسلاميا بين هذه الأمور الثلاثة – العلم والعمل والإيمان - في القول المأثور لسيدنا علي رضي الله عنه : ( من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم ، ووفقه فيما يعمل حتى يستوجب الجنة . ومن لم يعمل بما علم تاه فيما علم ، و لم يوفق فيما يعمل حتى يستوجب النار ) .
وجاء التراجع أيضا من إهمال آداب التعلم التي يأتي ذكرها في موقع النية من التعلم في الإسلام
هذا هو التراجع وتلك أسبابه .
*****
فمن أين جاء التحدي الذي تواجهه الحضارة الإسلامية في طريق التحامها بالنهج العلمي التجريبي الذي كأنه بضاعتها ردت إليها ؟
هنا نقول : إنه إذا كان الإسلام بطبيعته وتعاليمه وعقيدته يحتضن العلم التجريبي ويغذيه ، وإذا كان الإسلام قد جعل من المسلمين رواد هذا العلم ومنقذيه من ظلام اليونان ، وناشريه في أنحاء العالم ، فإن القضية لا تكمن – فحسب – في أن علماء أوربا الذين تلقفوا المنهج العلمي من أساتذة الحضارة الإسلامية جعلوا منه قنبلة موقوتة إذ أطلقوه من قيد الدين وجعلوا منه ماردا يهدد الإنسان ، في وجوده الطبيعي والبيئي والبيولوجي والنفسي والشخصي ، .. إن القضية أخطر من ذلك ، إذ جعل فلاسفتُهم من المنهج العلمي رسولا إلى الإلحاد ، حيث ترسخت في ظل هذه الفلسفة التجريبية قواعد : إنكار الغيبيات ، وادعاء حتمية قوانين الطبيعة ، والاستغناء بها عن الخالق ، وادعاء كفاية العلم التجريبي في مجال المعرفة والقيم ، وهي قواعد تنتمي إلى الفلسفة التجريبية بينما المنهج التجريبي منها براء [14]
ويتوجه هذا الخطر إلى الحضارة الإسلامية ذاتها : ذلك أنه بعد التراجع الذي حصل فيها في مجال العلم والتعلم بالفصل بين العلم والعمل وإهمال النية في توجهها إلى الله .. جاءت العلمانية لتدفع المجتمع إلى إعادة البناء على نسق يستبعد فيه الدين . هذه هي المشكلة . إن المشكلة تكمن في أن الغزو الخارجي أخذ يفرض على المسلمين نظاما تربويا علمانيا ، وفي أن الأوضاع الداخلية للمسلمين وتحت ضغوط العلمانية وتوجيهها جعلتهم يتقبلون هذه النظم التربوية التي يستبعد فيها الدين أو يحصر في أضيق نطاق ، فنشأت ثم تفاقمت ثم تسافدت مشاكل في صميم التصور العلمي ، ثم مشاكل في العملية التربوية نفسها . وكان من " تجلياتها الأخيرة " تعيين الدكتورة مو************ا شافيز التي تحمل الجنسية الأمريكية مديرة لفروع تطوير التعليم المصري مما يشكل تهديدًا للأمن القومي، وبخاصة بعد أن منحها وزير التعليم المصري – كما جاء في " المصريون " بتاريخ 6\11\2006 - حق الحصول على المعلومات عن أدق تفاصيل الحياة العلمية والتعليمية والاجتماعية للمصريين وتسليمها إلى جهات أجنبية "مشبوهة" لتحليلها واحتمال توظيفها مخابراتيًا من وراء علم الجهات الأمنية المسئولة، أو من أمامها .والله أعلم
يتبع




--------------------------------------------------------------------------------

[1] \ في كتابه " بزوغ العقل البشري " ترجمة ونشر مؤسسة فرانكلين بالقاهرة عام 1964
[2] \ أنظر في شرح هذه النقطة كتابنا ( الإسلام ومشكلة الحضارة بين التعددية والصراع ) نشر دار الصحابة والتابعين بجدة والقاهرة عام 2001
[3] \ الإمكان الذهني يعني أن يعرض الشيء على الذهن فلا يعلم امتناعه ، بل يقول : يمكن هذا لا لعلمه بإمكانه ، ولكن لعدم علمه بامتناعه .
[4] إحياء علوم الدين جـ 1ص22 , ج 4 ص 264
[5] \ أنظر دراسة للدكتورة بنت الشاطئ رحمها الله بعنوان " رحلة حاسمة للتحول الحضاري من الشرق إلى الغرب 1 – الرحلة والربان "" نشرتها قبيل وفاتها بجريدة الأهرام 23 سبتمبر ، …

[6] انظر بحث " الإسلام والعلم " لفضيلة الإمام الأكبر المرحوم الأستاذ الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر ضمن كتاب المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية من ص 535 - 545
[7] | انظر المصدر الأسبق
[8] \ أنظر كتاب ( ما يعد به الإسلام ) لروجيه جارودي ص 140
[9] \أنظر كتاب " شمس العرب تسطع على الغرب " لزيجفريد هونكة ص 339 – 375 نشر دار الآفاق الجديدة ط الثالثة عام 1979
[10] \ انظر كتاب " فلسفة العلم " لفيليب فرانك ترجمة د. علي علي ناصف ، ط بيروت 1983 ص 49
[11] \ أنظر دراسة للدكتورة بنت الشاطئ رحمها الله بعنوان " رحلة حاسمة للتحول الحضاري من الشرق إلى الغرب 1 – الرحلة والربان "" نشرتها بجريدة الأهرام 23 سبتمبر
[12] \ أنظر كتابه " ما يعد به الإسلام " ص 140
[13] \ بستان العارفين للإمام أبي الليث السمرقندي ص 20\21
[14] \ أنظر مناقشتنا لهذه القواعد في كتابنا ( الفكر المعاصر في ضوء العقيدة الإسلامية ) نشر جامعة الإمارات .







التوقيع :
اذا اردت اجابة على سؤال لك ابحث اولا في هذا الرابط ستجد الجواب ان شاء الله
محرك بحث من قوقول خاص في منتدى الدفاع عن السنة

http://tinyurl.com/55wyu5
من مواضيعي في المنتدى
»» مواطن كويتي ذهب لافغانستان فوجد نفسه في مزارع للمخدرات
»» اكد الشيخ ناظم المسباح ان د.يوسف القرضاوي علم من اعلام الدعوة في العالم الاسلامي
»» القرضاوي لـ «القاهرة اليوم»: القرآن والصحابة ونشر المذاهب خطوط حمراء مع الشيعة
»» العاهل السعودي يطلق مشاريع تنموية وصناعية ب18 مليار دولار
»» مخاطر التهوين من التآمر الإيراني
 
قديم 08-09-08, 06:14 AM   رقم المشاركة : 2
معتمد
عضو ينتظر التفعيل





معتمد غير متصل

معتمد is on a distinguished road


خديعة حوار الأديان إلى أين؟

خديعة حوار الأديان إلى أين؟..

بقلم دكتورة: زينب عبد العزيز


بقلم دكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية

دخلت مؤتمرات حوار الأديان فى مرحلتها الحاسمة هذا العام ، وفقا لما رتبته المؤسسة الكنسية ومؤتمر الفاتيكان الثانى (1965) ، الذى قرر اقتلاع الإسلام وتنصير العالم . قد تم إعتبار عام 2008 عام حوار الأديان فى أوروبا ، وإقامة المؤتمرات المتتالية بين المؤسسات الأوروبية السياسية والكنسية لترسيخ فكرة أوروبا المسيحية ، من جهة .. و من جهة أخرى ، فى نفس الوقت ، تتوالى فيه سلسلة من المؤتمرات التى يعقدها المسلمون لتقديم مزيد من التنازلات للجانب الكنسى .. وكان آخرها ـ حتى وإن تم ذلك فى بلد أوروبى ، مؤتمر مدريد الذى دعى إليه خادم الحرمين الشريفين ، فيما بين 16 و18 يوليو 2008 ، وياله من إختيار لمكان مرير الإهانة والذكرى ، فبعد أن تم إقتلاع الإسلام من إسبانيا فى حرب الإسترداد (1492 م)، بإبادة المسلمين غدراً وذبحاً أو تنصيرا ، تتم العدة الآن لإقتلاع الإسلام بأيدى المسلمين هذه المرة ..

وقد بدأت الحلقة الأولى من هذه المرحلة الحاسمة عقب محاضرة بنديكت 16 فى راتيسبون ، فى سبتمبر 2006 ، التى تعمّد فيها سب الإسلام والمسلمين ونبينا الكريم صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين .. فعندما ثار العالم الإسلامى كرد فعل لهذا الجُرم ، طلب البابا من الأسقف جان لوى توران، رئيس لجنة الحوار البابوى بالفاتيكان ، ان يتدبّر الأمر لإحتواء الموقف والترتيب لعقد لقاءات مع بعض المسلمين المهرولين لمساندة الفاتيكان.. وتمخض عن هذه الترتيبات ذلك الخطاب الفضيحة الذى وقّع عليه 138 عالما مسلما ، عن قناعة او عن جهل أو مجاملة !. وهو الخطاب الذى يعلنون فيه مصيبة أننا ، مسلمون ومسيحيون ، نعبد نفس الإله !!.

والمؤسف فى الموضوع أن الفاتيكان يقدم هذه المبادرة فى كافة النصوص المتعلقة بها على انها رد فعل خوف المسلمين من البابا خشية ان يفضح الإسلام الإرهابى أكثر مما فعل، فتقدموا له بذلك الخطاب قائلين "تعالوا الى كلمة سواء" ، نتصالح ونتعاون بما اننا نعبد نفس الإله ، ونغض الطرف عن الإختلافات التى كانت تفصل بيننا فيما مضى !.. وهم بذلك يلغون سبب مجىء الإسلام أساسا ، الذى أتى كاشفا لكل ما تم من تحريف فى عقيدة التوحيد بالله فى الرسالتين السابقتين ومصوباً لمصارها ..

وتلى هذا الخطاب الفضيحة ترتيب عدة لقاءات مشتركة بين المهرولين هنا وهناك ، كما تم ترتيب زيارة خادم الحرمين للفاتيكان ، بكل ما تضمنتها هذه الزيارة من مهانة وتنازلات ، فكل المطلوب منها هو "الضغط سياسيا ودوليا وكنسيا لغرس الإنجيل فى أرض المملكة ورشقها بالكنائس".. وهى عبارة البابا يوحنا بولس الثانى الواردة فى كتاب "الجغرافيا السياسية للفاتيكان" .. وبعد شهر ونصف من تلك الزيارة المرتّبة، أقيم مؤتمر مكة المؤسف ، من 4 إلى 6 يونيو 2008 ، والذى تكرر فيه إجمالا: " تأكيد أننا نعبد نفس الإله ، وتم الإقرار بابتلاع تهمة الإرهاب فى الإسلام والتعهد بالعمل على نبذه، والإلتزام بالقيم المشتركة ، وتعزيز مفاهيم الأسرة ، وتدارك واقع إبتعاد الإنسان عن ربه، وقبول ما نتفق فيه وترك ما نختلف فيه " .. إضافة إلى الإقرار بمصيبة أخرى هى : مساواة النصوص الكنسية واليهودية ، الثابت تحريفها ، بالقرآن الكريم الثابت تنزيله من عند الله ! أى انه تمخض عن تحقيق مطالب البابا بنديكت 16 .. ، وهو ما تناولته فى مقال آنذاك.

وبعد مؤتمر مدريد تتم العدة حاليا لمؤتمر نوفمبر 2008 ، الذى سوف ينعقد فى الفاتيكان ، بحضور 24 من المهرولين المسلمين و24 من المتحكمين الفاتيكانيين ، لتدارس كيفية تنفيذ ما قام به عصر التنوير على الكتاب المقدس وتطبيقه على القرآن الكريم ! إن أعمال ودراسات عصر التنوير قد اثبتت أن الكتاب المقدس الحالى ليس مقدسا ولا منزلا من عند الله ، كما اثبتت التحريف الذى تم فى الكتاب بعهديه ، وخاصة العهد الجديد ، واثبتت ان المسيحية الحالية ، التى لا يقبلها عقل ولا منطق، تمّت صياغتها عبر المجامع على مر العصور ، ولا يعرف عنها المسيح شيئا بل تخالف تعاليمه، وأن عدد المتناقضات الموجودة فى الأناجيل يفوق عدد كلماته ، وان الأناجيل برمتها لم تكتبها الأسماء التى هى معروفة بها، وأنها صيغت يقينا بعد الأحداث تلفيقا، الخ ..

بل فى واقع الأمر إن كشف عمليات تحريف الأناجيل قد تمت بنفس يد من قام بذلك التعديل والتبديل والتغيير، وتكفى مطالعة إعترافات القديس جيروم الواردة فى الخطاب-المقدمة الذى يتصدر ترجمة "الفولجات" التى أعدها ، وتعنى الأصل الذى تعتمد عليه الكنيسة ، إضافة الى المعارك الضارية التى دارت بين مختلف الفرق والنحل المسيحية وتم خلالها ذبح الملايين من البشر !

فما يحاول سدنة الفاتيكان القيام به حاليا هو تنفيذ عملية إسقاط لكل ما تم فى المسيحية من مآخذ على القرآن الكريم ، بأيدى من يُحتسبون على الإسلام إسما.. ولا أدل على ذلك من الكتاب الذى ألفه القس ميشيل كويبرز Michel Cuypers)) وتم نشرعرض له فى يونيو 2007 بالعدد الرابع من مجلة "الملكوت" الإيطالية و فى غيرها من المواقع والمجلات التابعة للفاتيكان ، وأعيد نشره فى نفس الأماكن للمرة الثانية فى 31 يوليو 2008 ، وكأنهم يعدون الأذهان لما يتم الإعداد له حتى تألفه الآذان وتبتلعه بلا إعتراض !

ويتلخص هذا البحث فى ان ذلك القس قد قام بتطبيق علم التحليل البلاغى على النص القرآنى ، وهو ما كان يجاهد المستشرقون لتطبيقه على القرآن منذ قرن ونصف تقريبا ، بل وهو ما كان المستشرق الفرنسى جاك بيرك يطالب به ، وذيّل مقدمته للترجمة التى قام بها للقرآن الكريم بضرورة إخضاعه للتحليل اللغوى والبلاغى لإثبات ما به من سلبيات !.. ويوضح القس كويبرز ان منهج التحليل البلاغى يسمح باستكشاف تقنيات الكتابة التى يلجأ إليها الكتبة لصياغة نصوصهم ، كما يسمح بكشف طبقات الصياغة المتراكمة ، وكأن القرآن قد تمت صياغته على عدة قرون كالأناجيل !. ويقول صراحة انه قام بتطبيق هذا المنهج على القرآن مثلما تم تنفيذه على الأناجيل .. وقد بدأ بقصار السور ووجد المسألة مجدية ، فانتقل الى طوالها ، ومن أهم اكتشافاته ما يلى :

الخلط والتداخل فى القرآن والقفز من موضوع لآخر ، وهو ما يتعب القارىء او يدخله فى متاهة ، وان بالقرآن طبقات صياغية متباينة زمانيا وإضافات لاحقة وتعديل وتبديل فى النص ـ مما اضطر بعض المستشرقين الى إعادة صياغة القرآن بشكل منطقى بتغيير أماكن بعض الآيات ، وضرورة عدم الأخذ بالتبرير الذى يقدمه التراث او اسباب النزول للتعتيم على ما به من متناقضات ، وان الرسول، صلوات الله عليه ، قد نقل عن الكتاب المقدس بعهديه لذلك اتهمه اليهود بالإختلاس والتحريف ، وان المتشددون يعتمدون على الآيات المنسوخة لمحاربة الكفار ، وان القرآن كان ينتهى عند سورة الإخلاص والمعوذتان إضافة لاحقة بدليل انها غير موجودة فى اصول عدة من نسخ القرآن !.. لذلك يطالب بضرورة عمل تفسير جديد للقرآن يتمشى مع العصر الحديث لأن التفاسير القديمة لا تتفق وعقلية الإنسان المعاصر !

ومما يستشهد به ذلك القس "الضليع" ان هناك مسلمون مثقفون يطالبون بذلك أيضا ، أى بأن يتم فحص ودراسة القرآن كما حدث بالنسبة للأناجيل ، وان المستشرقين قد بدأوا فعلا هذه المسيرة ، مضيفا أنه للتوصل الى قلب االقرآن ومضمون رسالته الحقيقية لا بد من تناوله باسلوب النقد البناء للكشف عما تم به من تحريف او إضافات لاحقة .. مشيرا إلى ان التحليل البلاغى يستبعد التراث والسثنة ولا يلتزم إلا بالنص كنص أدبى ، لذلك تختلف نتيجته عن كل ما فرضه التراث عبر السنين.. وذلك لا يعنى ـ فى نظره ـ المساس بصلب عقيدة المسلمين وضربها فى مقتل ، بل على العكس ، يرى أنها تلقى بمزيد من الضوء على قيمها وتزيح عنها ما تراكم عليها من إضافات على مر التاريخ !!

ثم يتساءل عما اذا كان المسلمون سيفهمون ان التحليل البلاغى للقرآن سيفتح الباب للتجديد الفعلى فى التفسير القرآنى ؟! ويجيب على سؤاله قائلا : نظرا لثقل التراث فى الإسلام فإن سير الأمور لن ينطلق بالسرعة المرجوة ، وهذه هى المهمة الصعبة التى تقع على عاتق المثقفين المسلمين الذين امتصوا وتشبعوا بالمنهج العلمى الغربى الحديث .. وأن ذلك يتطلب منهم النظر إلى القرآن على انه مجرد نص أدبى ولا يمت إلى التنزيل الإلهى بصلة ، وهو ما يقاومه المسلمون التقليديون !

ويشير مرة ثانية الى المتناقضات التى لا يمكن التوفيق بينها ، وانه اذا كان لهذه النصوص القرآنية ان تقدم لنا شيئا فلا بد من ان نأخذ فى الإعتبار التطور الفكرى والدينى للإنسانية حاليا .. موضحا: " أن هناك بين هذه المتناقضات آيات ذات حكمة عالمية ، صالحة لكل زمان ، وأنه يتعين إقامة الممارسة الدينية بناء عليها .. وهو ما طرحه الموقعون ال 138 على الخطاب المفتوح المرسل إلى بنديكت 16 ، ومنهم مفتين لعدة بلدان إسلامية ، يضعون فى الصدارة الآيات التى تسمح بتعايش سلمى للمسلمين مع الجماعات الإنسانية الأخرى .. وذلك يعنى أنهم يعتبرون ضمناً ان آيات الجهاد الواردة خاصة فى سورة التوبة أنها آيات بالية وغير مجدية التطبيق. إلا أن ذلك لا بد وأن يتم الإعلان عنه علناً وصراحة ، بكل وضوح ، وإعتباره قراراً نهائياً ولا رجعة فيه " !!.

إن إعادة نشر هذا البحث وفى هذا التوقيت تحديدا ، إضافة إلى العديد غيره من المقالات والحوارات المسمومة التى تدين القرآن الكريم وتضاهيه صراحة بنصوص الأناجيل ، وتطالب بكل قحة بحذف آيات بعينها والإكتفاء بالآيات العبادية والأخلاقية ، ليس مجرد نشر لسد خانة او لإفتقارهم الى الموضوعات ، وإنما هى عملية تمهيد وإعداد الأذهان الى ما يحيكونه حاليا وسوف يتم الإعلان عنه فى المستقبل القريب كما يرتبون ويتمنون ..

ولا يسعنى ، بكل أسف ، إلا عرض وتقديم ما يتم الترتيب له فى الفاتيكان لإقتلاع الإسلام ، والإعداد لكيفية إقتلاعه بأيدى المسلمين .. فإذا ما أخذنا فى الإعتبار عدة ظواهر ، منها أولا معنى الحوار فى النصوص الفاتيكانية ، وأنه يعنى كسب الوقت حتى تتم عميات التنصير ؛ وأن تنظيم فرسان المعبد الإسبانى الذى تمت إبادته عام 1312 م ، واستمر سراً ، يطالب البابا حاليا بإعادة إشهاره رسميا للقيام بدوره فى العلن ، وهو التنظيم الذى قام بالحروب لصيبية ؛ وان هناك عمليات تطبيع دينى بين المسيحيين والمسلمين تتم سراً لإقامة صلوات جماعية حيث أتهم يعبدون الإله الواحد " ربنا يسوع المسيح " (!) ، والقيام بالحج إلى كنائس بعينها ، من قبيل الحج الذى ينظمه القس كريستوف روكو سنويا فى بريتون الفرنسية ، وكان يعمل مبشرا فى إحدى الجامعات المصرية متخفيا تحت وظيفة خبير فرنسى ، وهى البدعة التى بدأها المستشرق لويس ماسينيون وتتواصل بأشكال عدة ؛ وأن عمليات إبادة المسلمين تتم على مرأى ومسمع من العالم وما من أحد يتصدى لها إلا كلاما ؛ وأن عمليات التنصير تدور بصورة هيستيرية فى جميع البلدان الإسلامية بينما تغض حكوماتها الطرف عنها ؛ إضافة إلى كل ما قام المسؤلون المسلمون بتقديمه من تنازلات، فى حق الإسلام لصالح الغرب الصليبى المتعصب ، لأدركنا فداحة الموقف ، وخطورة ما يحاك لنا ، والكآبة القاتمة التى نحن مقبلون عليها كمرحلة حاسمة فى هذه الخديعة الكبرى..

لذلك لا يسعنى ، بكل أسف أيضا ، إلا أن أكرر عبارة : أفيقوا أيها المسلمون وتولوا الدفاع عن دينكم بعد أن خبت وتراخت بل وتواطأت قياداتنا الإسلامية .. وحسبنا الله ونعم الوكيل !

http://www.alshaab.com/news.php?i=13611







التوقيع :
اذا اردت اجابة على سؤال لك ابحث اولا في هذا الرابط ستجد الجواب ان شاء الله
محرك بحث من قوقول خاص في منتدى الدفاع عن السنة

http://tinyurl.com/55wyu5
من مواضيعي في المنتدى
»» صورة العرب بالأدب الفارسي بدو مخادعون حفاة يأكلون السحالي
»» طهران ودعوة الأزهر لتواجد في إيران / صباح الموسوي
»» وثيقة تكشف محاولات التغلغل الإيراني في المنطقة العربية
»» Islams Women: Questions
»» خامنئي: (احتليتمونا بالاسلام وسنحتلكم بالطائفية).!
 
قديم 08-09-08, 06:17 AM   رقم المشاركة : 3
معتمد
عضو ينتظر التفعيل





معتمد غير متصل

معتمد is on a distinguished road


إعترافات القديس جيروم وتحريف الانجيل

إعترافات القديس جيروم !..


بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية

تعد وثيقة إعتراف القديس جيروم ، التى صاغها فى القرن الميلادى الرابع ، أهم وثيقة فى التاريخ تثبت ، بما لا يدع مجالا للشك ، أن الأناجيل الحالية قد عانت من التعديل والتبديل والتحريف وسوء الترجمة بحيث لا يمكن إعتبارها بأى حال من الأحوال أنها نصوص منزّلة ، فهى يقينا شديدة الإختلاف ، ولا تمت بأى صلة إلى ذلك الإنجيل الذى أشار إليه القرآن الكريم بأن الله سبحانه وتعالى قد أوحاه للمسيح عليه الصلاة والسلام. وإنجيل السيد المسيح كان موجودا بالفعل ، بدليل أن بولس يقول أنه كان يبشر به : " (...) حتى أنى من اورشليم وما حولها إلى الليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح " (إلى أهل رومية 15 : 19) !. إلا أن الأيادى العابثة فى المؤسسة الكنسية قد أخفته لتفرض ما نسجته عبر المجامع على مر العصور ..
وقد أشرت فى مقالين سابقين إلى هذا الخطاب ، الذى لا يمكن الإختلاف حول أهميته ، لإطاحته الأكيدة بمصداقية الأناجيل الحالية ، ورغمها ، فنظرا لكثرة التعليقات التى وصلتنى عليه من إخواننا المسيحيين وإتهامهم إياى بالكذب والإفتراء ، فلم أجد بدا من نشر صورة فوتوغرافية لطبعة الكتاب نفسه ، الموجود فى مكتبة فرانسوا ميتران بباريس ، ليكف إخواننا الكرام عن إتهامى ، خاصة وأننى أعربت أكثر من مرة أنه نظرا لحساسية المواضيع التى أتناولها دفاعا عن الإسلام ، الذى يجاهدون لإقتلاعه ظلما وعدوانا ، فلا يمكننى قول أى معلومة ما لم تكن وثيقتها عندى أو لدى صورة منها .. فبدلا من إتهامى والتدنى إلى مستوى لا أرضاه لا لهم ولا لأى أحد ، خاصة فى مثل هذه الموضوعات الجادة أو المصيرية ، فمن الأفيد لإخواننا الكرام أن يقوموا بدراسة حقيقة تاريخ المسيحية الحالية ليعرفوا كيف تم نسج ما هم عليه من عقائد .. بدلا من الإنسياق وراء الاعيب الغرب السياسية الرامية إلى إقتلاع الإسلام والمسلمين عن غير وجه حق.
ولولا أن هناك عمليات تمويه وتعتيم ومعارك كبرى دارت حول أصول هذه الأناجيل لما قامت الكنيسة بمنع أتباعها من قراءتها حتى لا يكتشفوا ما يتم بها من تعديل وتغيير ، بل لما احتاجت هذه المؤسسة ، بكل جبروتها الراسخ ، إلى أن تفرضها فى مجمع ترانت ، فى القرن السادس عشر ، ( أى أنه حتى ذلك الحين كان هناك من يعترض على ما بها ويرفضها) تفرضها على الأتباع على "ان الله هو المؤلف الحقيقى والوحيد لها" ، ثم قررت أنه يمكن للأتباع قراءتها برفقة قس حتى يتصدى لأى سؤال قد يكشف ما بها .. ثم فى مجمع الفاتيكان الأول 1879 ، قررت الكنيسة أن الله قد أوحى للروح القدس الذى قام بدوره بإلهام الحواريين فى كتابتها ، وهو ما يمثل تراجعا واضحا عن القرار السابق ، ثم فى مجمع الفاتيكان الثانى 1965 إعترفوا بأن هذه النصوص "بها القديم والبالى ، وإن كانت تمثل منهج تربوى إلهى حقيقى " .. واللهم لا تعليق !
وفيما يلى الصورة الفوتوغرافية لصفحة المقدمة-الإعتراف التى تتصدر الصياغة الحالية التى قام بها جيروم للأناجيل ، ثم ترجمة الخطاب إلى العربية ، ثم التعليق عليه :




" المجلد الأول من أعمال الراهب جيروم
بداية المقدمة
حول مراجعة نصوص الأناجيل الربعة
إلى قداسة البابا داماز ، من جيروم،

تحثنى على أن اقوم بتحويل عمل قديم لأخرج منه بعمل جديد ، وتريد منى أن أكون حكماً على نُسخ كل تلك النصوص الإنجيلية المتناثرة فى العالم ، وأن أختار منها وأقرر ما هى تلك التى حادت أو تلك التى هى أقرب حقا من النص اليونانى. أنها مهمة ورعة ، لكنها مغامرة خطرة إذ سيتعيّن علىّ تغيير أسلوب العالم القديم وإعيده إلى الطفولة. وأن أقوم بالحكم على الآخرين يعنى فى نفس الوقت أنهم سيحكمون فيه على عملى.فمن من العلماء أو حتى من الجهلاء، حينما سيمسك بكتابى بين يديه ويلحظ التغيير الذى وقع فيه ، بالنسبة للنص الذى اعتاد قراءته ، لن يصيح بالشتائم ضدى ويتهمنى بأننى مزور ومدنس للمقدسات ، لأننى تجرأت وأضفت ، وغيّرت، وصححت فى هذه الكتب القديمة ؟
وحيال مثل هذه الفضيحة ، هناك شيئان يخففان من روعى ، الأمر الأول : أنك أنت الذى أمرتنى بذلك ؛ والأمر الثانى : إن ما هو ضلال لا يمكن أن يكون حقاً. وهوما تقره أقذع الألسنة شراسة. وإذا كان علينا أن نضفى بعض المصداقية على مخطوطات الترجمة اللاتينية ، ليقل لنا أعداؤنا إيها أصوب ، لأن هناك من الأناجيل بعدد الإختلافات بين نصوصها. ولماذا لا يروقهم أن اقوم بالتصويب إعتمادا على المصادر اليونانية لتصويب الأجزاء التى أساء فهمها المترجمون الجهلاء ، أو بدلوها بسوء نية ، أو حتى قام بعض الأدعياء بتعديلها.
وإذا كان علينا دمج المخطوطات ، فما يمنع أن نرجع ببساطة إلى الأصول اليونانية ونبعد بذلك عن أخطاء الترجمات السيئة أو التعديلات غير الموفقة من جانب الذين تصوروا أنهم علماء ، أو الإضافات التى أدخلها الكتبة النعسانين ؟ أننى لا أتحدث هنا عن العهد القديم والترجمة السبعينية باللغة اليونانية التى لم تصلنا إلا بعد ثلاث ترجمات متتالية من العبرية إلى اليونانية ثم إلى اللاتينية. ولا أود أن ابحث هنا ما الذى سيقوله أكويلاّ أو سيماك ، أو لماذا آثر تيودوسيان إختيار موقف الوسط بين المترجمين القدامى والحداث. لذلك سأعتمد على الترجمة التى يمكن أن يكون قد عرفها الحواريون.
وأتحدث الآن عن العهد الجديد ، المكتوب بلا شك باللغة اليونانية فيما عدا إنجيل متّى الذى كان قد استعان أولا بالعبرية لنشره فى منطقة اليهودية. إن هذا الإنجيل يختلف يقيناً عن الذى بلُغتنا نظرا لتعدد المصادر التى استعانوا بها لتكوينه. وقدآثرت أن ارجع إلى نص أساسى ، فلا أود الإستعانة بترجمات المدعوان لوشيانوس أو هزيكيوس التى يدافع عنها البعض بضراوة عن غير وجه حق ، واللذان لم يكن من حقهما مراجعة لا العهد القديم بعد ترجمة السبعين ، ةلا أن يقوما بمراجعة النصوص الجديدة. فالنصوص الإنجيلية التى وصلتنا بلغات شعوب مختلفة توضح مدى الأخطاء التى بها. وإذا كنت قدقمت بذلك بالنسبة للنسخ المكتوبة بلغتنا فلا بد وأن أعترف بأننى لم أستفد منها شيئاً.
وهذه المقدمة المتواضعة تقترح أن يكون ترتيب الأناجيل الإسمى على النحو التالى :متّى ، مرقس ، لوقا ، ويوحنا. وقد تمت مراجعتها من عدة مخطوطات يونانية قديمة.وهى لا تبعد كثيرا عن فحوى النسخ اللاتينية. فلم أقم إلا بتصويب الأجزاء التى بدت بعيدة عن المعنى الحقيقى وتركت الأجزاء الأخرى كما وصلتنا فى صياغتها البدائية و وضعت حرف (ب). أما الترجمات التى قام بها يوسبيوس من القيصرية ، المقسمة إلى عشرة أجزاء ، وفقا لأمونيوس السكندرى ، فقد ترجمتها إلى لغتنا إلتزاما بالمعنى اليونانى فحسب. وإن كان هناك أى فضولى يود معرفة الأجزاء المتماثلة أو المتفردة أو التى تختلف تماما عن تقسيمة العشرة يمكنه معرفة ذلك. لأن الأخطاء قد تراكمت مع الوقت فى كتبنا ، وهو ما يجعل إنجيل ما يتفاوت عن الآخر ، وأشرت إليه بحرف (ح).
لقد وقعت أخطاء عند محاولة التوفيق بينها ، لذلك ترى خلطاً شديداً فى الترجمات اللاتينية. فأحد الكتبة قد قال أكثر وفى الآخر قد أضافوا إذا تصوروا أنه أقل. وأن مرقس فى أجزاء كثيرة ينقل عن لوقا ومتّى ، وأن متّى ينقل عن يوحنا ومرقس ، بينما كان كل إنجيل يحتفظ بما يخصه فحسب. فكل واحد منهم قد نقل عن الإنجيل الذى وقع فى يده. لذلك عند قراءة الكشف الذى أقترحه لن يكون هناك أى خلط وسيتم التعرف على المتشابه بينها وعلى ما يخص كل منها بعد أن أستبعدت الخلط والأخطاء.
ففى الكشف الأول يوجد توافق بين الأناجيل الأربعة متّى ومرقس ولوقا ويوحنا. وفى الثانى لا يوجد توافق إلا بين متّى ومرقس ولوقا ، وفى الثالث بين متّى ولوقا ويوحنا ، وفى الرابع بين متّى ومرقس ويوحنا، وفى الخامس بين متّى ولوقا ، وفى السادس بين متّى ومرقس ، وفى السابع بين متّى ويوحنا ، وفى الثامن بين لوقا ومرقس، وفى التاسع بين لوقا ويوحنا. وفى العاشر ستجد كل مل هو خاص بكل إنجيل ولا يوجد فى الأناجيل الأخرى. وفى كل إنجيل على حدة هناك أجزاء متفاوتة الطول كلما ابتعدنا عن التوافق.
الرقم سيكون باللون السود ، وسيتضمن رقماً آخر تحته بالأحمر، لكى يدل فى أى إنجيل يوجد ذلك الجزء المعنى. فعند فتح الكتاب ومحاولة معرفة أى فصل ينتمى لهذه الترجمة أو تلك فإن ذلك سيتضح فوراً من الرقم الذى اضفته من أسفل. وعند الرجوع إلى بداية الطبعة التى توجد فيها القوائم معاً وبفضل إسم الترجمة المحدد فى بداية كل إنجيل يتم العثور على رقم كاتبه مع العناوين المختلفة لكل منهم. ويوجد بجوار هذا الأخير أسماء الفقرات المماثلة. وهكذا يمكن الإطلاع على الأرقام الموجودة فى نفس الفصل. وما أن تتم معاينة هذه المعلومات يمكن التوصل إلى كل واحد مع مراعاة الأرقام التى تم تحديدها يمكن معرفة الأجزاء المتشابهة أو المتماثلة (ب).
أرجو أن تكون بخير فى المسيح وألا تنسانى يا قداسة البابا ".

ولو قمنا بأخذ أهم المقولات التى وردت بهذا الخطاب-المقدمة ، لوجدنا ما يلى :
* أن البابا داماز (366-384 ، الذى ترأس البابوية لمدة ثمانية عشر عاما) قد طلب من القديس جيروم أن يحوّل الكتب القديمة إلى كتب جديدة ، وأن يحكم على قيمة تلك الأناجيل المتناثرة فى العالم ليستبعد منها ما حاد عن النص اليونانى ، ـ والمعروف أن النص اليونانى ليس النص الأصلى للأناجيل ، ولا حتى نص إنجيل يسوع الذى كانت لغته الأرامية .
* خشية جيروم من إتهامه بأنه مزوّر ومدنس للمقدسات لأنه تجرأ وأضاف وغيّر وصحح فى الكتب القديمة !
* معرفته يقينا بأن ما قام به يعد فضيحة فى نظر الأتباع ، ـ وأى فضيحة !
* لكنه مطمئن ، لا لأن البابا شخصيا هو الذى طلب منه القيام بهذا التغيير فحسب، ولكن لمعرفته يقينا : " أن الضلال لا يمكن أن يكون حقا ".. أى أن الكتب السائدة تعد ضلالا فى نظره، وهو ما تقره أيضا أقذع الألسنة شراسة فى الهجوم عليه..
* وأن الترجمة اللاتينية السائدة بها أخطاء وإختلاف بين نصوصها..
* وأن من قام بالترجمة جهلاء، وبدلوا النصوص بسوء نية، وقاموا بتعديلها!..
* وأن نص إنجيل متّى المكتوب بالعبرية يختلف يقينا عن الذى باللاتينية نظرا لتعدد المصادر التى تمت الإستعانة بها لتكوينه..
* وأن نصوص الأناجيل الموجودة فى شعوب مختلفة توضح مدى الأخطاء والإضافات التى بها..
* وأن الترجمة اللاتينية التى قام بها القديس جيروم لا تبتعد كثيرا عن فحوى النسخ اللاتينية السابقة وأنه لم يقم إلا بتصويب الأجزاء التى بدت له بعيدة عن المعنى الحقيقى ، وترك الأجزاء الأخرى فى صياغتها البدائية !
* وأن الأخطاء قد تراكمت فى هذه الأناجيل ، كما وقعت أخطاء عند محاولة التوفيق بينها ، لذلك يوجد بها " خلطا شديدا " ننظرا لما أضافه الكتبة من عندهم ..
ثم قام بعمل كشف بالأجزاء المتوافقة والمتشابهة فيما بين الأناجيل بين تعديلها!

فبعد هذا الإعتراف الشديد الوضوح هل يمكن لأحد الإدعاء بأن الأناجيل الحالية منزّلة من عند الله ، أو الإفتراء ظلما ومساواتها بالقرآن الكريم الذى لم يتبدل فيه حرفاً واحدا منذ أنزله الله سبحانه وتعالى حتى يومنا هذاً ؟!..
ولا يسعنى، بعد تقديم هذا الدليل القاطع، إلا مناشدة كافة المسؤلين المسلمين وخاصة كافة اولئك الذين يشتركون فى مؤتمرات الحوار أن يقرأوا ليدركوا أن مساواتهم القرآن الكريم بنصوص الأناجيل الحالية أو الكتاب المقدس برمته يعد مساساً فادحا فى حق الإسلام، لكى لا أقول " كفراً ".. فلا يمكن مساواة الحق بالباطل.
وإلى إخواننا المسيحيين بكل فرقهم، لا يسعنى إلا تكرار ما سبق وقلته من قبل: أنه لا توجد خصومة شخصية بينى وبين أى مخلوق، ولا أنتقد المسيحية كديانة فى حد ذاتها، لكننى ضد عملية فرضها على العالم، ضد تنصير العالم وضد إقتلاع الإسلام والمسلمين، ليؤمن من شاء وليكفر من شاء، لكن تنصير المسلمين أمر مرفوض بكل المقاييس، فالدين عند الله هو الإسلام.

وفيما يلى النص اللاتينى الكامل لخطاب القديس جيروم ، ليقوم بمراجعة ترجمته من شاء من إخواننا الكرام:



Sancti Hieronymi operum Tomus Primus
Incipit praefatio
Sti Hieronymi Presbyteri in
Quatuor evangelia

Beatissimo Papae Damaso Hieronymus

Novum opus facere me cogis ex veteri : ut post exemplaria ************************urarum toto orbe dispersa, quasi quidam arbiter sedeam : & quia inter se variant, quae sint illa quae quum Graeca consentiant veritate, decernam. Pius labor, sed periculosa praesumtio, judicare de coeteris, ipsum ab omnibus judicandum : senis mutare linguam, & canescentem jam mundum ad initia retrahere parvulorum. Quis enim doctus pariter vel indoctus, cum in manus volumen assumserit, & à saliva quam semel imbitit, viderit discrepare quod lectitat ; non statim erumpat in vocem, me falsarium, me clamans esse sacrilegum, qui audeam aliquid in veteribus libris addere, mutare, corrigere ? Adversus quam invidiam duplex caussa me sonsolatur : quod & tu qui summus sacerdos es, fieri jubes : & verum non esse quod variat, etiam maledicorum testimonio comprobatur. Si enim Latinis exemplaribus fides est adhibenda, respondeant quibus : tot enim sunt exemplaria paene quot codices. Sin autem veritas est quaerenda de pluribus : cur non ad Graecam originem revertentes, ea quae vel à vitiosis interpretibus male edita, vel a praesumtoribus imperitis emendata perversius, vel à librariis dormitantibus aut addita sunt, aut mutata, corrigimus ? Neque vero ego de Veteri disputo Testamento, quod à septuaginta quid Aquila, quid Symmachus sapiant, quare Theodotion inter novos & veteres medius incedat. Sit illa vera interpretatio quam Apostoli probaverunt. De novo nunc loquor Testamento : quod Graecum esse non dubium est, excepto Apostolo Matttheo, qui primus in Judaea Evangelium Christi Hebraïcis litteris edidit. Hoc certe quum in nostro sermone discordat, & (a ) diversos rivulorum tramites ducit : uno de fonte quaerundum est. Praetermitto eos codices quos à Luciano & Hesychio nuncupatos, paucorum hominum asserit perversa ****************************io : quibus utique nec in veteri Instrumento post septuaginta Interpretes emendare quid licuit, nec in novo profuit emendasse : quum multarum gentium linguis ************************ura ante translata, doceat falsa esse quae addita sunt. Igitur haec praesens praefatiuncula pollicetur quattuor tantum Evangelia, quorum ordo est iste, Matthaeus, Marcus, Lucas, Johannes : codicum Graecorum emendata collatione, sed veterum. Quae ne multum à lectionis Latinae consuetudine discreparant, ita calamo ( b)temperavimus, ut his tantum quae sensum videbantur mutare correctis, reliqua manere pateremur ut fuerant. Canones quoque, quos Eusebius Caesariensis Episcopus Alexandrinum sequutus Ammonium, in decem numeros ordinavit, sicut in Graeco habentur, expressimus. Quod si quis de curiosis voluerit nosse, quae in Evangeliis, vel eadem, vel vicina, vel sola sint, eorum distinctione cognoscat. Magnus siquidem hic in nostris codicibus error inolevit, dum quod in eadem re alius Evangelista plus dixit, in alio quia minus putaverint, (c) addiderunt. Vel dum eumdem sensum alius aliter expressit, ille qui unum è quattuor primum legerat, ad ejus exemplum coeteros quoque aestimaverit emendandos. Unde accidit ut apud nos mixta sint omnia, & in Marco plura Lucae atque Matthaei, Rursum in Matthaeo plura Johannis & Marci, & in coeteris reliquorum quae aliis propria sunt, inveniantur. Quum itaque canones legeris qui subjecti sunt, consusionis errore sublato, & similia omnius scies, & singulis sua quaeque restitues. In Canone primo concordant quattuor, Mattheeus, Marcus, Lucas, Johannes. In secundo tres, Matthaeus, Marcus, Lucas. In tertio tres, Matthaeus, Lucas, Johannes. In quarto tres, Matthaeus, Marcus, Johannes. In quinto duo, Matthaeus, Lucas . In sexto, Matthaeus, Marcus. In septimo duo, Matthaeus, Johannes. In octavo duo, Lucas, Marcus. In nono duo, Lucas, Johannes. In decimo, propria (a) unusquisque quae non habentur in aliis, ediderunt. Singulis vero Evangeliis : ab uno incipiens usque ad sinem librorum, dispar numerus increscit. Hic nigro colore prae************************us, sub se habet alium ex minio numerum discolorem, quid ad decem usque procedens, indicat prior numerus, in quo sit canone requirendus. Quum igitur aperto codice, verbi gracia, illud sive, illud capitulum scire volueris cujus Canonis sit, statim ex subjecto numero doceberis, & recurrens ad principia, in quibus Canonem est distincta congeries, eodemque statim Canone ex titulo frontis invento, illum quem quaerebas numerum ejusdem Evangelistae, qui & ipse ex in************************ione signatur, invenies ; atque à vicino caeterorum tramitibus inspectis, quos numeros è regione habeant, annotabis : & quum scieris recurres ad volumina singolorum, & sine mora repertis numeris quos ante signaveras, reperies & loca in quibus vel eadem, vel vicina didixerunt (b) . Opto ut in Christo valeas, & mei memineris Papa beatissime.


(a) Ita MSS. omnes antiquiores ac melioris notae. Aliquot recentiores cum
editis legunt, in diversos rivulorum tramites : vel, ad diversosos, G c.


(b) Codices MSS. quamplures, imperavimus

(c ) Consule quae in Prolegomenis nostris diximus de Latino Matthaei Evangelio usu recepto in Ecclesia ante Hieronymum, ubi exempla proposuimus additamentorum hujusmadi.
http://www.alshaab.com/news.php?i=13400
================


خسيس عيش !!
الجهاد.. في مواجهة القرصنة والتسكع الغربي!!






بقلم: عبد الرحمن عبد الوهاب

يا ليتني بينك وبين المضره *** من غزة الشوكة إلى سكرة الموت
كان وما يزال الجهاد وسيظل إلى قيام الساعة بمثابة ذروة سنام الإسلام.. والذروة في العادة لا يرقى إليها المشلولون أو ذوي العاهات. لا يرقي إلى القمة إلا الأفذاذ من الرجال.. ومن أعلى القمة اذا قدر ونظرت إلى السفح.. ستجد الناس صغار كالنمل، صغار الاهتمامات.. صغار القضايا.. صغار المبادئ.. لأنهم لم يرقوا إلى القمة يوما ولم يتنسموا عبير المجد.. لذلك من تذوق طعم الجهاد يوما لن يقنع بالدون آو خسيس عيش. وسيركل الحياة وصفقات الذل.. وما أحب احد الحياة قط إلا ذل.
تناولها الشاعر:
وحب العيش اعبد كل حر*** وعلم سابغا أكل المرار
إلا أن هناك طائفة من الأحرار.. فقهوا أن لا ركوع إلا لله أو للضغط على الزناد.. فكان بالنسبة لهم مشروع حياة.
هُمُ الجِـبـــالُ فطئطــئ حين تذكُـــرُهُم ****عاشُوا وعاشُوا وما ماتوا وقدقُبِِضُوا
ما كنت اعتقد أن هذه الأمة العظيمة الرائعة ذات الحيثية والوجود والكيان وصفحات المجد والعنفوان.. أن تقنع في النهاية بخسيس عيش.. وثمة تساؤل بريء ماذا ينقصها ؟!!
وهي ذات الأرض وذات الجغرافيا وذات التاريخ.. وفوق كل هذا كتاب مجد (القران الكريم) نزل من السماء.. ونبي عظيم صلى الله عليه وسلم كان رائع السجايا والصفات والأخلاق.. ماذا ينقصها ؟!! وهتفنا بها دوما ان لو اقتدت بهذا العظيم بلغت الذروة واجتازت القنطرة من المجد، كي تعتلي الذروة الشماء وتكون في علو بالحياة وعليين في الآخرة ؟
حتى في الغرب يدركونها: ميراث العظماء تذكر الاسم العظيم وميراث النموذج
“The legacy of heroes is the memory of a great name and the inheritance of the greatest example.”
Benjamin Disraeli (British Prime Minister and Novelist. 1804-1881)
واي نموذج للبشرية أعظم من محمد بن عبد الله. الذي كان للعالمين رسولا وللثوار رسولا وللمقاتلين رسولا.. محمد الذي ملأ الكون زهرا وحبا وعدلا..
قال الغرب ان الزمن يكنس الغثاء ويترك الحقيقة كميراث للإنسانية.. وها نحن نقول لهم.. "ان تتعامل مع شخص المصطفى الكريم. دون أحكام مسبقة من مضللي البشرية والكذابين والدجالين.. وصل كثيرون إلى الحقيقة.. وهتفوا بها عاليا.. ان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.. هو النموذج الرائع الجدير بالاقتداء من الجنس البشري على الإطلاق..
ونتساءل لماذا وصلت امة المجد المؤثل إلى هذا الانتكاس للقناعة بخسيس عيش
عش عزيزا أو مت وأنت كريم **** بين طعن القنا وخفق البنود
عادة الفرسان لا يقنعوا بخسيس عيش في خلال قراءاتي وجدت نماذج باهرة ورائعة.. لا تقنع بما دون النجوم أو المجد.. رأيت مصعب بن عمير مضرجا في دمائه.. مصعب الذي كان مرفها.. فترك كل شيء.. وانتهى إلى فارس.. شعث في برده، ولكنه كان حرا عملاقا.. رأيت أيضا موسى بن أبي غسان وهو يذهب وحيدا إلى حدود غرناطة ليقاتل جيوش الفرنجة وحيدا حتى قتل وكانت له صولة.. رأيت الحسين ومعه عدد قليل من الأنصار لايتعدون السبعين رجلا وأطفال آل البيت يواجهون جيش دولة بكاملها مكون من ثلاثين ألفا. في مواجهة محسومة النتائج والنهايات.. إلا انه رفض أن يبايع يزيد.. أي رجولة تلك وأي بطولة تلك وأي عظمة تلك.. أنه أمر مثير للدهشة والانبهار.. رأيت الشيخ المجاهد عبد الله عزام وهو الدكتور الجامعي يترك مدرجات الدراسة والكتب والجامعة ويحمل البندقية ويقف على الثغور.. كانت أمور قلبت لدينا المعادلات رأسا على عقب في مضمار المجد والذود عن الأمة والانتصار للدين وإعلاء كلمة الله في الأرض.. نماذج رائعة في حياتي رأيتها.. رأيت فتحي الشقاقي وهو يخوض الملحمة.. رأيت عبد العزيز الرنتيسي والشيخ احمد ياسين.. فرسانا لم يرضوا إلا بالعيش العزيز ورفضوا خسيس عيش.. اجل وكان درب الشهادة هو ميدان العظماء.
أولئك أبائي فجئني بمثلهم اذا*** جمعتنا يا جرير المجامع
اما اليوم.. ماذا نرى.. صار الحكام عملاء كالمرتزقة في أفلام الوسترن (مدفوعي الأجر) والأمن العربي العلماني متصل في خط مباشر مع الموساد الإسرائيلي وCIA.. وكيف وصل الحاكم العربي لان يكون جزار صهيوني النزعة والأفكار.. ماذا ينقص الأمة ؟ كان لابد ان نتساءل ؟
وهي لديها إيمان بإله عظيم.. له المجد الذي لا يرام والصفات الحسنى وبيده ملكوت كل شيء.. وبيده إيتاء الملك ونزع الملك.. وأمره أن يقول للشيء كن فيكون.. ماذا ينقصها في ان تعقد معه عهدا على إعلاء كلمته في الأرض.. إن الجحود والنكران والكفر بتلك النعم.. مؤداها سلب الملك.. والضياع.. والحضيض .. وما دون الحضيض.. لأنها جحدت نعم ربها وكفرت إلهها.. قال الشاعر القديم
اكتبوا بالجص من فوق قبره*** ألا لعن الرحمن من كفر النـعـم
إن الله تعالى لا يظلم الناس ولكن الناس أنفسهم يظلمون.. كيف ترضى هذه الأمة بالدون وخسيس عيش.. ومليارات النفط تكفي لتحرير ليس فلسطين واحدة.. بل ألف فلسطين.. هذه الأمة.. ماذا ينقصها ؟! أيريدون مقاتلين ؟ فقط قولوا حي على الجهاد وسيجيبكم مليار لبيك.. تهز العالم.. وتخلع الجبال من رواسيها..
ولكن ملياراتها في بنوك الغرب واغمدوا السيوف في الصحراء حتى يجيب العدم.. ومع هذا.. يحتل الكافر أراضيهم.. وينتهك أعراضهم ويقابلونه بالرحابة وسعة الصدر ونتساءل ألا يخجلون ؟! قالوا ان الخجل عملية أخلاقية.. وقالوا أنها كيميائية في المخ.. تنسحب حمرة على الوجه.. فمن أي طينة انتم ؟!! ما رأينا في دول العالمين أن يقلدوا الأوسمة للمحتل.. كما صرخ بها احد الكتاب.. فلتثكلكم أمهاتكم.. ذبحتمونا يا عرب ؟! وماذا بعد ذلك. نقولها لكم من النهاية.. أمريكا لا تريد الخروج من العراق وماذا جنيتم علينا يا براقش. والذبح صار على الهوية.. وهناك من رضخ للعدو.. كي يرمي له عظمة في النهاية.. أمريكا وعملاء الاحتلال.. يقومون اليوم بتصفية المقاومة شارع شارع وبيت بيت ومدينة مدينة بالعراق.. والقاهرة قنعت بخسيس عيش ولا تريد الضلوع بيوم مجد يذكره التاريخ.. بل سيذكر التاريخ لها أيام عار. كان منها مؤخرا أن القاهرة لا تريد فتح معبر رفح حتى الإفراج عن شاليط.. وكأنها تساوم غزة على أن تأكل من ثدييها.. وان لم تأكل من ثدييها لن تفتح القاهرة المعبر.. أرأيتم مثل هذا العار على امة من العالمين.. وما عرفت القاهرة ولا العرب.. أن في غزة رجال عجم عودهم. وفي بغداد فرسان لا يشق لهم غبار. فرسان لعنوا هذه الألاعيب الصبيانية من فقه التصهين.. غزة تعرف ما تريد إسرائيل وما يريد نظام القاهرة وما يريد العرب.. ومن النهاية لن تآكل غزة من ثدييها.. ومازالت تنتفض بغداد كالعنقاء من تحت الركام.
وألف الف فارس.. يقولون
عدمنا خيلنا ان لم تروها **** تثير النقع موعدها بغداد
وليقنع بقية العرب بخسيس عيش.
*****

الجهاد.. في مواجهة القرصنة والتسكع الغربي!!

منذ ربع قرن تقريبا وفي مدرجات الجامعة، ثمة محاضرة في الشعر الأميركي وكانت قصيدة ت.س.اليوت (الأرض الخراب) هي مثار الأحداث، وقامت دكتورة الأدب الانجليزي والأميركي بتشريح النص معنا وتناولت سمات وخصائص الأدب الأميركي.. وكيف أن إليوت ضاقت به مفردات الانجليزية، ليضع كلمة(يفرز) وأتت الدكتورة بـ - يفرز - كترجمة للمفردة بالغة التهذيب رحمة بالذوق العام.. ورحمة بحياءها – الأنثوى- المعهود.. لاحظنا يومها أن الأدب الأمريكي (قليل الذوق) بل (ويصدم الذوق البريء) حتى وان افترضنا أن كان مؤداها الرمزي من اليوت وبما تحمله القصيدة من رمزيات، أن الحضارة( أفسدت ذوقنا) كأمريكيين.. كان بجانبي زميلي شريف عبد الله.. وكتب فوق المفردة..( يتغوط ) بلفظها (الدارج).. نظر إلي نظرة استغراب.. وابتسم بعدما مد شفتيه تقززا.. ومن ثم تابعنا الدكتورة.. وكان من الغريب ان ذلك لم يكن استنباطا منا عبر القصيدة بل قالها بريان الديس صراحة "إن الحضارة هي المسافة التي يقع فيها الإنسان بين نفسه وبين غائطه". رأينا ان الأدب الأمريكي.. موضوع يحكمه لوي الزراع.. وليس الإبداع..
Civilization is the distance man has placed between himself and his excreta. ~Brian Aldiss
وهذا يعبر عن مدى سقوط الحضارة الغربية.. ذوقيا وحضاريا.. ولكن ترانا ماذا بعد أن (تغوط) أو (افرز) جورج بوش في العراق (حسب تعبير الدكتورة). وها هو الآن على وشك أن يمضى.. دون أن يستنزه أو يستجمر من عملته. وترك لنا his excreta)) كما قال بريان أعلاه.. أيعقل هذا بعد أن بال على امة الإسلام في العراق.. أن يمضي دون حساب أو محاكمة!!
هل صارت الأمة (مبولة) العالم.. لكل من أراد أن يبول علينا من كلاب الأرض.. وعذرا في التعبير..
اين سيوف الهند..
اين قول ابو فراس..
جلبت سيوف الهند من كل بلدة ****وأعددت للهيجا كل مجالد
اين قول الفارس..
ستذكر ايامي نمير وعامر .. وكعب على علاتها وكلاب

قضية الذوق هذه.. تناولها.. جون ماير في رسالة إلى ج بي ما كينزي.. أن التضخم الوثني للحضارة دمر الطبيعة بشكل عام، والشعر، وكل شيء روحي..
The gross heathenism of civilization has generally destroyed nature, and poetry, and all that is spiritual. ~John Muir, letter to J.B. McChesney, 19 September 1871
وكان رأي الدكتورة زينب عبد العزيز.. موضحا للرؤية إلى أبعد حد ممكن كدكتورة في الحضارة الفرنسية وعلي علم بسياق الحضارات حيث تقول:
المجتمع الأمريكي حديث العهد، عمره 200 سنة تقريبا، تكون من "غوائط" الحضارة الأوروبية.. خريجى السجون والمجرمين والعاهرات.. عملية نقل حثالة مجتمع ليعمّروا بها أو ليسبّخوا بها أرض من اقتلعوهم من السكان الأصليين للأمريكتين.. فهى عبارة عن غوائط تم غرسها مكان حضارة مقتلعة، فأنبتت حضارة أصلها غائط ومذهبها الإجرام الذى تشربته باقتلاع الآخر أى قائمة على الإجرام والعربدة.
المشكلة الاكبرى هى: لماذا نقبل نحن، يا من كنا خير أمة أخرجت للناس بأن يحكمنا مثل هؤلاء القوم ؟ لماذا نخضع لهم ولا نخضع لكتاب الله عز وجل الذى إذا اتبعناه لما ضل فينا اى إنسان ؟ جشع المال ؟ الله اعلم..
وكان مما اثارته الدكتورة زينب في تساؤلها المفصلي للواقع العربي والإسلامي عموما.. هل هو جشع المال ؟ يبدو أن أخلاق العرب والمسلمين أصبحت قيد التعطيل.. أو معطلةout of order كما يقول الفرنجة.. لا تسألوني عن وائل وتغلب .. ومرة وخزاعة وقريش وهاشم !!
كنا يوما.. مليء السمع والبصر، أمه لها المجد فوق الثريا، وغدونا في الذل نعل البغال..
خسيس سياسة، وخسيس مغنم، وخسيس عيش، وخسيس حكام، وخسيس سلام، وخسيس مواقف..
تا الله أيحدث ذلك.. هذا بعد معلقات عمرو بن كلثوم التغلبي، في الجاهلية، هذا بعد (كتاب مجد) نزل من السماء (القران الكريم).. علمنا البطولة والشموخ.. علمنا كيف نمتطي صهوات الجياد.. وضرب الرقاب والإثخان وشد الوثاق حتى تضع الحرب أوزارها.. (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) (محمد : 4 )
إلا أن جيادنا كبت وأسيافنا صدئت.. فكان لابد لنا أن ننفض عن المجد غبار التاريخ.. وكان لابد لنا.. ان نعقم جراحنا بالرغم من الألم.. كي لا تلتئم على فساد او اتساخ.. كانت تأنف العروبة من خسيس أفعال قد يخطها التاريخ.. حتى وأن كانوا كفار..
فما بالنا بخسيس يعرب فيما بعد الإسلام بالقرن العشرين والواحد والعشرين التي تقوم بالنقل المباشر للحدث من غزة والعراق وأفغانستان والبوسنة.. لتكون فضيحتنا على عينك يا تاجر واليكم التفاصيل..
عربنا اليوم، من أجل جشع المال.. يبيع الأخ أخيه.. ويطعن الرفيق رفيقه.. وصار الطعن في الظهر هو العرف المألوف في أزمنة الأوغاد.. لم يعد هناك حاتم طيء.. ولا سيف خالد.. ولا رماح ردينه.. أيامنا اليوم.. عصور الانكسار والانبطاح.. ضابط الأمن العربي بارع في فنون التعذيب.. فقط مهمته ان تحول له أميركا من تريد تعذيبه.. وينزع منك رصيد الإيمان وشموخ الإيمان وبقايا الكرامة.. واعتزازك بالله..
قبل ترحيلك إلى غوانتنامو.. لأنه خسيس بالوكالة.. مقابل شيك من بني صهيون والأمريكان.. يسحق الإسلامي تحت النعال وتحت التعذيب.. الحاكم العربي مستعد أن يبيع (القرآن) ويحكم بغير ما أنزل الله.. مقابل رصيد تحوله أميركا إلى حسابه السري.. الإعلامي العربي.. مستعد أن يدبج مقالا او بحثا من الافتراء والكذب على الله ورسوله والاسلام مثل محمد البدري ويسهر عليه الليالي الطوال للطعن في الإسلام وللتطاول على الله في علاه (الله) من تقدست أسماؤه وتعالت صفاته في سماءه قدسا ومجدا وعزة وكبريا، مقابل تحويل مصرفي زهيد الأجر.. الصحفي العربي يسب محمد صلى الله عليه وسلم، كما يفعل سيد القمني لأنه لا حد في أزمنة الردة الحديثة.. والفساد مستشر من الحاكم.. حتى البواب. الحاكم العربي يحاصر أخيه في العراق وغزة.. ويمرر السفن كي تذبح الأمة من الوريد.. مقابل وجبة دسمة على مائدة جورج بوش.. وكان في أفغانستان فضيحة الأمة.. ركض الأفغانيين وراء الإسلاميين العرب أو ما اصطلح على تسميتهم (الأفغان العرب) ممن ذهبوا إلى هناك ليدافعوا عن حريم وعرض الأفغان فكان حال قوم الأفغان مع ضيوفهم العرب المقاتلين ومن لبوا النفير لنصرتهم.. مثل قوم لوط وعابر سبيل.. وسلموهم للأمريكان مقابل 100 دولار للرأس العربي.. ماذا نقول عن خسيس أقوام ابتلينا بهم في هذا الزمان.. كان تأنف منها مروءة العربي الشهم.. والمسلم التقي..
ألى أن وصل الحال.. إلى أن ضرب نزار في الحائط رأسه لآلاف المرات.. اخرج لنا معلقة على غرار عمرو بن كلثوم التغلبي.. ولكن كسياق مختلف..
يا أيها السيف الذي يلمع بين التبغ والقصب
يا أيها المهر الذي يصهل في برية الغضب
إياك أن تقرأ حرفاً من كتابات العرب
فحربهم إشاعة ..
وسيفهم خشب ..
وعشقهم خيانة
ووعدهم كذب
إياك أن تسمع حرفاً من خطابات العرب
فكلّها نحو .. وصرف ، وأدب
وكلّها أضغاث أحلام ، ووصلات طرب
لا تستغث بمازن ، أو وائل ، أو تغلب
فليس في معجم الأقوام ،
قوم اسمهم عرب !! .
فأنا لا ألوم نزار.. بقدر ما ألوم خسيس أقوام.. كفروا بالمجد الذي كان! وبقي لنا جيل ستار اكاديمي وشباب يتقصع كالنساء..
وتضيف الدكتورة زيبنب عبد العزيز : أن ما تقوم به السياسة الأمريكية أشبه ما يكون بعملية إنتقامية لمداراة ذلك الأصل المتدن الذى نموا منه وعليه، بفرض الإذلال وسيادتهم على العالم، وهى جزء من منطق رعاة البقر الإجرامى، وكأنهم يقولون: يقول التاريخ أننا من الحضيض لكننا صرنا الى القمة، لكنها قمة قائمة على الإجرام بكل أنواعه.. تابعت آراء المفكرين الغربيين نحو الحضارة الغربية. وكانت تتقارب نحو مضمون واحد.. وهو ان البشرية في طريقها الى النهاية. كان مؤداها البحث عن منهج مختلف في التفكير..
وهو ما قاله ت اس اليوت أيضا
ستقول الريح: كان هناك نسل من الشعوب التي كانت لا تؤمن بالله، نُصبهم الوحيد طريق الإسفلت وألف من كرات الغولف الضائعة، وكان هذا تصور لاليوت لحال ما بعد دمار العالم.. لما ستقوله الريح حسب تصوره، حول الحضارة الغربية. ولخصها أنها حضارة ترتكز على (شعوب ملحدة كافرة) وان ثمة شيئان من النصب، هو طريق الإسفلت.. وألف من كرات الغولف ربما يدرك اليوت من طيات كلامه ان البشرية في طريقها الفعلي إلى الدمار الهائل، حال تسفي على ساحة الكون الريح. كما نشاهد في الأفلام ثمة أرض خراب. وهواء يعصف باوراق الخريف.. ليس هناك ما تجلبه كاميرا الفيلم إلا الطرق الاسفلتيه وكرات الغولف المبعثرة.
وقال مارتن فيشر: الحضارة الحية تجلب الموت وتبني المتاحف.. ومن هنا أدرك رجال الفكر. انه لابد من وضع حلول..
قال البرت أينشتاين "نحتاج بشكل جذري الى نوع جديد من الفكر إذا أرادت البشرية الحياة ":We shall require a substantially new manner of thinking if mankind is to survive. ~Albert Einstein
وقال توماس كارليل: الحضارة فقط غلاف مازالت تنفجر من خلاله الطبيعة الوحشية، الدنيئة دوما للإنسان..
Is man's civilization only a wrappage, through which the savage nature of him can still burst, infernal as ever? ~Thomas Carlyle, The French Revolution, vol III, book V, chapter 7.
وقال جوليوس دي جونكور: يتم الحاجة إلى الهمجية كل أربعمائة أو خمسمائة عام كي نعيد العالم إلى الحياة وإلا سيموت بسبب الحضارة.
Barbarism is needed every four or five hundred years to bring the world back to life. Otherwise it would die of civilization. ~Edmond and Jules de Goncourt, Journal, 3 September 1855
**
كان فيما ذكرنا أعلاه مرئيات الحضارة التي أفسدت الذوق.. والحياة.. وكان ما طرحه اينشتاين أن لابد من انتهاج طريق جديد في الفكر كي تحيا البشرية.. وهل الحل لكما قال دي جنونكور ان تعود البشرية إلى الهمجية كحل غير عقلاني ولا يسمن ولا يغني من جوع ونتساءل هل يا ترى بعد كل ما رأيناه في ابو غريب أو جوانتنامو ثمة محطات أخرى من الهمجيات للغرب.. أكثر من ذلك.. اعتقد أن البشرية لا تحتمل نوع من السفاهة أكثر من ذلك. يبدو أن البشرية في محطاتها الى السقوط.. بعد هذا الكم من الأسلحة التي لها القدرة على إبادة الجنس البشري مرات ومرات.. إذ لا مناص.. أن تأخذ الأمة الإسلامية تحديدا على أيدي هؤلاء السفهاء ونقول الأمة الإسلامية تحديدا.. كخير امة أخرجت للناس بحيثيات الأمر والنهي والايمان بالله.
(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران : 110 )
واذا حاولنا ان نقف على مربط الفرس. سنجد ان لكل امة موروث فكري.. ومباديء لا تفرط فيها.. إن الغربي لا يجد أن القرصنة والتسكع على بلاد الآخرين جريمة او نوع من العار.. فهذا شيء يجري في الدماء.. بمعني ان اللصوصية.. لا يأنف منها الغربي.. بل انه يعتبرها بطولة.. انه يؤمن ان القتل من اجل الحصول على الثروة أمر مباح.. اذ ليس هناك وازع من أخلاق او ضمير وهو يمجد القرصنة والتسكع واللصوصية على يابسة وبحار العالم.
يقول جوني دب.. الحياة جميلة ولم لا تكون كذلك.. وأنا أحد القراصنة !!
Life's pretty good, and why wouldn't it be? I'm a pirate, after all.”
ويقول برن وليامز.. في السياق العام يأخذ الرجل العادي موقفا عدائيا إذا قلت له ان أبيك كان غير شريف.. ولكنه سيتباهي إذا ما قلت له أن أجداده العظماء كانوا قراصنة.
The average man will bristle if you say his father was dishonest, but he will brag a little if he discovers that his great-grandfather was a pirate.” Bern Williams
(American programmer and consultant)
ويقول مارك توين الآن وغدا وإذا ما حيينا وكنا طيبين سيتكرم علينا الرب بان نكون قراصنة..
بل إن الأمر يكاد ينسحب على قتل الأقربين من اجل الثروة. تقول لويزا ماي الكوت.. لكي تقتل قريبا كونك متضايق منه يعد شيئا ما.. ولكن لكي ترث أملاك من وراءه بعد ذلك فهذا شيء عظيم..
To kill a relative of whom you are tired is something. But to inherit his property afterwards, that is genuine pleasure…Louisa May Alcott (1832-1888) American author
ان القرصنة سلوك غربي. لنفوس مجبولة على الإجرام.. ولهذا أطلقناها في مقال قبلا وقلنا أن أمريكا تدعي الحضارة ويحكمها شمحطي. وهذا السياق لا يتفق مع السياق الإسلامي لا نصا ولا موضوعا. ولا عرفا ولا أخلاقيا. وإذا أردنا أن نعالج موقفنا الآن في ظل الهجمة الاستعمارية.. نحن الآن في وضع لا نحسد عليه.. بلادنا تحت السطو المسلح وأفعال القرصنة..
بداية يجب أن ندرك أننا اليوم تشن علينا حرب اسمها حرب الأفكار.war of ideas وهي كما قال جون أبي زيد.. أنها تتماشى مع الحرب العسكرية سواء بسواء..
وكان للأفكار أهمية كبرى في نهضة الأمم.. وأيضا انتكاستها على الجهة الأخرى. والكفر الغربي يدرك ذلك جيدا يقول جون فينسنت: الأفكار هي العناصر التي ترفع الحضارة وهي التي تخلق الثورات وهناك ديناميت في الأفكار أكثر من كل القنابل..
Ideas are the factors that lift civilization. They create revolutions. There is more dynamite in an idea than in many bombs. -John H. Vincent
وقال فيكتور هوجو.. هناك شيء واحد أقوى من كل جيوش العالم وهي الفكرة التي حان وقتها.
There is one thing stronger than all the armies in the world, and that is an idea whose time has come. -Victor Hugo
وإذا أردنا أن نعالج الموقف فكريا.. في حرب الأفكار المفروضة علينا.. نجد أن الغرب وقح ولا يستحي، بل نراه يتسكع على يابستنا ويحرم علينا القتال.. ينتهك أعراضنا ويقول أن القتال جريمة.. ونرى الطابور من دعاريي الفكر يرددون أقاويله ويترجمونها ويمررونها إلى القاريء وبدلا من أن تنهض الأمة لكي تدافع عن أرضها وكرامتها.. حاصروا كل فارس وقال أن دار الإفتاء في واشنطن تقول أن القتال حرام في الشريعة الإسلامية.
ألاعيب لا تنطلي على احد الأطفال الصغار حينما يقولون له ( كوخه عيب).. فكيف بها تنطلي على رجال الفكر.. إلا إذا كان المفكر ديوث.. ونطفة أمريكية في رحم عربي.. فكان تدسس العرق والميول الأهواء لواشطن بدلا من العروبة والإسلام..
خلاصة القول كانت حرب الأفكار تحديدا على فريضة الجهاد. لان في الفكرة ديناميت أكثر من القنابل.. والفكرة لا تستطيع ان تهزمها الجيوش كما قال هوجو.. فكانت محاولة لتقليم الأظافر. وتحويل الأمة إلى أسد مسلوب الأظافر والأنياب.. واتوا إلينا بفضائيات.. للرقص.. واتوا إلينا في الآونة الأخيرة بكل داعرات بني الأصفر من أميركا وبني يعرب من الشرق.. والشمال والجنوب كل هذا الى غرف نومنا.. من خلال.. الفضائيات.. فهل يستقيم هذا الحال والأمة في وضع حرب.. هل يستقيم الحال وأعراضنا تنتهك في أبو غريب حتى اللحظة.. انه مال العرب الذي ينفق لا في إطعام مسكين او جائع.. ولكن في جلب داعرة.. لترقص ومأبون يحتل الذروة على المسرح الفكري والسياسي..
خلاصة القول.. بعد هذا التمهيد.. نقول :الجهاد ..
فلا صلح حتى تعثر الخيل بالقنا *** ويضرب بالبيض الرقاق الجماجم
فللجهاد أهمية بالغة وعلو مكانة في الإسلام حيث قال المصطفى (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامة الجهاد في سبيل الله)
ومن هنا لما كان الجهاد ذروة السنام فكان أهم الواجبات وأعلاها..
وكانت الأدلة عديدة على وجوب الجهاد (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل * إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيئ قدير ) وقوله سبحانه وتعالى (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) وقوله سبحانه وتعالى (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين) الآية.
بل وكانت خلاصة الأمر.. في هذا الحديث الشريف الذي يلخص الداء والعلاج.. قال صلى الله عليه وسلم ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم ) ويستخلص من هذا الحديث الشريف أن الذي يترك الجهاد ويقعد عنه على خطر كبير من الخروج عن الدين، يفهم هذا المعنى من قوله صلى الله عليه وسلم ( حتى تراجعوا دينكم ) . كما قال الشيخ حمود الشعيبي
قال صلى الله عليه وسلم ( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق ) رواه مسلم.
ثواب الجهاد:
محبة الله ورضاه.. قال تعالى { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تـجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن } وقال سبحانه وتعالى { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ....} الآية . وهم إنما بايعوه على الجهاد، وقال تعالى { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله } وقوله تعالى { فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما } وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم الذي لايفطر والقائم الذي لايفتر ) أو كما قال علية الصلاة والسلام .
سل الرماح العوالي عن معالينا واستشهدي**** البيض هل خاب الرجا فينا..
خلاصة الامر في هذا السياق إننا في هذا الوقت نشاهد نوعا من الردة الإسلامية.. ومسرحية هزلية على مسرح الأحداث.. ففي الفقه الإسلامي انه من أنكر حرف من القرآن فقد كفر.. كما قال أبو قدامة المقدسي في لمعة الاعتقاد.. فكيف بالقوم وقد أنكروا آيات الجهاد كيف يحدث هذا.. ولم ترجمهم الشعوب بالنعال ولم يخرجونهم من المساجد.. يبدو ان القوم في حال من اللاوعي أو يظنوا ان الموضوع سهل لأي داعر غربي.. أن يتسلق حائط الأمة.. يحرق الحرث والنسل وينتهك أعراض الأمة ويعيث في الأرض فسادا، دون أن يكون هناك ملحمة يقف لها التاريخ.. ان الملحمة في العراق هي ملحمة الوجود الإسلامي في القرن الواحد والعشرين.. ومن يزيف تلك الحقائق.. او يميعها.. فانه يميعها ويزيفها لصالح أميركا لا أكثر.. وكما قال الدكتور المنجرة في المغرب.. ان الخيانة الفكرية أسوا أنواع الخيانات.. فما بالنا لو كانت الخيانة.. بصدد الأمة والدين.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال : 27 )
أجل إنها اليوم ملحمة المجد والجهاد لتحرير الأوطان.
انها الملحمة تدور رحاها اليوم: تحياتي الى كل الفرسان في ساحات الوغى.. في بغداد والقدس وغزة وأفغانستان.. تبا للخونة، وليحيا الشرفاء.. وليرحم الله الشهداء.







التوقيع :
اذا اردت اجابة على سؤال لك ابحث اولا في هذا الرابط ستجد الجواب ان شاء الله
محرك بحث من قوقول خاص في منتدى الدفاع عن السنة

http://tinyurl.com/55wyu5
من مواضيعي في المنتدى
»» "الازاحة" في الدين الشيعي كتابات - عبد الله الفقير
»» من الإعجاز العلمي في السنة النبوية خلق الله طول آدم على صورته زغلول النجار
»» تشييع مصر خط أحمر
»» العمانيون ونحن كتب محمد بن إبراهيم الشيباني
»» الرد على ما هي السنة حفظ السنة من المنافقين التواتر والقطعي والظني حجية الآحاد
 
قديم 08-09-08, 06:19 AM   رقم المشاركة : 4
معتمد
عضو ينتظر التفعيل





معتمد غير متصل

معتمد is on a distinguished road


المسلمون ومستنقع الفاتيكان

المسلمون ومستنقع الفاتيكان..

الدكتورة زينب عبد العزيز



أستاذة الحضارة الفرنسية

.. وانزلق علماء المسلمين فى مستقع الفاتيكان ورماله المتحركة .. وكلاهما ، المستنقع والرمال المتحركة ، يتضمن معنى الإنجراف والسقوط غوصا فيما لا تحمد عقباه ! وذلك بكل أسف ما ظللت أكتب وأحذر منه منذ حوالى عشرين عاما .. لكن ، من الواضح أن المسؤلين عن أمة "إقرأ" لا يقرأون ، وإن قرأوا لا يدركون ، أو لعلهم من هول الصدمة لا يصدّقون ، فيرددون "مش ممكن ، مش معقول !" ..

لقد انعقد "مؤتمر مكة للحوار العالمى"( المؤسف ) من 4 إلى 6/6/2008 ، وفى نفس يوم الإعلان عن قراراته ( التى تناولتها فى مقال " وتمخض المؤتمر عن مطالب بنديكت" ) ، أعلن الكاردينال جان لوى توران رئيس "مجلس الحوار البابوى مع المسلمين" عن ضرورة حذف آيات الجهاد من القرآن الكريم .. وهو نفس الشخص الذى كان قد أعلن منذ عدة أشهر قائلا : "أن الحوار مع المسلمين غير ممكن طالما هم مقتنعون بأن القرآن منزّل من عند الله" .. وهذا القول تم نشره فى الصحف الرسمية والمعارضة والعديد من المواقع الإلكترونية .. ورغمها ، واصلنا الحوار !.. والمشكلة فى مواصلة الحوار هنا أنه يتم دائما أبدا بالمفهوم الكنسى وليس بالمفهوم الإسلامى ، أى بفكرة : " ان يتم الحوار لكسب الوقت إلى أن يتم التنصير"، وهو ما أعلنه الفاتيكان فى نصوص وتصريحات لا حصر لها ، وليس بفكرة : "الوصول إلى الحق وتطبيقه بدون لىّ الرقاب وترويعها" ..

وفى أثناء إنعقاد المؤتمر فى مكة ، أعلن الكاردينال توران يوم 5 يونيو أنه يُعد وثيقة جديدة ـ بناء على طلب بنديكت 16 ـ تحدد أساليب الحوار الدينى وخطوطه العريضة موضحا : " وسوف يكون هذا النص مستوحى من الوصايا العشر وينطلق من فكرة أن كل المؤمنين يوجد فيما بينهم عدة نقاط مشتركة ، هى : الإيمان بالإله الواحد ، قدسية الحياة ، ضرورة الأخوة ، وتجربة الصلاة التى هى لغة الدين ".

ثم أضاف قائلا فى حديث صحافى : " آن للأتباع تقاسم معتقداتهم الروحية وأخذ معتقدات غيرهم فى الإعتبار (...) نعلم أن الله هو الواحد الذى يعطى معنى لحيانتا وللتاريخ البشرى (...) ونحن كمسيحيين نعلم أن الروح القدس يعمل تأثيره فى كل رجل وكل إمرأة بغض الطرف عن عقيدته ، كما يجب علينا إعلان أن المسيح هو الطريق ، الحقيقة ، والحياة "، أى أننا مؤهلون لتقبل المسيحية تلقائيا، ثم أضاف قائلا: " أن يسوع قد كشف لنا الحقيقة حول الله والحقيقة حول الإنسان ، وهو ما يعنى بالنسبة لنا : النبأ السعيد ، ولا يمكننا كتمان هذه الحقيقة وإخفائها" ..

ويضيف ذلك البيان الذى القاه الكاردينال فى الجمعية العامة العاشرة للمجلس البابوى للحوار المنعقدة تحت عنوان : "حول الحقيقة والمحبة ، توجيهات رعوية " ، يوم 5/6/2008 ، أن مجموعة من المثقفين المسلمين الإيطاليين قد أعربوا فى بيان لهم عن رضاهم لقرار الفاتيكان بعمل وثيقة تتضمن الخطوط العريضة للحوار بين الكاثوليك والعقائد الأخرى بما فيها الإسلام ، ويقصد بالطبع المسلمين الموالون له والذين يستخدمهم لتنفيذ مآربه لتبدو وكأنها برضاهم ..

وفى يوم 8 يونيو ، فى الكلمة الختامية لتلك الجمعية العاشرة أعلن بنديكت 16 عن أهمية الإعداد للحوار " الذى يجب أن يكون الطريق إلى الإيمان "، مشيرا لتأييده قرارهم "بتحديد موقف الكنيسة الكاثوليكية من أتباع العقائد الدينية الأخرى "، مذكراً " بأن يكون ذلك الحوار أصيلا .. وأن يكون الهدف الأول للحوار هو اكتشاف الحقيقة والمحبة اللتان يحركهما خضوعهما للمهمة الإلهية التى أسندها ربنا يسوع المسيح لكنيسته".. ثم أضاف قائلا : "ومن أهم المسائل العملية لذلك : تحديد هوية شركاءنا فى الحوار ، التعليم الدينى فى المدارس ، الإرتداد ، التبشير ، المعاملة بالمثل ، حرية العقيدة ، ودور القيادات الدينية فى المجتمع " .. ثم أضاف البابا قائلا بوضوح لا لبس فيه : " وهذه المحبة تدفع المسيحيين الذين يتحاورون مع مؤمنين آخرين أن يقترحوا عليهم ـ دون أن يفرضوه ـ عقيدة الإيمان بالمسيح كطريق للحقيقة والحياة، إذ أن الإيمان المسيحى يعلم أن الحقيقة والعدل والمحبة ليست مجرد مثاليات وإنما حقائق فعلية "..

وتجدر الإشارة هنا إلى تكرار البابا لتلك العبارة التى قالها صراحة أيضا عند زيارته للولايات المتحدة ، والتقى خلالها بوفد من ممثلى العقائد الأخرى والمسلمين، وعرض عليهم نفس ذلك القول : " أن المسيحيين لا يملكون إلا عرض الإيمان المسيحى على المسلمين ، وإن ذلك هو ما سوف يعرضونه عليهم فى المنتدى المزمع إقامته فى شهر نوفمبر من هذا العام "..

وإذا ما قمنا بتوضيح المرادف أو شرح المقابل لكل مطلب من هذه المطالب أو لأهمها، وفقا لمعانيها فى النصوص الفاتيكانية السابقة ، لأدركنا أن الحوار هو طاعة المهمة التى أسندها "ربنا يسوع المسيح للكنيسة" ، وهى : " إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس " ( متى 28 : 19) ، أى أن يعمّدوا جميع الشعوب باسم الثالوث .. الثالوث الذى تم إبتداعه فى مجمع القسطنطينية عام 381 !!.. وهنا لا بد من توضيح أن هذه الآية إضافة محشورة أو تحريف متعمّد فى نص الإنجيل المفترض كتابته ـ كما تقول الكنيسة فى سنة 90 م ، فكيف نجد به عقيدة تم إختلاقها وصياغتها رسميا بعد هذا التاريخ ب 261 سنة ؟! وكلها وثائق وتواريخ كنسية رسمية موجودة ومتداولة !! .. وبذلك تسقط فرية "ضرورة تنصير العالم" ، فالمسيح عليه السلام لم يأت " إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة " ـ وفقا لتصريحه شخصيا فى إنجيل متى ( 15 : 24 ) !.. فأيهما نصدق : التحريف الكنسى الثابت بالوثائق أم قول يسوع عليه السلام ؟!

وإذا رجعنا إلى أهم ما فى تلك المسائل العملية فى أقوال البابا بخلاف التنصير المفروض "إلهيا" زوراً وبهتاناً، نجد مطلب الإرتداد ، ويقصد به إسقاط حد الردة ؛ ومطلب التبشير ، ويقصد به ألا يعتريه أى إعتراض ؛ ومطلب المعاملة بالمثل ، وهى العبارة التى لاحت فى الآونة الأخيرة خاصة عند زيارة خادم الحرمين الشريفين للفاتيكان ، ويقصد بها بناء كنائس فى المملكة بزعم أن بها حوالى مليون ونصف عمالة مسيحية ـ وكان الرقم قد بدأ بأنهم خمسمائة الف عامل وتزايد من نص لآخر ، ثم أضفوا عليهم عبارة "مواطنين" رغم القانون السائد عالميا بأن العمالة المؤقتة المدة لا تعد من المواطنين فى أى بلد من بلدان العالم ، وأنه مثلما توجد مساجد للمسلمين فى البلدان المسيحية ، يغض البابا الطرف عن هذه الحقائق الدولية وعن التعاليم الدينية الإسلامية بتحريم بناء كنائس فى أرض الحجاز، ليطالب بالمعاملة بالمثل؛ ومطلب حرية العقيدة ، ويقصد به أن يتاح لمن تنصر أن يعلن تنصيره على الملأ دون أن يتعرض لأى إزدراء أو إضطهاد من المجتمع الإسلامى؛ ودور القيادات الدينية فى المجتمع ، ويقصد به فرض تواجد الموالين له من "المسلمين" فى كافة المؤسسات العامة فى الدولة حتى يمكنهم القيام بتنفيذ المطلوب فاتيكانيا ..

وفى يوم الأربعاء 11 يونيو 2008 ، أى بعد خمسة أيام من مؤتمر مكة الدولى للحوار ، أعلنت وكالة الأنباء الفرنسية أن بنديكت 16 استقبل وفدا يضم رجال دين مسلمين أتوا للمشاركة فى إجتماع يُعقد فى الفاتيكان حول موضوع السلام والعدالة ، ومن بين هذا الوفد الأستاذ الجامعى الجزائرى مصطفى شريف ، الذى أعلن فى بيان قائلا : " أن الوفد المسلم يمثل المؤتمر الإسلامى الدولى الذى عقد فى مكة فى مطلع يونيو ، وأيد توطيد الحوار بين الديانات" .. بينما أوضحت جريدة "لوسّيرفاتورى رومانو" ، الناطقة باسم الفاتيكان ، أن الكاردينال جان لوى توران ، رئيس المجلس البابوى للحوار بين الأديان ، حضر اللقاء مع البابا.. وهو ما يوضح كيفية تتالى سير الأحداث فى المسلسل الذى يتم فيه اقتلاع الإسلام ، بأيدى بعض "المسلمين" ، الذين بات ولائهم بكل أسف ومرارة للمؤسسة الفاتيكانية التى تفصحهم بنشر أسمائهم !..

وفى ختام ذلك اللقاء الذى امتد حتى يوم الجمعة 13 يونيو ، صدر البيان المشترك الموقع عليه من الأستاذ الدكتور حامد بن أحمد الرفاعى ، رئيس المنتدى الإسلامى العالمى للحوار ، بالمملكة العربية السعودية ، ومثل الجانب الكاثوليكى الفاتيكانى الكاردينال جان لوى توران ، رئيس المجلس البابوى للحوار بين الأديان فى الفاتيكان.. وشارك فى الحوار إثنا عشر عضوا من كل جانب ، حول موضوع : "مسلمون ومسيحيون شهود لإله العدل والسلام والرحمة فى عالم يعانى من العنف"! وقد تضمن البيان خمس نقاط فيما يلى ، كما هى واردة فى موقع الفاتيكان :
1 - من كرامة الكائن البشرى تنبثق الحقوق والواجبات الأساسية.
2 - العدل هو أولوية فى عالمنا ويتطلب أكثر من تطبيق للأحكام القانونية السائدة ، فهو يتطلب احترام الحاجات الأساس لكل فرد ، ولكل شعب ، من خلال الحب والأخوة والتضامن ، وليس هناك سلام حقيقى ودائم بدون عدل.
3 - السلام هو هبة من الله. ويتطلب التزام كل إنسان وبخاصة المؤمنين ، فهم مدعوون لأن يكونوا شهودا يقظين من أجل إحلال السلام فى عالم يعانى من صنوف متعددة من العنف.
4 - مسلمون ومسيحيون نؤمن بأن الله رحيم. ولذلك نعتبر أن واجبنا الأساس بذل الرحمة مع كل إنسان وبخاصة المحتاج والضعيف.
5 - عندما تمارس الأديان بشكل صحيح ، فإنها ستساهم بشكل فعال فى تعزيز الأخوة والإنسجام بين أفراد الأسرة البشرية.

ومن مجرد مطالعة الأسلوب الذى تمت به صياغة هذا البيان نلحظ أن كاتبه حديث العهد باللغة العربية ، فكتابة "الكائن البشرى" كمقابل لكلمة l'être humain وتعنى "الإنسان" ، و"الله الرحيم" ، والمسلم عادة يكتب "الله الرحمن الرحيم" ، إلا أن كتابة الرحمن تشير الى خلافات دينية أساسية يُراد التعتيم عليها ، وغيرها ، وإن كانت بكلها تكشف أن دور الجانب الإسلامى قد اقتصر على التوقيع .. فكلها مطالب تمهد لما هو قادم من ضغوط وتنازلات ، إذ أن تلك القرارات الخمسة لم تكن بحاجة إلى إجتماعت ولقاءات إلا لأنها تمثل خطوة مرحلية توطئة لما يليها من خطوات ..

ومن متابعة التواريخ واللقاءات فى إطار الأحداث العامة، التى لم تقع ولا تدور إلا بسبب تواطؤ بعض اصحاب القرار من "المسلمين".. نرى أنه مخطط يتواصل حديثا منذ نجاح الغرب المسيحى المتعصب فى إسقاط نظام الخلافة و إعداده لغرس الكيان الصهيونى المحتل لأرض فلسطين .. مخطط يهدف إلى إقتلاع الإسلام وفرض عملية تطبيع دينية مع ذلك الكيان الصهيونى ..

فبخلاف عملية التطبيع السياسى-الإقتصادى الجماعى التى يعدّون لها من خلال المشروع الأوسطى المشبوه وغيره ، يوجد مشروع مماثل على المستوى الدينى ، بدت ملامحه من ذلك الخطاب الذى وقع عليه 138 من علماء المسلمين .. إذ "إعتمدوا على البحث عن المشترك واستبعاد كل ما ينص عليه القرآن ، متحدثين عن محبة الله ومحبة القريب مستشهدين بالعهد القديم والعهد الجديد، ويذكرون القرآن بالنسبة لدينهم ولا يستندون اليه للتحدث عن المسيحية ، وإنما يستشهدون بالأناجيل ، وذلك يعنى أنهم غضوا الطرف عن كل ما يتضمنه القرآن " ـ وهذه العبارة الكاشفة المهينة ليست لى وإنما هى تعليق للأسقف ميشيل سانتييه ، رئيس مجلس العلاقات بين الأديان فى فرنسا ، فى حديث أدلى به يوم 9/6/2008 لأحد المواقع الفاتيكانية ..

فالمشروع الخاص بالحوار الذى يعدّونه إعتمادا على الوصايا العشر ، لتقديمه فى منتدى الحوار الذى سيُعقد فى نوفمبر 2008 بالفاتيكان ، و كل ما لا يكف البابا عن إعلانه ، من أن الطريق الوحيد المتاح للمسلمين هو يسوع المسيح ، والإعلان فى نفس الوقت وفى أكثر من وثيقة : "أن يسوع يهودى" ، وهو ما لم يكن أى إنسان يجروء على قوله ، يوضح أن هناك خطان يتصارعان أو يتوازيان :

موقف هيستيريا الفاتيكان لتنصير العالم والإعداد لمحاولة تنصير المسلمين سياسيا ـ وهو ما دفع بنديكت 16 بالذهاب إلى هيئة الأمم وطلب تدخلها رسميا لفرض حرية العقيدة ، وإعلانه أكثر من مرة أنه لن يكسر تفاخر المسلمين بدينهم إلا حرب تفرض عليهم ويخسرونها فيفرض عليهم التنصير ..

وموقف الضغوط الصهيونية على المؤسسة الفاتيكانية التى لم تكف عن تقديم التنازلات للكيان الصهيونى المحتل لأرض فلسطين ، خاصة منذ تبرأة اليهود من دم المسيح ، فى مجمع الفاتيكان الثانى 1965، الذى شرخ البنيان الكنسى شرخا لا رجعة فيه بخروجه صراحة عن التعاليم التى أوجدها وغرسها قمعا وقهرا منذ القرن الرابع الميلادى ..

فهل هناك أى مخرج من ذلك المستنقع الفاتيكانى الذى غاص فيه علماء المسلمين؟!







التوقيع :
اذا اردت اجابة على سؤال لك ابحث اولا في هذا الرابط ستجد الجواب ان شاء الله
محرك بحث من قوقول خاص في منتدى الدفاع عن السنة

http://tinyurl.com/55wyu5
من مواضيعي في المنتدى
»» نائب الرئيس الايراني ايران صديقة الشعب الاسرائيلي
»» ملف اكاذيب الشيعة على فتاوي مشايخ اهل السنة
»» أيها الشيعه 00 لقد قال سَفيهُكم على الله شططا : بقلم : أبو سعيد
»» النائب الشيعي الكويتي يعترض على تصريح وزير الخارجية الكويتي ضد ايران
»» دول الخليج عدا الكويت تعض على جرح ربط عملاتها بالدولار
 
قديم 08-09-08, 06:21 AM   رقم المشاركة : 5
معتمد
عضو ينتظر التفعيل





معتمد غير متصل

معتمد is on a distinguished road


تعقيب على مقال الدكتور ميلاد منصور على مقالى هيستريا تنصير العالم

تعقيب على مقال الدكتور ميلاد منصور
المنشور بجريدة القدس العربى يوم 27/12/2007
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذ الحضارة الفرنسية


لقد كتب الدكتور ميلاد منصور، أستاذ تاريخ العصور الوسطى ، تعليقا على مقالى "هيستريا تنصير العالم" (المنشور أول ديسمبر الماضى فى جريدة القدس العربى)، ونشره فى نفس جريدة القدس العربى بتاريخ 27/12/2007 ، وقمت بالرد عليه وأرسلت ردى إلى الجريدة الموقرة ، إلا أن المسؤلين عنها قد رفضوا نشر تعقيبى ، متغاضين بذلك عن العرف المتبع عالميا و أنه من حق الإنسان الرد على أى مقال يتناول عمله فى نفس الجريدة وفى نفس المكان ، ونظرا لأهمية الموضوع لذلك أرجو التكرم بنشر ردى فى موقعكم الموقر إحتراما للعرف والتقاليد الحضارية بين البشر .. ومرفق معه مقال "هيستريا تنصير" العالم و مقال "وثيقة فى زماننا " هذا لإرتباطهما بالموضوع ، لكى لا تتعب نفسك فى البحث عنهما.

مع شكرى وتقديرى
زينب عبد العزيز

============
نبذة حول.." ندوة عيسى "



بقلم: الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية

يمثل عام 2007 ، وخاصة شهر فبراير منه ، مرحلة من أهم مراحل أعمال "ندوة عيسى" الأربع ،إذ سيخرج بعدها العلماء العاملين بها برؤية جديدة حول تاريخ "أصول المسيحية"، ليقدموا بناء على كل هذه الأبحاث والمراجعات تراثا مسيحيا جديدا ، يعتمد على مراجعة الوثائق و الحقائق التاريخية التى يمكن إثباتها وليس على الأغراض السياسية والكنسية أو على فرض الإيمان بها قهراً..
فقد قام معهد ويسْتار( Westar ) بالولايات المتحدة الأمريكية بتنظيم حلقة بحثية ممتدة الأجل ، اشتهرت فى العالم الغربى باسم " ندوة عيسى" (Jesus Seminar) ، حتى وان اختلفت موضوعات الأبحاث ، وذلك لتجديد فتح ملف البحث عن يسوع التاريخى، بمعنى : البحث عن حقيقة ما يكون قد قاله وعمله فعلا ، فى الواقع، وليس كما تقدمه المؤسسة الكنسية منذ القرن الرابع الميلادى ، ولتقديم نتائج هذه الأبحاث إلى اكبر قدر من القراء ، بدلا من حجبها أو بدلا من أن تظل بين أيدى قلة من العلماء الباحثين فى اللاهوت وتاريخه..
وقد بدأت هذه الفكرة عندما قرر ثلاثون عالما ، سنة 1985 ، قبول مهمة القيام بهذا العمل الضخم وكل ما يتضمنه من تحدٍ وعقبات. وسرعان ما انضم اليهم العديد من العلماء المتطلعين إلى معرفة الحقيقة فى هذا الموضوع التاريخى ، من مختلف أنحاء العالم ، ليصل عددهم إلى أكثر من مائتين من المتخصصين فى مختلف مجالات العلوم المسيحية. وذلك بسبب تزايد الأبحاث التى بدأت تؤكد ، فى القرنين الماضيين ، أن المسيح كما تقدمه الكنيسة لا سند تاريخى له..
وتتواصل هذه الحلقات البحثية منذ شهر مارس 1985 فى معهد ويسْتار ، إلى جانب تبنّيه عدة مشاريع أخرى فى نفس هذا المجال ، ومنها ندوة بولس ، وندوة النصوص المعتمدة أو القانونية ، وندوة أعمال الرسل .
ومعهد ويسْتار ليس مؤسسة مناهضة للدين المسيحى وإنما هو مؤسسة غير ربحية للأبحاث الخاصة بالعلوم والنصوص المسيحية للتعريف بها وللحد من تواصل إنهيار البنيان العتيد للمؤسسة الكنسية فى الغرب ، فذلك بات أمراً واقعاً لا يمكن إغفاله و يهز أركانها.. أى إن فكرة العاملين بالمعهد ليست إلغاء المسيحية ، وإنما محاولة نزع ما تراكم عليها من فريات وتناقضات عبر المجامع على مر العصور.. وذلك لأنه حتى عهد قريب كانت الأبحاث الأكاديمية تظل حبيسة الجامعات والمعاهد ، وعادة ما كانت تُمنع من النشر ، بزعم أنها شديدة التخصص ولن يفهمها عامة الناس! كما كان البعض يخشى بطش المؤسسة الكنسية وما يتبعها من لجان تأديبية باترة صارمة ، فكانوا يتناقلون المعلومات فيما بينهم ، لكثرة الأساتذة ورجال الدين الذين تم نسفهم لمجرد الإقتراب من محاولة الفهم أو التغيير من الأوضاع القائمة ونشر آرائهم بناء على الإكتشافات الحديثة .
وعلى الرغم مما فرضته المؤسسة الكنسية من سياج أشبه ما تكون بأيام محاكم التفتيش وظلماتها ، وتعرُّض العديد من العلماء والباحثين إلى مؤاخذات و محاكمات على أنهم هراطقة وفقدوا مناصبهم الجامعية أو اللاهوتية ، الأمر الذى أدى بالعديد منهم أن يؤثر الإحتفاظ بمعلوماته وانتقاداته ، إلا أن روح البحث العلمى والتدفق الفكرى قد تألقت وازدهرت فى أبحاث الكليات والجامعات والندوات رغم القمع. وما أن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى ترأس علماء النقد والبحث العلمى المراكز القيادية على المسرح الأكاديمى فى أوروبا وأمريكا.
ولا ينتمى معهد ويسْتار إلى أية مؤسسة دينية ولا يدافع عن وجهة نظر بعينها ، وإنما كل ما يتطلع إليه العاملون به هو البحث عن الحقيقة والتوصل إليها و نشرها على العالم ..
ويلتقى أعضاء الندوة مرتين فى السنة لمناقشة الأبحاث العلمية التى توصلوا إليها ويكونوا قد تبادلوها للدراسة قبل إنعقاد الإجتماع الدورى. وتعتمد الركيزة الأولى فى هذا المبحث على أقوال عيسى ، أى على تجميع أكثر من ألف وخمسمائة صياغة لما يقارب خمسمائة مقولة ليسوع ، مسندة إليه فى مختلف الأناجيل المعتمدة والمحتجبة ، ودراسة درجة إمكانية نسبها إليه لغويا وتاريخيا إضافة إلى ما تمثله من مضمون .
المرحلة الأولى : 1985 - 1991
بدأت أعمال الندوة بالبحث عن الأقوال الصادقة ليسوع أو عن كل ما تم نسبه إليه ، فى كافة الوثائق التى تمتد من القرن الأول حتى عهد قسطنطين ، و إلى عام 313 م تحديداً ، عندما تم إعلان الإعتراف بالمسيحية كديانة رسمية ضمن الديانات الأخرى الممارسة فى الإمبراطورية واعتبروا ذلك التاريخ حداً فاصلاً. وكان أعضاء الندوة يلتقون كل ستة أشهر لمناقشة الأبحاث لكى يتوصلوا إلي النتائج أولا بأول . وعند نهاية لقائهم كانوا يقومون بالتصويت على كل نقطة من النقاط التى تدارسوها ، مستخدمين علامات ملونة لتحديد درجة مصداقية هذا القول أو ذاك .
وقد بدأ روبرت فانك ، رئيس " ندوة عيسى" و التى انعقدت أولى دوراتها فيما بين 21 و24 مارس 1985 ، فى مدينة بيركلى بكاليفورنيا ، موضحا أن كل ما يعنيهم هو البحث عن حقيقة يسوع ، عما قاله فعلا ، وعدم الإكتراث بما سوف ينتج عن ذلك العمل من عداوات أو إهانات من جانب المعترضين أو من أولئك الذين يحافظون بإصرار وشراسة على كل ما تم فى المسيحية من تحريف متراكم عبر العصور، وكل ما لا تزال تواصل وسائل الإعلام الموجّه كنسيا من فرضه على الأتباع وعلى العالم ، موضحا أن هذا العمل الذى سيقومون به سوف يخدم ملايين الأتباع الذين يجهلون حقائق الدين الذى ينتمون إليه . وهو ما وصفه روبرت فانك قائلا : " أنه جهل يصل إلى درجة الأمّية ".. ويالها من حقيقة جد مريرة مهينة !
ومن ناحية أخرى طالب كافة الزملاء العاملين فى هذه الندوة بمتابعة أهم المؤلفات التى صدرت قديما وحديثا فى هذه المجال ، وتلخيص أهم النقاط الواردة بها ، حتى يكونوا على بيّنة بكل ما يتعلق بالموضوع الأساس . وذلك إضافة إلى عمل جرد شامل لكل ما يتعلق بتراث يسوع وتقييمه حتى يأتى هذا العمل الجماعى كبنيان مشيّد على أسس علمية بأقصى درجة من درجات الدقة والموضوعية و العلانية .
الدافع إلى البحث عن يسوع التاريخى :
يرجع الدافع إلى البحث عن يسوع التاريخى ، إلى أن صورته الحقيقية أو ما يبدو منها من الوثائق و الأبحاث ، يختلف تماما عما تقدمه المؤسسة الكنسية ونصوصها ، و إلى أن تناقل أخباره أو كل ما يتعلق به فى المراحل الأولى لنشأة المسيحية قد تم شفاهة لمدة عقود بأسرها وهو ما يسمح بالحيد عن الخط الرئيسى والغوص فى منحنيات غير دقيقة أو غير أمينة. كما أن لغة يسوع كانت الآرامية والأناجيل الحالية تمت كتابتها باليونانية . والتراث الشفهى لا أهمية بحثية أو تاريخية له إذا قورن بالمعطيات الناجمة عن الأبحاث العلمية الموثقة .
كما تلاحظ نفس المآخذ من الناحية الزمانية أو التقويمية ، إذ هناك فترة تمتد ما بين 20 إلى 40 عاما من "وفاته" إلى بداية صياغة أول نص . وكان أول هذه النصوص هو الإنجيل وفقا لمرقس ، والثابت أنه لم يكتبه كشاهد عيان ، فمن كتب صياغة ذلك الإنجيل الأول لم ير يسوع ولم يتبعه ، والأناجيل الثلاثة وفقا لمرقس ومتّى ولوقا تختلف وتتناقض مع ما يقدمه الإنجيل وفقا ليوحنا. وقد نقل جميعم عن بعض وعما يُعرف باسم " الإنجيل الأصل " (و ليس الأصلى ، لكن الأصل الذى تم النقل منه) ويشار إليه بعبارة "كويللى" (Quelle ) أى الأصل باللغة الألمانية ويختصرونها إلى حرف Q .
وبخلاف هذه الملاحظة العامة ، فإن نصوص الأناجيل مكونة من طبقات زمانية مختلفة ومتراكمة فوق بعضها بعضا عبر تطور التراث كنسيا وسياسيا. أى أنها ليست صياغة متصلة دفعة واحدة .وما توصل إليه الباحثون على اختلاف مشاربهم هو أن الأنجيل الذى يشار إليه بحرف Q مكون هو نفسه من ثلاث طبقات زمانية مختلفة ، معروفة بين جميع المهتمين بهذا المجال بمسميات: Q1 و Q2 و Q3 ..
أما الملاحظة التى تدين ذلك التراث الكنسى فى نصوصه التى تمت صياغتها وفقا للأغراض الدينية واالسياسية ، فهى أن المخطوطات الأصلية بكلها قد إختفت أو تم إخفاؤها عمدا، وإن أول فُتات باقية منها ترجع إلى عام 125 م ، وأول أجزاء يمكن اعتبارها جزء من نصٍ يمكن الإعتماد عليه ترجع إلى حوالى سنة 200 م ، و أول نسخة كاملة من الأناجيل ترجع إلى حوالى سنة 300 م !
كما لا توجد نسختان متشابهتان من الأناجيل ، من بين كل تلك النسخ التى وصلت الى عصرنا ، إلا ابتداء من سنة 1454 م .. وما يؤكده جميع العاملين بالندوة وغيرهم ، أنه اثناء عمليات النقل ، التى كانت تتم بمعرفة القساوسة والرهبان ، فهم وحدهم الذين كان من حقهم ان يتعلموا القراءة والكتابة طوال عصر الظلمات ومحاكم التفتيش ، فكانت تقع أخطاء إملائية من الناسخين إضافة إلى تعديل النص وتحريفه وفقا للأهواء . ولا يمكن لأى عالم من العلماء أياً كان توجهه ، أن يجزم بأن النص اليونانى يُعد ترجمة أمينة للنصوص الأولى .. ويكفى ما كتبه القديس جيروم حول تغييره وتبديله فى النص عند صياغته للأناجيل الأربعة الحالية ! وهو ما كتبه بوضوح شديد فى المقدمة-الخطاب الذى وجهه للبابا داماز، الذى كان قد طلب منه القيام بهذه المهمة ، وهو ما ينزع يقينا أية مصداقية عن هذه النصوص ..
وأكثر ما يميّز أعمال "ندوة عيسى " أنها تتم بأسلوب جماعى علنى قائم على التعاون فيما بينهم ، وليس على تسلط أحد الأفراد وتحكّمه فى الآخرين ، كما أن المعهد يسمح بحضور زوار من خارج الأعضاء الرسميين ويتابعون المناقشات ومن حقهم الإسهام فيها فى ورش العمل التى تقام حولها .
أما عن تقييم النصوص المكتوبة فى حد ذاتها ، فيمكن تلخيص ما خرجوا به فيما يلى : أن من كتبوا الأناجيل قاموا بالتجميع وفقا لهواهم ، وأحيانا كانوا يرتجلون أو يؤلفون ما لم يقله يسوع أو يضيفون إليه تعليقاتهم ليجعلوها تتمشى مع وجهة نظرهم الشخصية وبأسلوبهم. فمن الملاحظ مثلا أن نقد ما يخص يسوع أو موجه ضده فى النصوص الأولى ، سرعان ما يتحول إلى نقد ضد الحواريين فى النسخ التالية ، كما أن الإستشهادات كثيرا ما تخون النص لتكشف عن الخلافات والصراعات المسيحية فى أوائل تكوينها . و صياغة بعض الوقائع بأسلوب " مسيحى" تؤكد أنها إضافات لاحقة .. فالمسيحية لم توجد أيام يسوع ، ويسوع لم يكن مسيحيا وإنما يهوديا ! وهو ما بدأت الأبحاث الجديدة – حتى خارج "ندوة عيسى" تشير إليه بما فى ذلك المؤسسة الفاتيكانية خاصة بعد مجمعها الثانى سنة 1965 الذى برأت فيه اليهود من دم المسيح !..


كلمات يسوع و الإقتراع عليها:
تركزت أعمال المرحلة الأولى من " ندوة عيسى" حول مختلف الصيغ التى وردت بها الأقوال المنسوبة إليه ، عليه السلام ، لتحديد قوة إحتمال أن يكون قد قالها فعلا. وكانت عملية التصويت تتم من جميع المشاركين على كل مقولة من المقولات بعد دراستها وتقييمها من كافة الأوجه البحثية. مدركين حقيقة أن الإجماع لا يعنى تحديد الحقيقة البحتة أو الحاسمة ، وإنما يوضح أفضل حكم عليها أو أفضل تقييم لها من حيث المنطق والسند العلمى و التاريخى .
وكانت أولى الخطوات تعتمد أولا على جرد وتبويب الكلمات والأقوال المنسوبة إلى يسوع فى القرون الثلاثة الأولى . وتم تقسيم الأقوال إلى أمثال وتشبيهات وحوارات وقصص تدخل فيها عبارات منسوبة إليه .
وقد استبعد أعضاء الندوة كافة الحدود اللاهوتية التى فرضتها الكنيسة على مختلف مجالات البحث حول أيه معلومات عن يسوع . كما رفضوا تقييم الكنيسة لإنجيلٍ بعينه أو استبعادها لآخر ، مكتفين بتحكيم العلوم وأدواتها . كما اعتمدوا فى عملية التقييم على الإقتراع لتحديد مدى إمكانية المصداقية على أربع درجات ، حدّدوها فى أربعة ألوان إلتزموا بها حتى فى الطباعة النهائية لكل ندوة ، و معناعا كالآتى :
· الأحمر : يشير إلى أن يسوع قد قال هذه العبارة
· البمبى : من المحتمل أن يكون قد قالها
· الرمادى : لم يقل يسوع هذه العبارة وإن كانت الفكرة بها قريبة مما قاله
· الأسود : لم يقل يسوع هذه العبارة إطلاقا وإن كانت شبيهة بتراث مغاير
من مقدمة كتاب " الأناجيل الخمسة" :
تم جمع نتائج الأبحاث الخاصة بأقوال يسوع والتى امتدت من عام 1985 إلى 1991 ، فى كتاب بعنوان : "الأناجيل الخمسة " ، صدر سنة 1993 ، بعد أن أضافوا إنجيل توما الذى كان قد عثر عليه فى نجع حمادى بصعيد مصر سنة 1945 . إذ رأوا فيه ملامح شديدة الشبه بما يسمى بالإنجيل الأصل أو النبع، و الذى يرمز اليه بحرف Q. على أن النصين قد كتبا خلال فترة الأربعين عاما التى تقع بين "وفاة " يسوع وهدم المعبد سنة 70 م . ونص "كويللى" من النصوص الأولى أو الأقدم والتى لا تتضمن عملية صلب السيد المسيح ولا بعثه. مما يدل على أنها إضافة من الإضافات اللاحقة التى تمت لأغراض بعينها ..
ويتضمّن إنجيل توما 114 مقولة بلا تدخل أى سرد روائى . وهو يمثل مرحلة سابقة لما تم طرحه فى الأناجيل المعتمدة ، لذلك إعتبروه يمثل شهادة مستقلة وغير منحازة لتراث يسوع فى صياغاته القديمة . و هو يُعد من الأناجيل الغنوصية لذلك استبعدته المؤسسة الكنسية .
وهنا لا بد من وقفة نوضح فيها أن إنجيل توما هو مخطوطة من المخطوطات التى تم اكتشافها فى نجع حمادى سنة 1945 . وهى مجموعة من النصوص الدينية والفلسفية تم تجميعها وترجمتها إلى اللغة القبطية فى القرن الرابع الميلادى بمعرفة بعض المسيحيين الغنوصيين ، ثم قام بترجمتها فى العصر الحديث نخبة من مشاهير العلماء فى الغرب. وصدرت الطبعة الأولى عام 1978 ، ثم طبعة منقحة مزودة بمقدمة لكل مخطوطة ، عام 1988 .
والمقصود بكلمة غنوصية هو : التوصل الفورى إلى المعرفة الروحية ، أو بقول آخر : إرتقاء الإنسان إلى أن يصل إلى المعرفة الإلهية . وهو عكس ما تفرضه المؤسسة الكنسية من "أن الله قد نزل وتجسد بشرا " وتفرض هذا القول إعتمادا على ضرورة الإيمان الأعمى بها ، بغض الطرف عن مردوده ، وليس اعتمادا على العقل و المنطق. لذلك قامت بمحاصرة الغنوصية واقتلاع أتباعها . إلا ان الغنوصية قد تواصلت خافتة معتّم عليها وعلى أتباعها إلى أن تم اكتشاف مخطوطات نجع حمادى ليُلقى عليها الضوء من جديد .. ويفهم من المقدمة التى كتبها جيمس روبنصن كيفية تواصلها عبر الأحقاب المختلفة ، ومدى تأثيرها فى العصور الوسطى ثم فى عصر النهضة ثم فى عصر التنوير و حتى أيامنا ، بل و مدى أثرها فى الفلسفة وعلم اللاهوت والثقافة والفنون ..
ويمثل كتاب "الأناجيل الخمسة" مخرجا دراميا بابتعاده عن الدراسات المعتمدة ، التى لا منفذ منها ولا مخرج إلى الحقيقة. كما يمثل بداية عصر جديد من الأبحاث حول الأناجيل . فقد قرر المشتركون فى "ندوة عيسى" تحديث كل ما تم من دراسات وعمل تراث مسيحى جديد قائم على الدراسات النقدية التى تمت فى المائتين عاما الماضية.
فبعد نشر أبحاث داروين عن أصل الأجناس عام 1859 ، وما تلاها من معارك وانزواء للعلماء العاملين فى الأبحاث الإنجيلية ، خاصة فى أمريكا ، سادت عقلية ولّدت مناخا أشبه ما يكون بمحاكم التفتيش، مع فارق المسميات والأساليب ، واتُهمت آراء وأبحاث العلماء بالخطورة، وتعرض العديد منهم إلى المحاكمة ، و اتُهموا بالهرطقة وعانوا من ضياع مناصبهم الأكاديمية .. إلا أن التحرر الفكرى الذى ساد فى القرن العشرين سرعان ما سمح بأن أعاد العلماء تنظيم أنفسهم فى الكليات والجامعات والندوات.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية عاد العلماء إلى تقلد مراكز القيادة فى الكليات والجامعات بطول القارة وعرضها. مما اضطر المؤسسة الكنسية إلى إنشاء معاهدها الخاصة بالدراسات الإنجيلية كمحاولة للتصدى لهذه الأبحاث الجديدة و لمواصلة نشر ما تفرضه بدأب وجبروت منذ القرن الرابع..
ومن أهم الصراعات الدائرة بين الجانبين ، محاولة العلماء المنتقدين للأحداث والوقائع التاريخية وإصرارهم على مواصلة البحث بلا كلل ولا حرج ، أى أياً كانت النتيجة ، للتوصل إلى معرفة ما قد يكون يسوع قد قاله وعمله فعلا من كل ما نسب إليه فى الأناجيل المعتمدة والوثائق الأخرى ، والتى يبدو فيها معارضا للتقاليد الدينية السائدة ، كعدم مراعاة يوم السبت، أو إظهاره على عداء مع اسرته أو اتهامها إياه بالجنون .. بل حتى تلاميذه يبدون وكأنهم غير قادرين على فهم رسالته .. وذلك على سبيل المثال لا الحصر ، فما أكثر النقاط التى لا تزال غامضة حتى يومنا هذا ، الأمر الذى وضع يسوع علناً و بلا تردد على مائدة الخلاف بين العلماء من الجانبين .
وقد نجم هذا الوضع من واقع أن يسوع المعتقادات والعقائد ، الذى تم فرض صورته هذه بشراسة فى القرون الوسطى بالسلطة الكنسية العاتية وبالسيف ، لم يعد بوسعها أن تتحكم فى عقليات أولئك الذين أصبحوا يتبنّون نظريات جاليليو وكيبلير و كوبر************وس ، إذ أنهم قد أزاحوا الآلهة القديمة من عروشها بفضل ما أبدعوه من معدات وإنجازات ..
وكانت الطفرة الشديدة التى تمت فى علم الفلك تمثل جزءا من الصحوة العلمية التجريبية، التى رأت إخضاع كل المعارف للعلم والتجريب. وفى مواكبة لهذه الطفرة العلمية أعيد النظر فى المعطيات التاريخية القديمة للتفريق بين ما هو واقعى وما هو من نسج الخيال.. وفى المجال الإنجيلى كان لا بد للعلماء من البحث فى العلاقة بين الإيمان و التاريخ والفصل بينهما . وهو ما تم فيما يتعلق بالبحث عن يسوع التاريخى .
وبذلك أصبحت الوثائق والمعطيات التاريخية عبارة عن أدوات لا غنى عنها ، فى العصر الحديث ، للبحث والتفريق بين العالَم المتخيّل والعالَم الواقعى للتجربة الإنسانية . ولمعرفة الحقيقة حول يسوع ، يسوع الإنسان الحقيقى ، كان لا بد من العثور أولا على يسوع التاريخى الذى عاش فى الواقع ، والبحث عما قاله وعما فعله فعلا وليس تلبيساً .. وما توصلت إليه أعمال الندوة بأبحاثها ومناقشاتها كان اعتمادا على ما يلى :
· أن يسوع لم يقل ان يؤمن أحد بأن موته كان تكفيرا عن خطايا البشر
· ويسوع لم يقل أنه المسيح
· ويسوع لم يقل أنه الأقنوم الثانى من الثالوث
· و يسوع لم يطالب الأتباع بعملية الإعتراف الدورى ، والندم ، أو الصيام
· ولم يهدد أحداً بالجحيم كما لم يَعِد احداً بالسماء
· ولم يقل يسوع أنه سيصحو من بين الموتى
· ولم يقل أنه وُلد من عذراء ولم يطالب أحداً بالإيمان بذلك
· ولم ينظر يسوع إلى النصوص على أنها معصومة من الخطأ أو أنها ملهمة من الله !
وهو ما أعلنه رسميا روبرت فانك رئيس الندوة فى صيف 1994 .. وما على غير المقتنع بهذه النتائج إلا أن يقرأ الأناجيل تباعاً ليتأكد بنفسه من كل هذه الحقائق التى تمثل ، بلا أدنى شك ، السبب الرئيسى لإبتعاد الأتباع فى الغرب عن المؤسسة الكنسية ..
المرحلة الثانية : 1991 – 1996
تركزت أعمال المرحلة الثانية لدراسة ما قد يكون يسوع قد عمله فعلا من خلال ما هو وارد بالأناجيل. و فى هذه المرحلة تمت دراسة 387 تقريراً يتناول 176 حدثا أو واقعة يُعد فيها يسوع الشخصية الرئيسية حتى وإن ورد فيها أسماء يوحنا المعمدان أو سمعان/بطرس أو شقيقه يعقوب الذى تولى كنيسة القدس من بعده .
ومن بين الوقائع التى يبلغ عددها 176 الواردة بالأناجيل ، تم الإتفاق على ان عشرة منها فقط هى التى تحتمل نسبة عالية من المصداقية . وثلاثون واقعة أخرى حصلت على درجة إحتمالية بعيدة الحدوث. وتم استبعاد باقى الأعمال المنسوبة إلى يسوع على أنها غير واقعية أو غيرمحتملة الوقوع. وبجمع المجموعتين توصلوا إلى رقم 29 واقعة واردة بالإناجيل هى التى تحتمل المصداقية من العدد الإجمالى لها وهو 176 ، أى بنسبة 16 % من الأعمال المنسوبة الى يسوع. وهى نسبة تقل قليلا عن نسبة ال 18 % من الأقوال التى حصلت على إحتمال المصداقية.
ويقول روبرت فانك إلى من لا يزالوا يؤمنون بأن الكتاب المقدس كلام الله ،" أن نسبة ال 16 % من المصداقية تعد جد ساخرة أو مثيرة للسخرية "! والسبب فى استبعاد 84 % من الأعمال المسندة ليسوع فى الأناجيل ترجع إلى أصل تلك الأناجيل ، التى يصل عددها إلى قرابة عشرين إنجيلا ، وصلت من القرون الثلاثة الأولى سواء كاملة أو مجرد أجزاء ، إعتمدت المؤسسة الكنسية منها أربعة فحسب وكوّنت منها ما يسمى بالعهد الجديد وأعدمت أو استبعدت العدد الباقى .
وهذه الهشاشة التاريخية للأصول الكنسية او المسيحية ترجع إلى أن أول جزء ضئيل معروف من الأناجيل عبارة عن جزء منقول من نص آخر ، أى أن أول أثر باق من تلك النصوص ليس نصاً أصلياً وإنما هو نص منقول يرجع إلى أكثر من مائة عام بعد "وفاة" يسوع. وأول أثر مادّى يمكن الإعتماد عليه نسبيا يرجع إلى آخر القرن الميلادى الثانى ، أى إلى حوالى 170 عاما بعد يسوع.. لذلك أجمع العلماء فى معهد ويسْتار أنه فى غياب أية معلومات مؤكدة فإن من صاغ بدايات هذه النُسخ أشخاص يرجعون إلى الجيل الثالث فى الربع الأخير من القرن الأول، إعتمادا على ذكرايات سمعية تُحكى شفاهة متناقلة بين الأجيال ، مؤكدين أن هذه النصوص قد تمت صياغتها وإعادة صياغتها وتغيير حكاياتها وأحداثها بالزيادة والنقصان لأكثر من قرن قبل أن تصل تقريبا إلى شكلها الأخير- ولا يعنى ذلك شكلها النهائى .
والمحصلة الناجمة عن هذه الأبحاث هى أن ما بقى من أعمال يسوع يمثل آثاراً لصورة جد باهتة ليسوع ، زادت الخرافات والأساطير من التعتيم عليها ، وهى صورة تتطلب عقلا متفتحا وصبراً شديداً لتلمس تلك الحقائق الخافتة .. على حد قول ما نطالعه فى المقدمة المرفقة بطبعة هذا المجلد الثانى و المعنون : " أعمال يسوع " الصادرسنة 1998 .
وبعد أكثر من عشر سنوات من الأبحاث التى قام بها ذلك الفريق الدولى للكشف عن حقيقة حياة ووفاة يسوع التاريخى ، إنتهوا إلى أن صورته التاريخية تختلف تماما عما فى الصورة التقليدية التى تقدمها المؤسسة الكنسية. إذ يرون أن يسوع لم يمش على الماء ، ولم يطعم الآلاف من البشر ، ولم يحوّل الماء اإلى نبيذ ، و أنه تم إعدامه كشخص يثير الشغب وليس لقوله أنه إبن الله ! وأن الذين أعدموه هم الرومان وليس اليهود .. أما عملية البعث فهى قائمة على تصورات لكل من بطرس وبولس ومريم المجدلية، فى نصوص تتناقض فيما بينها فى كل تفاصيلها ، لذلك لم يعتدوا بها .
المرحلة الثالثة : 1996 – 1998
ضمّت المرحلة الثالثة خطين متوازيين من الأبحاث، أحدهما يتناول " ملامح يسوع" ، كما تبدو صوره المختلفة فى كل الأبحاث التى سبقت أعمال الندوة ، من جهة ، ومن جهة أخرى إعتماداً على النتائج التى تم التوصل إليها فى المرحلتين السابقتين ، والتى كانت الأولى منها عن " أقوال يسوع " والثانية عن " أعمال يسوع " .
وقد تولى هذه المهمة خمسة عشر عالماً فى معهد ويسْتار ، لإستخلاص أكبر قدر ممكن من الملامح المقنعة والتى من الممكن تصورها من مختلف الجوانب . وتم نشر هذه الأبحاث المستقلة فى كتاب جماعى تحت عنوان "ملامح يسوع " ، سنة 2002 ، يطالع فيه القارىء ملامح مختلفة تماما غير تلك التى اعتادت ترويجها النصوص الرسمية المنسوجة عبر المجامع على مر العصور ..
والسؤال الذى يطرح نفسه هو : هل يمكن لأقوال يسوع وأعماله كما خرجت بها الندوة أن تقدم قاعدة كافية لتصورات يمكن إضفاء المصداقية عليها لملامح يسوع ؟ ذلك هو التحدى الذى تولى القيام به نخبة من المساهمين فى هذا الكتاب ..
أما الخط الثانى فكان متعلقا بالبحث فيما تتضمنه " أعمال الرسل" من حقائق يمكن الإعتماد عليها تاريخيا ، و ما هى نسبة ما بها من حقائق ونسبة ما يستوجب إستبعاده منها مما هو وارد فى الأناجيل. وتم نشر أعمال هذه المرحلة الثالثة من الدراسات فى سنة 1999 .
والغرض من هذه الدراسة هو عمل طبعة ملونة مثل الكتابين السابقين لأقوال يسوع وأعماله. وبذلك سيمكن لدارسى الكتاب المقدس أن يكونوا على دراية بأصول دينهم بصورة أكثر دقة ، وأكثر مصداقية ، إعتمادا على ما أمكن التوصل إليه من حقائق ثبتت صحتها.
ومن المفترض أن" أعمال الرسل" تاريخيا هى المحاولة الأولى لسرد أصول المسيحية، وكان من المنطقى أن يبدأ بها العهد الجديد ولا يأتى وضعها بعد الأناجيل . وقد أتى هذا الترتيب لتثبيت صورة بعينها . وهى قصة مكتوبة بحيث يستمر أثرها – وإن كانت فى يومنا هذا قد فقد الكثير من معطياتها المصداقية التاريخية.
ويرجع فقدان المصداقية هذا إلى إدراك و ثبوت تنوع أصول المسيحية فى بداية مشوارها. وما هو وارد بالأناجيل لا يعكس هذا التنوع وإنما يغفله عمدا ليفرض وجهة نظر مغايرة . ودراسة أعمال الرسل اليوم تؤكد أنها من آداب أعمال الخيال الدينى ، لاستعراض مميزات تلك الحقبة وترسيخها ، وهى معطيات لا يمكنها الصمود لآليات البحث العلمى والتاريخى ، ولا يمكنها أن تظل فى المكانة التى تصدرتها لقرابة الفى عام .
ويمكن تقسيم أبحاث " ندوة عيسى " حول أعمال الرسل إلى أربع فئات ، هى :
1 ) - تصنيف نوعيتها ، وقد تم ذلك على أنها كتابات تاريخية ، إلا أن الأبحاث كشفت قرابة شديدة بينها وبين أعمال رسل أخرى استبعدتها المؤسسة الكنسية فى المسيحية الأولى. وهذا الأمر وحده يحتّم إعادة دراستها كما يحتّم إعتبارها جدّيا كأدبيات خيالية.
2 ) - تختص الفئة الثانية من التحليل باللاهوت وبأهداف أعمال لوقا. وقد تم إثبات أنه تمت صياغتها بدافع من التوجهات اللاهوتية . أى أنها جميعها تتبع جدولا لاهوتيا من أجل ترسيخ لاهوت بعينه وترسيخ معطياته التاريخية الموجّهة.
3 ) - تتناول الفئة الثالثة مصادر أعمال الرسل واستخدامها لأصول سابقة كمصدر لها ، خاصة مصدر Q إضافة اإلى مصادر أخرى .
4 ) - أما الفئة الرابعة فتأخذ المصادر السابقة إلى خطوات أعمق فى دراستها وتحليلها. وحتى إن تم التوصل إلى هذه الأصول ، فالسؤال هو : إلى أى مدى يمكن اعتبارها مصادر تاريخية حقيقية وليست مختلقة ؟ .. وهو ما يتطلب مزيدا من البحث والتدقيق لكل معطى من معطياتها ، خاصة وإن أعمال الرسل ظلت لفترة طويلة بعيدة عن مجهر الباحثين ..
ومن الواضح أن ما توصلت إليه " ندوة عيسى " يختلف تماما عما آمن ويؤمن به المسيحيون على مر التاريخ ، كما أنها فى تناقض واضح مع المعتقدات السائدة ، إذ أنها استبعدت تماما فكرة أن تكون الأناجيل منزّلة من عند الله – وهو ما كان مجمع الفاتيكان الثانى قد أقرّه بالفعل وإن كان بعبارات ملتوية ، كما استبعدت الندوة أن يكون من كتبوها من الملهمين ، أو حتى الأسماء التى هى معروفة بها . وإنما يعتبرونها وثائق آدمية ألفها كتبة ضمّنوها معتقداتهم الشخصية أو معتقدات من يوجهونهم . وذلك لكل ما بهذه النصوص من تناقضات فيما بينها من جهة ، وفيما بينها وبين العقل والمنطق من جهة أخرى ..
وإن كان هناك من لا يزال يؤمن بأن هذه النصوص منزّلة ، فإن علماء "ندوة عيسى " ينظرون إليها من زاوية أخرى ، موجزها : إن رسالة يسوع وكل ما يتعلق به قد مر عبر فترة ممتدة من التراث الشفهى تصل إلى ما بين ثلاثين إلى خمسين عاما ، وهو ما يسمح بتعديل وتبديل ملامح أية وقائع تاريخية أو حقيقية ، فما من إنسان يحكى نفس الحدث بنفس الأسلوب ، ولا بنفس الإنفعال ، والأدهى من ذلك حين تتدخل الأغراض والأهواء ..
المرحلة الرابعة : 2006 - ....
بدأ العاملون فى " ندوة عيسى" المرحلة الرابعة من أبحاثهم بندوة حول " الأصول المسيحية " ، يقومون فيها بكتابة تاريخ جديد للمسيحيات الأولى والكتابات المسيحية ، مستعينين فيها بنفس الوسائل ونفس الأساليب العلمية المتّبعة فى الندوات السابقة .
وتهدف ندوة دراسة " الأصول المسيحية " إلى الكشف عن التراث والتقاليد المتعلقة بيسوع من خلال رؤية أوسع للثقافة اليونانية - الرومانية ، والمرحلة التالية لبناء المعبد وبداية ظهور اليهودية الحخامية ، والتنوع الشديد بين أتباع يسوع وتطويرهم للتراث المسيحى حتى تم بتره تماما عن جذوره اليهودية ، تلك الجذورالتى فتح مجمع الفاتيكان الثانى سنة 1965 الباب على مصراعيه للتراجع عن كل ما قام بنسجه عبر التاريخ ، و ذلك بتبرأته اليهود من دم السيد المسيح ، وهو ما يخالف الأناجيل مخالفة أقل ما يقال عنها أنها من الأسباب الرئيسية التى دفعت بالآلاف من الأتباع لمغادرة المؤسسة الكنسية ، وإلى انتشار الإلحاد بينهم بصورة لا تغفلها عين.
ومن المناطق المزمع البحث فيها على أرض الواقع ، تسالو************ا ، والجليل ، و القدس ، وإنطاقيا ، وأديسا ، والإسكندرية ، وأفسوس ، وفيليبّى ، وكورنثيا وروما . إضافة إلى دراسة مجالات أخرى تعد مساندة ، ومنها : دور المرأة ، اليهود والوثنيين ، والمسيحية اليهودية ، والغنوصية ، والمسيحية والإمبراطورية الرومانية .
وقد بدأت هذه اللقاءات ببلدة تسالو************ا لتدارس أربعة محاور حول المسيحية لمعرفة هل هى بدأت مع يسوع ، أو مع ابتداع فكرة البعث ، أو مع ابتداع فكرة عيد الفصح ، أو مع عمليات التبشير التى تولاها بولس وخرج بها جذريا عن تعاليم يسوع كما هى واردة فى الأناجيل ..
ويشهد عام 2007 العديد من النشاطاط البحثية والندوات والمحاضرات العامة إلى جانب الموضوع الرئيسى وهو : "أصول المسيحية " . وتدور موضوعات هذه المحاضرات العامة حول الحياة والموت أيام يسوع ، الأخلاق ، التطور والمستقبل ، بدايات المسيحية : تنوع وليست أصول ، يسوع والقرن الواحد والعشرين ، الحركات الدينية وكيف بدأت المسيحية ، يسوع التاريخى ومستقبل الكنيسة . وكل هذه المحاضرات والندوات تمثل برنامجا مستقلا يعرف باسم : "ندوة عيسى على الطريق ". وذلك لأن العديد من الناس هناك لا يمكنهم حضور اللقائين الدوريين السنويين لبُعد المسافة ، فقرر معهد ويسْتار أن يخرج عن نطاق جدرانه ويتجه إلى الجماهير فى مختلف البلدان الأمريكية لاشراكها فى أحدث ما توصلوا إليه.
على هامش " ندوة عيسى "
إن جهود " ندوة عيسى " من أجل استبعاد ما علق برسالته على مر العصور، أو من أجل محاولة استعادة الأتباع إلى الديانة التى فرّوا منها لسبب أو آخر ، ليست بجديدة ، فهناك العديد من المحاولات التى تمت نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : واحدة ترجع إلى مطلع القرن الثامن عشر، والأخرى إلى سنة 2005 ..
فقد سبق أن قام توماس جيفرصن ، المواطن الوطنى – كما يطلقون عليه ، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق، بنفس العمل سنة 1700 ، حينما أمسك بالمقص وراح يستبعد كل ما لا يقبله العقل والمنطق أو كل ما يتنافى مع قانون الطبيعة من نصوص الكتاب المقدس ، ثم قام بلصق الأجزاء الباقية ليخرج بكتاب مقدس يمكن قراءته والأخذ بما به من حكايات وتعاليم ..
وعندما انتهى من مشروعه بقى معه 82 عمودا فحسب من 700 عمود تمثل طبعة الكتاب المقدس المعروفة باسم الملك جيمس ( King James Version ) ، أى انه قد استبعد قرابة 90 % من محتويات الكتاب المقدس الأصلى ، وأطلق على اختياراته تلك عنوان : " حياة وأخلاق يسوع " ..
أما المحاولة الأخرى فقد قام بها القس مايكل هينتون بانجلترا ، فى كاتدرائية كانتربرى . ففى 21 سبتمبر 2005 أعلنت محطة ال بى بى سى البريطانية عن صدور طبعة جديدة للكتاب المقدس ، يقول صاحبها القس مايكل هينتون أنه يمكن قراءتها قى أقل من ساعتين أو بالتحديد فى مائة دقيقة ! وأوضح أنه قام بالتركيز على يسوع ، باعتباره الشخصية الرئيسية فى الكتاب المقدس . وقد قام القس جون بريتشارد أسقف جارّو بالإشراف العام على الكتاب قائلا : لا اعتقد ان أغلب الناس يعرفون الكتاب المقدس جيدا ، وهذه المحاولة مقصود بها لفت نظر القارىء قائلين : أنظر ، لدينا قصة عظيمة هنا ، دعنا نتوغل فيها وألا نتوقف عند الطرّهات ، ولنقدم لك أهم ما بها ! وقد استغرق العمل من القس هينتون أكثر من عامين لاستبعاد ما بالإصحاحات الست وستين التى تكون الكتاب المقدس ، ليصل إلى نص متماسك ، به أشهر القصص أو أكثرها انتشارا إضافة إلى ما يتعلق بيسوع .
وكلها محاولات تتم من أجل إضفاء مصداقية جديدة على تلك النصوص التى يتباعد عنها الأتباع ، فى الغرب المسيحى ، يوما بعد يوم ، لتشجيعهم على القراءة دون أن ينفّرهم منها كل مالا يتمشى مع العقل و المنطق .
محاصرة ندوة عيسى !
وكالمعتاد ، لم تنجو "ندوة عيسى" من المحاصرة التقليدية للمؤسسة الكنسية الفاتيكانية ، التى سرعان ما راحت تستكتب فرقها من العلماء التابعين لها ، ونشر مواقع إلكترونية متعددة ، إضافة إلى الإستعانة بكافة وسائل الإعلام للحد من آثار أبحاثها على الأتباع ..
ومن بين الإنتقادات التى صدرت من هذه الفرق ضد أعمال "ندوة عيسى" إستبعادها للرسائل الأخروية من أقوال عيسى وأعماله ، ومحاولة إضفاء ملامح مختلفة قد حطّت من القيمة البحثية لما يقومون به ، وإن النتائج التى توصلوا إليها خاصة بآراء العلماء المشاركين فى الندوة، وإن الآراء التى طرحوها مرتبطة بميولهم الشخصية وهى عبارة عن آراء مسبّقة ! وإن أربعة عشرة فقط من العلماء المشاركين فى الندوة يعتبرهم المعارضون من العلماء الضالعين فى مجال العهد الجديد أما باقى المائتين فيرون أنه لا ثقل علمى لهم !.. بل لقد تمادى البعض فى انتقاده للندوة على أن عملها عبارة عن " نقد هدّام " ، على حد قول دانييل آكين ، فى جريدة "معمدانية الجنوب" ، أما الجمعية التبشيرية الأصولية ، وجمعية الحارس المفسّر ،وجمعية الترسانة المسيحية ، فقد اتهمت جميعها ندوة عيسى بأنها "أداة فى يد الشيطان لهدم المعتقدات المسيحية"! ولقد علّق جيمس هوايت قائلا : " لإعادة بناء المسيحية ، كما يقولون ، فإنه يتعيّن على العاملين فى الندوة التخلص من الأشياء الأساسية التى تقف أمامهم ، وهى : الكنيسة ، بكل ما بها من عقائد ومعتقدات ، وخاصة ما تقدمه من معلومات حول المسيح . وبغض الطرف عن ضئالة ما تقدمه الصحافة من معلومات حول"ندوة عيسى" فإنها تقوم بحرب صليبية لبتر سلطة النصوص وتاريخية يسوع المسيح وأسس العقيدة المسيحية "!
وأطرف ما يلفت النظر فى هذه المقولة الأخيرة هى عبارة الإشارة إلى " ضئالة " ما تقدمه الصحافة من معلومات حول ندوة عيسى ! فمن الواضح إن هذه "الضآلة " بلا شك هى نتاج ما تقوم به الفرق التابعة للمؤسسة الكنسية من قبيل منظمة " أوبس داى " (عمل الرب ) والعديد غيرها ، من ضغوط لعدم التعريف بهذه الأعمال . و من مجرد تصفّح أسماء الجبهة المعارضة ووهن انتقاداتها يدرك القارىء مستوى ذلك النقد ودوافعه ، خاصة وأنهم قد تفادوا أية مواجهة علمية أو مناقشة علمية ، وإنما مجرد إنتقادات وتجريحات. . وهى جهود لا تأتى نتائجها عادة إلا فى البلدان النامية وتلك التى بها أقليات مسيحية متحكمة بصورة أو بأخرى ..
وقد عاصرنا فى العامين الماضيين (2005-2006 ) نموذجا من تلك النماذج فى محاصرة " شفرة دافنشى " لكل من الرواية والفيلم المأخوذ عنها. ورأينا كيف لم تنجح الجهود المضنية التى قامت بها الفرق الفاتيكانية المعارضة إلا فى بلدان العالم الثالث وتلك التى بها اقليات مسيحية ( أوردنا تفاصيلها فى مقال سابق ).. والسبب الرئيسى الذى يدفع تلك المؤسسة الكنسية لمحاربة واقتلاع كل من يخالفها هو : ان نشر هذه المعلومات بين الجماهير يضر بعمليات التبشير التى أصبحت تتحم بجثارة متزايدة ، بفضل مظلات سياسية وقوانين ردعية صيغت ، بكل أسف ، خصيصا لحمايتها ..
وتكفى الإشارة هنا إلى أن كل ذلك الجهد العلمى الذى يقوم به معهد ويسْتار منذ عام 1985 وحتى يومنا هذا ، لم تشر إليه وسائل الإعلام فى مصر ، على اتساع مجالاتها و تنوعها، إلا فى مقال يتيم صدر بجريدة "الدستور" فى 12 / 10 / 2005 ضمن موضوع آخر وكأن المسألة عرضية وليس الغرض منها التعريف بها تفصيلا ! وهو ما يعد ، فى حد ذاته ، فى مثل هذا المناخ المتواطىء ، فى ميزان حسنات من كتبه .
ولا يبقى بعد هذا العرض الخاطف لأعمال "ندوة عيسى " بمعهد ويسْتار ، بالولايات الأمريكية ، إلا أن ننتظر صدور نتائج آخر أبحاثها لا فيما يتعلق بأصول المسيحية فحسب وإنما بكل مكوناتها التى تمت صياغتها عبر المجامع على مر العصور .. وهو ما يمكن مراجعته و التأكد منه بقراءة الأناجيل المعتمدة ، خاصة فى طبعاتها القديمة ، قبل ان يتم تعديل الكثير بها من طبعة إلى أخرى ، من أجل إضفاء شىء من المنطق عليها أو من أجل عمليات التبشير ..

===============





قبل أن أبدأ بالتعقيب على المقال ، ليأذن لى الزميل الدكتور ميلاد منصور ، أستاذ تاريخ العصور الوسطى ، أن أوضح عدة نقاط أساسية ، وهى :
أننا لسنا أعداء ولا خصوم ، وإنما أخوة فى الوطن يتم التلاعب بنا لحساب أطراف أخرى ، وأخوة متجاورون عند وقوع المصيبة التى يعدّون لها ، لتحل علينا جميعا ، فالقنبلة (سواء فعلية أو مجازية) حين تسقط لا تفرق بين الأديان والملل ، وإنما تحصد كل ما يقع فى نطاقها ؛ وأن كل منا ليس مسؤلا سواء عما تم فى النصوص المسيحية من تحريف أو عما يقوم به بعض المسلمين من سوء إستخدام للدين ؛ وأننى لا أتخذ الدين مطية لتحقيق الأطماع السياسية ، فأنا مستبعدة ولله الحمد من كافة المحافل ، السياسية والإسلامية ، للصراحة والوضوح الذى اتحدث بهما ؛ وبى من الأمراض ما يجعلنى أتلو الشهادة قبل النوم ، وأندهش فعلا لإشراقة كل فجر جديد .. فأنا فى الثانية والسبعين من عمرى ولا أطماع لى فى هذه الدنيا إلا الدفاع عن الإسلام الذى يُقتلع بشراسة وإصرار لم يعد من الممكن تغافلهما ؛ ولست معادية للمسيحية والمسيحيين ، لكننى – واقولها بكل وضوح وتحديد : أنا ضد قرار تنصير العالم لفرض كاثوليكية روما، وضد إقتلاع الإسلام. لذلك أركز جهدى العلمى فى جزئية "موقف الغرب المسيحى المتعصب من الإسلام" ، وأحدد "المسيحى المتعصب" فيقينا إن نفس هذا الغرب ملىء بالأمناء وبالذين يجاهدون من أجل الصالح العام ، وبالذين هم غير راضون عن تلك الفئة القليلة الضالة التى تقود العالم إلى الهاوية . وكلها مسائل باتت مكشوفة لكل من لا يتعمد فقدان البصر والبصيرة ..
ومن هذا المنطلق فعبارات من قبيل الإستعلاء ، والإعتقاد المطلق بصواب رأيى ، والإفتقار إلى الحيدة ، وإتخاذ موقف مسبق ، وأنه يعوزنى التجرد والأمانة العلمية ، وما إلى ذلك من العبارات الصريحة أوالمضغمة ، لا تنطبق علىّ ، وإنما وبكل أسف قمتَ أنت يا دكتور ميلاد بتطبيقها فعلا فى ردك ، وتلفعت بمسوح العلم وعباراته لتهميش صُلب الموضوع الذى تناولته فى المقال ، وتجنبت أنت الرد عليه ، بل واسترسلت فى تفاصيل جانبية لا شأن لها بالموضوع . وهنا لابد من أن أوضح : أن التمويه فى الرد لا يلغى الواقع والحقائق المعاشة ، كما أن تكرار الأكاذيب لا يحولها إلى حقائق بالأقدمية أو لمجرد تكرارها !
إن الخطاب المفتوح الذى وجهته للبابا بنديكت السادس عشر بعنوان "هيستريا تنصير العالم" بالفرنسية ، وترجمته إلى العربية ونشر فى جريدة القدس العربى وفى مواقع أخرى ، كان يركز على أن الفاتيكان ، فى قراره تنصير العالم الذى إتخذه فى مجمع الفاتيكان الثانى (1965) ، يستند إلى نصوص متناقضة ، وأن المسيح عليه الصلاة والسلام كان يبشر بالملكوت وقرب وقوعه ، بل وفى حياته ، وليس بتنصير العالم . وأنه قد أسند بنفس هذه المهمة إلى الحواريين ، وأنه حتى بعد صَلبه وبعثه – وفقا لأعمال الرسل ، ظل أربعين يوما يحدثهم عن الملكوت. كما ضربت مثلا على التلاعب بالنصوص ، إذ نطالع فى رسالة بطرس (آية 11) أن "ملكوت الله " الذى كان يبشر به يسوع ، قد تحول إلى "ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدى" .. وهو ما يثبت قطعا أن أعمال الرسل، أو هذه الجزئية منها ، تمت كتابتها بعد تأليه السيد المسيح ، اى فى أواخر القرن الرابع بعد إختلاق بدعة الثالوث ، وليس فى أواخر النصف الثانى من القرن الأول . ويمكنك مراجعة ذلك من الأناجيل ومقارنتها ومناقشة عدم فهمى لنصوص الأناجيل ، علما بأن ما لدى منها طبعات كنسية وليست "إنتقائية" !.
وخرجت من هذه الأقوال بتحديد أن رسالة يسوع ، وفقا للأناجيل ولأقوال يسوع بها ، تنحصر فقط فى "إعادة خراف بيت إسرائيل الضالة إلى رسالة التوحيد ، والتبشير بالملكوت الذى إقترب " ، وأنه من غير المنطقى أن نراه بعد ذلك يُملى على الحواريين ، بعد "بعثه"، ويأمرهم بتنصير العالم بإسم الثالوث ! فالثالوث قد تم اختلاقه فى مجمع القسطنطينية عام 381، بعد أن تم تأليه يسوع ، عليه السلام ، فى مجمع نيقية عام 325 !. وهذه المعلومات باتت من الأبجديات المفروغ منها فى الثقافة والحضارة الغربية بعامة والفرنسية تحديدا .
كما تساءلت فى نفس المقال عن مصير اليهود من عملية تنصير العالم هذه ، والذى منحهم الفاتيكان أرضا ليست من حقهم بكل المقاييس ، ويتم بسبب هذا الموقف إقتلاع الشعب الفلسطينى من أرضه وتُفرض عليه عملية قتل عرقى مدبّرة بإصرار رهيب ، على مرأى ومسمع من العالم أجمع ، وكان السؤال : هل سيتم تنصيرهم أيضا أم لهم خلاص آخر ؟. أم إن الفاتيكان هو الذى سيتهوّد ؟!..
وكنت أتخيل ، بحكم علمك وتخصصك الدقيق و عقيدتك ، أن تناقش أوتفنّد ما طرحته من حقائق وتساؤلات ، يمكنك التأكد منها من الأناجيل نفسها أو من إصدارات الفاتيكان ، وتثبت لى أنها غير واردة فى الأناجيل ، أو أننى أسأت فهمها أو أى شىء من هذا القبيل ـ إلا إن كنت لم تقرأها فهذا موضوع آخر ..
وللعلم : إن قرار تنصير المسلمين "أولا وأساسا" وارد فى قرارات مجمع الفاتيكان الثانى ، فى وثائق الدورة الخامسة ، المادة 16 ، إذ يقول النص : " إن هدف الخلاص يتضمن أيضا الذين يعترفون بالخالق ، ومن بينهم ، أولا وأساسا المسلمون ، الذين بممارستهم إيمان أبراهام (سيدنا إبراهيم) يعبدون معنا الإله الواحد ، الرحيم ، الذى سيحاكم الناس آخر يوم " !. (المجامع المسكونية ، الجزء الثانى صفحة 1751، صادر عن دار نشر لوسير الفرنسية التى تتولى طباعة إصدارات الفاتيكان ، إلى جانب مطبعة الفاتيكان ذاتها، صادر عام 1994 فى ثلاثة أجزاء ) ، ولا أعتقد إن هاتين المطبعتين من المطابع "الإنتقائية" أو المعادية للمسيحية !!.
وقد تم الإعتماد على هذا القرار لإصدار وثيقة " فى زماننا هذا " ، التى إستبعدت المسلمين من نسل سيدنا إبراهيم ووضعت الإسلام ضمن الديانات الأسيوية ! (مجمع الفاتيكان الثانى ، علاقات الكنيسة مع الديانات غير المسيحية ، دار نشر لوسير ، صفحات 201- 236 ، طبعة 1966) ، وهى نفس الوثيقة التى تم فيها تبرأة اليهود من دم المسيح ، وقد تناولت الجزئية المتعلقة بالإسلام فى مقال على حدة بعنوان "وثيقة فى زماننا هذا "..

كما أندهش لكل ما كلته من هجوم وسخرية على كتاب : "المساومة الكبرى ، من مخطوطات قمران إلى مجمع الفاتيكان الثانى" ، بنفس الأسلوب المتلفع بمسوح العلم لتوهم القارىء بجدية وحياد النقد وأمانة التسفيه الذى كلته !. فالناقد الأمين يتناول الموضوع سواء بالتأييد أو بالإعتراض ، مع توضيح الأسباب بالأدلة والبراهين ، وهذا من أبجديات أصول البحث العلمى التى لا أتخيل أنك تجهلها ..
ومن المؤسف أنك لم تدرك أنه أول بحث يقوم بالكشف عن سبب تلك العجرفة الصهيونية التى لا تغفلها عين ، وهى عجرفة أو عربدة تُلقى بكافة القرارات الدولية وتضرب بها عرض الحائط !. وذلك لأنهم يمتلكون من النصوص ، من مخطوطات قمران ، ما يسمح لهم بهدم الكيان الكنسى برمته .. وهذه هى المساومة الكبرى التى يضغط بها الصهاينة على الفاتيكان وعلى قادة الغرب المسيحى المتعصب ، ولذلك ينحنون لكافة الضغوط التى تمارس عليهم ، بمعنى : الرضوخ أم الفضيحة ، حتى وإن كان هذا الرضوح يتم على حساب شعب يباد بكل جبروت وإصرار !.
وما كان يجب أن يلفت نظرك ، سواء كأستاذ جامعى أو حتى كمجرد إنسان مسيحى ، هو: كيف لهذه المؤسسة الفاتيكانية العاتية ، التى فرضت مسيحيتها طوال مشوارها الدامى، وتحمل على كاهلها عصر الظلمات بكل ما به من إبادة ملايين القتلى والضحايا بمحاكم التفتيش والحروب الصليبية ضد المسلمين والحروب الدينية ضد المسيحيين وحرق الناس أحياء ، وكل ما قامت به من هدم وإقتلاع للتراث والبشر، كيف يمكن لمثل هذه المؤسسة أن تقبل المساس بعقائدها والإطاحة بمضمون أكثر من مائة آية من أناجيلها، وهى آيات تتهم اليهود بقتل المسيح عليه الصلاة والسلام ، إلا لو كان هناك ما هو أقوى منها ومن جبروتها الممتد ؟.. فلم يعد بخافى على أحد أن التنازلات الدينية والعقائدية ، من جانب الفاتيكان ، لصالح الصهاينة ، لا تتوقف ـ إلا إن كنت لا تقرأ أو لا تتابع مجريات الأحداث ، بل ولا تربط بينها ، وهو ما لا يمكننى تصوره فى أستاذ جامعى ومسيحى يتم التلاعب بنصوص عقيدته بمثل ما يحدث حاليا !. وما يقلقنى هنا هو إصرار الفاتيكان ومحاولة فرضه على المسلمين ان يقوموا بمثل هذا التلاعب فى القرآن الكريم وأستبعاد آيات بعينها.
وقد نجم عن هذا الموقف الفاتيكانى بتبرأة اليهود ، والتلاعب بالنصوص من أجل الأغراض السياسية ، أن تضاعف الإلحاد فى الغرب ، فى هذه الفترة تحديدا ، أى منذ مجمع الفاتيكان الثانى عام1965 حتى اليوم ، إذ أن الأتباع قد عاصروا بالفعل واحدة من تلك الوقائع التى عادة كان يتم التعتيم عليها فى عصور الظلمات بالترويع الذى تعرفه يقينا أكثر منى !. وهو ما أدى أيضا إلى حدوث حركة إنشقاقية داخل الكنيسة وإنسحاب الأسقف لوفيفر من كاثوليكية روما ، وقام بتأسيس كنيسة أخرى- ولا يسع المجال هنا لتناول كل هذه التفاصيل للأسف ، إلا أنها موضوعات باتت تطرح على صفحات الجرائد اليومية فى الغرب وخاصة فى فرنسا .. أى أنها بمثابة المعلومات العامة فى الحياة اليومية ، فالمكابرة ومحاولة التعتيم عليها لم تعد مجدية ، وإنما كان التكاتف لصد هجماتها أهم وأصدق ممن فى مثل مركزك !.
كل تلك الأمور المصيرية هى ما كنت أتصور أن تتناولها فى ردك ، بل وأن تتكاتف الجهود لتفادى ما يحيكونه من كارثة ، فالترتيبات تتم بإقاع محموم لإقتلاع الإسلام ولتوحيد الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما قبل حلول عام 2010 ، وهى المهلة التى حددها مجلس الكنائس العالمى فى يناير عام 2001 ، حينما لم يتم تنصير العالم عشية الألف الثالثة ، وفقا لقرارات المجمع الفاتيكانى الثانى ، فقام بإسناد هذه المهمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، التى قامت بإختلاق مسرحية الحادى عشر من سبتمبر لتتلفع بشرعية دولية لإقتلاع الإسلام والعمل على تنفيذ قرار توحيد الكنائس .. ولا أعتقد أنك بغافل عن هذه الأحداث أيضا وكان الله فى عون تلاميذك !
كما لا أتصور أنك بغافل عن خطب البابا بنديكت السادس عشر وما يعلن عنه يوميا تقريبا من قرارات من قبيل جعل اللغة اللاتينية هى الأساس فى نصوص كافة الكنائس، و إحياء اللغة اللاتينية وجعلها لغة تواصل عالمية رغم مواتها ، وخاصة تلك المذكرة المسماه "مذكرة عقائدية حول التبشير" الصادرة يوم 14/12/2007 ، لتنصير العالم ، وهى وثيقة صدرت أساسا للرد على إحتجاج الكنيسة الأورثوذكية فى روسيا من عمليات التبشير التى يقودها الفاتيكن هناك ، وغيرها جد كثير ..
لذلك اندهش لموقفك الهجومى الساذج أو السطحى ، الذى لا أرى ما يبرره ، إلا إن كنت كاثوليكيا ، فهذا هو السبب الوحيد الذى قد يجعل لموقفك شىء من التبرير أو المنطق رغم كل ما به من مآخذ آثرت ألا أضيع وقت القارىء فى متابعة تفنيدها ! ولا أتخيل أن مقالتى تستدعى كل هذا العداء ، أو محاولة التعتيم على الحقائق المعاشة، فكلنا عابرى سبيل ، والكفن لا جيوب له ، ولا يبقى إلا صالح الأعمال ..
وكلمة أخيرة أتوجه بها لجريدة "القدس العربى" التى رفضت نشر هذا التعقيب وضربت بجميع الأعراف عرض الحائط ، فأبجدية التعامل الحضارى تقتضى بأن يتم نشر التعقيب على أى مقال يُنشر ، فى نفس الجريدة وفى نفس المكان ، وأن المجاملة للغير أو الرضوخ لضغوطه لا يجب أن يكون على حساب الحق ، ولا على حساب الأمانة والعدل ، ولا على حساب الدين : فكلها أسباب تمس بمصداقية الجريدة التى نعتز بمواقفها المشرفة و بجهودها لنشر الحقائق !!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
هيستريا تنصير العالم !
خطاب مفتوح إلى البابا بنديكت السادس عشر

بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذ الحضارة الفرنسية

بمناسبة إنتهاء شهر أكتوبر، شهر التنصير فى العُرف الكنسى ، ويوم التبشير العالمى ، الذى يتم الإحتفال به يوم 21 أكتوبر، وإنتهاء مؤتمر التبشير المنعقد فى مدينة نابولى من 21 إلى23 أكتوبر ، وكل ذلك فى إطار قرار "تنصير العالم " الذى فرضه مجمع الفاتيكان الثانى عام 1965 ، إسمح لى أيها الأب المبجل أن أتناول موضوع ، شديد الحساسية ، لم يعد أحد يجهل عواقبه التى تتخذ أبعادا هيستيرية إستحواذية ..
فسواء أكانت مؤتمرات أو ندوات أو موائد مستديرة أو أيام عالمية للشباب أو تحت أية مسميات أخرى كلألعاب الأولمبية وبعثات التبشير الموجهة إلى أركان الدنيا الأربعة أومحشورة فى العتاد الحربى لجيوش الإحتلال ، فلم يعد أحد لا يلحظ المبشرين وأعمالهم . إن هوس الإصرار على تنصير العالم قد تعد أى منطق ، ـ خاصة وأنكم لا تكفون عن ترديده فى كل خطبكم تقريبا ، أن الكنيسة أولا تبشيرية . تبشيرية إستجابة للآية رقم 19 ، فى آخر إصحاح إنجيل متّى القائل : "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس".
ولقد قام مجمع الفاتيكان الثانى بتجنيد كل المسيحيين فى وثيقة " إلى الأمم " لكى يساهموا فى عمليات تنصير العالم. لقد تم تجنيد ترسانة بأكملها من المؤسسات والمنظمات الرسمية وغير الحكومية وجماعات تبشيرية من الشباب ، بل ومن الأطفال ومن الخلايا الكنسية التبشيرية ، وكل الوسائل فى كافة المجالات فى المجتمع قد تم وضعها كسلاح للتبشير. وإن كان ذلك قد مر فى البداية بصورة غير ملحوظة ، فقد أعلنها البابا يوحنا بولس الثانى صراحة عام 1982 فى مدينة شانت يقب. ومنذ ذلك الوقت لم يحدث أن كان الهوس أكثر عُجالة وأكثر هيستيرية لشيطنة الإسلام والمسلمين فى العالم !
وهنا إسمح لى ، أيها الأب المبجل ، أن أوضح لك أن نصوص العهد الجديد تناقض تلك الآية التى تعتمدون علي نصها ، ومن هانا ، فهى تدين كل ما يترتب عليها وهو : السبب الحقيقى للإرهاب الذى يثيره هذا التبشير !
ووفقا لنصوص العهد الجديد ، فإن رسالة يسوع ، كما يقولها شخصيا : "لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (متّى 15 : 24) ! وهو نفس ما كان قد قاله فى الإصحاح العاشر من نفس إنجيل متّى : "هؤلاء الإثنى عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا : إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل إذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " (آية 5 و 6 ).
وهو ما نطالع معناه أيضا فى أعمال الرسل إذ تقول: " إليكم أولا إذ أقام الله فتاه يسوع أرسله يبارككم بِرَد كل واحد منكم عن شروره " ( 3 : 26 ). وذلك يعنى أن يسوع لم يُبعث ، وفقا للنص ، إلا من أجل اليهود الغارقين فى الشرور لكى يبتعدوا عنها .
وليست هذه الآيات وحدها التى يحتوى عليها العهد الجديد (طبعة 1966 العربية) .فما أكثر الآيات التى تكشف عن أن يسوع كان يبشر بملكوت الله وليس بتبشير الأمم ! فما أكثر المرات التى كان يؤكد فيها إقتراب موعد ذلك الملكوت ومنها : ما نطالعه فى إنجيل متّى : "وفيما أنتم ذاهبون أكرزوا قائلين أنه اقتربملكوت السموات " (10 : 7) ؛ أو "فإنى الحق اقول لكم لا تكملون مدن إسرائيلحتى يأتى ابن الإنسان"(10 : 23) . بل إن إنجيل متّى به أكثر من ثلاثين آية تشير إلى تبشير يسوع بملكوت الله بخلاف مافى الإصحاح الثالث عشر وحده ، من الآية 1 إلى الآية 52 ، فكلها تتحدث عن ملكوت الله واقترابه الوشيك !
بل لقد كانت سرعة إقتراب حدوث ذلك الملكوت وشيكة إلى درجة أنه عندما ذهب الإثنى عشر حواريا فى أولى جولاتهم قال لهم يسوع بوضوح : "ومتى طردوكم فى هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى ، فإنى الحق أقول لكم لاتكملون مُدن إسرائيل حتى يأتى إبن الإنسان " ( متّى 10 : 23 ) . وحتى أثناء مثول يسوع أمام الكاهن الأكبر أثناء المحاكمة نراه يقول لهم : " وأيضا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء " (متّى 26 : 64 ) ..
أما إنجيل مرقس فيورد فى الإصحاح الأول كيف أن يسوع يواصل الرسالة التى بدأها يوحنا المعمدان والتبشير بنفس المضمون ، إذ تقول الآية : "وبعد ما أسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " ( 14 و15 ) وفى الإصحاح التاسع نطالع: "وقال لهم الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوما لا يذوقوا الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة " . وتتكرر المقولة : "الحق أقول لكم لا يمضى هذا الجيل حتى يكون هذا كله. السماء والأرض تزولان لكن كلامى لا يزول " (مرقس 13 : 30و31) .
ونطالع فى إنجيل لوقا أن يسوع " لما صار النهار خرج وذهب إلى موضع خلاء وكان الجموع يفتشون عليه فجاءوا إليه وأمسكوه لئلا يذهب عنهم. فقال لهم إنه ينبغى لى أن أبشر المدن الأخر أيضا بملكوت الله لأنى لهذا قد اُرسلت "( 4 : 42 و 43) .. وهو ما يثبت إن رسالة يسوع كما تتضح من كل هذه الآيات تنحصرـ كما يقول هو ، فى إعادة خراف بيت إسرائيل الضالة إلى رسالة التوحيد بالله الواحد وليس بالثالوث ، و فى التبشير باقتراب ملكوت الله الذى هو العدل والسلام والفرحة .
ونطالع فى نفس إنجيل لوقا ، فى بداية الإصحاح التاسع ، أن يسوع قد "دعا تلاميذه الإثنى عشر وأعطاهم قوة وسلطانا على جميع الشياطين وشفاء أمراض وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله ويشفوا المرضى " ( آية 1 و 2 ) . وهو ما يكشف عن أنه أسند إليهم كل السلطات التى كان هو يمارسها .. وفى الإصحاح العاشر يواصل نفس الوصية قائلا : " واشفوا المرضى الذين فيها وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله . وأية مدينة دخلتموها ولم يقبلوكم فاخرجوا إلى شوارعها وقولوا حتى الغبار الذى لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم ولكن اعلموا هذا إنه قد اقترب منكم ملكوت الله " ( 9 ـ 11 ) .
وهو ما يثبت أنه لم يكن يسوع وحده الذى كان ينادى بإقتراب ملكوت الله وإنما قد أسند بهذه المهمة إلى الحواريين أيضا. وهو ما يوضح أهمية هذا الملكوت الذى يمثل أساس رسالته ، ملكوت العدل والسلام والفرحة ، وليس تنصير العالم.
ويبدأ الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنا بواقعة نيقوديموس الفاريسى الذى قال له : ".. لا أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التى أنت تعمل إن لم يكن معه الله . أجاب يسوع وقال الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله " .
وكما رأينا للتو فإن الأناجيل الأربعة تتحدث عن ملكوت الله على أنه الرسالة الأساس ليسوع ، فما من إنجيل إلا وتناولها بنسب متفاوتة من الآيات. وهو ما سوف نتابعه أيضا فى أعمال الرسل والرسائل التى تبدأ فى الإصحاح الأول بالإشارة إلى ما فعله يسوع وعلمه إلى اليوم الذى إرتفع فيه عندما أمضى "أربعين" يوما بعد بعثة ـ كما يقولون ، يتحدث عن الأمور المختصة بملكوت الله "وهو يظهر لهم أربعين يوما ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله " ( 1ـ3 ).
ونغض الطرف هنا عن الإختلاف أو تناقض مدة بقاء يسوع على الأرض بعد بعثه عن الأناجيل المعتمدة ، التى تمتد من يوم واحد إلى أربعين يوما ، وهى واحدة من الآف المنتناقضات التى يزخر بها الكتاب المقدس ، لكنا نكتفى بتوضيح نقطة جوهرية : أنه حتى بعد بعثه ، وفقا لأعمال الرسل ، وليس أثناء حياته فقط ، ظل أربعين يوما يحدث حوارييه فقط عن الأمور المختصة بملكوت الله !..
بل والأدهى من ذلك تنتهى أعمال الرسل بالآيتين التاليتين : " وأقام بولس سنتين كاملتين فى بيت استأجره لنفسه. وكان يقبل جميع الذين يدخلون إليه كارزا بملكوت الله ومعلما بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة بلا مانع " ( 28 : 30 و 31 ) .
وفى رسالته إلى أهل رومية يوضح بولس قائلا : "لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا. بل هو بِرٌ وسلامٌ وفرحٌ فى الروح القدس " ( 14 : 17 ) .. وفى رسالته إلى أهل كورنثوس يضيف بولس قائلا : " أم ألستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله " (6 : 9).. ويواصل السرد فى رسلاته إلى أهل غلاطية معددا أعمال الجسد الظاهرة محذرا إياهم : "فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضا إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله " ( 5 : 19 ) ..
وفى رسالته إلى أهل أفسوس يقول : " فإنكم تعلمون هذا أن كل زان أو نجس أو طماع الذى هو عابد للأوثان ليس له ميراث فى ملكوت المسيح والله " ( 5 : 5 ) ، ونلاحظ هنا تغييرا واضحا : فبعد أن واصل بولس تصعيده لعملية تأليه يسوع و جعله "ربنا يسوع" فى أقواله السابقة ، ها هو يسند إليه ملكوت الله ويشرك ملكية الملكوت للمسيح ولله معا !..
وهو تغيير يزايد عليه بطرس فى رسالته الثانية إذ يقول فى الإصحاح الأول : " لأنه هكذا يقدم لكم بسعةٍ دخولٌ إلى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدى" (الآية 11 ) ! فبعد أن كان يسوع يبشر بملكوت الله واصل الحوارييون تصعيد أهمية يسوع ، و جعلوا الملكوت شركة بين الله ويسوع ، ثم تحول إلى "ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدى "!!
وأيا كان صاحب ذلك الملكوت ، فإن هذا لا يغّير شيئا من أن الرسالة التى أتى من أجلها يسوع والتى أرسله الله ليحققها هى بكل وضوح : إعادة خراف بيت إسرائيل الضالة إلى رسالة التوحيد ، والتبشير بملكوت الله الذى اقترب مجيئه . بل والأدهى من ذلك يقول يسوع لمن عصوا كلام الرب : " لذلك أقول لكم إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لإمةٍ تعمل أثماره " (متّى 21 : 43 ).
وقبل أن ننهى هذه الجزئية لا بد لنا من لفت نظركم إلى بعض التناقضات المتعلقة بالنص و تطبيقكم له . فقد رأينا أن يسوع قد حدد قائلا أنه لم يرسل إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة (متّى 15 : 24) ، وكذلك فى نفس الإنجيل حينما حدد قائلا لحوارييه : " إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل إذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيس الضالة " (10 : 5 و 6) ،
ألا يبدو من غير المنطقى ، بعد كل هذه النصوص ، أن نراه يملى لحوارييه بعد "بعثه" ، سواء أكان طيفا أو تجليا ، و أن يأمرهم بالذهاب ليتلمذوا جميع الأمم ويعمدوهم باسم الثالوث ـ وهو القائل :" إلى طريق أمم لا تمضوا" ؟!
ألا يعنى ذلك مخالفة لرغبة يسوع وإرادته و القيام بفرض المسيحية على العالم ، خاصة وإن نص ذلك الكتاب مرتاب فى أمره بين العلماء ؟!
وهناك تناقض آخر بين متّى و مرقس حول نفس هذه المقولة عن التبشير بالثالوث : إذ يقول متّى أن هذا الأمر قد أُعطى للحواريين الأحد عشر فى الجليل "إلى الجبل حيث أمرهم يسوع " (28 : 16). بينما يورد مرقس أن هذا الأمر قد أُعطى للحواريين الأحد عشر فى المنزل، إذ يقول : " أخيرا ظهر للأحد عشر وهم متكئون و وبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام وقال لهم إذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " (16 : 14 و 15). أى أنه ظهر لهم فى المنزل كطيف وأوصاهم بالرسالة !
وبغض الطرف عن مثل هذا التناقض بين متّى و مرقس فى موضوع بمثل هذه الأهمية ، فلا نملك إلا أن نندهش من مضمون الرسالة التى أملاها : " وقال لهم إذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص. ومن لم يؤمن يُدَن " . ونتجاوز هنا عن هذا "التسامح" لنرى علامات الذين يؤمنون وصفاتهم فهم : " يُخرجون الشياطين باسمى ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيّاتٍ وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون " (مرقس 16 : 15ـ18) !
و وفقا لهذا المعيار يبدو أن هناك قلّة قليلة جدا من المؤمنين بين المسيحيين!
وتأتى أعمال الرسل بتناقض آخر يتعلق بالتعميد ففى آخر الإصحاح العاشر ، عندما ذهب بطرس إلى قيصرية للقاء كورنليوس ، " أمر بأن يعتمدوا باسم يسوع المسيح" (10 : 48) . أى أنه وفقا لأعمال الرسل فإن بطرس الحوارى كان يجهل أنه يتعيّن عليه التعميد " باسم الآب والإبن والروح القدس" !
بل و الأدهى من ذلك ، نرى فى الإصحاح الحادى عشر من أعمال الرسل أنه عندما " صعد بطرس إلى أورشليم خاصمه الذين من أهل الختان قائلين إنك دخلت إلى رجال ذوى غُلفة وأكلت معهم " (الآية 3) ( أى أنه دخل وأكل مع غير اليهود) . وبدأ بطرس يحكى لهم القصة كما وردت فى الإصحاح السابق كنوع من التبرير ، ثم أضاف قائلا : "فتذكرت كلام الرب كيف قال أن يوحنا عمّد بماء وأما أنتم فستعمدون بالروح القدس " (آية 16) . والقائل هنا فرضا هو نفس يسوع .
ومما تقدم ، وهو جد قليل من كم الأمثلة الواردة ، نرى أن نهاية كل من إنجيل متّى ومرقس عبارة عن إضافات تمت لاحقا. فأيا كانت وسيلة التعميد ، فذلك يثبت أنه حتى كتابة أعمال الرسل ، وهى سابقة على كتابة الأناجيل الأربعة، لم تكن عبارة " الثالوث " موجودة أو قد تم إختلاقها بعد ، وأن يسوع لم يطلب منهم تنصيركل الأمم ! وذلك لأننا نطالع فى نفس الإصحاح الحادى عشر أنهم تشتتوا " إلى فينيقية وقبرص وإنطاقية وهم لا يكلمون أحدا بالكلمة إلا اليهود فقط " ( 11 : 19 ) ، وهو ما يخالف عبارة يسوع بأن يعمدوا "كل الأمم" ، فكيف للحواريين ألا يتحدثوا مع الوثنيين المفترض تنصيرهم بأمر يسوع ، ولا يتحدثون إلا إلى اليهود أمثالهم؟
ولا يسع المجال هنا لإضافة كل ما تضمه أعمال النقد الحديثة من عدم توافق ، لكنا على الأقل نشير إلى أن أغلبية النقاد ، ومنهم كنسيين ، يقرّون بأن نهاية كل من إنجيل متّى ومرقس عبارة عن إضافات متأخرة ، قام بها القديس جيروم فى آخر القرن الرابع ، لأن نفس الأصل المعروف باسم "كودكس سيناء" و"كودكس الفاتيكات" ، ويرجعان إلى القرن الرابع لا يتضمنا تلك الإضافة !
ونوجز كل ما تقدم بأن يسوع طوال فترة تبشيره ، سواء أكانت بضعة أشهر أو ثلاث سنوات ، وفقا لأى إنجيل نعتد ، وسواء بعد صلبه و بعثه كما يقولون ، وظهوره يوما أو اربعين يوما ، فهو لم يكف عن الإعلان بوضوح : أنه لم يرسل إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة، ومن أجل التبشير بملكوت الله.. ترى ، أمن ضرورة لنضيف هنا أن عقيدة التثليث هذه ، والتى قامت بمساواة الله بيسوع بالروح القدس ، قد تم اختلاقها وفرضها فى مجمع القسطنطينية عام 381 : فكيف نراها موجودة فى نص مكتوب فيما بين أواخر القرن الأول وبداية القرن الثانى ؟!
فبدلا من ذلك الطريق الهيستيرى الضال و الهادف إلى إقتلاع الإسلام والمسلمين ، وبدلا من هذه الهيستريا المضادة للإرهاب زعما والتى تخفى الأخطار الحقيقية السياسية المعاصرة ، وأولها مسألة الفاقة الغذائية فى العالم ، حيث أن هناك 854 مليونا من البشر يعانون من الجوع ، ـ وفقا للمدير العام لمنظة الفاو.. ألا يُعد أول واجب هو العمل على إطعامهم ؟ العمل على إنقاذهم كآدميين لهم كل الحق فى الحياة ، بدلا من أن تلوحون لهم بالطعام بيد وتفرضون عليهم الكتاب المقدس باليد الأخرى ..
فمثل هذا النص "المقدس" المختلف عليه وحوله بهذا الشكل ، والذى فرضه مجمع الفاتيكان الأول عام 1869 على أن " الله هو مؤلفه " ، ثم فى مجمع الفاتيكان الثانى عام 1965 حكمت عليه أغلبية مكونة من 2344 كنسيا ضد 6 ، ورأوا : " أن هذه الكتب وإن كانت تتضمن الناقص والبالى ، فهى رغم ذلك تُعد شهادات لعلم تربوى حقيقى " ! إن مثل هذا النص يتطلب شىء من " التواضع " من جانب من يمثلونه ومن جانب من يتّبعونه ، وليس فرضه على العالم بأى وسيلة وبأى ثمن .
ويبقى سؤال يفرض نفسه فيما يتعلق بعملية التنصير ، وهو " الدور الأساسى للكنيسة " كما لا تكفون عن ترديده : ترى ما هو مصير اليهود الذين منحتوهم أرضا ليست من حقهم يقينا ، بينما يعانى الشعب الفلسطينى من عملية قتل عرقى مكتومة الأصداء ، على مرأى ومسمع من العالم أجمه : ترى هل ستقومون بتنصير اليهود أيضا ، أم أنهم معفون من الخلاص ؟!
مع التعبير عن شكرى للقراءة ، أرجو أن تتقبل ، أيها الأب المبجل ، تحياتى وأمنياتى بأن تتمكن من إقامة العدل الحقيقى والسلام الحقيقى والفرحة الحقيقية بعدالة تليق بمقام يسوع ، النبى والرسول ، وتليق بالمكانة التى تحتلونها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وثيقة فى " زماننا هذا"
وعلاقات الكنيسة بالإسلام



بقلم دكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


عقب المحاضرة الشهيرة التى القاها البابا بنديكت السادس عشر فى راتسبون، والتى سب فيها الإسلام بوضوح وتعمّد ، تم رفع وثيقة المجمع الفاتيكانى الثانى (1965) المعروفة باسم "فى زماننا هذا" وإشهارها كالراية فى مختلف الصحف ، حتى فى الفاتيكان نفسه ، لتهدأة النفوس وإثبات "الإحترام" الذى يكنه الفاتيكان للمسلمين !

وفى واقع الأمر ، إن القليل من الناس هم الذين يعرفون نص هذه الوثيقة ، خاصة الجزء المتعلق بالإسلام. لذلك رأينا أنه من المفيد وضع هذا النص تحت الضوء ، لنراه عن قرب ونوضح للجميع الموقف المزدوج للمسؤلين عن الكنيسة الكاثوليكية الرسولية الرومية ... ويمتد نص الوثيقة فى حد ذاته على أربع صفحات، والبند الثالث المتعلق بالمسلمين ، يتضمن فقرتين من سبعة عشر سطرا، نصها كما يلى :

الديانة الإسلامية :
3 – " إن الكنيسة تنظر أيضا بعين الإعتبار إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد ، الحىّ القيوم ، الرحمن القدير ، خالق السماء و الأرض ،الذى تحدث إلى البشر. إنهم يحاولون الخضوع بكل قواهم لقرارات الله ، حتى وإن كانت مخفية ، مثلما خضع إبراهيم لله والذى يتخذه الإيمان الإسلامى طواعية مثلا له. وعلى الرغم من أنهم لا يعترفون بيسوع كإله ، فهم يبجلونه كنبى؛ ويوقرون أمه العذراء ، مريم ، وأحيانا يتوسلون إليها بتضرع. كما أنهم ينتظرون يوم الحساب، الذى سيجازى فيه الله البشر بعد بعثهم ، وهم يقدرون الأخلاق، ويقدمون عبادة ما لله خاصةً بالصلاة، والزكاة والصوم.
"وإذا ما كانت عبر القرون قد اندلع العديد من الخلافات و العداوات بين المسيحيين والمسلمين ، فإن المجمع يهيب بهم جميعا نسيان الماضى وأن يجتهدوا بإخلاص فى محاولة للفهم المتبادل، وأن يقوموا معا بحماية ونشر العدل الإجتماعى، والقيم الأخلاقية، والسلام و الحرية ، من أجل كافة البشر " (صفحة 29).

وما من إنسان يجهل أن مجمع الفاتيكان الثانى يمثل أهم الأحداث قاطبة بالنسبة للكنيسة فى القرن العشرين. فعلى العكس من كافة المجامع السابقة ، التى كان يتم عقدها لتدارس المشكلات الحقيقية التى تمثل أخطارا على نفس الكيان الكنسى ، بما أنها بكلها عبارة عن تهديدات لاهوتية ناجمة من داخل الكنيسة أو من خارجها ، فإن المجمع الفاتيكانى الثانى يعد أول مجمع هجومى فى تاريخ الكنيسة، إذ أنه قرر علنا تنصير العالم بقرار لا رجعة فيه. ومن بين الخمسة عشر وثيقة التى أصدرها المجمع بين 1964 و1965 ، فإن وثيقة "فى زماننا هذا" التى تعنينا هنا قد تم التوقيع عليها فى 28 /10/1965 . والنص النهائى للوثيقة وكل محاضر الجلسات والتعليق عليها موجودة فى الكتاب الصادر عن دار نشر دى سير (du Cerf)، سنة 1966 ، تحت عنوان : مجمع الفاتيكان الثانى وعلاقات الكنيسة مع الديانات غير المسيحية ، وهو يمثل جزءا من المجموعة الكنسية برقم 61 . والكتاب يتكون من 335 صفحة ، ومقسّم إلى ثلاثة أجزاء بخلاف الملحقات. والجزء المتعلق بالإسلام يحتل الصفحات من 200 إلى 236 . وقد قام بصياغته القس روبير كاسبار، أستاذ "علم اللهوت الإسلامى" بالمعهد البابوى للدراسات العربية فى روما ، ومستشار السكتارية الخاصة بغير المسيحيين. وأثناء انعقاد المؤتمر كان عضوا فى اللجنة الفرعية الخاصى بالإسلام.
وعند قراءة الست وثلاثين صفحة المتعلقة بصياغة النص ، لا يمكن للقارىء الا يشعر بالإشمئزاز والقرف بالنسبة لذلك الموقف المتعنت وغير الأمين لهؤلاء الأباء الأجلاء ، الذين تفننوا فى استبعاد الإسلام كديانة توحيدية ، أتت لتصويب ما تم فى الرسالتين السابقتين من تحريف وإنحراف. و يبدأ الأب كاسبار بتوضيح الجو العام الذى دارت فيه هذه الجلسات ، قائلا: "لا بد لى من الإعتراف أولا بأن الديانات غير المسيحية تحتل مكانة ضئيلة فى اهتمامات هؤلاء الأساقفة والمؤسسات المعنية (...) ، وأساقفة البلدان التى بها الإرساليات يتحدثون كثيرا عن المشكلات التى تصادفهم فى التبشير ، وقليلا ما يذكرون الديانات غير المسيحية كديانات ، ولا شىء تقريبا يقال عن الإسلام . والمرء يدهش من ملاحظة الصمت المطبق للكنائس الشرقية حول هذا الموضوع الذى يواجهونه يوميا " ( صفحات 201 و 202 ). ومن المؤسف رؤية أن التعنت الوحيد لهؤلاء الأباء الأجلاء هو الإهتمام بتدارس كيفية تنصير العالم ، رغم تلك اللافتة المعلنة عاليا والمنادية بحرية العقيدة !
من ناحية أخرى ، لا نرى ضرورة لفتح هامش نوضح فيه الموقف المثير للإشمئزاز لهؤلاء الأباء الأجلاء ، وخاصة موقف الذين يمثلون الكنائس الشرقية ، أى الأقليات المسيحية التى تعيش بين المسلمين ، وعدم أمانتهم تجاه البلدان التى يعيشون فيها ، فالنص شديد الوضوح...
ويبدأ الأب كاسبار بتلخيص مختلف وجهات النظر التى لاحت منذ أولى الحوارات، والتى يلخصها فى نقطتين ، لا بد من أخذهما فى الإعتبار : " أن الإسلام عبارة عن شرّ مطلق لا بد من دحضه ، وخطر بالنسبة للكنيسة لا بد من محاربته. والثانية ، ترى فى الإسلام بصيص من النور لبعض الحقائق والتشابهات مع المسيحية والتى يجب تنميتها "( صفة 202 ) ، ( الخطوط من وضعنا فى النص كله). وأن البطريارك مكسيموس هو الذى أسدى ملاحظة "أنه لا يمكن التحدث عن اليهود دون التحدث عن الديانات الأخرى و خاصة الإسلام" (صفحة 203 ). وهنا تجدر الإشارة إلى أن واحدا من أهم السباب التى دعت إلى إجتماع هذا المجمع هو التنازلات غير المسبوقة التى تمت لليهود أو التى تم فرضها على الكنيسة ، رغم مخالفتها الشديدة للنصوص ، وتدارس كيفية جعل الأتباع يبتلعونها ! وإختصارا ، فإن المحاولات الأولى المتعلقة بالإسلام تم اتخاذها فى دورة 1964 ، لإدخال فقرة حول المسلمين فى نص البيان.
وكان النص المبدئى يتضمن العبارة التالية : " وليسوا غرباء أيضا عنالتنزيل الذى تم على الأباء ، أبناء إسماعيل ، الذين يعترفون بإبراهيم كأب لهم ،ويؤمنون بإله إبراهيم". وكانت هناك ملحوظة توضح أن " أبناء إسماعيل " هم المسلمون... إلا أن التصويت على النص الذى كان يتضمن عبارة " أبناءإسماعيل" قد قوبل باعتراض شديد. ويوضح الأب كاسبار ذلك قائلا : " ما الذى حدث ؟ من بحث تعليقات التصويت تبيّن أن النص المقترح، رغم إعتداله ( ليسواغرباء عن التنزيل الذى تم على الأباء" يمكنه أن يستبق الحكم فى حل مسائل صعبة ومصار جدل شديد، من قبيل الإنتساب التاريخى للعرب لإسماعيل ، وخاصة ربط الإسلام بالتنزيل الإنجيلى " (صفحة 205). وهو ما يؤكد عدم الأمانة المتعمّد.
وبعد مداولات ممتدة ، وإقتراعات وإستبعادات ، يوضح الأب كاسبار أن النص الأصلى المكوّن من بضعة أسطر، والخاص بالمسلمين ، قد تمت زيادته بشكل ملحوظ : " فهو يستخلص الخطوط الرئيسية لعبادة المسلمين ويدعو إلى نسيان خلافات الماضى ، وإلى الحوار والتعاون بين المسيحيين و المسلمين لصالح الإنسانية العام" (صفحة 206). وقد تم التصويت عليه بعدد 1910 موافقون و 189 معترضون.
وفى الجزء الثانى من نصه التفسيرى ، يتحدث الأب كاسبار عن المكانة التى يحتلها الإسلام فى تاريخ الخلاص ، موضحا كيف يقوم البيان بوضع الإسلام بين الديانات الكبرى الأسيوية التى تولدت بعيدا عن المسيحية (...). والبيان لا يقول شيئا حول الوضع الدينى للإسلام بالنسبة للتنزيل اليهودى-المسيحى (...) وقد أوضحنا أن المجمع كان قد استبعد الصياغة الأولى للبيان والتى كانت تشير بشكل طفيف إلى صلة بين " التنزيل الذى تم على الأباء " و الإسلام (صفحة 213 ). وبتفاديه إتخاذ إى موقف حول هذه المسألة ، فإن النص يضع الإسلام فى الصفالأول للديانات التوحيدية غير اليهودية-المسيحية. ويواصل الأب الكريم مضيفا : " من المهم أننرىجيدا ما الذى يود المجمع أن يقوله ، وما الذى لا يريد قوله و الأسباب التى دعته إلى ذلك " ! (نفس الصفحة السابقة).
وفى الجزء الثانى من النص الذى كتبه الأب كاسبار ، يتحدث فيه عن التوحيد الإسلامى ويقوم بنوع من شرح النص الرسمى ، وكيفية إختيار الكلمات للنص النهائى للوثيقة. ومن المحبط و المثير للإستفزاز أن نرى كيف تم اختيار كل كلمة بريبة و بحرص شديدين ، وكيف تم اختيار أسماء الله – فى تلك الوثيقة، بلؤم ومكر، إذ يقول الأب كاسبار : " وهكذا قام المجمع بوصف إله الإسلام باختيار الملامح الأساسية للإيمان الإسلامى والشبيهة لما هو وارد فى المسيحية. فأسماء أخرى كان يمكن أن تؤكد الخلافات بدلا من التشابهات" (صفحة 219).
وفى مواصلة شرحه هذا ، يلفت الأب كاسبار النظر إلى أن الوثيقة : " تضع إلراهيم لا كجد فى سلسلة نسب العرب المسلمين ، وإنما تضعه كنموذج للإيمان الإسلامى لخضوعه لإرادة الله " (صفحة 221).
وإذا ما قام القارىء باسترجاع نص تلك الوثيقة فيما يتعلق بالمسلمين ، ويمكنه الرجوع إلى الصفحة الأولى من هذا المقال ، سيلحظ النقاط التالية :
· أن كلمة " إسلام " غير واردة بهذا النص.
· أن الكنيسة تنظر أيضا بعين الإعتبار إلى المسلمين ، فلا تشير إليهم على أنهم أتباع الرسالة التوحيدية الثالثة ، وإنما تنظر إليهم فحسب بعين الإعتبار !
· أن الإله الذى يعبده المسلمون " قد تحدث إلى البشر" ، أى أنه لم يتحدث تحديدا إلى سيدنا محمد !
· الإصرار المتعمّد لاستبعاد النسب التاريخى للمسلمين إلى سيدنا إسماعيل . وهنا لا يمكننا إلا أن نتساءل : هل إختفى نص العهد القديم من الوجود، لذلك لم يتمكن هؤلاء الأباء المساكين المجتمعينلصياغة ذلك البيان، ولا يعرفون تاريخ المسيحية بالنسبة لقرابتها وعلاقتها فى سلسلة النسب مع الإسلام والمسلمين ؟! ومع ذلك فالتاريخ المعاش ، ثابت بكل وضوح فى الوثائق والنصوص !
· أن الإيمان الإسلامى يتخذ سيدنا إبراهيم كنموذج ، يتخذه مثلا طواعية ولا ينتسب إليه ! ومن العار أن نرى مواصلة ذلك التعنت بلا خجل !
· السعى الحثيث لإستبعاد الإسلام من النص الإنجيلى رغم كل الإشارات التى لا تزال فى الكتاب المقدس بعهديه ، حتى بعد كل ما أصابه من تعديلات وتغييرات متعددة ، لكى لا نقول تحريفات ، وهو ما أثبته بجدارة رجل القانون الأمريكى جوزيف هويلس ، فى كتابه المعنون : التحريف فى المسيحية .
· عملية التزوير فى التاريخ و وضع الإسلام بين الديانات الكبرى الأسيويةالتى تولدتبعيدا عن المسيحية! إن المغالطة من الوضوح بحيث ان أى شخص ملم بجزء ولو ضئيل من المعلومات التاريخية سيدرك التحريف.. وإذا كان هؤلاء الأباء البؤساء لا يعرفون الفرق جغرافيا بين آسيا وبلاد العرب و فلسطين ، فما الذى يمكننا أن نتوقعه من أمثالهم ؟ !
من الجارح والمخيّب للآمال أن نرى كل ذلك التصلّب لهؤلاء الآباء الأجلاء ، وإصرارهم على التزوير و تغيير الحقائق التاريخية ، وخاصة الإعتماد على هذا التزوير لإصدار أحكام ، ووضع توجيهات للتصرف أو فرض قرارات بعينها ! و من المفزع أن نراهم يجمعون على قول " إن المسلمين يقدرون الحياةالأخلاقية " ! ولو كان هؤلاء الأجلاء قد سألوا عن المضمون الحقيقى للقرآن فيما يتعلق بالأخلاق ، لأتاهم كرد مفعم رسالة الدكتوراه المكوّن’ من 770 صفحة والتى تمت مناقشتها فى السوربون سنة 1952، والتى تقدم بها الدكتور محمد عبدالله دراز، تحت عنوان " الأخلاق فى القرآن ". وذلك ليروا إلى أى مدى الأخلاق لا تمثل فحسب جزءا لا يتجزأ من القرآن ، وانما هى واحدة من أهم دعائمه التى تنظم حياة المسلم فى كافة المجالات ، حتى فى المجال الحربى : حيث لا يحق للمسلم أن يبدأ بالإعتداء ولكن بالرد فقط وبيقدر الإعتداء نفسه . والنصوص موجودة لكل من يود معرفة الحقائق بلا إلتواءات. فمن السخرية أن نطالع مجرد "أن المسلمين يقدرون الأخلاق" !
أما فيما يتعلق "بالخلافات و العداوات " التى اندلعت بين المسيحيين والمسلمين ، فمن الثابت فى وثائق ونصوص المؤرخين المسيحيين أن الإسلام قد تمت محاربته منذ بداية إنتشاره على أنه "هرطقة" من الهرطقات التى كانت ترفض تأليه يسوع. ومنذ أولى الأيام قام الكتّاب المسيحيون بوصف الإسلام بأقذع وأحط الأوصاف. ففى النصف الأول من القرن الثامن قام يوحنا الدمشقى بتشبيه الإسلام بحركة هرطقية شديدة القرب من الأريوسية – والأسقف أريوس كان من الذين يرفضون تأليه يسوع وشلحته الكنيسة. وفى منتصف القرن التالى نطالع فى حوليات تيوفان قوله : "أنه فى عام 622 توفى نبى مزيف من سلالة إسماعيل" (وارد فى كتاب فيليب سيناك : صورة الآخر صفحة 30 ). ونطالع فى صفحة 97 من نفس الكتاب : " ومنذ ذلك الوقت لن يذكر اسم نبى الإسلام إلا مقرونا بالمسيح الدجال. وفى منتصف القرن الثانى عشر ، قال القديس برنار الذى كان يحث على الحرب الصليبية الثانية أن نهاية المسيح الدجال قد إقتربت وان المسلمين الذين يتهددون القدس ليسوا سوى أولياء الظلمات وقد اجتمعوا من أجل نهايتهم المحتومة " . ومن المحزن ، للأسف ، أن نرى القديسين يسقطون فى هاوية التزوير والتحريف للتاريخ . وعلى أى حال فهذا القديس لم يكن وحده هو الذى انجرف إلى هاوية التحريف والتزوير التى تتواصل حتى يومنا هذا بهوسٍِِ أكثر تسلطا !
وهل لنا أن نضيف ما قاله الأب كاسبار فى صفحة 209 ، بعد أن استعرض العداوات والخلافات التبريرية المسيحية ، من " أنه طوال القرنين الماضيين (والنص مكتوب فى سنة 1965 ) قام الغرب المسيحي بالهجوم والإعتداء على البلدان الإسلامية باستعمارها أو بوضعها تحت الحماية (...) والمسيحيون الذين يعيشون وسط المسلمين ، ولو فى تداخل جزئى ، تبيّن أنهم غير قادرين على ادراك ما يكوّن جوهر وعظمة الإسلام ، وهى : التصعيد المطلق لله الواحد. وكان الوضع فى الغرب المسيحى أسوأ . فلمدة قرون طويلة سيكتفى الغرب بنشر أسوأ وأحط الأحكام على الإسلام ونبيه ، دون حتى أن يكلفوا أنفسهم بتبين حقائق ذلك المذهب". ولا جدوى من إضافة هنا أن حتى البابا بنديكت السادس عشر لم يتمكن من إدراك عظمة التصعيد المطلق لله الواحد الأحد فى الإسلام ، و وجد أنه أمر لا يتفق مع العقل والمنطق !!!
وهنا لا يسعنا إلا أن نتساءل لماذا إيقاد كل ذلك الحقد والكراهية ضد الإسلام والمسلمين والإصرار على المحافظة عليه ؟! لماذا ذلك الوجه المزدوج أو التعامل بوجهين، خاصة حينما نقارنها مع التنازلات التى قدمها الفاتيكان لليهود ؟! بل وما الذى يمكن قوله عن ذلك الإصرار على اقتلاع الإسلام كديانة توحيدية وبكل تلك الضراوة ؟ و مع ذلك فالتاريخ شديد البساطة والوضوح رغم كل عمليات التحريف تلك.
فإذا ما استبعدنا كافة التفاصيل لنتخطى الزمن لتناول تاريخ رسالة التوحيد فى بضعة كلمات سنجد : أن رسالة التوحيد نزلت على موسى النبى عليه الصلاة والسلام ، ثم عاد اليهود إلى العجل وقتل الأنبياء. فأُنزلت رسالة التوحيد على عيسى النبى عليه الصلاة والسلام موضحا أنه لم يرسل إلا من إجل خراف بيت إسرائيل الضالة (متى 15 : 24). وفى مطلع القرن الرابع ، فى سنة 325 ، قام المتحكمون فى الكنيسة الكاتوليكية بتأليه يسوع ، ثم بعمل عقيدة الثالوث وفرضوها غير عابئين بالنصوص والحقائق التاريخية ، واقعين بذلك فى هاوية الشرك بالله. لذلك تم تبليغ الرسالة لثالث مرة على النبى محمد عليه الصلاة والسلام . وكانت رسالته لا من أجل إرجاع الخراف الضالة فى الرسالتين السابقتين إلى التوحيد فحسب وإنما للعالمين ، ليسيروا على السراط المستقيم الحق وعبادة الله الواحد الأحد. وهو ما نطالعه بوضوح فى نص شهادة الإسلام: " لا إله إلا الله " ، لا أشخاص مؤلهة ولا ثالوث يشرك بالله . وهذا هو ما يؤكد بوضوح التصعيد المطلق لله الواحد الأحد ، الله الذى ليس كمثله شىء.
وعلى عكس ما تقولة وثيقة الفاتيكان الشهيرة حول "أحكام الله المخفية" فى الإسلام ، فإن وضوح الأحكام الإلهية الإسلامية ، التى تم الحفاظ عليها سالمة بدقة وحرص شديدين ، ترجع إلى أنه لا توجد معميات مفروضة بظلمات أيا كانت ، لا يوجد ايمان بألوهية المسيح ، لا يوجد تاريخ تم " توضيبه " وفقا للأهواء بعد تغييره وتحريفه، لا يوجد مسيحا ولا وساطة منسوجة بين الله والبشر ، لا يوجد خلاص على يد أحد وكلها بدع مختلقة ! لا يوجد فى الإسلام أى شىء من هذه الأحاييل الكنسية. لايوجد سوى إختيار واضح بين الخير و الشر ، بين الحلاح والحرام ، بين السراط المستقيم وسراط معوجّ ملتوى. أنه اختيار متواصل على كل إنسان أن يقوم به وهو ما يضعه وحده أمام الله، ولا شىء معه سوى أعماله التى قام بها فى الدنيا والتى اختارها طواعية ليجزيه الله فى يوم الحساب. ذلك هو الإسلام.
إن هذا الوضوح البسيط للأحكام الإلهية فى الإسلام ، وهذه النزعة الإنسانية العميقة والعادلة ، هى التى جعلت أنه على مدى إثنى عشرة سنة انتشر الإسلام فيما بين النهرين وفلسطين وسوريا ومصر ، مخلّصا شعوبها من الإضطهاد المتعصب ، بفضل الإسلام والمسلمين, وهو ما يؤكد و يضفى مصداقية واضحة على ظاهرة إنتشار الإسلام، وهى من الظواهرالأكثر وضوحا والأكثر تأثيرا على العالم ، منذ مطلع القرن السابع وحتى يومنا هذا.
وإذا انتقلنا بإيجاز شديد إلى تاريخ النصوص ، ما الذى سنراه وفقا للأبحاث الحديثة خاصة ؟ أن النصوص العبرية قد احترقت مع المعبد قبل الميلاد بخمسة قرون ، ثم قام عزرا بكتابتها من الذاكرة بعد ذلك بقرنين أو ثلاثة ، ولم تنته صياغتها إلا فى القرن العاشر الميلادى ! ونصوص العهد الجديد قد تمت صياغتها فى اواخر القرن الميلادى الثانى ، بأقلام كتبة مجهولون وليست الأسماء التى هى معروفة بها . ثم قام القديس جيروم بصياغتها من بين أكثر من خمسين إنجيلا . والخطاب/المقدمة الذى يوجهه للبابا داماز ، الذى طلب منه القيام بذلك العمل ، لأكبر دليل على التحريف والتلاعب الذى تم فى نصوص العهد الجديد (راجع طبعة البنديكتين سنة 1693 ) ! وعلى أى حال فلم يكن بلا سبب أن تقوم الموسوعة البريطانية بقول أن هناط 150000 خطأ ترجمة وتناقض وعدم توافق فى الأحداث. وقد قام العلماء حديثا برفع هذا الرقم إلى الضعف بفضل الأبحاث التى اجروها. وفى واقع الأمر ، لا توجد أى وثيقة واحدة أصلية لا بلغة عيسى عليه السلام ولا من عهده : كل هذه النصوص عبارة عن نصوص منقولة عن نصوص منقولة ومعاد نقلها . وهو ما يجب أن نضيف عليه إعادة تغيير هذه النصوص والعقائد عبر المجامع ومن طبعة إلى أخرى على مر العصور. وعلى العكس من ذلك ، فمن الثابت والمعروف لدى الجميع ان النص القرآنى هو النص المنزّل الوحيد الذى تم الحفاظ عليه بلا تحريف أو تغيير ولو حرف واحد من حروف ، منذ انزله الله حتى يومنا هذا وسيظل محفوظا إلى يوم الدين ...
وقبل عصر التنوير بكثير ، وفى زمن لم يكن أحد بعد يعرف بما يدور فى كواليس المؤسسة الكنسية ، قام القرآن الكريم بإنكار صَلب يسوع ، وبإنكار تأليه يسوع، وبدحض الثالوث، كما قام بكشف مختلف أنواع التلاعب الذى تم فى النصوص الإنجيلية. وهو ما تم إثباته قطعا طوال القرن العشرين خاصة ، بل ومن قبله .. بحيث ان هذه المعلومات فى الغرب باتت من المعلومات الدارجة التى نطالعها فى الموسوعات والقواميس ، حتى المدرسية منها من أمثال قاموس لاروس الصغير. وهذه الحقائق هى فى الواقع التى تثير أحقاد المتحكمين فى المؤسسة الكنسية. ونذكر مما أورده القرآن الكريم على سبيل المثال :
· وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفى شكٍ منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظّن وما قتلوه يقينا ( النساء / 157)
· ياأهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فأمنوا بالله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد ... (النساء/171)
· ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون (البقرة 42)
· فبدّل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون (البقرة / 59 )
· أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (البقرة / 75 )
ومن الملاحظ طوال النص القرآنى ان عيسى عليه السلام يطلق عليه : "عيسى بن مريم " لستبعادا لتلك الهرطقة التى تقول أنه "إبن الله" أو "ألله نفسه" !
وهنا لا يمكننا إلا أن نتساءل بكل مرارة : ألم تكف الفا عام من التاريخ المدرج بالدماء والحروب الضارية التى قادتها هذه المؤسسة الفاتيكانية لتفرض نفسها بكل ذلك الطغيان ، لكى تفهم أنها ليست على الطريق المستقيم ؟! وبدلا من مواصلة قلفطة التحريف والتزوير والغش لتبشير الشعوب ، لتنصير الشعوب ، خاصة بعد كل تلك الأبحاث الجديدة الجادة والتى عرضنا منها تلك الشذرات الواردة بهذا المقال ، أليس أكثر إنسانية وأكثر منطقية أن تترك الناس فى حالها وأن تكرس جهودها لاستبعاد كل تلك الآلام التى تغص بها الأرض ، وكل هذه الأوبئة ، والمجاعات ، والأمراض ، وكل هذه الكوارث الطبيعية أو المفتعلة ، التى تتهدد الحياة على الكرة الأرضية بكلها ، دون الإصرار الأعمى على تنصير الشعوب ؟! إن مليارات الدولارات التى تنفق هباء وبعته لتنصير العالم سوف تعاون بلا شك على النخفيف أو تحسين ذلك المصير المأساوى الذى ينتظرنا جميعا ..
وفى النهاية ، لا يسعنا إلا العودة إلى تلك الجملة البذيئة والظالمة ، لكنها جدّ كاشفة ، والتى تصف الإسلام " بأنه عبارة عن خطأ مطلق لا بدمن دحضه ، وخطر بالنسبة للكنيسة لا بد من محاربته " ، لنسأل تلك المؤسسة الفاتيكانية ، بكل صدق وموضوعية ، أى الديانتين يعد خطأ مطلق بالنسبة للدنيا : تلك المسيحية الفاتيكانية المتعنتة ، المتصلبة الرأى ، والتى تم اختلاقها تلفيقا عبر المجامع على مر العصور ، أم الإسلام ، الذى لم يهن عليكم حتى ذكر أو كتابة اسمه فى تلك الوثيقة ، والذى لم تكفّوا عن محاربته بضراوة وعدم أمانة لا مثيل لهما ؟!







التوقيع :
اذا اردت اجابة على سؤال لك ابحث اولا في هذا الرابط ستجد الجواب ان شاء الله
محرك بحث من قوقول خاص في منتدى الدفاع عن السنة

http://tinyurl.com/55wyu5
من مواضيعي في المنتدى
»» قراءة في الفكر الأيديولوجي للدولة الصفوية
»» زنجيل عاشوراء أمام القضاء البريطاني
»» رد على المفترين الشيخ عبدالعزيز بن باز الأرض كروية والشمس جارية
»» إف بي آي يفتح تحقيقاً حول البنوك المنهارة
»» المشروع الإيراني لا يقل خطراً عن الصهيوني و دعاوى التقارب لتشييع العرب
 
قديم 08-09-08, 06:23 AM   رقم المشاركة : 6
معتمد
عضو ينتظر التفعيل





معتمد غير متصل

معتمد is on a distinguished road


التذكير بما يحدق بجزيرة العرب من خطر التنصير

التذكير بما يحدق بجزيرة العرب من خطر التنصير
أد : يحيى هاشم حسن فرغل


yehia_hashem@ hotmail .com


نعم هاهو الغرب الامبراطوري الصليبي يعود إلى أحلامه الرومية الصليبية في التغلغل في انحاء الجزيرة العربية ومقدساتها
فـ (في الخليج ، أقيمت بعض الكنائس مؤخرا ، وصاحب افتتاحها ضجيج غير عادي من الفرح والابتهاج في العالم الصليبي الغربي ، والتبشير في الوقت نفسه بقرب افتتاح كنائس في أماكن أخرى في الخليج أيضا .. وهذا المهرجان الغريب الذي أقيم من أجل الكنائس الجديدة يتناسى أنه لا يوجد أصلا مواطنون نصارى في الخليج ، باستثناء العراق ، والنصارى الموجودون في المنطقة كلهم غرباء وعابرو سبيل ، أي ليسوا بحاجة ماسة إلى هذه الكنائس ، ولكن الاستباحة الصليبية المتعصبة رأت إذلال العرب والمسلمين بإقامة مبان ترمز إليها وأن لم تكن هناك حاجة إليها ، ثم التبشير بقرب إقامة كيانات طائفية تستقل عن الدول الأم على المدى البعيد كما حدث في الأطراف ( تيمور الشرقية مثلا ، ومن قبلها الفلبين ، وسيريلانكا .. ).
من مقال د . حلمي محمد القاعود : بالمصريون بتاريخ 25 - 3 - 2008)

إنه إذا كان القرآن الكريم قد وضع المبدأ الرئيسي في التعامل مع اليهود والنصارى في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ، ومن يتولهم منكم فإنه منهم ، إن الله لا يهدي القوم الظالمين ، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم ، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) 51 – 52 البقرة ، وفي قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء ، واتقوا الله عن كنتم مؤمنين ) 57 البقرة .. الأمر الذي قطع الطريق شرعيا أمام كل أولئك الذين تجاوزوه فعليا في اتخاذهم نصارى الغرب أولياء ابتداء من الذين تحالفوا معهم ضد الدولة العثمانية الإسلامية : ابتداء من الوهابية السياسية في الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ، إلى مشروع محمد علي في مصر في مرحلته اليائسة ، ثم في مشروع الشريف حسين لقيام دولة عربية كبرى في نهاية الحرب العالمية الأولى ثمنا لقيام الوطن اليهودي !! حسب الوهم الإنجليزي – مرورا بالتحالف مع الاستعمار الإنجليزي لقيام دولة شرق الأردن ثمنا لقيام الدولة الصهيونية ، وما إليها ، وانتهاء إلى الاستعمار الأمريكي ثم الإسرائيلي في العراق والكويت وقطر والبحرين تحت دعاوى الحماية ضد أخطار " الجيرة " العراقية والإيرانية وما بعدهما وأخيرا فتاوى تثبيط المقاومة ضد الغزاة كما صدرت من بعض مراجع الشيعة والسنة !!
إذا كان الأمر كذلك فإن الأمر الذي يجب أن يذكر بيانا شرعيا لهذه الحال تلك الرؤية الاستراتيجية النبوية التي حرص الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتركها لنا قبل وفاته شاملة المكان والزمان إلى يوم الدين وتأتي هذه الاستراتيجية في حديثه صلى الله عليه وسلم عن الجزيرة العربية
وبادئ ذي بدء فقد جاءت كلمة ( الجزيرة ) في الحديث الشريف : خمسا وعشرين مرة ، ووردت كلمة ( جزيرة ) في مائة وعشرين وثلاثة مواضع ، ووردت كلمة ( جزيرة العرب ) أربعا وسبعين مرة في المصادر التي تتبعناها وفوق كل ذي علم عليم
وتأتي الرؤية المكانية عن ( جزيرة العرب ) في حديثه صلى الله عليه وسلم مرتين : الأولى في خبره عن فتح الجزيرة العربية للمسلمين تدبيرا ربانيا : وقاية لها من الأطماع المرتقبة ، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه «تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ، فَيَفْتَحُهَا اللّهُ. ثُمّ فَارِسَ، فَيَفْتَحُهَا اللّهُ. ثُمّ تَغْزُونَ الرّومَ، فَيَفْتَحُهَا اللّهُ. وتَغْزُونَ الدّجّالَ، فَيَفْتَحُهُ اللّهُ».وقد تمت الأجزاء الثلاثة : في جزيرة العرب ، ثم في فارس، ثم في الروم وبقيت الرابعة مع دجال اليهود
وفي المرة الثانية : في تحريم الجزيرة العربية على غير المسلمين وقاية لها من الأحداث المرتقبة أيضا ، في قوله صلى الله عليه وسلم " أخرِجوا المشرِكينَ من جزيرةِ العرب " متفق عليه ، - وبالرغم من أن اليهود والنصارى داخلون في حكم المشركين في هذا الحديث بمقتضى قوله تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا سبحانه وتعالى عما يشركون ) - فإنه صلى الله عليه وسلم حسم الأمر في ذلك في قوله كما جاء في صحيح مسلم «لأُخْرِجَنّ الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، حَتّىَ لاَ أَدَعَ إِلاّ مُسْلِماً». وفي مسند أحمد في قوله صلى الله عليه وسلم : أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب » .وجاء مثله في سنن الترمذي وابن ماجة والدارمي.
ثم في موطأ مالك قَالَ مَالِكٌ : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَفَحَصَ عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ حَتّى أَتَاهُ الثّلْجُ وَاليَقِينُ، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ» فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ. قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ أَجْلَى عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ يَهُودَ نَجْرَانَ وَفَدَكَ. فَأَمّا يَهُودُ خَيْبَرَ فَخَرَجُوا مِنْهَا لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الثّمَرِ وَلاَ مِنَ الأَرْضِ شَيءٌ. وَأَمّا يَهُودُ فَدَكَ فَكَانَ لَهُمْ نِصْفُ الثّمَرِ وَنِصْفُ الأَرْضِ. ثُمّ أعْطَاهُمْ عمر القِيمَةَ وَأَجْلاَهُمْ مِنْهَا.

فما المراد بجزيرة العرب في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

لنا أن نفهم المراد بها فيما فتح منها :
وذلك مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم بسنده عَنْ نَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ. قَالَ:: «تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ، فَيَفْتَحُهَا اللّهُ. ثُمّ فَارِسَ، فَيَفْتَحُهَا اللّهُ. ثُمّ تَغْزُونَ الرّومَ، فَيَفْتَحُهَا اللّهُ. وتَغْزُونَ الدّجّالَ، فَيَفْتَحُهُ اللّهُ».

فما الذي فتح منها ليكون مصطلح الجزيرة شاملا له أو قاصرا عليه ؟؟

هل هو ما جاء في صحيح البخاري .. ( قال يعقوبُ بنُ محمدٍ: سألتُ المغيرةَ بنَ عبدِ الرحمنِ عن جزيرةِ العربِ فقال: مكةُ والمدينةُ واليمامةُ واليمن. وقال يعقوبُ: والعَرْجُ أولُ تِهامة.؟ )
أم هو ما جاء في سنن ابن ماجة : . وفيه قوله : حدثنا مَحْمُودُ بنُ خَالِدٍ أخبرنا عُمَرُ ـ يَعني ابنَ عَبْدِالْوَاحِدِ ـ قالَ قالَ سَعِيدٌ ـ يَعني ابنَ عَبْدِالعَزِيزِ: «جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ الْوَادِي إلَى أقْصَى الْيَمَنِ إلَى تُخُومِ الْعِرَاقِ إلَى الْبَحْرِ».
أم هو فيما قاله مالك بن أنس رضي الله عنه : أراد بجزيرة العرب المدينة نفسها ، وإذا أطلقت الجزيرة في الحديث ولم تضف إلى العرب فإنما يراد بها ما بين دجلة والفرات .
أم هو فيما ذكره صاحب كتاب النهاية في غريب الأثر :: في التعليق على ما ذكره مسلم بسنده عن جابر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الشيطان أيس أن يعبد في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم ) : قال أبو عبيد : هو اسم صقع من الأرض وهو ما بين حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمين في الطول ، وما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة في العرض . وقيل : هو من أقصى عدن إلى ريف العراق طولا ، ومن جدة وساحل البحر إلى أطراف الشام عرضا ، قال : الزهري : سميت جزيرة لأن بحر فارس وبحر السودان أحاطا بجانبيها ، وأحاط بالجانب الشمالي دجلة والفرات .

أم يتحدد المراد بجزيرة العرب بالمساحة التي تم إخراج غير المسلمين منها – بصرف النظر عما يكون قد حصل في هذا الإخراج من تقصير أو قصور ؟ حسبما قَالَ أبُو دَاوُدَ: قُرِىءَ عَلَى الْحَارِثِ بنِ مِسْكِينَ وَأنَا شَاهِدٌ أخْبَرَكَ أشْهَبُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ قال قال مَالِكٌ: عُمَرُ أجْلَى أهْلِ نَجْرَانَ وَلَمْ يَجْلُوا مِنَ تَيْمَاءَ لأَنّهَا لَيْسَتْ مِنْ بِلاَدِ الْعَرَبِ، فَأمّا الْوَادِي فَإنّي أرَى أنّ ما لَمْ يُجْلَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْيَهُودِ أنّهُمْ لَمْ يَرَوْهَا مِنْ أرْضِ الْعَرَبِ.

في تقديري أنه إنما يتحدد بما تم فتحه ، وهو الواضح فإن الجزيرة العربية فتحت كلها ، وإذن فما يُخرج المشركون منه هو الجزيرة كلها ، دون ما يفتح بعد ذلك – بالطبع - من فارس أو الروم أو غيرهما .
تلك هي الرؤية المكانية في الاستراتيجية النبوية عن جزيرة العرب

أما الرؤية الزمانية في تلك الاستراتيجية النبوية فجاءت في قوله صلى الله عليه وسلم- كما جاء في سنن أبي داود بسنده عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت "
ثم في قوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها" ، وقوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح مسلم بسنده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها " .

كما تظهر ملامح تلك الاستراتيجية في رؤيته المستقبلية النبوية التي يستمدها – صلى الله عليه وسلم - من الوحي والتي استشفها ثم ظهرت لنا فيما بعد ، ظهرت تلك الرؤية فعلا وما تزال تظهر عندما نلقي النظرة على ما حدث من بعد : من تطلعات اليهود والنصارى للاستيلاء على الجزيرة العربية وذلك ابتداء من الحروب الصليبية ، وخطط التبشير والاستعمار والصهيونية والهيمنة الصليبية في سلسلة متتابعة منذ ظهر الإسلام حتى اليوم

فبالنسبة للحروب الصليبية نتذكر هنا أنه بعد أن غزا نقفور الصليبي الحمدانيين عام 964م استعد لغزو جديد فأرسل إنذارا إلى الخليفة العباسي في بغداد يهدده بالويل والثبور ، وينذره بأن الجيوش البيزنطية لن تلبث أن تستولي على بلاد العراق والشام ومصر ، وأنه من الخير للخليفة أن ينسحب إلى بلاد الحجاز ، ويترك تلك البلاد لأصحابها القدامى البيزنطيين!! – هكذا في دورة مبكرة من منطق الاستعمار الذي سيظهر في القرن التاسع عشر من بعد في المنطقة –، وكان إنذاره يفيض بالروح الصليبية ، إذ ضمنه – كما يقول الدكتور سعيد عاشور – ( عبارات دينية ، وتهديد صريح بهدم الكعبة ، ونشر المسيحية ، في الشرق والغرب جميعا ) أنظر كتابه " الحركة الصليبية " نشر الإنجلو ، ج 1 ، ص 60-61

ولقد أقدم أرناط الصليبي صاحب الكرك بعد ذلك في عام 578 هـ على تدبير حملة صليبية قصد بها الحرم النبوي الشريف ، وأنشأ سفنا حملته ورجاله بالفعل إلى شاطئ الحجاز ، حيث كما ذكر المؤرخون المسلمون : ( عظم البلاء وأعضل الداء وأشرف أهل المدينة النبوية منهم على خطر عظيم ) ، وأصبح الفرنجة على مسيرة يوم واحد من المدينة ، ونزلوا على ساحل قرب ينبع ، وكان صلاح الدين إذ ذاك على حوران – لكن فأين صلاح الدين اليوم – فلما بلغه الأمر بعث إلى سيف الدولة بن منقذ نائبه بمصر – وهاهي مصر جزءا من دولة إسلامية كبرى - وأمر بتجهيز حسام الدين لؤلؤ الحاجب على أسطوله وإرساله خلف العدو ، ومنيت هذه الحملة الصليبية بالفشل الذريع ، إذ تعقب حسام الدين سفن الفرنجة ، فأحرقها وأسر من فيها ، وتعقب الهاربين منهم بين الجبال ، وأسرهم جميعا ، وحملهم إلى القاهرة ، وكان لدخولهم يوم مشهود ،- فهل ترى القاهرة يوما مثله – وللعقاب الذي نزل بهم عبرة تذكر ) . أنظر " الأنس الجليل " للمقدسي ج1 ص 316 ، والحركة الصليبية للدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور ج1 ، ص 78 .

وهاهو القائد البرتغالي – قبل أن يضع قدمه على أرض الخليج في القرن السادس عشر الميلادي - يرسل إلى إمام عمان الرسالة التمهيدية التبشيرية التالية –: ( من ربان برتغالي إلى الإمام سيف بن سلطان الأول اليعربي : أنتم يا من تحكمون على رعاياكم في خلافاتهم تعلمون أننا جيش الله ، ولقد خلقنا لنكون أداة لعقابه الإلهي ، ووهبنا السيطرة على الذين يحل بهم سخطه ، إننا لا نرحم على من يشكو .. أو نشفق على من يبكي ) أنظر: أنظر سعيد حارب نائب مدير جامعة الإمارات في كتابه " الخليج العربي أمام التحدي العقدي " نشر مكتبة الأمة في دبي ط 1 عام 1985 م
.: لغة ما أشبهها اليوم بلغة الرئيس المبشر بوش الثاني – ومنها ما جاء في خطابه أمام جنوده في قاعدة قطر بعد احتلال العراق بقوله ( ليعلم العالم أن أمريكا قوية وأنها رحيمة !! ) وما أشبهه فيما جاء في رسالته تلك من صلف وإرهاب وكراهية وتسلط وعداء للإسلام : ما أشبهه بمزيج من جنكيز خان وهولاكو وبوش جميعا .

فهل أقلع الغرب الحديث عن أحلامه الصهيونية تلك في الجزيرة العربية التي حذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم في رؤيته النبوية الاستراتيجية ؟
كيف يظن بعض الغافلين المتـناومين ذلك وهاهو الغرب أمامهم يضع مكة والمدينة والجزيرة العربية عموما ضمن خططه التبشيرية
لقد كان اهتمام الدول الاستعمارية بالمنطقة بعد فشل الاستعمار البرتغالي في اقتحام الجزيرة في ذلك الوقت وما يزال مرتبطا أشد الارتباط بالتنصير ، وليس بعيدا عن ذلك قرار لويس الرابع عشر عام 1679 بتعيين كبير دير الكراملة بالبصرة قنصلا فرنسيا بها ، وما تلا ذلك من تتابع أحد عشر قسيسا في القيام بواجبات القنصل في البصرة بين عامي 1679 – 1739 ( سعيد حارب )
(1)ففي مؤتمرات التبشير يصرح القس زويمر والقس جيمس كانتين عندما تأسست الإرسالية العربية الأمريكية عام 1889 بقولهما ( إن للمسيح الحق في استرجاع الجزيرة العربية (؟) وادعيا أن الدلائل التي تجمعت لديهما تؤكد أن المسيحية كانت منتشرة في هذه البلاد في بداية عهدها ، لهذا – كما يقولان – فإن من واجبنا أن نعيد هذه المنطقة إلى أحضان المسيحية )
(2) وكما هو الحال اليوم من ارتباط واضح بين التبشير والاستعمار والغزو العسكري والسياسي الذي تم أخيرا في احتلال العراق والخليج بعامة فلقد كان الأمر كذلك فيما جاء في تقرير اللجنة الثالثة من لجان مؤتمرأدنبرج التبشيري الذي عقد عام 1910 م مما يؤكد التلاحم بين التبشير والاستعمار إذ يقول اللورد بلفور في ختام أعمال اللجنة المذكورة ( إن المبشرين هم ساعد لكل الحكومات في أمور هامة ، ولولاهم لتعذر عليها أن تقاوم العقبات ، وعلى هذا فنحن في حاجة إلى لجنة دائمة يناط بها التوسط والعمل لما فيه مصلحة المبشرين ) ولقد أجيب اللورد إلى اقتراحه أثناء انعقاد المؤتمر المذكور : انظر " الغارة على العالم الإسلامي " تأليف : أ د شاتلييه ، ترجمة مساعد اليافي ، ومحب الخطيب ، المطبعة السلفية عام 1330 هـ ص 72
(3) وكما هو الحال اليوم من ارتباط واضح بين التبشير ( أنظرالرئيس المبشر بوش وهدفه في نشر المسيحية في العراق ) والاستعمار والاقتصاد( في نفط العراق والخليج بعامة ) فلقد كان الأمر كذلك في بداية الطرق على أبواب الخليج منذ بدايات القرن العشرين ، وانظر في ذلك ما يقوله رئيس غرفة التجارة في هامبورج تعليقا على أهمية مؤتمر أدنبرج التبشيري المذكور أعلاه : ( إن نمو ثروة الاستعمار متوقف على أهمية الرجال الذين يذهبون إلى المستعمرات ، وأهم وسيلة للحصول على هذا الأمنية إدخال الدين المسيحي في البلاد المستعمرة لأنه هو الشرط الجوهري للحصول على الأمنية المنشودة حتى من الوجهة الاقتصادية ) أنظر "الغارة على العالم الإسلامي "
(4)وكما هو الحال اليوم من الارتباط الواضح بين التبشير ( الرئيس المبشر ) والثقافة والتعليم في احتلال العراق حيث المطالبة بإعادة تأهيل الدعاة – شأن المعوقين !! - و بتغيير الثقافة الدينية والمناهج التعليمية والإعلامية و.. إلخ كان الحال هو نفس الحال في بدايات إطلالة التبشير على المنطقة ، حيث كان المطلوب كما جاء في قرارات مؤتمر لكنو عام 1911 أن خطة التنصير تلك تمر من خلال إنشاء ما يسمونه الإسلام الجديد ، وهاهو القس ينغ يقول في المؤتمر المذكور : ( انه لقد أزف الوقت لارتقاء العالم الإسلامي { قارن خطابات الرئيس المبشر } عن طريق النصرانية { في زعمه بالطبع } وسيدخل الإسلام في شكل جديد من الحياة والعقيدة ، ولكن هذا الإسلام سينزوي ويتلاشى أمام النصرانية ) الغارة ص 110
(5) ولقد عمل التنصير في الماضي كما هو في الحاضر على تحطيم أي تجمع إسلامي بتهمة ما يحركه ذلك التجمع من الإرهاب والكراهية والحقد ضد الغرب ، فقد جاء في ختام تقرير للقس سيمون في مؤتمر لكنو عام 1911 عن حركة الجامعة الإسلامية في ماليزيا قوله ( إن العامل الذي جمع هذه الشعوب وربطها برابطة الجامعة الإسلامية هو الحقد الذي يضمره سكان البلاد للفاتحين من الأوربيين ( هكذا ) !! ، ولكن المحبة التي تبثها إرساليات التبشير النصرانية ستضعف هذه الرابطة وتوجد روابط جديدة تحت ظل الفاتح الأجنبي ) الغارة ص 105
(6)وعند ما يظهر للتنصير عجزه الفاضح عن تنصير المسلمين في البلاد الإسلامية – ومنه بالطبع الجزيرة العربية– فإنه كان يكتفي – وفي بعض الأحيان يفضل الاكتفاء – بإخراجهم من الإسلام : يقول القس " إكسنفلد " في مناقشة له بمؤتمر أدنبرج التبشيري الذي أشرنا إليه سابقا بعد أن صرح بأن ( الخطر الإسلامي صار أمره معروفا للجميع ) يقول : ( إن الحكومة لا بد لها من القيام بتربية الوطنيين في المدارس العلمانية مادام هؤلاء المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية ) الغارة ص 83 . وانظر اتساع الحركة العلمانية في الجزيرة العربية اليوم
(7) ومن هنا أخذت حركة التبشير في تطوير أدواتها ، فبدلا من الانكباب المباشر على محاولاته الفاشلة في إدخال النصرانية بأسلوب مباشر أخذ يلجأ – في الجزيرة كما في بقية العالم الإسلامي – في الماضي كما في الحاضر – أخذ يلجأ إلى وسائل التعليم والتمريض وإطعام الطعام ، وإلى جانب ما كانوا ينشئونه من مدارس تستقطع جزءا ولو ضئيلا من وقتها للتعريف بالنصرانية – وتلك هي أغلب المدارس الأجنبية الخاصة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي - أخذوا يتسللون ويطالبون بجزء من الكعكة في الجزيرة العربية ، ويتسللون إلى خطط الدول والحكومات في نشر التعليم لكي يجردوها تماما من تدريس الدين الإسلامي أو الاهتمام به ، أو تجريده مما يريدون القضاء عليه من الجهاد والعقيدة ، ولكي يقيموها على أسس علمانية صريحة تنتسب إلى هذا المذهب التربوي أو ذاك ، بدءا من سياسة دنلوب التعليمية على يد الاستعمار الإنجليزي في مصر ، ووصولا إلى السيطرة الحالية التي تتمتع بها مدرسة جون ديوي التعليمية على مناهج التربية والتعليم في جميع البلاد الإسلامية ، وانتهاء إلى خطة تجفيف الينابيع " الوهابية " التي تفرضها الولايات المتحدة أو تكاد تفرضها على الجزيرة العربية التي أفلتت سابقا في أيام الاستعمار الإنجليزي من هذا المصير
(8) وإلى جانب إقامة حركة التنصير لمؤسسات تعليمية تشرف عليها أو تتسلل إليها فإن اهتمامها كان في الماضي وما يزال في الحاضر ، في الجزيرة العربية كما في غيرها بإقامة المستشفيات يدخلها المسلمون ليجدوا فيها في بداية الأمر تنصيرا فظا ، وعندما تفشل هذه الأساليب الفظة يطور التبشير من أدائه في المستشفيات ، ويكتفي بمظاهر من النصرانية وإيحاءاتها التي يحيط بها المريض ، من نحو إغراقه في الخدمة الممتازة والمجاملات المحسوبة، وإغراقه بالحنان المفتعل في صحوه ونومه ، وتفتح عينيه على صورة العذراء أو رمز الصليب إلخ مما يقلل من مقاومة المريض للعقيدة الأخرى ، ويجعله راغبا في الاستماع إلى أصحابها ، أو على أقل تقدير يجعله متسامحا في تقبل أنشطة لهم لم يكن يتسامح فيها من قبل
(9)إن هذا التبشير لا يستهدف كما يظن بعض السذج إدخال المسلم في النصرانية – حيث يبنون على ذلك استحالة اختراقه للبلاد الإسلامية الأصيلة وفي مقدمتها بالطبع الجزيرة العربية – ومن ثم يتهاونون في مواجهة الخطر - ولكنه بالإضافة إلى ما يمكن من ذلك يستهدف خلع المسلم من الإسلام وإلباسه ثوب العلمانية ، باعتبار أن الإسلام هو عنصر المقاومة الوحيد الذي يقف في طريق الحملات الاستعمارية الصليبية المستمرة منذ قرون ، والتي تداعت إلى أكل القصعة ، منذ ما سمي في التاريخ المعاصر " المسألة الشرقية " أولا ثم في مرحلة تالية " مشكلة الشرق الأوسط "
(10) إن هذا التبشير – في إطار الغزو السياسي والعسكري والاقتصادي - الذي يستهدف الجزيرة كما يستهدف غيرها ليس إلا جزءا من مخطط شامل يستهدف سلب الأمة الإسلامية مناعتها الثقافية ويعمل في جبهات متعددة تمتد على آفاق : الغزو الثقافي : بدءا من العقيدة إلى إفساد النظم التربوية وصبغها بصبغة غير صبغة الإسلام ، إلى محاربة اللغة العربية وتشجيع بناء الجزر اللغوية العامية المحلية من نبطية وغيرها ، كخطوة في إيصال لغة القرآن إلى الوضع الذي صارت إليه اللغة اللاتينية ، إلى محاربة القيم الأصيلة عن طريق الإعلام ، إلى تغريب القانون وفصم عراه بالشريعة الإسلامية في القصاص ، والميراث ، وشئون المرأة والطفولة وغيرها ، إلى القول بإعادة تفسير الإسلام لخلعه من الوهابية – على سبيل المثال - لكي يساير العصر ، إلى القول بإبعاد الإسلام عن التأثير في شئون الحياة المعاصرة ومحاصرته في سويعة صلاة أمام محراب ، إلى إكمال مسيرة الحروب الصليبية التي استهدفت الجزيرة كما استهدفت الشام ومصر ، وإخضاع الشعوب الإسلامية لنوع من الاستئصال لم يكن الشعب الفلسطيني فيه إلا فاتح الشهية في هذه المؤامرة الكبرى ، ويا للعجب ولأنها كبرى فهي تستعصي على التصديق عند أصحاب العقول الصغرى ! ، أو عند الذين يستمرئون الغفلة عن المصير شأنهم كشأن الشاة التي تساق للذبح

وهكذا اتجهت محاولات التبشير المرتبط بالغزو العسكري والسياسي والثقافي والاقتصادي من البصرة إلى البحرين إلى مسقط إلى الساحل الشمالي إلى قطر إلى الكويت على تفاوت في درجات الفشل والنجاح في هذه المناطق ، لكنها في جميع الأحوال كانت شديدة الارتباط بالاستعمار ، وكان إخفاقها أو نجاحها مرتبطا بمدى ظهور أو اختفاء هذه الرابطة الاستعمارية ذلك لأنه - كما قال الدكتور سعيد حارب - كان هذا الارتباط الظاهر يؤدي إلى ابتعاد سكان الخليج العربي عن نشاط هذه الإرساليات بعد الاستقلال وانتشار الروح الوطنية المستقلة ، وكان بقاء هذه الإرساليات في عملها يعني بقاء صورة من الماضي الاستعماري ، فرأت العقلية التنصيريةأن تطوي هذه الصفحة لتبدأ بعدها صفحات أخرى تكون ذات ملامح وأساليب جديدة تتفق مع المتغيرات التي حدثت بالمنطقة ( أنظر سعيد حارب في كتابه " الخليج العربي أمام التحدي العقدي " ص 43- 46 نقلا عن تاريخ عمان لوندل فيلبس ترجمة محمد أمين عبد الله ص 67 ، وما بعدها )
وبالطبع فإن هذا الذي قاله الدكتور سعيد حارب قاله في وقت لم يكن يدور بخلده فيه أن الاستعمار سيعيد الكرة بصورة أشد صلفا ووقاحة بعد أن تمكن من اقتحام المنطقة من أوسع أبوابها في خطوات مترابطة : بشق الصف بين العرب والمسلمين من جهة في حرب الخليج الأولى ، ثم بشق هذا الصف بين العرب أنفسهم في حرب الخليج الثانية، ثم باحتلال العراق في حرب الخليج الثالثة ، وحيث أصبحت مقاومة الاستعمار مجرد شعارات تستحق الاعتذار ، أو على الأقل : التهكم والسخرية ، وأصبح للاحتلال الأجنبي مبشرون ومنظرون : متأمركون أو متصهينون .

هكذا – بداهة يرتبط الغزو العسكري بمقولات ثقافية وتبشيرية وهكذا كانت إرساليات التنصير تنزل بالخليج العربي وتعمل عملها بالمنطقة ، وكان اهتمام الدول الاستعمارية بالمنطقة قد ابتدأ من البرتغال ( 1522- 1640 ) إلى فرنسا وهولندا ثم بريطانيا ( 1798 – 1971 ) ثم بريطانيا وأمريكا منذ عام 1991 – 2003 ، وهو مستمر بعد احتلال العراق واحتلال الكويت وبعض قطر ، وبعض مواطن ظاهرة أو مستترة في السعودية والإمارات والبحرين ، تحت أسماء سياسية ودبلوماسية من الاتفاقيات التي تعقدها الولايات المتحدة مع الحكام .
هذه حقائق تنطق بها المراجع التاريخية والخطط المستقبلية ، والوثائق والمؤتمرات وآخرها مؤتمر التنصير الذي انعقد بكولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 1978 م فليقرأ من يشاء ما صدر عن هذا المؤتمر من كتاب أو بيانات ، أو ما كتبه الدكتور محمد عمارة عن هذا المؤتمر بعنوان " الغارة الجديدة على العالم الإسلامي " .
وهي ذات صلة حميمة مع الصهيونية حيث هما فكان لكماشة واحدة ، ينطبق أحدهما بالنيابة من الشمال على بيت المقدس ويطبق الآخر بالأصالة من الجنوب على مكة والمدينة
إن الغرب وضع وما يزال يضع مكة والمدينة والجزيرة العربية عموما ضمن خططه التبشيرية الاستعمارية ، كما قدمنا ، وهي أطماع ترتبط عضويا بأحلام الكيان الصهيوني الذي وضع مشروع دولته من البحر إلى الفرات إلى النيل ، والذي كانت هتافات جنوده والرسميين فيه أثناء دخوله القدس عام 1967 : يالثارات خيبر ، محمد مات ، خلف بنات ،!

وهاهو الغرب اليوم يواصل هذه الأحلام في خططه المسيصهيونية الحديثة ، التي وضعها قيد التنفيذ .
يتحدث الأستاذ محمود بكري – في جريدة الأسبوع –25 مارس 2002 عن التقرير الذي تبنته مجموعات من اللوبي الصهيوني برئاسة لوري ما داهان والذي تم إرساله إلى أعضاء الكونجرس بعنوان " لم لا " انطلاقا من أن هذه الفكرة – فكرة ضرب مكة وهدم الكعبة – والنقاش حولها مع التصميم عليها يجعلها قابلة للتنفيذ
ويرى التقرير أن ضرب مكة قد يدفع بعض الدول الإسلامية لمقاطعة الولايات المتحدة سياسيا واقتصاديا ، ويطالب بعدم التعويل على هذا العامل لأن هذه الدول لديها الأماني الكبيرة في أن تبني جسورا الصداقة مع الولايات المتحدة ، إن أقصى عمل يمكن أن تقوم به هو التعبير عن معارضتها لهذا العمل ، وانتقادها لهذا السلوك ، أما إذا تجاوزت هذه الدول حدودها فإنه يجب أن يصيبها ما أصاب مكة ، ويشير التقرير إلى أن المبادرة الهجومية هي أفضل خيار متاح أمام الإدارة الأمريكية ، ويضيف " لن يكفينا ضرب العراق أو التخلص من نظامه الدكتاتوري لأن هذا لن يردع الإرهابيين أو يعفيهم من تنفيذ أعمالهم ، بل إن ضرب العراق من وجهة نظرنا يتساوى في تقدير نتائجه مع ضرب مكة وهدم ذلك الحجر العتيد ، فكلاهما سيحقق ذات الآثار مع أن العمل الأخير – ضرب مكة – سيردع الإرهابيين عن الاستمرار في أعمالهم .
ثم يستمر التقرير قائلا : " نحن أمام حرب دينية سواء شئنا أم أبينا ، وكل شعوب العالم الحر لم تسع إلى هذه الحرب الدينية ‍‍‍‍، إننا لابد وأن ننظر إلى هذه الحقيقة من زاويتها الأساسية والصحيحة ، ونحن دائما نعامل أصدقاءنا وندللهم ‍‍حتى ولو كانوا يهددون أمننا ، الوقت لم يعد يحتمل مثل ذلك .. إنها دعوة صحيحة لإعادة تقييم المواقف ، فلتهدم مكة ، وليدمر الحجر ، وليذهب المتطرفون المحمديون إلى الجحيم بأفعالهم "
ثم يتصاعد الموقف حول هذه المذكرة وفقا لمصادر مقربة من دوائر هامة بالكونجرس الأمريكي – كما جاء بمقال الأستاذ مصطفى بكري – جزاه الله خيرا - بجريدة الأسبوع أيضا بعددها في 20 يناير 2003 – فإن الخارجية الأمريكية تلقت مذكرة خطيرة في الأسبوع السابق على صدور هذا العدد من الجريدة قام بتسليمها أحد الأعضاء البارزين للكونجرس الأمريكي ، وأن هذه المذكرة تحمل توقيع ثلاث منظمات يهودية كبرى ، وهذه المنظمات هي تجمع " إيباك " ووقع عنها أديسون هال ، وتجمع أنترناشيونال يونيون ووقع عنها كالوسيم فان ، وتجمع باور جاستس ووقع عنهم ساري عنترا ، وهذه المذكرة الخطيرة التي رفعت صورة منها إلى وزير الدفاع ، تضمنت اقتراحا بأن الحرب على الإرهاب تستوجب من العالم الحر بقيادة الولايات المتحدة اتخاذ مواقف حاسمة ونهائية حتى يمكن استئصاله من الجذور ، وترى المذكرة أن الوقت بات مناسبا لاتخاذ خطوة باتت ضرورية ، وهي هدم الكعبة أثناء فترة الحرب العسكرية على العراق ، واعتبرت المذكرة أن الفرصة باتت سانحة وبقوة للتخلص من أسس الإرهاب الإسلامي والمعمل الأساسي الذي تجري فيه صناعة الإرهاب في مكة .وأشارت المذكرة إلى أن الأمريكيين والأوربيين باتت لديهم مبرراتهم السياسية والأمنية والاستراتيجية للوصول بالحرب ضد الإرهاب إلى مداها الأقصى أو المدى الذي يمكن فيه أن يتخلص فيه العالم من شرور هذا الإرهاب ومنابعه الأساسية . ولا يتوقف الأمر – وفقا لما جاء بهذه المذكرة – عند حد تعديل المناهج الدينية لاستصال جذور هذا الإرهاب ، وإنما يتعلق الأمر جذريا بالمسجد الحرام ومناسك الحج إذ تقول المذكرة " إن مناسك الحج إلى الكعبة هي أخطر المناسك التي يجتمع فيها ملايين المسلمين من كل أنحاء العالم لتدبير المؤامرات والعمليات الإرهابية ضد الإفراد والمصالح الحيوية لدول العالم " وتضيف المذكرة قائلة– وفقا لما جاء بمقال الأستاذ مصطفى بكري - " إن هدم البناء الذي يطلق عليه الكعبة سيمثل أحد الأسس اللازمة للقضاء على الإرهاب الإسلامي ، وأنه طالما استمر هذا البناء كما هو في إعداد الجماعات الإرهابية فستبقى الجماعات الإرهابية في تزايد مستمر ، وستتمكن من تنفيذ مؤامراتها بعيدا عن المتابعة الدقيقة " وتقترح المذكرة " أن يتم هدم الكعبة من خلال قيام إحدى الطائرات المحملة بالقنابل بتفريغ حمولتها خلال الحرب ، ثم يتم الادعاء بأنها أفرغت حمولتها خطأ أو بأن الطائرة التي قامت بالهجوم طائرة عراقية " وقالت المذكرة " إن العملية ستكون أكثر صعوبة قبل تنفيذها ، وسوف تتعرض لمناقشات مطولة حول العواقب الاستراتيجية للقيام بهاإلا أنه وبعد تنفيذها سيدرك العالم أن حجم الإرهاب الإسلامي قد تقلص إلى درجة كبيرة " ونوهت المذكرة إلى أن ردود الفعل في العالمين العربي والإسلامي لن تكون كبيرة خاصة وأن العديد من الحكام لن يسمحوا للجماهير بالتظاهر والخروج إلى الشوارع ، كما وأن المصالح الأمريكية والغربية يمكن حمايتها وتشديد الحراسة عليها " ولم تستبعد المذكرة أن هذه المصالح ستتعرض لبعض المخاطر إلا أنها اعتبرت أن هذه المخاطر ستكون محدودة بالقياس إلى الخطر الإستراتيجي الذي يمثله الإرهاب الإسلامي "ولم لا ؟ أليست تقول الدعاية الصهيونية في تصريحاتها في ( 12 \6\2003 ) وهي تدافع عن ضرب المقاومة الفلسطيينة : إن الفلسطينيين سوف يشكرون إسرائيل فيما بعد على أن خلصتهم منها ؟ هكذا
إنها اليوم حرب صليبية أعلنها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج دبليو بوش في وعي ، أو في زلة لسان كما يقول المثبطون .
إن استيلاء الصهاينة على المسجد الأقصى في حرب 1967 كان هو الخطوة التجريبية الأولى لضرب المسجد الحرام ، والجائزة الكبرى التي قدمها الغرب لإسرائيل ثمنا لتمكينه من مواصلة الزحف إلى مكة ، وهي عملية يتم الإعداد لها الآن تحت ذريعة مؤامرة الإرهاب الذي قام بضرب بعض المباني في مدينة نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وما ضرب العراق إلا غطاء للحرب على الإرهاب وهي الحرب التي تقصد الإسلام في عقر داره في الكعبة ، ومرة أخرى تفلت من الرئيس الأمريكي جورج بوش كلمة في خطابه للاتحاد في أواخر يناير 2003 تبين أن القصة لا يمكن أن تنتهي بضرب العراق ، إذ يعلن أن حربه على العراق إنما هي من أجل حربه على الإرهاب ، ثم يتهم العراق بأنه متحالف مع الإرهاب ، وأنه يمكنه أن يمارس إرهابه بتسريب قاروة من سم الإنتراكس لتهدد العالم بأسره ، إذ كيف إذا كان هذا هو منطق ضرب العراق أن يتم القضاء على هذا النوع من الإرهاب بالقضاء على العراق ؟ إن هذا المنطق يعني أن يستمر انتقاء البلاد الإسلامية لضربها بلدا بلدا مهما حصل من إبادة العراق ، لأن هذه القارورة البوشية سوف تظل مشرعة في الأفق حتى يتم ضرب الهدف الحقيقي، وآنذاك يمكن لهذه القارورة أن تختفي ، ولو نزلت إلى الأرض لأنها لم تكن هي الهدف ، والله أعلم.







التوقيع :
اذا اردت اجابة على سؤال لك ابحث اولا في هذا الرابط ستجد الجواب ان شاء الله
محرك بحث من قوقول خاص في منتدى الدفاع عن السنة

http://tinyurl.com/55wyu5
من مواضيعي في المنتدى
»» باراك أوباما والفائض العراقي
»» رد على الشيعة الرافضة بالعقل و النقل
»» الوجه الاخر للمؤسسة الدينية في النجف كتابات - حمزة الكرعاوي
»» هكذا تفوقت اسرائيل على العرب
»» ايران وحكومة تخدع الشعب
 
قديم 08-09-08, 11:07 AM   رقم المشاركة : 7
معتمد
عضو ينتظر التفعيل





معتمد غير متصل

معتمد is on a distinguished road










التوقيع :
اذا اردت اجابة على سؤال لك ابحث اولا في هذا الرابط ستجد الجواب ان شاء الله
محرك بحث من قوقول خاص في منتدى الدفاع عن السنة

http://tinyurl.com/55wyu5
من مواضيعي في المنتدى
»» مناشدة الدويلة لرئيس الوزراء وقف التسليح الأمريكي للعراق
»» علماؤنا وجماعة الدفاع عن الفئران
»» حزب الدعوة الإسلامي الحقائق الخافية في العراق
»» هل السيتساني نبي مرسل لا يجوز انتقاده
»» العبرة بالمواقف لا بالأصول أو المذاهب
 
قديم 08-09-08, 11:15 AM   رقم المشاركة : 8
معتمد
عضو ينتظر التفعيل





معتمد غير متصل

معتمد is on a distinguished road


مقارنة بين عقائد الطوائف المسيحية

مقارنة بين عقائد الطوائف المسيحية







الصور المرفقة
  
التوقيع :
اذا اردت اجابة على سؤال لك ابحث اولا في هذا الرابط ستجد الجواب ان شاء الله
محرك بحث من قوقول خاص في منتدى الدفاع عن السنة

http://tinyurl.com/55wyu5
من مواضيعي في المنتدى
»» منجزات نظام ولاية الفقيه، قمع و فقر و وباء
»» ملف الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله مع الشيعة الرافضة
»» الحرس الثوري الايراني بدأ عمليات استفزازية وحركات يفتعلها بعد معرفته بوجود امن كويتي
»» أنتم علمانيون فيما أوروبا تصبح دينية العلمانية كمجموعة أكاذيب
»» اذا تمتلك حاسوب دفتري وبه كاميرا عليك الحذر والخبر هذا يهمك
 
قديم 08-09-08, 11:20 AM   رقم المشاركة : 9
معتمد
عضو ينتظر التفعيل





معتمد غير متصل

معتمد is on a distinguished road


لغرض الاطلاع عن فرق النصارى التي لا تؤمن بالتثليث

فرقة الموحدين أو التوحيديين The Unitarians


http://www.ebnmaryam.com/alanajeel/tmheed.htm







التوقيع :
اذا اردت اجابة على سؤال لك ابحث اولا في هذا الرابط ستجد الجواب ان شاء الله
محرك بحث من قوقول خاص في منتدى الدفاع عن السنة

http://tinyurl.com/55wyu5
من مواضيعي في المنتدى
»» نيوزيلندا تحكم بمنهج الرسول واهل بيته ص وحكومتنا ومراجعها العظام يحكمون بمنهج يزيد
»» Is The Bible Corrupted
»» الرد على شبهات روايات ابو هريرة رضي الله عنه
»» الفكر المنهجي عند المحدثين المنهج في زمن الصحابة رضوان الله عليهم
»» من لديه رابط تسجيل الحلقة 17 من الحوار الصريح مع الشكر
 
قديم 08-09-08, 11:28 AM   رقم المشاركة : 10
معتمد
عضو ينتظر التفعيل





معتمد غير متصل

معتمد is on a distinguished road


لغرض الاطلاع عن فرق النصارى التي لا تؤمن بالتثليث

فرقة الموحدين أو التوحيديين The Unitarians


http://www.ebnmaryam.com/alanajeel/tmheed.htm

التوحيدية هي مذهب مسيحي يعتقد بوحدانية الله وترفض التثليث بشكل يتعارض مع المسيحية التقليدية القائلة بالله الواحد في الثالوث (الآب، الابن والروح القدس)، ويؤمن الموحدون بأن ليسوع المسيح سلطة وقوة معنوية وليس إلهية


للموحدين جمعيات ومؤسسات في مختلف أنحاء العالم تجتمع في المجلس الدولي للموحدين و الكونيين، ولا يعتبر الكثير من الموحدين أنفسهم مسيحيين مع أنهم يتشاطرون مع الكنائس المسيحية بعض المعتقدات والقواعد الإيمانية.

وينقسم الموحدون إلى جماعات عديدة، يتركز وجودها في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
من موقع ويكبديا

وهذه وصلة لموقع آخر
http://icuu.net/







التوقيع :
اذا اردت اجابة على سؤال لك ابحث اولا في هذا الرابط ستجد الجواب ان شاء الله
محرك بحث من قوقول خاص في منتدى الدفاع عن السنة

http://tinyurl.com/55wyu5
من مواضيعي في المنتدى
»» خطة انقاذ سوق الاسهم الاميركي ستقيد يد الرئيس المقبل لاميركا باللغة الانجليزية
»» سحابة آسيوية بنية اللون تهدد منطقة الخليج والشرق الأوسط
»» حقيقة الرافضة..هداهم الله إلى القرآن و السنة
»» أقوال العلماء في فرقة الأحباش الضالة
»» ما هي السنة حفظ السنة من المنافقين الايمان و حكم النبي التواتر القطعي الظني
 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:18 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "